
شبكة النبأ: يقول الحكماء ان العقيدة
كالمسمار، كلما زاد الطرق عليه ازداد رسوخا، وما يجري في ليبيا منذ عدة
شهور خير دليل على تلك المقولة، بعد ان أجهد القذافي دون ادنى جدوى في
النيل من ارادة الشعب الثائر، مستخدما كل ما أوتي من أشكال القوة
للتنكيل والترهيب أملا في الحفاظ على عرشه الذي بات لا يتعدى حدود باب
العزيزية.
حيث تنقل تقارير الحرب الدائرة عن اصرار وتحدي لمختلف الشرائح
والطبقات الاجتماعية لنظام القذافي، وسعيها على اسقاط ديكتاتورية
القائمة منذ اربعة عقود طويلة، بالرغم من تكلفة تلك الحرب الضروس ماديا
ومعنويا.
محاربة القذافي
فقد يبدو كيس صغير وكأنه لا يحتوي الا على المكسرات والزبيب لكن
توجد بداخله ورقة مطبوعة من مجموعة أرامل في مصراتة لمقاتلي المعارضة
الذين يحاربون القوات الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي الى الغرب
من المدينة. كتب على الورقة أن نساء مصراتة لا يخفن لان مصراتة تلد
رجالا شجعانا.
وبعد تفجر الانتفاضة على حكم القذافي المستمر منذ أكثر من 40 عاما
في فبراير شباط تمكنت قوة تألفت أساسا من المدنيين في ثالث اكبر المدن
الليبية من اخراج قواته الافضل تسليحا الى خط يبعد نحو 36 كيلومترا الى
الغرب من مصراتة. وبعد أخطاء فادحة ارتكبت في الايام الاولى من القتال
خارج المدينة بدأ المقاتلون يتعلمون كيفية خوض حرب تقليدية بدرجة أكبر.
وعلى الرغم من أن مقاتلي المعارضة تمكنوا من اخراج قوات القذافي من
المدينة فما زالت مصراتة محاصرة كما أن سكانها يدركون جيدا أن العدو
أمامهم والبحر من خلفهم.
وفي ظل مصاعب جمة يحتشد سكان مصراتة معا لتوفير الطعام والملابس
ولرفع الروح المعنوية للمقاتلين وأغلبهم من الشبان الذين يحاربون من
أجلهم.
قالت ايمان الفورتية وهي عضوة في رابطة أرامل مصراتة الحرة التي
تعبيء المواد الغذائية والملابس وغيرها من الامدادات للرجال في الجبهة
مع كتابة تعليقات مختلفة لمساندتهم "نحن نفعل هذا لاننا نريد أن يعلم
شباننا أننا معهم.. نريدهم أن يعلموا أنهم ليسوا وحدهم في مواجهة النار
والرصاص." ويقول مقاتلون على الجبهة ان هذه الرسائل عامل رئيسي في رفع
روحهم المعنوية. بحسب رويترز.
قال محمد تركي وهو مقاتل عمره 18 عاما "عندما فتحت الرسالة وقرأت
العبارة ارتفعت معنوياتي أكثر وأكثر." وتابع "عندما يرفعن روحنا
المعنوية بمثل هذه العبارات نصبح اكثر صلابة ونشاطا في الجبهة."
ويشارك السكان العاديون في هذه الجهود التي يساهم بها المجتمع في
أنحاء المدينة وكذلك ليبيون كانوا يعملون في الخارج وعادوا لبلادهم
للمساعدة ومنهم أطباء يرغبون في علاج الجرحى.
حتى الاثرياء من أصحاب المشاريع التجارية الخاصة في المدينة يساهمون
وبعضهم يقدم المال والعتاد لوحدات المقاتلين. قال محمد رائد رئيس شركة
النسيم للبوظة (الايس كريم) واللبن الزبادي والحليب الرائب "لابد أن
يقوم الجميع بواجبهم كل حسب استطاعته... العدو من أمامنا والبحر من
خلفنا."
يجلب رائد السلاح والمواد الغذائية للمدينة ويقدم الايس كريم واللبن
الزبادي للجنود على الجبهة. ويحصل المقاتلون على الماء البارد والوجبات
المنتظمة من مطبخ ميداني في الجبهة يموله سكان المدينة. وقال رائد "ليس
أمامنا مخرج.. لهذا علينا القتال."
وعلى بعد بضعة كيلومترات من الجبهة الى الغرب من مصراتة يستريح
المقاتلون في محطة للخدمات لاحتساء القهوة أو تناول وجبة خفيفة أو
تغيير الزيت وكلها خدمات مجانية.
قال أبو احمد الذي يدير هذا المشروع مع أحد أصدقائه وأحد أقاربه
بالدفنية الى الغرب من مصراتة "الاشياء التي يقدمها الناس لنا هنا
لنعطيها للثوار أمر مذهل... لم ندفع مقابل أي شيء من تلك الاشياء."
وكتب على الزي الذي يرتديه "مقهى أبطال ثوار مصراتة".
وقبل دقائق توقف رجل يقود شاحنة مليئة بالبطيخ.. وقام المقاتلون
القادمون لتوهم من الجبهة بعد يوم طويل وحار وسط الرمال بحمل أكبر كمية
ممكنة من البطيخ.
وقال أبو أحمد الذي كان يعمل في شركة نفط "لا نعرف حتى أسماء الكثير
منهم... لكن أبناء مصراتة يقدمون انجازات عظيمة."
يساهم الناس بكعك وحلوى وقهوة وماء وعصير للمقهى كل يوم وقال أبو
أحمد انهم يقدمون نحو ألفي فنجان قهوة بالمجان كل يوم. اما محمود
مصراتة فانه يدير الجزء المتعلق بالميكانيكا في هذا المشروع حيث يتبرع
الاهالي بالالات وبالزيوت.
وقال محمود الذي كان رجل أعمال قبل الانتفاضة "نريد أن نبذل قصارى
جهدنا لمساعدة المقاتلين في قضيتهم."
ولابد من تغيير الزيت بشكل دوري على الجبهة لان العربات تعاني من
الحرارة والرمال هناك. وعرف الرجلان نفسيهما باسمين مستعارين قائلين ان
لديهما ممتلكات وأصدقاء في طرابلس ويخشيان عليهم من حكومة القذافي.
وجلس شاب قال ان اسمه محمد يرتشف فنجانا من القهوة ويلتهم قطعة من
الكعك. وقال ان التوقف هنا يساعده على تحمل مصاعب الحرب. وتابع الشاب
الجامعي الذي يبلغ من العمر 20 عاما "أشعر وكأنها راحة بعد اليوم
الدراسي."
وقال اخر ذكر أن اسمه عبد العزيز ان هذه اللفتة من سكان مصراتة رفعت
روحه المعنوية. وتابع "هذا يذكرني دائما بسبب خوضي القتال." وعندما سئل
عما كان يعمل قبل الانتفاضة قال بعد أن أمعن في التفكير "لم أكن أفعل
الكثير" مما أثار ضحك أصدقائه.
وقال أبو أحمد انه يجري البحث عن موقع أقرب الى الجبهة التي تقدمت
ستة كيلومترات في الاسبوع الماضي حتى لا يضطر المقاتلون لقطع مسافة
طويلة لاحتساء القهوة وتغيير الزيت.
وأضاف أن عمال المرافق يعملون على اعادة الكهرباء لمكان أقرب الى
الجبهة. وبينما كان يتحدث هلل المقاتلون المتجمعون عندما رأوا عربة
اصلاح تتجه غربا صوب الجبهة لاعادة الكهرباء. ومضى أبو أحمد يقول "استيقظ
أمر رائع داخل أبناء مصراتة... لم يعودوا خائفين."
معاناة الاطفال
في سياق متصل عندما غادر محمد البالغ من العمر 12 عاما منزله مع
أخيه علي في 20 مارس اذار كان الهدف اعطاء الماء للمقاتلين العطشى في
مكان مجاور كانوا يحاربون فيه قوات الزعيم معمر القذافي. قال محمد "كل
ما كنا نريد القيام به هو مساعدة الثوار."
وبينما كانا في الشارع ضربتهما قذيفة صاروخية. أصيب علي (14 عاما)
بجروح من شظية في ساقه ومعدته وهو الان يمشي بعكازين. بينما فقد محمد
ذراعه اليمنى وابهام يده اليسرى وأصيب بالعمى في عينه اليسرى. كما أصيب
بكسور في ساقه اليمنى وخضع لجراحة ترميمية في ساقه اليسرى.
بدأ حلف شمال الاطلسي حملة قصف جوي في 19 مارس اذار لحماية المدنيين
من القوات الحكومية التي كانت تقمع انتفاضة ضد حكم القذافي المستمر منذ
41 عاما.
تنفي حكومة القذافي تعمد استهداف المدنيين وتقول انها تشن حربا على
عناصر مسلحة ومتشددين من القاعدة. لكن محمد ليس لديه أدنى شك فيمن أطلق
القذيفة ذلك اليوم في مصراتة.
قال بعفوية "كانت ميلشيا القذافي" بينما كان يخضع لجلسات العلاج
العادية في مركز الجزيرة للعلاج الطبيعي. وأضاف "أطلقوا علينا الار.
بي.جي. (قذيفة صاروخية)."
طردت قوات المعارضة في مصراتة قوات القذافي من المدينة والى خط
للجبهة يبعد نحو 36 كيلومترا الى الغرب من ثالث اكبر المدن الليبية.
وهم الان على بعد نحو 10 كيلومترات الى الشرق من زليتن اكبر المدن بين
المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والعاصمة طرابلس.
ومحمد واحد بين الاف من ضحايا القتال في مصراتة وحولها منذ بدء
الانتفاضة. وبسبب نقل الكثيرين الى الخارج للعلاج -ومنهم محمد على سبيل
المثال الذي عولج في تركيا لمدة شهرين قبل العودة لبلده- لم يتضح بعد
الثمن الحقيقي للتحرر من حكم القذافي في مصراتة نتيجة صعوبة الحصول على
البيانات.
لكن ليس هناك شك يذكر بين بعض من يقدمون الرعاية لاطفال مثل محمد في
أنه عند بدء عودة المصابين بأعداد كبيرة فان المدينة ستجد صعوبة في
توفير العلاج المطلوب.
ويقول الطبيب الهادي المودع الذي يرأس مركز الجزيرة ان العاملين
يعالجون حاليا 160 شخصا.
وقال المودع "عندما يعود المزيد من المصابين للوطن لا أعتقد أنه
ستتوفر لدينا الامكانيات أو الفرق اللازمة لعلاجهم... ما من أحد يعلم
متى سيعودون أو عدد من سيعود منهم بالتحديد لكنهم سيحتاجون علاجا لفترة
طويلة... ستكون مشكلة كبيرة بالنسبة لنا."
وليس من السهل الحصول على بيانات في مصراتة ومن أسباب ذلك الفوضى
خلال الايام الاولى من القتال.
لكن طبيبا في المستشفى الميداني التابع لمنظمة انترناشونال مديكال
كوربس قرب خط الجبهة قدم لي احدث أرقام رسمية بالنسبة للمدينة منذ بدء
الانتفاضة في منتصف فبراير شباط مع قول ان البيانات ربما تكون غير
كاملة. وحتى 16 يوليو تموز قتل 813 شخصا في مصراتة وأصيب 7848 وهناك
781 في عداد المفقودين. وكان من الصعب كذلك التحقق من عدد الاطفال بين
هذه الارقام. بحسب رويترز.
