تونس... هشاشة الأمن ومخاطر انهيار النظام الديمقراطي

 

شبكة النبأ: تكافح الحكومة المؤقتة في تونس لإعادة الاستقرار الأمني والهدوء للبلاد التي تستعد لإجراء أول انتخابات بعد الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في 14 من يناير كانون الثاني الماضي.

ومنذ فرار الرئيس التونسي السابق بن علي في 14 يناير كانون الماضي الى السعودية تدهورت الأوضاع الأمنية في البلاد بشكل غير مسبوق، ولا يزال الوضع الأمني هشا في عدة مناطق من البلاد.

فرض حظر التجول

فقد قال سكان ووسائل الاعلام الحكومية ان الجنود التونسيين اطلقوا النار في الهواء لفض اشتباكات بين مئات من الشبان في بلدة قفصة في جنوب تونس. وقالت الاذاعة التونسية الوطنية ان السلطات فرضت بعد ذلك حظر التجول ليلا في المدينة.

وقال احد السكان المحليين "وقعت اشتباكات في سوق الفجر وحي النور واطلقت قوات الامن الغاز المسيل للدموع خلال الاشتباكات بين مئات من الشبان الذين استخدموا المدى والسيوف." وأضاف قوله "لم تقع وفيات لكن يوجد خمسة مصابين."

قالت وكالة الانباء الحكومية في تونس ان قوات الجيش أطلقت أعيرة نارية في الهواء لفض اشتباكات بين مئات الشبان في مدينة قفصة جنوب البلاد واستعملت فيها السيوف والسكاكين والعصي في استمرار لحالة الانفلات الامني التي تعصف بالبلاد منذ الاطاحة بالرئيس السابق قبل نحو ستة أشهر.

واستعملت قوات الامن الداخلي الغاز المسيل للدموع وانتشرت الاليات العسكرية وتعزيزات امنية وعسكرية كبيرة باهم المفترقات وحول محيط المنشات الحيوية وذلك بهدف تفريق هذه المجموعات التي تراشقت بالحجارة مستعملة كذلك الهراوات والسيوف والسكاكين.

ولم يعرف على الفور أسباب الصدامات في المدينة ولم يمكن على الفور الوصول الى مسؤولين حكوميين لسؤالهم التعقيب. ونتيجة للصدامات التي شلت مظاهر الحياة بالمدينة حيث اغلقت المحلات والفضاءات التجارية وايضا المؤسسات الادارية وتوقفت حركة النقل وهو ما خلق حالة كبيرة من الهلع والخوف في نفوس المواطنين الذين سارعوا بالعودة الى منازلهم.

وكانت قد تجددت صدامات عنيفة بين هذه المجموعات في بعض الاحياء وعلى مستوى عدد من مفترقات الطرق حيث أحرقت العجلات المطاطية وحاويات القمامة ووضعت الحواجز لقطع حركة سير السيارات على مستوى الطرقات الرئيسية والفرعية للمدينة.

بطء التحول الديمقراطي

من جهتهم يتعشم العلمانيون في أن يساعد نهج تونس التدريجي للانتقال من دولة بوليسية الى نظام سياسي مفتوح في كبح جماح الاسلاميين لكن هذا النهج أحدث فراغا سياسيا وأمنيا قد يخدم الاسلاميين في نهاية المطاف.

وأسقط التونسيون الرئيس زين العابدين بن علي بعد احتجاجات شعبية في ديسمبر كانون الاول ويناير كانون الثاني وبزغ اكثر من 90 حزبا سياسيا على الساحة التي تحررت حديثا.

وتستعد الاحزاب العلمانية وصناع السياسة والقوى الغربية لمستقبل تصبح فيه حركة النهضة وهي حزب اسلامي بارز كان يمارس نشاطه بالخارج وسرا هربا من بن علي قوة رئيسية في تونس لكنهم يحاولون التوصل الى كيفية الحد من تأثيرها.

وقال جورج جوف استاذ العلوم السياسية بجامعة كيمبردج "هناك شكوك هائلة بشأن النهضة. لا أحد يصدق التزامهم بالديمقراطية والتعددية. خطابهم باللغة العربية يختلف كثيرا عن خطابهم بالفرنسية خاصة في الريف."

وأضاف أن الخوف لا يقتصر على برنامجها الاسلامي وانما يمتد الى القلق من الانزلاق الى شمولية الحزب الواحد التي اتسم بها العهد السابق اذا هيمنت جماعة واحدة افضل تنظيما على الساحة. بحسب رويترز.

