من يبتلع العراق... أمريكا أم ايران؟

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: لا شك ان ملف انسحاب القوات الامريكية من العراق أصبح أكثر تعقيدا، واعتُبر مدخلا إلى السلم والاستقرار... لكن الانسحاب لم يكن واقعياً، ولم يكن موضع إجماع، وتفاوتت المواقف بين القوى السياسية، مما وضع العراقيين امام عدة تساؤلات من اهمها تدخلات دول الجوار الذي قد يسبب ارباكا أكثر للولايات المتحدة وخصوصا مع وجود ايران التي تعسى لفرض وجودها في حين ان اصرار الولايات المتحدة على الانسحاب من العراق يعد مقامرة قد تجعل من ايران قوة كبيرة في الملف العراقي مستقبلا.

لكن أهم سمات السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما هي التناقض، حيث تتبع نمطا لينا ومهادنا في التعامل مع الدكتاتوريات والأعداء الأقوياء مثل روسيا والصين وفنزويلا، إلا أنها تتبع أسلوبا فظا في التعامل عندما يكون مع الحلفاء والتوابع.

تجسد آخر مثال على ذلك الأسبوع الماضي في العراق، حيث تنخرط الولايات المتحدة في منافسة معقدة وذات تبعات خطيرة مع إيران. وفي ضوء الجدل الدائر بشأن احتمال طلب الحكومة العراقية بقاء جزء من القوات الأميركية في العراق، يبرز السؤال الأهم: هل سيجد العراق نفسه تابعا لإيران إذا ما انسحبت القوات الأميركية بالكامل؟

فان ذلك الافتراض إذا حدث فإنه سيضيّع جهودا أميركية ضخمة بذلت في العراق استثمر فيها المال والدم، كما أنه سيمثل ضربة موجعة لصورة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.

يقول الكاتب والمحلل السياسي جاكسون دايهل في صحيفة واشنطن تايمز الأميركية واصفا ورغم أن الإدارة الأميركية أوضحت بجلاء أنها لا تمانع في بقاء جزء من القوات بعد الموعد النهائي للانسحاب، فإن حمل الإدارة العراقية المتشرذمة والمتعددة الأقطاب على اتخاذ قرار كهذا يتطلب قدرا عاليا من الصبر والدهاء والمرونة وحتى الرقة في التعامل. وكانت تلك صفات طريقة تعامل إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش عندما صاغت مع العراقيين الاتفاقية الإستراتيجية قبل مغادرة بوش الرئاسة عام 2008، وكانت تلك الطريقة التي تعامل بها جوزيف بايدن -نائب الرئيس الحالي- للتوصل إلى اتفاقية لتقاسم السلطة بعد الخلاف الذي نشب عقب انتخابات مارس/آذار 2010.

لذلك كان من المفزع أن نسمع وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا وهو يقول من بغداد التي زارها الأسبوع الماضي اللعنة، اتخِذوا قرارا.

ويعتقد محللون سياسيون إن نبرة تلك العبارة والتصريحات الأخرى المتعلقة بنفس الموضوع، تدل على أن أوباما وكبار مساعديه يظنون أنهم يؤدون خدمة للعراقيين بمنحهم فرصة الإبقاء على جزء من القوات الأميركية، ولا يدركون أن بقاء ذلك الجزء من القوات هو أمر حيوي للمصالح الأميركية.

ويقول الكاتب إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يدرك جيدا أنه بدون القوات الأميركية فإن بلاده لن تكون قادرة على حماية نفسها من جارها الفارسي.

من جهة أخرى بدأت مجاميع مسلحة بتصعيد هجماتها مستخدمة أسلحة صواريخ متقدمة وقنابل تزرع على قارعة الطريق، وبدون القوات الأميركية لن تستطيع القوات العراقية مواجهة تلك المجاميع بسهولة.

المالكي لم يحسم موضوع طلب بقاء جزء من القوات الأميركية بعد الانسحاب النهائي ففي هذا المجال وجهة نظر من زاوية أخرى جاءت في تقرير للباحث فريدريك كاغان من معهد أميركان إنتربرايز حيث يقول إذا سمح المالكي للقوات الأميركية بمغادرة العراق فإنه بالنتيجة يعلن نيته للمضي في تنفيذ رغبات إيران، وأن يّخضِعَ سياسة العراق الخارجية للفرس، وربما لتكريس سلطته كحاكم عصري لولاية فارسية في بغداد.

كما يمكن للعراق أن يلجأ إلى استخدام موارده النفطية الضخمة في بناء قواته المسلحة والجوية لتصبح ندا لنظيرتها الإيرانية، ولكن أيا من الاحتمالات الواردة لها تبعات من وجه آخر وهو أنها ستجعل السعودية ودول الخليج العربي تشعر بتهديد إستراتيجي لأمنها.

ورغم أن معظم المراقبين للوضع في العراق يعتقدون أن المالكي يميل إلى إبقاء جزء من القوات الأميركية ولكن إلى جانب العادة العراقية بتأجيل القرارات الفاصلة إلى آخر لحظة، فإن هناك عقبة مقتدى الصدر التابع لإيران الذي يعتمد عليه المالكي للبقاء في السلطة، والذي يهدد بضرب القوات الأميركية إذا بقيت في العراق. كما أن نشاط المليشيات الدائر حاليا يثبت أن إيران مستعدة للقتال.

لكن الكاتب يعود ويقول إن هناك من يعتقد بأن خطر إيران مبالغ به من قبل محللين وباحثين مثل كاغان، وينقل عن أنتوني بلينكين -المستشار الرفيع المستوى لنائب الرئيس بايدن- قوله له بصفة شخصية إن إيران تعاني من صعوبات اقتصادية، والصراع الدائر بين قياداتها قد قوض قدرتها على اتخاذ قرارات تتعلق بسياستها الخارجية والداخلية، كما إن الانتفاضة ضد النظام السوري قد هزت ثقة طهران بنفسها وبوضعها في المنطقة.

من جهة أخرى يرى بلينكن أن المالكي يدرك أن العراقيين لن يستسيغوا دمية فارسية تحكمهم، كما أن مغادرة القوات الأميركية للعراق لن يعني انتهاء الدور الأميركي، فستظل هناك بعثة دبلوماسية قوية ومجموعة تنسيق عسكري متمركزة في السفارة وإلى جانب مبيعات السلاح المستمرة للعراق سوف يستمر النفوذ الأميركي في العراق.

وللاستذكار فان وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس يعد المسؤول الوحيد من إدارة أوباما الذي قام بطرح مسألة أهمية بقاء القوات الأميركية في العراق علنا عندما قال في كلمة له إن بقاء القوات سيكون رسالة قوية إلى المنطقة بأننا لسنا ذاهبين وسنستمر في لعب دورنا. وهنا فأن بقاء القوات سيكون تذكيرا لإيران وتطمينا لدول الخليج وهذا شيء جيد.

لا شك أن حسابات الأطراف السياسية قد تلتقي نظرياً عند تفضيل بقاء جزء من القوات، لكنها ستتراشق الكرة الملتهبة ريثما ينضج قرار بـ تفاهمات إقليمية، فالجوار العراقي يخشى، على اختلاف مقارباته، تداعيات الانسحاب والمسؤوليات التي سيخلفها له.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/تموز/2011 - 19/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م