قال ديمتريوس موجني في المستشفى التابع لانترناشونال مديكال كوربس "للاسف
ليس هناك الكثير من البيانات المتاحة التي يمكن الاعتماد عليها." وأضاف
موجني ان جزءا من المشكلة هو أن عملية التسجيل في مستشفى الحكمة حتى
أواخر مارس اذار كانت عشوائية لان المستشفى واجه تدفقا كبيرا للحالات
ولم يكن للاطباء خبرة كبيرة بجروح الحروب. وهو يقدر أن بتر الاطراف مثل
نحو 15 في المئة من الحالات في الايام الاولى مقارنة بنحو اثنين في
المئة حاليا.
ومضى موجني يقول "الاطباء هنا لم يكن لديهم الوقت أو الخبرة أو
الامدادات أو المعدات... لهذا كان عدد حالات بتر الاطراف مرتفعا
للغاية."
وقال موجني انه عندما تكون هناك حالة اصابة بجروح متعددة فان من
الملائم اكثر بتر الطرف بينما يحاول الاطباء علاج جروح أكثر خطورة
للمريض.
وذكر موجني أن الفضل في خفض عدد حالات البتر للمستويات الحالية يرجع
على وجه التحديد لاطباء ليبيين محنكين كانوا يعملون في الولايات
المتحدة وكندا والمانيا عادوا لوطنهم للمساعدة.
وليست الاصابات فقط هي ما ستواجهه مصراتة لسنوات لكن أيضا الصدمة
المصاحبة لجروح الحرب.
وبينما كان المودع يقدم العلاج الطبيعي لمحمد في المركز حاول رفع
الضمادات عن الساق اليسرى للفتى لاظهار الندبة الحمراء الكبيرة التي
خلفتها الجراحة الترميمية التي أجريت له في تركيا.
لكن محمد دفع يده وهو يشعر باحباط بالغ ثم صاح في نهاية الامر غضبا
اكثر منه ألما قائلا "كفى.. كفى". ولدى مغادرة المركز أصر محمد على ترك
المقعد المتحرك ثم استدار واستقل سيارة والده دون مساعدة.
بعد ذلك نقل الى مدرسة مجاورة حيث كانت هناك مجموعة من النساء يلعبن
معه بلاي ستيشن في اطار مجموعة تتيح الالعاب ومكان للعب للاطفال
المصابين للاختلاط بالاخرين. لكن هذا اليوم كان مخصصا لمحمد وحده الذي
ظل يرفض باصرار المجيء.
قالت مروة كرمي (19 عاما) وهي طالبة طب وضعت هذا البرنامج ومعها
اختها سلمى (22 عاما) "نواجه صعوبة في اقناع الكثيرين من الاطفال
بالحضور الى هنا... انهم يريدون البقاء في المنزل ولا يريدون الاختلاط
بالناس."
وقالت سلمى وهي طالبة في كلية الاقتصاد ان اطفال مصراتة هم الاكثر
تضررا من الحرب. وتابعت "الكبار مثلي يجدون صعوبة لاننا لم نشهد قبل
ذلك حربا الا على شاشات التلفزيون... ليس في شوارعنا. تخيلوا مدى صعوبة
ذلك على الاطفال."
وسيتعين على مركز جديد للعلاج الطبيعي أسسته كلية التقنية الطبية
التابعة لجامعة مصراتة ومركز الجزيرة تحمل العبء الاكبر عندما يعود
مصابو مصراتة لكن من الصعب تحديد عدد العائدين.
وقال موجني من المستشفى الميداني التابع لانترناشونال مديكال كوربس
"لن نكتشف حجم المشكلة الا مع انتهاء الحرب... حينئذ سنعلم الثمن الذي
دفعه أهل مصراتة."
