
شبكة النبأ: اشتركت باكستان وكوريا
الشمالية على مدى عقود في مقايضة سرية: فقد حصل الجيش الباكستاني على
صواريخ من كوريا الشمالية فيما حصلت بيونغ يانغ، كجزء من الاتفاق، على
إمكانية الوصول إلى أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم من باكستان.
والآن، ظهرت تفاصيل جديدة تكشف كيف أن المال سهّل هذه العلاقة. فقد
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" معلومات جديدة في السابع من تموز/يوليو،
نسبتها لي، بأن مسؤولين كبار في كوريا الشمالية قدموا رشوة إلى
المسؤولين في الجيش الباكستاني تزيد عن 3 ملايين دولار مقابل التقنية
النووية.
وهذا الكشف يوفر معلومات جديدة حول كيفية انتشار أسرار الأسلحة
النووية في جميع أنحاء العالم -- ويوفر نظرة فريدة عن العواقب الوخيمة
للدور "المغامر" للمملكة المغلقة في الشؤون العالمية. بحسب معهد واشنطن
لسياسة الشرق الأدنى.
وتتلخص القصة فيما يلي: زودني مؤسس برنامج باكستان للأسلحة النووية،
عبد القدير خان، بـ "خطاب" كُتب في عام 1998 من قبل مسؤول كوري رفيع
المستوى، أوضح فيه تفاصيل مدفوعات نقدية ومجوهرات كان الهدف منها أن
تُعطى إلى اثنين من الجنرالات الباكستانيين مقابل الحصول على المعرفة
النووية.
كما أن خان، الذي أتراسل معه منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي،
زودني أيضاً بقصة مكتوبة تصف كيف أنه سلم شخصياً المال إلى أحد
الجنرالات. وفي حين أن المسؤولين الباكستانيين يدّعون أن الخطاب مزور،
قال كبار المسؤولين الأمريكيين والمسؤول السابق في "الوكالة الدولية
للطاقة الذرية" المسؤول عن التحقيق مع خان إن المستندات تتوافق مع
فهمهم للفساد الذي أثار المساعدات الجوهرية التي قدمتها باكستان إلى
برنامج كوريا الشمالية للأسلحة النووية.
لكن المسألة الأكبر حول سبب حماس كوريا الشمالية الشديد بشأن الحصول
على التكنولوجيا النووية ومن ثم تصديرها لا يزال بدون إجابة. فما الذي
دفع كوريا الشمالية وفقاً لما أوردته التقارير إلى بناء مفاعل نووي
لإنتاج البلوتونيوم لسوريا -- وهو مشروع دمرته الطائرات النفاثة
الإسرائيلية في عام 2007؟ لماذا باعت بيونغ يانغ صواريخ إلى إيران
وربما تساعد الجمهورية الإسلامية أيضاً في برنامجها النووي -- وهو ما
يُحتمل أن يشمل تقنية تخصيب اليورانيوم " پي 2 " التي كشفت عنها العام
الماضي؟
لا يتعين أن تكون متخصصاً في شؤون شرق آسيا، أو من أتباع أيديولوجية
" زوتشيه " القائمة على الاعتماد على النفس، لمعرفة الجواب. فالأمر
بسيط للغاية: إنه المال. فقد يذهب الدبلوماسيون الأمريكيون لإشغال
مناصب في الخارج عازمين على "بناء وتعزيز عالم أكثر ديمقراطية وأمناً
وازدهاراً"، وفقاً للمهمة المعلنة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية،
لكن نظراءهم الكوريين الشماليين يذهبون من أجل كسب المال. وفي الواقع،
عليهم أن يفعلوا ذلك. ويعود هذا بصورة جزئية إلى عقيدتهم الوطنية،
وجزئياً إلى الضرورة العملية. ولا يتعلق الأمر فقط بدعم احتياطات بيونغ
يانغ من العملات الأجنبية.
وأتذكر -- عندما كنت أعيش في باكستان كمراسل لشبكة "بي بي سي"
و"فاينانشال تايمز" في عام 1978 -- محادثة أجريتها مع دبلوماسي أمريكي
في السفارة الأمريكية في إسلام أباد قبل وصول نائب رئيس كوريا الشمالية
باك سونغ تشول في زيارة رسمية. وقد سألت الدبلوماسي، الذي كان يتمتع
بروح دعابة شيطانية، عن السؤال الجيد الذي يمكن طرحه للمسؤولين
الباكستانيين حول كوريا الشمالية.
قال، لماذا لا تسأل عما إذا كانت كوريا الشمالية ستجد وسيلة أخرى
لتمويل سفارتها؟" موضحاً أن بيونغ يانغ لم تمنح سفارتها مالاً كافياً
لمزاولة عملها. وبدلاً من ذلك، يشتري دبلوماسيوها الكحول المعفي من
الرسوم الجمركية من المتاجر المخصصة للدبلوماسيين، ثم يبيعونه بربح
كبير في السوق السوداء المحلية.
كانت إسلام أباد، كعاصمة لدولة إسلامية، جافة -- لكنها كانت متعطشة
أيضاً. كما أن مخطط التهريب الذي مارسه دبلوماسيو كوريا الشمالية كان
عملاً مربحاً للغاية. وهو ما جعل الحكومة الباكستانية تُصاب بالجنون،
لكن كان هناك القليل التي يمكنها فعله. فقد كانت كوريا الشمالية مزوداً
هاماً للمدفعية والذخائر للجيش الباكستاني.
