هل تقي مواساة الأمير السعودي سقوط إمبراطورية اليهودي ميردوخ؟

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: بات أمر انهيار إمبراطورية الإعلام المملوكة للأمريكي الاسترالي روبرت ميردوخ مسألة وقت كما يبدو، بعد الفضيحة الكبرى التي تعرضت لها مؤسساته الإعلامية في بريطانيا مؤخرا، وما انسحب عليها من تبعات قانونية وأخلاقية قلصت بشكل كبير فرص استمرارها في تلك الدولة ونظيراتها من الدول الأوربية الأخرى.

كما أخذت تداعيات ما حدث في بريطانيا تتسع لتشمل الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا ايضا، وأصبحت مجموعة ميردوخ مستهدفة او مهددة بتحقيقات في تلك البلدان، مما قد يعجل من المصير نفسه الذي واجهته في لندن.

حيث بات ميردوخ يواجه أزمة غير مسبوقة منذ أنشاء مؤسساته الإعلامية، تمهد بطبيعة الحال الى انهيار وشيك لما جهد في بنائه، بحسب المراقبين الذين اختلفوا مع رأي الأمير السعودي الوليد بن طلال، أبرز المساهمين في إمبراطورية  اليهودي روبرت ميردوخ الذي رأى عكس ذلك.  

تفكيك الامبراطورية

فقد طالب زعيم المعارضة العمالية في بريطانيا ايد ميليباند بتفكيك الفرع البريطاني من المجموعة الاعلامية لروبرت ميردوخ بعد فضيحة التنصت على الاتصالات الهاتفية الذي قامت به احدى صحفها.

وقال ميليباند لمجلة الاوبزرفر "اعتقد ان تركز سلطة بهذا الشكل بايدي شخص واحد امر غير سليم ويؤدي الى تجاوزات للسلطة داخل منظمته". واضاف ميليباند "اعتقد انه علينا ان ندرس بدقة الامر عندما يتمكن شخص من امتلاك اكثر من عشرين بالمئة من سوق الاعلام"، معتبرا ان "هذا النوع من تركز السلطة خطير فعلا".

ومنذ كشف فضيحة صحيفة نيوز اوف ذي وورلد، يقود ايد ميليباند الحملة ضد الاسترالي الاميركي روبرت ميردوخ، مطالبا باستقالة ريبيكا بروكس مديرة الصحف البريطانية في مجموعة ميردوخ. ووافق رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون تحت ضغط ميليباند على تشكيل لجنة للتحقيق.

وميليباند هو ايضا من تقدم بمذكرة الى مجلس العموم تطلب من نيوز كورب، مجموعة ميردوخ بسحب عرضها لشراء قنوات بي-سكاي-بي، نظرا للممارسات التي سجلت داخل صحفه.

وكان ميردوخ، الاسترالي الاميركي الذي يبلغ الثمانين من العمر عبر في اعلانات كتبها بنفسه وتنشرها الصحف البريطانية، عن اسفه "للاخطاء الفادحة التي وقعت" وارفق الاعتذار بوعد باجراءات تعويض عملية. بحسب فرانس برس.

كما قدم اعتذارات "صادقة وبلا اي تحفظ" لوالدي ميلي داولر التي قتلت في 2002. وقد اثار الكشف عن ان مخبرا يعمل لحساب "نيوز اوف ذي وورلد" قام بمحو رسائل على الهاتف الخليوي للفتاة المفقودة للايحاء لاقربائها والشرطة انها على قيد الحياة، الاستياء في بريطانيا.

ومنذ ذلك الحين، لم تكف الفضيحة عن التضخم. واصبحت مجموعة ميردوخ مستهدفة او مهددة بتحقيقات في بريطانيا واستراليا والولايات المتحدة.

الأحزاب الكبرى تتحد

في السياق ذاته اتحدت اكبر ثلاثة احزاب بريطانية في جبهة واحدة استثنائية للمطالبة بالتخلي عن مشروع شراء مجموعة ميردوخ الاعلامية الضالعة في فضيحة تنصت لقنوات بي سكاي بي، وذلك لتجنب توسيع امبراطورية ميردوخ الاعلامية وسيطرته.

ويظهر الاتحاد الذي ظهر بين رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون ونائب رئيس الوزراء الليبرالي-الديموقراطي نيك كليغ ورئيس حزب العمال اد ميليباند، حجم السخط الذي اثارته المعلومات عن ممارسات صحافية غير قانونية او منافية للاخلاق المهنية.