وهذه المخاوف هي الى حد ما السبب في أن تونس تستغرق وقتا طويلا قبل اجراء اي انتخابات. وأرجئت الانتخابات لتشكيل جمعية تأسيسية تضع الدستور الجديد حتى اكتوبر تشرين الاول كما أنه لا يوجد جدول زمني للانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تعقب هذا.

وقال دبلوماسي غربي "هناك فرصة معقولة لان تظهر النهضة كأقوى حزب دون الحصول على أغلبية. افضل التقديرات هو أن تتشكل أغلبية علمانية تنتمي ليسار الوسط في البرلمان."

ويقول الاقتصادي مروان عباسي ان الطبقة السياسية المنقسمة بين من تكيفوا ومن تحدوا حكومة بن علي الفاسدة تأمل الا تفوز حركة النهضة باكثر من ربع الاصوات. وأضاف أن النهضة قد تحصل على نسبة تقترب من 25 في المئة وهو أمر يمكن التعامل معه لكن اكثر من هذا سيكون صعبا على تونس.

وعلى الرغم من أن المحللين يعتبرون الجيش التونسي يمثل قوة أضعف من نظيره المصري فانه بذل جهدا لينظر اليه على انه يوجه الانتقال من أعلى ويحمي الدولة العلمانية التي أسسها زعيم الاستقلال الراحل الحبيب بورقيبة.

وأقام الجيش معرضا بوسط تونس للاحتفال بدوره بوصفه حاميا للبلاد على مدى الاعوام الخمسة والخمسين الماضية. وكتب الجيش على احدى اللوحات بالمعرض أنه حريص على حماية ثورة الشباب التونسية التي وصفها بأنها ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وأنه سيبقى على الوعد.

ومهام تنظيم اليات التحول موزعة بين الحكومة المؤقتة وهيئة تحمل اسم الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.

وأنشأت هذه الهيئة كيانا منفصلا لتنظيم انتخابات اكتوبر وتعد قانونا للاحزاب السياسية يفرض معايير للشفافية وقيودا على التمويل. وينظر الى هذه الاخيرة على نطاق واسع على أنها تستهدف حركة النهضة التي استطاعت حشد الدعم من خلال تنظيمات اسلامية خلال سنوات المنفى في لندن وعواصم غربية اخرى.

وقال صلاح عطية الكاتب في جريدة الصباح ان اليسار يحاول تهميش النهضة وان الفكرة هي كبح جماحهم بالقوانين.

واذا هيمنت حركة النهضة على الجمعية التأسيسية فانها ستجد أن معظم الهيكل السياسي للبلاد جاهز بالفعل. كما توصلت الهيئة الى فكرة "الميثاق الجمهوري" لتلتزم به كل الجماعات ويضمن فصل الدين عن الدولة والحقوق الاساسية للمرأة والتي جعلت من تونس حصنا للعلمانية في العالم العربي.

وتقول حركة النهضة انها ليست لديها مشكلة مع هذا الميثاق لكنها تشير الى أنه يجب أن يتضمن مبدأ عدم اقامة علاقات مع اسرائيل. وترى أن هذه حيل من أجل مزيد من التأجيل للانتخابات.

وقال نور الدين البحيري رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة "هناك مخاوف الان من أن الهيئة تريد اثارة التوتر حتى تؤجل الانتخابات... هذا سيعني أنها تحاول تخريب الثورة وليس تحقيق أهدافها."

وأشار الى أنها لم تضع بعد قائمة بالموالين لعهد بن علي من حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي تم حله والذين لن يسمح لهم بخوض الانتخابات في اكتوبر. ولن يتسنى اجراء الانتخابات بدون هذه القائمة.

واتخذت حركة النهضة خطوة الشهر الماضي وصفت بأنها حيلة لكسب الرأي العام حين انسحبت من الهيئة قائلة ان العلمانيين مثل حزب التجديد يهيمنون عليها.

وظهرت دعوات ايضا الى اجراء اقتراع متزامن في 23 اكتوبر على نوعية النظام السياسي الذي يريده التونسيون مما يحد من صلاحيات الجمعية التأسيسية المنتخبة التي يرجح أن يتمتع فيها الاسلاميون بنفوذ اكبر من الذي يتمتعون به الان.

وتروج مجموعة من نحو 40 حزبا صغيرا تشعر بالقلق من قوة الاحزاب الكبرى مثل الحزب الديمقراطي التقدمي وهو حزب يساري لهذه الفكرة. والسؤال كما هو الحال في مصر هو أين يجب أن يكون ميزان القوى بين البرلمان والحكومة والرئيس.