ولم تتُح لي فرصة لطرح سؤال للمسؤولين الباكستانيين حول ذلك إلا بعد
نحو 20 عاماً، وذلك خلال زيارة قمت بها إلى إسلام أباد في صيف عام
1998. وقبل وصولي مباشرة، نُشرت أخبار مثيرة للفضول في الصحافة الدولية
مفادها ما يلي: أن زوجة دبلوماسي من كوريا الشمالية، الجنرال كانغ تاي
يون، قد أُطلق عليها الرصاص ولاقت حتفها في إسلام أباد، على ما يبدو عن
طريق الخطأ، وذلك من قبل خادم أحد الجيران. (وكان نقل الجثة إلى الوطن
هو ما تمت الإشارة إليه في الخطاب الذي نُشر في 7 تموز/يوليو في صحيفة
"واشنطن بوست"). وفي محادثة مع مسؤول باكستاني كبير، أثناء محاولة
التحقيق في الخبر، تذكرت الحكاية الطريفة بشأن كيفية تمويل الكوريين
الشماليين لسفارة بلدهم. وقد ابتسم المسؤول آسفاً وتمتم قائلاً: "لا
زالوا يفعلون ذلك".
إن الخبر الحدسي الأكثر ذكراً حول سبب مقتل السيدة كانغ يُشير إلى
أن "جهاز المخابرات الباكستاني"، وهو وكالة التجسس التي يُخشى منها في
البلاد، قام بإعداد العملية لأنه ظن أنها تُفشي معلومات بشأن جهات
اتصال بين باكستان وكوريا الشمالية إلى وكالات استخبارات غربية. لكن من
الواضح أن مسؤول كوريا الشمالية جون بيونغ-هو، الذي كتب الخطاب، قد
اعتقد أن الهدف الحقيقي كان السيد كانغ -- وهو رسمياً المستشار
الاقتصادي لكوريا الشمالية في إسلام أباد، لكنه في الواقع منسق بيونغ
يانغ للتعاون النووي والصاروخي، والذي عمل بشكل وثيق مع عبد القدير خان.
ووفقاً لما ذكره خان، كان الدبلوماسي كانغ وزوجته يسيران من ممر
بيتهما، عندما بدأ هاتف المنزل في الرنين. وقد هرع كانغ لتلقي المكالمة
بينما سمع دوي رصاص. ولم يُصب كانغ، لكن زوجته أُمطرت بوابل من الرصاص
وأصيبت بجروح قاتلة.
وقد وجد تحقيق أجراه الجيش الباكستاني أن الرصاصة أطلقها طباخ
الجيران "عن طريق الخطأ"، حيث كان يُمسك بمسدس الحارس المسلح لأحد
الجيران. (لقد كان منزل كانغ يقع في حي جميل بإسلام أباد، وكانت الديار
الأنيقة المجاورة مستأجرة لمسؤولي مبيعات تنفيذيين في الجيش الصيني إلى
جانب دبلوماسي ياباني. وعادة ما يعمل العديد من الخدم والطهاة في تلك
المنازل، إلى جانب حارس على البوابة). لكن لماذا كان كانغ الهدف
الحقيقي؟ ربما أصابه الجشع: يجب عدم استبعاد احتمالية أن كانغ كان يدير
أعمالاً تجارية في إسلام أباد، وأزعج أو نسي أن يدفع أجور الأشخاص
المناسبين.
لكن ربما لم يكون الويسكي وراء لعبة كانغ. فقد أخبرني خان أن كانغ
تورط في عام 1997، في محاولة واحدة لشراء ما يسمى بالفولاذ المقوى
بالنيكل من روسيا، وهي مادة حيوية لصنع أجهزة الطرد المركزي لتخصيب [اليورانيوم]،
لا سيما من نوع "پي 2" الذي لاحظه العلماء الأمريكيون مؤخراً عند
زيارتهم لكوريا الشمالية. وقد أُرسلت عينة من الفولاذ إلى كانغ في
باكستان، لكن تم شحنها عبر الخطوط الجوية البريطانية، وليس من المدهش
أن احتجزتها السلطات البريطانية. وفي أوائل 1998، وفقاً لما ذكره خان
مرة أخرى، حاول كانغ شراء مواد إضافية عالية التقنية لم يكشف عنها من
روسيا.
وعلى غرار دبلوماسيي كوريا الشمالية الذين ملؤوا جيوبهم بإدارة
أعمال تهريب الخمور من داخل السفارة في إسلام أباد، ربما لم تكن دوافع
كانغ وطنية. لقد أُخبرت بأنه كان يحاول جني الأرباح من المعاملات من
أجل تمويل دراسة ابنه. وقد قام القائد الأعلى لكوريا الشمالية كيم جونغ
إيل بتوفير التعليم لنجله في سويسرا، ويبدو أن كانغ اعتقد أن ابنه
يستحق الأمر ذاته. إن فلسفة "زوتشيه" القائمة على الاعتماد على النفس
ربما يكون الهدف منها هو حماية المملكة المغلقة، لكن وفقاً لما تثبته
تجربة مسؤولي كوريا الشمالية وأولئك الذين تم اكتشافهم في خط النيران
في باكستان، فإنها أيضاً ذريعة جيدة للقيام بعملية قتل.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |