الثورة الليبية... تكاليف باهظة لحرية منشودة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: مع استمرار القتال في ليبيا تتبلور العديد من الإشكالات السلبية على السكان ومواطني تلك الدولة المنكوبة بنظامها الديكتاتوري المتمسك حتى الرمق الأخير بالسلطة.

وتنوعت إشكال المعاناة المترتبة على إسقاطات الحرب هناك على الواقع المعيشي وطبيعة الخدمات الصحية والحياتية المطلوب توفرها، سيما بعد توقف العديد من مؤسسات الدولة عن ممارسة عملها الطبيعي في تلبية مقومات الحياة.

فنقص الغذاء ومصادر التموين بالإضافة الى الرعاية الصحية المطلوبة بات يشكل هما لدى المجتمعات الليبية، يعزز من تأثيرها غياب الأمن والضرر المباشر وغير المباشر للمعارك القائمة.

مخازن الاسلحة

فقد أصبحت القاعدة العسكرية الزاخرة بصناديق الذخيرة في صحراء شرق ليبيا والتي كانت سرية يوما ما مفتوحة الآن امام من يبحث عن طريقة سهلة للحصول على ذخيرة مجانية.

كانت المنشأة المحاطة بحقل ألغام تخضع من قبل لحراسة مشددة من جانب قوات الزعيم معمر القذافي الى ان فرت هذه القوات عندما تعرض الموقع لضربة جوية من حلف شمال الاطلسي في فترة سابقة من الحرب.

وفي ظل بقاء اغلب مستودعاتها سليمة بات يتردد على القاعدة الواقعة قرب بلدة اجدابيا التي تسيطر عليها المعارضة زوار من نوعيات مختلفة يتراوحون من اللصوص الذين يبحثون على المخلفات المعدنية الى شخصيات اكثر غموضا.

وتتركز مخاوف الغرب على مواقع مهجورة مثل هذه القاعدة حيث يخشى ان يقع مخزون الاسلحة والذخيرة الليبية في ايد خاطئة في وقت تنتعش فيه التجارة العالمية في الاسلحة في السوق السوداء من افريقيا الى امريكا اللاتينية.

ويقول خبراء ان هذا الموقع شأنه شأن عشرات القواعد العسكرية الليبية غير المؤمنة قد يجتذب الجماعات المتشددة وعصابات الجريمة المنظمة. وتستفيد قوات المعارضة من مخزون الاسلحة ايضا لاسيما لصنع اسلحة بدائية لاستخدامها في القتال على الجبهة.

ومجموعات من الرجال يخفون وجوههم خلف أغطية رأس وهم يسرعون بالدخول الى التحصينات لاقتناص الذخيرة. وسرعان ما توارت شاحنتهم الخفيفة عن الانظار لتتخلف عنها سحب من الغبار في جو المكان بعدما حمل الرجال على ظهرها ما لا يقل عن عشرة صناديق من قذائف الدبابات. وكان من المستحيل التحقق من هويتهم. بحسب رويترز.

وقال فريد جراس المدير الميداني بالمجموعة الاستشارية للالغام (ماج) وهي منظمة غير حكومية تعمل لازالة القذائف التي لم تنفجر وتأمين مواقع مثل هذا الموقع "لا احد يحمي هذه المواقع.

وفي مستودع اخر كانت هناك مئات الصناديق الخشبية المخزنة التي تحوي قذائف مدفعية مضادة للدبابات صنعت في الاتحاد السوفيتي في السبعينيات. وكانت بعض الصناديق فارغة.

ومع دخول الحرب الليبية شهرها الخامس يعبر المسؤولون الامريكيون عن قلقهم من تقارير تفيد بأن القاعدة ربما تكون تهرب بالفعل اسلحة من ليبيا ونقلت وزارة الخارجية الامريكية مخاوفها هذه الى المعارضة الليبية.

وقال مسؤول غربي مقيم في المنطقة ان احد المخاوف هو حصول القاعدة على انواع من المتفجرات من مخزونات الاسلحة الليبية. وقال "انها قطعا مبعث قلق."