ويقول المعلق السياسي رشيد خشانة ان حركة النهضة تستفيد من الوضع جيدا وتثير المخاوف من مواصلة هيمنة "الحرس القديم". وأضاف "سواء تم تأجيل الانتخابات ام لا فان هذا لن يحدث فرقا يذكر. لن يتاح للاحزاب الاخرى الوقت الكافي للتكيف... انهم يبلون بلاء حسنا لان الناس يرون أن بينهم وبين الهيئة هذه الخلافات. انه عمل مسرحي." ولايزال الوضع الامني يعاني نتيجة لاستمرار الفراغ السياسي.

وتقول الشرطة انها اشتبكت مع تسعة متشددين وصفتهم بأنهم ينتمون لتنظيم القاعدة في شمال تونس في مايو ايار. وفي الشهر الماضي هاجم اسلاميون دارا للسينما لعرضها فيلما اعتبروه ينشر افكارا الحادية واندلعت اعمال عنف قبلية في المتلاوي واشتبكت قوات الامن مع الشرطة التي أضربت عن العمل في قابس.

وعلى الرغم من أن الهجوم على الفيلم كان من قبل السلفيين فان بعض المثقفين العلمانيين يخشون من أن تستفيد حركة النهضة من خلال تقديم نفسها كتيار وسطي معتدل مقارنة بالسلفيين.

وتحركت الشرطة لمنع السلفيين من تنظيم احتجاجات في تونس غير أن اكثر من الف شخص من الاحزاب العلمانية والجماعات الحقوقية استطاعوا تنظيم مظاهرة ضد التطرف الديني في السابع من يوليو تموز.

وقال عطية الكاتب الصحفي ان كل بضعة اسابيع تحدث مشكلة أمنية وأضاف أن رئيس الوزراء والرئيس في منصبيهما بصفة مؤقتة ولا يوجد برلمان ومن ثم هناك افتقار للشرعية.

وفي مصر وضع الجيش البلاد على مسار مختلف. ومن المقرر اجراء الانتخابات البرلمانية في سبتمبر ايلول بعد أن تم اجراء بعض التعديلات الدستورية واقرارها في استفتاء. وتجري الانتخابات الرئاسية بعد أن يقوم البرلمان الجديد بمراجعة اوسع نطاقا للدستور.

وقال عباسي الخبير الاقتصادي ان تونس لديها الفرصة لتصبح اول ديمقراطية حقيقية تخرج من الانتفاضات التي تجتاح المنطقة وأضاف "لدينا الزخم اللازم لهذا ونحتاج الى القيام به الان."

غضب لإهانة صحفية

من جانب آخر استنكرت نقابة الصحفيين في تونس بشدة ما وصفته بأنه اهانة وجهها رئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة الباجي قائد السبسي لصحفية من التلفزيون وعبرت عن خشيتها من الالتفاف على حرية الاعلام الهشة في البلاد.

وكان السبسي رفض الاجابة على سؤال لمبعوثة قسم الاخبار في التلفزيون وخاطبها بتهكم قائلا "كم عمرك" قبل ان يعبر عن انتقاده لطريقة التعامل مع الاخبار في التلفزيون الحكومي.

هذه اول مرة توجه فيها نقابة الصحفيين نقدها لمسؤول كبير في الحكومة في رد فعل مباشر على تعامل السبسي مع صحفية قسم الاخبار.

وقال بيان لنقابة الصحفيين ان "الاحداث التي تعرض خلالها الصحفيون الى الاهانة والاذلال تتالت في الايام الاخيرة. لعل اخر هذه الممارسات ما تعرضت له احدى الزميلات من التلفزة الوطنية خلال تغطيتها لقاء الوزير الاول في الحكومة المؤقتة مع أعضاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة من استهانة بها وبصفتها."

وعلى صفحات الفيسبوك سرعان ما انتشر هذا الفيديو المثير للجدل. ووجه مشتركون وصحفيون نقدا لاذعا لرئيس الوزراء بينما عبر اخرون عن مساندتهم لزملائهم في التلفزيون. ووضع اخرون صورا للسبسي كتب عليها "متى سترحل" و"ارحل".

اما النقيب السابق للصحفيين ناجي البغوري وعضو هيئة اصلاح الاعلام فقال "ليست هذه المرة الاولى التي يهين فيه الوزير الاول الصحفيين. لم يتعود الوزير الاول ولم تتعود الحكومة على التعايش مع صحافة حرة."

واضاف "المفروض ان الحكومة اول طرف تقبل بصحافة حرة. للاسف ثبت انه لا جود لطرف يعترف بصحافة حرة. الكل يريد صحافة تابعة."