لكن مع ذلك فان العريضة التي رفعت الى مجلس العموم البريطاني تبقى ذات دلالة رمزية على الرغم من افتقارها لاي مفعول قانوني زجري.

وقامت حكومة ائتلاف المحافظين والليبراليين - الديموقراطيين التي كانت تستعد لاعطاء ضوئها الاخضر، باحالة الملف المتفجر سياسيا امام اللجنة الوطنية للمنافسة.

وتعهد ديفيد كاميرون بتزويد النواب بعرض مفصل لمشروعه القاضي بتشكيل لجنتين: الاولى للتحقيق في شأن فضيحة التنصت برئاسة قاض، والثانية لتحديد الاصلاحات الواجب القيام بها في هيئة مراقبة الصحافة التي تتميز حتى اليوم بادارة ذاتية وبتساهل واضح تحت شعار حق الجمهور في المعرفة.

لكن هذا الاتحاد بين الاحزاب الكبرى له حدود. ففي خضم الازمة، عزز الزعيم العمالي اد ميليباند موقعه بعد تسعة اشهر من بداياته غير المشجعة.

الا ان الفضيحة تحرج كاميرون. فقد دعمت مجموعة ميردوخ حملته الانتخابية الفائزة عام 2010 بعد تخليها عن حزب العمال. وشغل رئيس سابق لتحرير صحيفة نيوز اوف ذي وورلد هو اندي كولسون منصب المدير المسؤول عن الاتصالات قبل ان يسارع الى الاستقالة في كانون الثاني/يناير.

وتتسبب الفضيحة ايضا بزعزعة استقرار نيوز كورب التي تراجعت اسهمها بنحو 15%، في وقت طلب رئيس لجنة التجارة في مجلس الشيوخ الاميركي جاي روكفيلر فتح تحقيق حول ممارسات المجموعة في الولايات المتحدة.

استدعاء ميردوخ

كما استدعى النواب البريطانيون قطب الاعلام روبرت ميردوخ ونجله جيمس ميردوخ رئيس مجلس ادارة صحيفة "نيوز انترناشيونال" البريطانية والمديرة التنفيذية ريبيكا بروكس للادلاء بشهاداتهم امام لجنة برلمانية حول فضيحة التنصت على الهواتف.

واعلنت "نيوز انترناشيونال" انها "ستتعاون" مع طلب لجنة الثقافة والاعلام والرياضة التابعة لمجلس النواب. وصرح جون ويتنغديل رئيس اللجنة "على ضوء التطورات الملفتة حول التنصت على اجهزة الهاتف، هناك اسئلة جدية حول شهادة عدد من الشهود امام اللجنة خلال تحقيق سابق لها في معايير الصحافة واحترام الخصوصية".

واضاف ان "جيمس ميردوخ قال خصوصا ان البرلمان على خطا. وهذا امر في غاية الخطورة ولا يمكن ان يمر دون مساءلة". ويأتي ذلك في وقت اتهم فيه رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون امبراطورية ميردوخ الاعلامية باللجوء الى "مجرمين" للحصول على معلومات ووثائق خاصة.

فقد اتهم براون صحيفة "صنداي تايمز" التي يملكها ميردوخ ايضا وتعد من الصحف الرئيسية في البلاد باللجوء الى عمليات احتيال للحصول على بيانات مصرفية ووثائق قانونية تتعلق بشقة اشتراها.

وقال بروان انه لا يفهم كيف حصلت صحيفة "الصن" التي يملكها ميردوخ ايضا على معلومات بان ابنه يعاني من داء "التليف الكيسي"، مضيفا انه حينما نشرت الصحيفة الخبر على صفحتها الاولى عام 2006 لم يتمالك نفسه "من البكاء".

وكانت تصريحات براون الاولى التي تكشف تورط صحف اخرى من امبراطورية ميردوخ في فضيحة التنصت. وتاتي هذه التصريحات بينما يحقق نواب مع مسؤولين كبار بالشرطة لمعرفة السبب الذي حال دون توصل التحقيق الاساسي في فضيحة تنصت صحيفة نيواوف ذي وورلد العام 2006 الى كشف الكم الضخم من الادعاءات ضد الصحيفة الذي تبين خلال الاشهر الاخيرة.

وقال براون، الذي تولى منصب وزير المالية ما بين عامي 1997 و2007 ثم رئاسة الوزراء حتى اغلعام 2010، ان بروكس هي التي ابلغته في عام 2006 ان الصن ستنشر قصة مرض ابنه الذي كان انئذ في شهره الرابع.