وقال خبير غربي اخر ان تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي وهو جناح القاعدة في شمال افريقيا ربما يكون قد وضع عينيه بالفعل على بعض المخزونات.

وقال المصدر شريطة عدم الكشف عن هويته "هناك بالقطع خطورة في ان ما يؤخذ (من اسلحة) لا يذهب الى الجبهة. كانت هذه مشكلة ضخمة في العراق حيث استخدمت الذخيرة المنهوبة بشكل مكثف في صنع العبوات الناسفة بالاضافة الى وجودها في اماكن اخرى.

"لا يوجد دليل قوي بعد لكنني سمعت شائعات عن ان القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي لديها بالفعل بعض انظمة الدفاع الجوي التي يحملها الافراد."

وانتج كثير من اسلحة القذافي وذخيرته في مصانع بشرق اوروبا وروسيا. وفي منشأة اجدابيا التي يوجد بها 35 مستودعا وحدها يوجد مئات من الصناديق الخشبية التي تحوي القنابل اليدوية والصواريخ والمتفجرات والذخائر الاخرى.

وتطالب منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان ومقرها الولايات المتحدة المعارضة بحماية مستودعات الذخيرة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

وقالت في ابريل نيسان "مستودعات الاسلحة ربما تنفجر بصورة عارضة اذا نقلت الاسلحة دون اعتناء.

ويقول المجلس الوطني الانتقالي المعارض في معقله الساحلي ببنغازي انه يبذل قصارى جهده لتأمين المواقع الحساسة لكن في ظل الصعوبة التي تواجهها قواته في استعادة زمام المبادرة من قوات القذافي على عدة جبهات فان اولوياته تركز على امور اخرى. وقال مصدر بالمعارضة "نحن نناقش ماذا نفعل بمخزونات الاسلحة. نتمنى استخدامها."

وبالاخذ في الاعتبار ابوابها المفتوحة على مصراعيها وعدم وجود حراس عليها فمن المستحيل قطعا تحديد هوية الزائرين. ويعتقد ان بعض الزائرين ينتمون لعناصر من المعارضة نفسها الذين يبحثون عن ذخيرة لاستخدامها في انتاج اسلحة بدائية الصنع. لكن المعارضين ليس لديهم اسلحة متطورة لذلك فالذخائر الاكثر تطورا في مستودعات القذافي ليست مفيدة بالنسبة لهم.

كما نهب المدنيون الموقع حيث يقومون بجمع المخلفات المعدنية خاصة النحاس والالمونيوم وهما من السلع القيمة في وقت لا تدفع فيه الاجور ويلاقي كثير من الاسر صعوبة في الوفاء باحتياجاتها.

ويبحث اخرون عن الالغام المضادة للمركبات لاستخدام المواد الناسفة في صنع متفجرات بدائية يستخدمها صيادو بنغازي على نطاق واسع لصيد الاسماك.

والخطر الرئيسي بالنسبة للجماعات غير الهادفة للربح التي تعمل لتأمين مثل هذه المواقع هم المدنيون الذين يلقون حتفهم خلال بحثهم بين قطع الذخيرة التي تنفجر فيهم. ويعتقد ان مئات الاشخاص قتلوا في مثل هذه الحوادث منذ بداية الصراع في فبراير شباط.

ويعمل جراس وفريقه وسط مواقع الذخيرة لتطيرها من العتاد الذي لم ينفجر في اطار برنامج اوسع تنسقه الأمم المتحدة.

وقال جراس بينما كان يشير الى طابور لا نهاية له من مستودعات الذخيرة "على شخص ما في حكومة (المعارضة) ان يقرر ماذا (يمكن العمل) في هذا ...هل ربما يتعين علينا تفجيرها كي لا تستولي عليها قوات القذافي... ام هل تكون للجيش المقبل... علينا ان نترقب ونرى."

صدمات حرب

من جهة آخر يتجمع 25 طبيبا وطالبا داخل قاعة في احد مستشفيات مدينة بنغازي عاصمة الثوار الليبيين، يتابعون شريطا يعرض عليهم كيفية تشخيص الصدمات النفسية الناجمة عن النزاعات المسلحة ومعالجتها.

وتبدأ الطبيبة النفسية دارة الهادي درسها في قاعة الصف بشرح بعض المبادئ التي يعرفها الجميع ولو بالفطرة، مثل صعوبة تحمل حالة مطولة من الضغط والاجهاد على كل بشر.

وعانى سكان بنغازي المدينة التي انطلقت منها الثورة الليبية على نظام معمر القذافي، من اطلاق النار على مدى اسابيع سواء برصاص القناصة المرابضين على سطوح المباني او بقذائف القوات الموالية للنظام.

وما زال من الممكن رؤية اثار الحرب في كل مكان فيما تتواصل المعارك على مسافة ثمانين دقيقة فقط من المدينة.

ويتصدى "جيش" من المتمردين معظم عناصره متطوعون شبان لقوات القذافي، تساعدهم في ابقائها على مسافة طائرات الحلف الاطلسي التي تعوض على سوء تجهيزهم وقلة خبرتهم العسكرية.

وتطلب دارة الهادي من طلابها ان يذكروا اسماء بعض اعراض حالات الضغط النفسي فسرعان ما تردها الاجوبة مترددة احيانا: ارق، تعب، كوابيس، سلوك عنيف، بكاء...

تتولى الهادي وزملاؤها من منظمة الهيئة الطبية العالمية تدريب معلمين واطباء نفسيين وعاملين اجتماعيين ايضا، وهم معنيون بالدرجة الاولى بهذه المشكلة.

وتقول "هؤلاء الاشخاص يهتمون او سوف يهتمون لاحقا بناجين" من اعمال العنف وتضيف "يجب ان تكون لديهم كمية من المعلومات الاساسية. كيف يتعرفون الى بوادر الضغط النفسي وكيف يعرفون متى يصبح من الضروري الحصول على مساعدة اختصاصي".

وتوضح "هذا مفيد لهم ايضا لانهم يعيشون الوضع نفسه". وتشير الى انه يتم الاهتمام بشكل خاص بحالات الضغط لدى الاطفال.

وتظهر اعراض الصدمة على بعض الاطباء بعدما اضطروا الى التعايش مع الفوضى التي تلت طرد قوات القذافي والعمل في ظلها، وهم يجدون التعامل مع ذكريات هذه المرحلة اصعب من معالجة مرضى اصيبوا بتشوهات او بجروح بالغة نتيجة اطلاق نار.

واوضحت مجموعة اطباء في مستشفى الجلاء ان عواقب الوضع الفوضوي في بنغازي كانت بالغة الشدة عليهم.

ويروون من جملة ما يروونه، كيف قام مسلح مرة باعدام جريح في وحدة العناية الفائقة، فيما وقفوا عاجزين عن التصدي له.

المعارضة في الجبهة

في السياق ذاته يتكون مستشفى بئر عياد الميداني من غرفة واحدة دون كهرباء في مقهى جانبي سابق قرب خط الجبهة في منطقة الجبل الغربي بليبيا. وهو يختلف كثيرا عن المركز الطبي الكندي الذي يعمل فيه أبو عبد الله عادة رئيسا لقسم امراض القلب. فلننس كل شيء عن التدريب المتقدم الذي حصل عليه في مجال أمراض القلب.

اذ يعالج هنا هذا الطبيب الكندي من أصل ليبي والبالغ من العمر 39 عاما المصابين بالصدمة باستخدام مهارات تعلمها في الكلية.

وقال "كنت أشاهد الاخبار وقررت أن من الضروري أن احضر للمساعدة... أنا فخور أن اكون كنديا وكذلك ليبيا. لم أشعر بالفخر لكوني ليبيا قبل الان. لم نشعر بهذه الحرية التي نشعر بها الان."

يوجد في المستشفى ثلاثة أسرة فقط وأدوية أساسية وسيارة اسعاف متوقفة في الخارج. وأقيم المستشفى بعد معركة كبيرة في مكان مجاور ومن المتوقع نشوب قتال ضار في الجبهة المجاورة ويتوقع الاطباء وصول المزيد من الجرحى قريبا.