لعب البلاي ستيشن
من جهة أخرى حين اندلع القتال في ليبيا كان الكثير من الشبان
الموجودين حاليا على الجبهة في مصراتة مولعين بألعاب الكمبيوتر
والهواتف المحمولة حتى أن اهالي المدينة الأكبر سنا لم يخطر ببالهم قط
أن يتحول هؤلاء الى مقاتلين.
يقول محمود السقطري وهو رجل أعمال كَوَن اللواء الاول من فوج المرسى
أحد ألوية المعارضة المسلحة التي تقاتل لانهاء حكم الزعيم الليبي معمر
القذافي الممتد منذ 41 عاما "قبل الانتفاضة كان كل ما يهم هؤلاء الشبان
هو مستحضرات تصفيف الشعر والملابس والموسيقى والهواتف المحمولة والجلوس
في المقاهي ... لكنهم الان يقاتلون ولديهم الارادة للموت من أجل قضية."
ووسط احتجاجات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة أوائل العام
الحالي طالب ابناء مصراتة ومناطق أخرى في ليبيا بالمزيد من الحرية
فأرسل القذافي جنوده لاخماد الاحتجاجات.
وبعد أن فتح هؤلاء الجنود النار على المتظاهرين انتفض ابناء مصراتة
ليردوا في البداية بقنابل البنزين وبنادق الصيد.
ومنذ ذلك الحين انتزع مقاتلو مصراتة السيطرة على ثالث اكبر مدينة في
ليبيا من كتائب القذافي. وبعد ارتكاب أخطاء كلفتهم الكثير من الارواح
شكل هؤلاء المقاتلين جبهة قوية بطول 36 كيلومترا الى الغرب من مصراتة.
وواجه المقاتلون في الاونة الاخيرة جنودا أفضل تدريبا وتقدموا ببطء
تحت قصف مستمر للحفاظ على ذخائرهم حتى لا تنفذ والسيطرة على الاراضي
وتقليل الخسائر البشرية.
ويقف الشبان على بعد نحو عشرة كيلومترات شرقي زليتن اكبر مدينة بين
الدفنية وطرابلس مما يشهد على شجاعتهم.
وقال السقطري قبل زيارة مقاتلي فوج المرسى على الجبهة "انهم
يعاملونني باحترام شديد ... لكن حين أراهم أشعر أنني لا أستحق كل هذا
الاحترام. قبل بضعة أشهر كانوا مدنيين لكنهم الان مستعدون للموت من أجل
حريتهم."
ويمثل صلاح (20 عاما) نموذجا للكثير من الشبان على الجبهة هنا. وكان
طالبا في كلية الطب حين بدأت الانتفاضة. كانت يعيش حياة رغدة ويقضي
الكثير من الوقت في لعب مباريات كرة القدم على البلاي ستيشن.
ويقول عن نتائجه في لعبة البلاي ستيشن "خمسون في المئة الى خمسين في
المئة." وأضاف وهو يجلس وسط مجموعة من الشبان انه من عشاق فريق برشلونة
الاسباني لكرة القدم. ويهز شاب اخر رأسه ويقول انه يحب ريال مدريد في
حين يطرق ثالث برأسه لينظر الى شعار فريق مانشستر يونايتد المنقوش على
حذائه دون أن يقول شيئا.
ويعتزم صلاح العودة الى الجامعة بعد الحرب لانه يريد أن يتخصص في
أمراض القلب. وقال "يجب أولا أن نهزم القذافي... لا يمكن أن نكون
أحرارا في ظل حكمه."
والهواتف المحمولة منتشرة على الجبهة على الرغم من توقف استقبال
الاشارة منذ بدء الانتفاضة.
ويستخدمها مقاتلو المعارضة لالتقاط الصور لبعضهم البعض وتسجيلات
الفيديو للمعركة. ويوزع بعضهم عناوين البريد الالكتروني على الرغم من
أن الانترنت غير متوفرة الا في مناطق قليلة من مصراتة. بحسب رويترز.