وبعد عقود من الخضوع لسلطة الرئيس السابق زين العابدين بن علي وحتى الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة تحرر التلفزيون الحكومي من عدة قيود كانت تكلبه واصبح يقدم مادة مثيرة للاهتمام في البرامح والنشرات الاخبارية.

واشار اخر استطلاع للاراء في تونس الى أن نشرة الاخبار الرئيسية تأتي في مقدمة البرامج التلفزيونية التي يشاهدها التونسيون بعد أن تطور مضمونها واصبحت منفتحة على مختلف الاتجاهات السياسية.

وأنهت أسابيع من الاحتجاجات 23 عاما من حكم بن علي في 14 يناير كانون الثاني. وفر الرئيس السابق الى السعودية حيث يقيم حاليا مع عائلته

مقاضاة وزير الداخلية

كما قالت نقابة الصحفيين التونسية انها تعتزم رفع دعوى قضائية ضد وزير الداخلية بعد ان اعتدى رجال شرطة على صحفيين اثناء تغطية احتجاج بالعاصمة تونس في حادثة وصفتها النقابة بانها "وصمة عار في وجه جهاز البوليس القمعي".

واعتدت قوات الشرطة بعنف على نحو عشرة صحفيين واعتقلت بعضهم قبل ان تطلق سراحهم في وقت لاحق. واعتقل الصحفي الاسعد المحمودي وتم الاعتداء عليه بعنف في عربة للشرطة وكانت الكدمات واضحة على وجهه. وذكرت نقابة الصحفيين في بيان شديد اللهجة ان الاعتداء على الصحفيين يعتبر خرقا للمواثيق الدولية التي تنص على حماية الصحفيين واصفة الاعتداءات بانها "وصمة عار في وجه جهاز البوليس القمعي". بحسب رويترز.

وقالت انها تعتزم توجيه رسالة احتجاج شديدة لرئيس الوزراء المؤقت ورئيس الدولة المؤقت. واضاف البيان الذي حمل توقيع رئيس النقابة نجيبة الحمروني انه سيتم "توجيه تظلم الى الاتحاد الدولي للصحفيين ورفع دعوى قضائية ضد وزير الداخلية وكل من ستكشف عنه الابحاث."

وكانت وزارة الداخلية اعتذرت قبل شهرين بسبب ضرب صحفيين وقالت انه عمل غير مقصود ولن يتكرر.

وعبر صحفيون عن خشيتهم من التعرض لمحاولات ممنهجة لخنق حرية التعبير الهشة التي حصلوا عليها بعد الاطاحة ببن علي. لكن نقابة الصحفيين قالت انها غير مستعدة للتفريط في هذا المكسب ودعت الى احتجاج على هذه الاعتداءات.

استرجاع المصير

من جانب آخر قال الباجي قائد السبسي رئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة في تونس التي انطلقت منها شرارة الربيع الديمقراطي العربي انه واثق من أن باقي الثوارت العربية ستنجح وأن الشعوب العربية المقموعة ستستعيد مصيرها بأيديها. وأضاف السبسي في خطاب بثه التلفزيون الحكومي "ان لم يكن اليوم فغدا.. الشعوب العربية ستسترجع مصيرها بأيديها مثل حصل في تونس."

وأنهت احتجاجات قوية حكم الرئيس زين العابدين بن علي بعد 23 عاما من بقائه في منصب رئيس الجمهورية. وسرعان ما انتقلت عدوى الثورة التونسية الى مصر التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك قبل ان تمتد الى اليمن وليبيا وسوريا.

وانتقد السبسي تجاهل القادة العرب لنجاح ثورة تونس وقال ان قطر والامارات والكويت فقط هنأت تونس بثورتها. وأضاف "هم محرجون من نجاح الثورة التونسية.. شعوبهم الآن تعاني ما كان يحصل في تونس في الماضي.. لكن الامور ستتغير".

وقال ان تونس لا يمكنها ان تتدخل في النزاع الليبي رغم طلب الثوار وممثلين عن حكومة القذافي. وفسر ذلك بأن تونس لديها ما يكفي من مشاكلها الخاصة لتحلها. وقال ان الوضع الاقتصادي في تونس اصبح كارثيا بعد ان وصل النمو الاقتصادي خلال النصف الاول من العام صفر بالمئة. وأضاف قائلا "هذه أصعب فترة في تاريخ تونس منذ الاستقلال والحكومة ليست لديها عصا سحرية لحل كل المشاكل."

وطالب بانهاء كل الاعتصامات والاضرابات التي تشل الاقتصاد ودعا الاحزاب السياسية الى العمل معا لمصلحة تونس اقتصاديا وأمنيا وسياسيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/تموز/2011 - 17/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م