ينقل المقاتلون المصابون من الجبهة كي تجرى لهم الاسعافات اللازمة قبل نقلهم الى أقرب مستشفى به خدمات كاملة في الزنتان. بحسب رويترز.

وهذه هي ثالث رحلة لابو عبد الله الى ليبيا. وتمكن في كل مرة من أخذ عطلة مدتها ما بين أسبوعين أو ثلاثة من خلال تبديل نوبات العمل مع زملائه في كندا.

وعندما يحين وقت سفره يستقل أقرب طائرة ويتوجه الى مكان عمله على الفور في اليوم التالي.

طلب عدم الكشف عن اسمه كاملا وعن المستشفى الذي يعمل به في كندا لحماية أقاربه الذين ما زالوا موجودين في المناطق التي يسيطر عليها القذافي في ليبيا.

ويمكن العثور على الليبيين المغتربين في أنحاء المناطق التي تسيطر عليها المعارضة فهم يعودون للمساعدة في الانتفاضة المستمرة منذ خمسة أشهر ضد الزعيم الليبي.

وقال العقيد جمعة ابراهيم وهو المتحدث باسم قوات المعارضة في منطقة الجبل الغربي ان وصول ليبيين من الخارج الى خطوط الجبهة والكثير منهم من المهنيين من الطبقة الوسطى كان مصدر الهام للمقاتلين.

وقال انهم اتصلوا به عبر الانترنت من كندا ومن انجلترا. وأضاف أنهم تركوا وراءهم الحياة المريحة وانه في بعض الاحيان لم يكن هناك أماكن للنوم أو طعام. ومضى يقول انهم يحضرون الى هذا المكان وهم لا يعرفون أحدا.

وأقيم المستشفى الميداني في بئر عياد قبل اسبوع وهو من بنات أفكار أبو أحمد وهو جراح عظام عاد الى ليبيا قبل ثلاثة أشهر تاركا زوجته وابنه في بيتسبرج ببنسلفانيا. كما طلب عدم نشر اسمه كاملا.

كان من أسباب قراره بالعودة هو القمع الوحشي الذي قام به القذافي ضد المحتجين في الزاوية الذي شهد بعضا من أعنف مظاهر القمع للمتظاهرين في الايام الاولى للانتفاضة.

ألقي القبض على بعض أصدقائه وأفراد أسرته وما زال بعضهم مختبئا. واختبأ شقيقه وهو طبيب لمدة أربعة أشهر قبل أن ينجح في الفرار من ليبيا في نهاية الامر.

وتمكن أبو أحمد الذي كان يتطوع في مستشفى بالزنتان من جمع المعدات اللازمة لاقامة المستشفى الميداني لمساعدة المقاتلين الذين يتمنى أن يتمكنوا قريبا من الزحف الى الزاوية.

ومضى يقول "نقوم بالاسعافات الاولية فقط. ليس لدينا كهرباء بعد. أغلب الادوية تحتاج حرارة منخفصة. الحرارة هنا 40 درجة مئوية في الصيف."

ومن الصعب عليه أن يبتعد عن زوجته وهو يتحدث اليها عبر الانترنت عندما يتسنى له ذلك. وأضافت "انها دائما تبكي لي. عد.. عد."

كما أن أبو عبد الله الطبيب القادم من كندا من قرية تقع على الجانب الاخر من الجبهة. وكانت عودته لوطنه تمثل فرحة كبرى. وقال "اليوم توجهت الى الجبهة والتقيت بزميلي في الدراسة الذي لم أره منذ 20 عاما... شيء مذهل."

تشاد

من جانب آخر تواجه الأسر التشادية تفاقماً في انعدام الأمن الغذائي في الوقت الذي زادت فيه ديونها وبدأت ببيع ممتلكاتها الشخصية في محاولة للتعامل مع فقدان التحويلات المالية من الأقارب الذين عادوا إلى بلادهم من ليبيا.

