القيادة الفعالة والثقافة التنظيمية

شبكة النبأ: تصبح القيادة أكثر تعقيداً في المجال الإنساني حيث يطغى الخوف من ارتكاب أخطاء قد تؤثر على أمن وحياة الناس، إن فهم الصورة الأكبر، واتخاذ القرارات والمخاطر على أساس معلومات ناقصة أو متناقضة، وإدراك حدود القدرات الشخصية والتحلي بالتواضع والحماس صفات لا تشكل سوى بعضاً مما يعتبره العاملون في المجال الإنساني أهم مميزات القائد في مجال عملهم، وفقاً لتقرير القيادة الفعالة في العمليات الإنسانية الصادر عن شبكة التعلم النشط للمساءلة والأداء في العمل الإنساني(ALNAP) . بحسب شبكة الأنباء الإنسانية ايرين.

فعلى الرغم من أهمية الخبرة والكفاءة، إلا أن "الصفات الشخصية" هي التي غالباً ما تميز القائد البارع عن القائد المقبول، حسب ما جاء في التقرير. ومن بين هذه الصفات التحمس للعمل والتفاني فيه، وإعطاء الأولوية لاحتياجات المجتمعات المحلية خلال عملية صنع القرار، وإدراك أوجه القصور الشخصية، وسرعة التعلم من الأخطاء؛ بالإضافة إلى امتلاك ما يكفي من الثقة بالنفس للمخاطرة بعدم الحصول على رضا الجميع وموافقتهم، حسب روس ماونتن، الرئيس السابق لمكتب الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

غير أن الخوف من المجازفة في المجال الإنساني يحد من قدرة العاملين فيه على تطبيق هذه الخصائص، ويتسبب في خنق روح القيادة الفعالة، حسب تصريح مؤلفة التقرير، مارجي بيوكانان سميث.

وترى سميث أنه بالرغم من كون تحسين المساءلة يعد من الأهداف الهامة في العمل الإنساني إلا أنه يتسبب في بعض الأحيان في "تقليص مساحة الإبداع" في المنظمات الإنسانية.

ثقافة الامتثال الخانقة

"تشير العديد من الأدلة المثيرة للقلق إلى تنامي التوجه نحو الخوف من المجازفة في القطاع الإنساني. ويرتبط هذا التوجه في جزء منه بمبدأ المساءلة وفي جزء آخر بالقيود البيروقراطية، مما يؤدي إلى ثقافة امتثال خانقة"، حسب التقرير.

وفي هذا السياق، أخبر رئيس قسم البحوث بشبكة التعلم النشط للمساءلة والأداء في العمل الإنساني، بول نوكس كلارك، إيرين أن "هناك المزيد من الضوابط والموازنات... التي من شأنها أن تمنع حدوث أشياء سيئة أو غير عادية، ولكنها تفرض في ظروف يكون فيها التصرف غير التقليدي مطلوباً وضرورياً أحياناً".

ويصبح الأمر أكثر تعقيدا بشكل خاص في مؤسسات الأمم المتحدة، التي تكون درجات الهرمية والبيروقراطية فيها عادة أعلى مما هي عليه في غيرها من المنظمات غير الحكومية، حيث تتمثل "المجازفة الشخصية في تجاهل الموظف لمصالحه المهنية الخاصة وإعطاء الأولوية للأهداف الإنسانية".

ونتيجة لذلك، كثيراً ما تبرز القيادة الجيدة "على الرغم من" الثقافة التنظيمية وليس "بفضلها"، حسب التقرير الذي يعطي كمثال على ذلك أندرو ماكليود، منسق مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة في باكستان بعد زلزال 2005، والذي تمكن من قيادة عمليات التنسيق بين المجتمع الإنساني والحكومة الوطنية والمجتمعات العسكرية بفعالية مشهودة بغض النظر عن وضعه في التسلسل الهرمي للقيادة.

إن الأمر هنا لا يتعلق بالمجازفة بهدف المجازفة فحسب، وإنما بـ"المجازفة الشريفة" التي تستحق الكفاح من أجلها. ويعني ذلك، حسب بيوكانان سميث، اتخاذ القرارات الجريئة المدركة للتكلفة الثقيلة للفشل في الحالات التي تكون فيها حياة الناس معرضة للخطر مثلاً.