وقال براون ان ذلك جعله لا يتمالك نفسه "من البكاء، فابني الصغير يتم نشر اخباره على وسائل الاعلام. انا وسارا (زوجته) مازلنا نشعر بالغضب البالغ ازاء ذلك". واضاف انه لا "يعتقد" انهم حصلوا على السجلات الطبية لابنه بشكل قانوني، حيث تفرض بريطانيا اجراءات صارمة تتعلق بخصوصية السجلات الطبية للمرضى.

غير ان مصدرا في نيوز انترناشيونال قال ان المؤسسة "راضية بان النبأ الخاص بابنه تم استقاؤه من مصادر مشروعة".

وكان تحقيق الشرطة الاصلي ادى الى سجن محرر نيوز اوف ذا وورلد للشؤون الملكية انذاك ومحقق خاص يدعى غلين مالكير، عام 2007، على خلفية قصة اخرى. غير ان الكثير مما انكشف مؤخرا استند الى ملفات مالكير التي تحفظت عليها الشرطة انئذ.

بيع صحفه البريطانية

من جهتها اكدت صحيفة وول ستريت جورنال ان مجموعة نيوز كورب الاعلامية الاميركية التي تلاحقها فضيحة التنصت في بريطانيا تنوي بيع كل الجرائد البريطانية التي تملكها، من دون نتيجة حتى اللحظة.

وبحسب الصحيفة الاميركية المتخصصة بالاعمال نقلا عن مصادر قريبة من الملف، فإن المجموعة التي يملكها القطب الاعلامي روبرت ميردوخ "استطلعت بشكل غير رسمي الاهتمام الموجود لدى مشترين محتملين لمؤسسة الصحافة المكتوبة البريطانية التي تملكها وهي نيوز انترناشونال". واضافت الصحيفة "بالنظر الى السياق الاقتصادي الصعب للصحافة، لم يبرز اي راغب في الشراء" الا ان الفكرة قد يعاد طرحها "في الاشهر الستة المقبلة".

وتملك هذه الوحدة البريطانية من نيوز كورب اضافة الى صحيفة نيوز اوف ذي وولد التي نشرت الاحد اخر اعدادها، صحيفتي تايمز اوف لندن وصنداي تايمز.

الوليد بن طلال

من جانبه أعلن الأمير السعودي الوليد بن طلال، ثاني أكبر مساهم في مؤسسة نيوز كورب التي يرأسها قطب الإعلام، روبرت مردوخ، أنه لن يبيع أسهمه في المؤسسة. وفي مقابلة مع بي بي سي، عبر الوليد عن اعتقاده بأن المؤسسة "لن تتراجع أو تنهار بسبب فضيحة التنصت".

وقال إنه لا تزال لديه "ثقة كاملة" بشركائه روبرت مردوخ ونجله جيمس مردوخ، لكنه شدد على وجوب ترك الفرصة للتحقيق الجاري من أجل التوصل للحقيقة قائلا إنه ينصح شركة نيوز كورب "بالتعاون المطلق مع الحكومة البريطانية للوصول إلى الحقيقة". وأضاف أن "أخلاقيات العمل مهمة جدا" وأن شركته "لا تقبل ما يتعارض مع تلك الأخلاقيات".

يذكر أن الوليد يستثمر في مؤسسة مردوخ منذ 20 عاما ويملك 7 في المئة من أسهم المؤسسة، وهو بذلك ثاني أكبر مساهم فيها بعد مردوخ نفسه الذي يملك 12 في المئة من الأسهم.

وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد شكل لجنة يرأسها قاض للتحقيق في الفضيحة.

كما تحقق فيها أيضا لجنة الثقافة والإعلام والرياضة في مجلس العموم البريطاني. ووافق روبرت مردوخ وابنه جيمس على المثول أمام اللجنتين.

استقالات لا تجدي

في حين اضطر ميردوخ الى قبول استقالة اثنين من المقربين منه في اقل من 24 ساعة، فقد اعلن ميردوخ رئيس ومدير عام المجموعة الاعلامية نيوز كورب استقالة ليس هينتون المدير العام لشركة داو جونز، احد الفروع الاميركية لمجموعته.

وكان هينتون القريب جدا من ميردوخ، من 1995 الى 2007 رئيس الفرع البريطاني للمجموعة الاعلامية نيوز انترناشيونال التي استقالت مديرتها العامة ريبيكا بروكس قبل ساعات بسبب فضيحة التنصت التي ادت الى اغلاق اهم صحف المجموعة نيوز اوف ذي وورلد.