وظهر في فوج المرسى مصور فيديو هاو. ويحمل يزيد (23 عاما) وهو طالب
متخصص في علم الاحياء المجهري كاميرا فيديو على الجبهة. وأصيب يزيد
مرتين برصاصة في فخذه الايمن وبشظية في ركبته اليسرى مما يجعل المشي
بالنسبة له مؤلما والركض مستحيلا. وقال وهو يحمل الكاميرا مبتسما "هذه
هي بندقيتي."
وقطع الشبان تحت سن العشرين او فوقها بقليل شوطا كبيرا خلال بضعة
اشهر وهم يرتدون سراويل الجينز والقمصان القطنية وما يتاح لهم من أحذية.
ويمزحون حين تطلق قوات القذافي صواريخ جراد عليهم من على مسافة قريبة
لانها لا تكون فعالة الا اذا أطلقت من على بعد.
لكن على غرار الجنود في أي مكان فان ما يمقتونه هو الهجمات بقذائف
المورتر لانها تضرب على مسافة أقرب من الجبهة وتحدث المزيد من الخسائر
البشرية.
وقال احمد (21 عاما) وهو طالب هندسة يتقاسم خندقا مع صديقين "صواريخ
جراد ليست فيها مشكلة لكنني لا أحب قذائف المورتر." وأضاف "الشظايا
المتطايرة من قذائف المورتر تحدث اصابات كثيرة." وحين يسمع صوت دوي
قذيفة مورتر يكبر الرجال على الجبهة قبل أن تسقط.
وعلى الرغم من المخاوف بشأن المورتر فان جميع الرجال على الجبهة
يوجهون تركيزهم لقضيتهم فيما يبدو. وحين سُئل شاب اسمه علي (21 عاما)
عن أفكاره للمستقبل بعد الصراع هز رأسه وقال "لا يهمني هذا الان. كل ما
أريده هو قتل القذافي." ومنذ تحدث علي الى رويترز أصيب بشظية في ساقه
لكنه عاد الى الجبهة.
وأصبحت الاصابات بالنسبة لمقاتلي المعارضة "أوسمة شرف" حتى ان
الشبان في الوحدة التي يقودها طارق ماضي المصرفي السابق يحرصون على
التباهي باصاباتهم.
وقال ماضي الذي كان مسؤولا عن صناديق الودائع الامنة في فرع بنك
(بي.ان.بي) باريبا بمصراتة قبل تفجر الصراع "معظم الرجال هنا أصيبوا
اكثر من مرة." وتتراوح اعمار معظمهم بين 17 و20 عاما. لكن الاصابة شيء
ومشاهدة الاصدقاء يموتون شيء اخر تماما.
ويتكرر مشهد مجموعات من الشبان يبكون خارج مستشفى الحكمة بمصراتة
بعد مقتل احد زملائهم. وفي المستشفى الميداني الاقرب الى الجبهة كان
شاب مصاب بجروح طفيفة ينتحب بشدة ليس بسبب جروحه وانما على رفيقه الذي
لاقى حتفه الى جواره.
وتستطيع أن ترى اثار هذه الخسائر البشرية على وجوه رجال مثل سفيان
(21 عاما) وهو طالب بكلية الهندسة. وحينما سُئل كيف تكيف مع الحياة على
الجبهة رد سفيان ضاحكا "الحرب ممتعة." لكن الضحكة لم تبلغ عينيه. حين
ينظر اليك تطل عينا رجل طاعن في السن من وجه شاب. وقال "الان وقد بدأنا
يجب أن نصل الى طرابلس... اذا كان القذافي يريد العودة الى مصراتة فعلى
جثثنا." ويشعر الرجال الاكبر سنا في مصراتة مثل محمد (49 عاما)
بالانبهار.
ويقول "لم نتوقع من شباننا أن يقاتلوا بهذه البسالة ... لكنهم أكثر
جرأة منا. ومما كنا نعتقد." |