فقد انخفضت التحويلات المالية، التي كانت ترد إلى نصف الأسر في منطقتي كانم وبحر الغزال في غرب وجنوب غرب تشاد، بنسبة 57 بالمائة، وفقاً لمسح أجرته منظمتا أوكسفام والعمل ضد الجوع غير الحكوميتين. وكانت كل أسرة تتلقى في المتوسط 220 دولاراً شهرياً.

كما خفضت معظم الأسر في كلتا المنطقتين عدد الوجبات التي تتناولها، في حين يتناول 70 بالمائة منها أطعمة ذات قيمة غذائية أقل ويلجأ ما يقل قليلاً عن ثلث الأسر إلى الأطعمة البرية مثل أوراق الشجر والتوت.

واضطرت واحدة من كل خمس أسر تمت مقابلتها إلى بيع ممتلكاتها لجمع المال، في حين قالت معظمها أنها اضطرت للاقتراض حتى تتمكن من تدبر أمورها.

في الوقت نفسه، تكافح الأسر لاطعام أفرادها العائدين من ليبيا، حيث عاد حوالي 43,000 مهاجر في شاحنات من ليبيا إلى تشاد خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وفقاً لكريغ ميرفي، مسؤول العمليات في المنظمة الدولية للهجرة. وقد زاد حجم الأسرة الواحدة في بحر الغزال إلى نحو 13 شخصاً، وفقاً للدراسة التي أجرتها منظمتا أوكسفام والعمل ضد الجوع.

وقال فيليب كونرو، رئيس عمليات أوكسفام الإنسانية في غرب إفريقيا، أن "هؤلاء الأشخاص عائدون إلى ديارهم في مناطق تعاني بالفعل من انعدام الأمن الغذائي حتى في غياب أية أزمة... إنهم بحاجة إلى الغذاء والماء وأساسيات الحياة لتدبر أمورهم".

ويعاني الناس في منطقة الساحل من انعدام الأمن الغذائي المزمن، ففي عام 2010، كان نحو 10 ملايين شخص عرضة للجوع بسبب ضعف المحاصيل والجفاف الذي طال أمده، كما عانى واحد من كل خمسة أطفال تقريباً من سوء التغذية المزمن، و5 بالمائة من الأطفال من سوء التغذية الشديد، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

كما أن عدداً قليل جداً من الأسر بدأ في البحث عن مصادر جديدة للدخل، كالتسول وإرسال الأطفال إلى العمل والسفر إلى بلدات ومدن أخرى بحثاً عن وظيفة وحصاد المحاصيل في وقت مبكر، وفقاً لمنظمة العمل ضد الجوع وأوكسفام.

ويحاول العديد من العائدين العثور على أي عمل ممكن. ومن هؤلاء موسى* البالغ من العمر 17 عاماً، الذي عاد لتوه إلى فايا، أكبر مدينة في شمال تشاد، بعد أن كان يعمل في مزرعة في ليبيا. وأخبر موسى المنظمة الدولية للهجرة أنه يحاول العثور على عمل في منجم للملح بعد عودته إلى وطنه.

ويؤثر سوء التغذية المزمن على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات بشكل خاص وتشمل أعراض سوء التغذية المزمن القصير الأجل بين الأطفال تعثر النمو وفقدان الوزن، ويصاحب ذلك نقص في المغذيات الدقيقة. وترتبط الآثار الطويلة الأمد بضعف النمو البدني والعقلي.

وتساعد بعض المنظمات - بما في ذلك المنظمة الدولية للهجرة ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي واليونيسف والمنظمات غير الحكومية مثل منظمة أوكسفام واللجنة الدولية للإنقاذ – في تقديم الغذاء والدواء والماء للعائدين في مراكز العبور والمدن الكبرى مثل فايا. وأفاد توماس كارينجيرا، منسق برنامج منظمة الصحة العالمية أنه سيتم تقديم الدعم الغذائي، الذي يعتبر حاجة ملحة، في وقت قريب.