ونقل بيان عن هينتون قوله "قرأت مئات المقالات عن اخطاء مهنية حقيقية او مفترضة ارتكبت عندما كنت رئيسا تنفيذيا لنيوز انترناشيونال ومسؤولا عن الشركة". واضاف ان "الالم الذي سبب لاشخاص ابرياء لا يمكن تصوره. وجهلي بما كان يحدث على ما يبدو امر لا اهمية له ونظرا للظروف اعتقد ان استقالتي من نيوز كورب مناسبة واعتذر الى الذين جرحوا باعمال نيوز اوف ذي وورلد".

وكان ميردوخ، الاسترالي الاميركي الذي يبلغ الثمانين من العمر عبر في اعلانات كتبها بنفسه وتنشرها الصحف البريطانية، عن اسفه "للاخطاء الفادحة التي وقعت" وارفق الاعتذار بوعد باجراءات تعويض عملية.

كما قدم اعتذارات "صادقة وبلا اي تحفظ" لوالدي ميلي داولر التي قتلت في 2002. وقد اثار الكشف عن ان مخبرا يعمل لحساب "نيوز اوف ذي وورلد" قام بمحو رسائل على الهاتف الخليوي للفتاة المفقودة للايحاء لاقربائها والشرطة انها على قيد الحياة، الاستياء في بريطانيا.

ومنذ ذلك الحين، لم تكف الفضيحة عن التضخم. واصبحت مجموعة ميردوخ مستهدفة او مهددة بتحقيقات في بريطانيا واستراليا والولايات المتحدة.

وفتح مكتب التحقيقات الفدرالي تحقيقا اوليا لمعرفة ما اذا كانت عمليات تنصت غير قانونية جرت خصوصا على هواتف ضحايا لاعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2011.

وتعكس الاستقالة المدوية لريبيكا بروكس (43 عاما) مديرة الفرع البريطاني لنيوز كورب، محاولة ميردوخ استعادة زمام المبادرة.

وكان ميردوخ سافر الى بريطانيا في عطلة نهاية الاسبوع الماضي ليؤكد دعمه الثابت لهذه السيدة ذات الشعر الاحمر، التي تقدم على انها "سابع ابنائه".

لكن موقفها ضعف خصوصا بعد ادارتها صحيفتين شعبيتين بريطانيتين "ذي صن" والاسبوعية "ناتدبليو" التي يشتبه بانها تنصتت على حوالى اربعة آلاف شخص من سياسيين وافراد الاسرة الملكية وضحايا جرائم مثل الفتاة ميلي او اقرباء جنود قتلوا في العراق او افغانستان. وعلى امل نزع فتيل الازمة، امر ميردوخ باغلاق الصحيفة بعد 168 عاما من العمل.

وقال رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد كاميرون ان رحيل "ملكة الصحافة الصفراء" هو "القرار الصائب"، بينما قال زعيم المعارضة العمالية ايد ميليباند "كان يجب ان ترحل قبل ذلك".

كما اكد الامير السعودي الوليد بن طلال ثاني اكبر مساهم في "نيوز كورب" التي لها مقار في اوروبا وآسيا والولايات المتحدة "بالتأكيد كان يجب ان ترحل".

وصرحت بروكس التي عين في مكانها توم موكريدج المدير العام لسكاي ايتاليا التابعة لنيوز كورب ان "استقالتي ستمنحني الحرية والوقت اللازمين للتعاون بالكامل مع التحقيقات الحالية والمقبلة". وستمثل امام لجنة الاعلام في مجلس العموم البريطاني مع ميردوخ وابنه جيمس رئيس نيوز انترناشيونال.

وكان اعضاء هذه اللجنة حملوا بعنف على ثلاثة من قادة الشرطة البريطانية المتهمة بالاستهتار بالتحقيق والتغطية على مخبرين فاسدين وان تم اعتقال تسعة اشخاص حتى الآن بينهم اندي كولسون الذي يسبب توقيفه ارباكا سياسيا. وكان رئيس التحرير السابق ل"ناتدبليو" في كانون الثاني/يناير مديرا لمكتب اتصال كاميرون.

واخيرا، سيمثل كولسون وبروكس امام لجنة التحقيق العامة التي شكلت لكشف قضية التنصت و"تنظيم" ممارسات وسائل الاعلام. وتضم مجموعة ميردوخ "نيوز كورب" في الولايات المتحدة شبكة "فوكس" وصحيفة "نيويورك بوست" وكذلك صحيفة "وول ستريت جرنال".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تموز/2011 - 16/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م