ويرى زملاء عباس غوليت، رئيس الصليب الأحمر الكيني، أنه يجسد هذا النهج بأفكاره الجريئة والخلاقة التي لا تعرف قيوداً ولا حدوداً.

تدني تمثيل النساء والموظفين المحليين

إن صفات القيادة الواردة في التقرير لا تقتصر على المجال الإنساني فحسب، ولكن الحالات المرتبطة بهذا القطاع والتي تستوجب التحلي بمثل هذه الصفات غالباً ما تكون معقدة وصعبة للغاية، كالعمل مع أشخاص يعانون من أزمة مثلاً، و الاستناد على معلومات غامضة لاتخاذ قرارات من شأنها التأثير على حياتهم، والعمل في بيئات خطرة.

وعلق محمد الخضر دلوم، المدير القطري لمنظمة إنقاذ الطفولة – المملكة المتحدة - في الصومال، على الموضوع بقوله أنه بالرغم من إمكانية تعلم مهارات القيادة إلا أن مصدر الإلهام بالنسبة للقيادة الفعالة غالبا ما يتمثل في تجارب الطفولة أو تأثير الموجِّهين والمعلمين.

ويعتبر المسار المهني للخضر، الذي بدأ كموظف محلي وارتقى ليصل إلى منصب مدير دوليٍّ للبرامج القُطرية، مساراً غير عادي في القطاع الإنساني الذي يتم فيه "عادة تجاهل" الإمكانات القيادية للموظفين المحليين، حسب بوكانان سميث.

ويتمتع العديد من القادة الأقوياء في المجال الإنساني بشخصيات غنية ومعقدة ينهلون من جميع أوجهها اعتماداً على ما يحتاجون إلى تحقيقه. واستشهد العديد بجميلة محمود، الرئيسة الماليزية لمنظمة ميرسي (Mercy) غير الحكومية في إندونيسيا، مشيرين إليها على أنها من القادة الفعالين. وقد صرحت جميلة محمود لشبكة التعلم النشط للمساءلة والأداء في العمل الإنساني أنها تشعر بارتباطها بالثقافات الماليزية والمالاوية والصينية وثقافة العمل الإنساني بالإضافة إلى هويتها كمسلمة وطبيبة وأم.

وقد برزت جميلة محمود كواحدة من النساء النادرات ضمن سرب من الرجال الذين تم تحديدهم كقادة فعالين. ويرى جميع من تم التحدث إليهم أن ندرة النساء في هذا السياق تعد مسألة يجب معالجتها على وجه السرعة وفهمها بشكل أفضل. إذ يرى نوكس كلارك، أن الصورة النمطية للقيادة لا تزال مرتبطة في الأذهان إلى حد كبير بقالب "الرجل" الغربي. كما يعتقد العديد من الذين تمت مقابلتهم أن القيادة الفعالة تستدعي كون الشخص مدمناً على العمل وأن القائد الفعال يجب أن يهب نفسه لعمله. وحسب كلارك فإن "الكثير من الرجال يتبعون مفهومهم الخاص عن القيادة في عالم متزايد التعقيد قد لا ينجح فيه هذا النموذج بشكل جيد".

ويرى نوكس كلارك أنه بدلاً من أن تقوم المنظمات بالبحث عن قائد واحد يتجسد فيه "مزيج بطولي" من الصفات قد تؤدي حتماً إلى النضوب، ينبغي عليها أن تفكر في القدرة الجماعية للفريق على القيادة وتتجنب التركيز على شخص واحد بعينه، مشيراً إلى أن "هذا سيخفف عبء منسق الشؤون الإنسانية ويضيف إلى عبء الفريق القطري الإنساني".

من جهتها، أفادت بيوكانان سميث أنه عندما يتعلق الأمر بالمخاطرة، ينبغي على المجتمع الإنساني أن ينظر إلى أمثلة جيدة من مؤسسات القطاع العام التي عززت المساءلة دون تقييد القيادة. في حين يرى نوكس كلارك أنه ينبغي على كبار المديرين التنفيذيين أن يفكروا في طرق جديدة لتحفيز القيادة، وليس مجرد التدقيق في امتثالها لإجراءات الوكالة والأهداف المالية.

وأضافت بيوكانان سميث أنه يجب البحث عن إجابة عاجلة لمسألة ذكر عدد قليل جداً من النساء والموظفين المحليين على أنهم قادة يؤدون أدواراً فعالة ورئيسية في الميدان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تموز/2011 - 16/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م