كما وصل الكثير من المهاجرين المصابين بالحصبة، مما أدى إلى إطلاق اللجنة الدولية للإنقاذ ومنظمة الصحة العالمية واليونيسف حملات تطعيم للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر و15 سنة، وسيتم قريباً تدشين حملة وطنية للتطعيم ضد الحصبة من أجل احتواء انتشار المرض. وحتى 19 يونيو، كان هناك 5,311 مصاباً بالحصبة في 20 إقليماً من أقاليم البلاد الـ 22 منذ بداية السنة، وحدثت 63 حالة وفاة حتى الآن، وفقاً لوزارة الصحة التشادية.

وقال فيلكس ليجيه، المدير القُطري للجنة الدولية للإنقاذ في تشاد، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نحن نقوم بتطعيم الأطفال بمجرد وصولهم إلى مراكز العبور حتى لا ينتشر المرض أكثر". ويصل العديد من المهاجرين في حالة إعياء شديد وهم يعانون من سوء تغذية وجفاف، مما يزيد من تعرضهم لخطر الإصابة بهذا المرض.

وتدرس أوكسفام اقتراحاً بتوزيع أموال نقدية على الأسر الضعيفة، ولكنها تحتاج أولاً إلى التأكد مما إذا كان لدى التجار القدرة الكافية على تزويد الأسواق بالإمدادات. غير أن الأموال النقدية لا تفيد الأسواق الهشة، حيث قال كونرو لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نريد أن نكون في وضع يؤدي فيه توزيع الأموال النقدية إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي يصبح من لا يمتلكون النقود غير قادرين على تحمل الأسعار المرتفعة. فقد يكون لذلك آثار ضارة". ويمتلك 46 بالمائة فقط من التجار في كانم وبحر الغزال مخزونات تكفي لمدة شهرين، وفقاً لأبحاثهم.

وقد ارتفعت أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، ففي ماو عاصمة كانم، ارتفع سعر القمح المستورد بنسبة 43 بالمائة في أبريل 2011، مقارنة مع نفس الشهر من عام 2010؛ بينما ارتفع سعر زيت الفول السوداني بنسبة 44 بالمائة والأرز بنسبة 6 بالمائة، في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار الدخن.

ولا يزال من غير الواضح عدد المواطنين التشاديين المرجح عودتهم من ليبيا، كما أفاد ميرفي المسؤول بالمنظمة الدولية للهجرة، الذي يقدر عدد التشاديين الباقين هناك بعشرات الآلاف. وعلى الرغم من انخفاض عدد العائدين في الأسابيع الاخيرة، "ولكن قد تكون هذه مجرد فترة هدوء،" على حد قوله.

وأخبر المهاجرون الذين وصلوا مؤخراً المنظمة الدولية للهجرة أنهم اضطروا للمغادرة ليس فقط لاستمرار القتال وعدم الاستقرار، بل بسبب فقدان فرص العمل والخوف من التعرض للاضطهاد كذلك. وقد وردت تقارير تفيد بتوظيف مقاتلين من الساحل في وقت مبكر لدعم العقيد القذافي، مما أدى إلى انتشار مخاوف في أوساط المهاجرين من استهدافهم.

وقال ميرفي أن بعض المهاجرين قد يخططون للعودة إلى ليبيا بمجرد توقف القتال. وأضاف أن هذا قد يكون السبب وراء ترك الشاحنات للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل على الطريق في زواركي بالقرب من الحدود مع النيجر.

وقال كونرو أن على الجهات المانحة والمنظمات الإنسانية مضاعفة جهودها، حيث قال: "إذا اضطر المزيد من المهاجرين إلى مغادرة ليبيا، ووصلوا إلى منطقة الساحل الضعيفة، فستصبح قدرة الأسر على تدبر أمورها في خطر كبير. هناك عدد قليل جداً من الجهات الفاعلة في المجتمع الدولي على بينة من هذا الوضع؛ فأنظار الجميع مسلطة على الجانب الليبي من الحدود، ولكن يجب أن تنظر جهات أكثر إلى الوضع في مالي والنيجر وتشاد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/تموز/2011 - 19/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م