
شبكة النبأ: تمر مناسبة استقلال
الجنوب بأجواء مختلفة في عواصم الدولة المشطورة مؤخرا، حيث تتجلى
المشاعر بشكل واضح عما هي لدى سكان الخرطوم والعاصمة جوبا، كما هي
التبعات الاقتصادية والسياسية التي سوف تترتب على تلك الانعطافة
التاريخية لدولة السودان بعد التقسيم.
وصوت الجنوبيون للانفصال في استفتاء نص عليه اتفاق للسلام أبرم في
عام 2005 وانهى عقدين من الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب. ولقي نحو
مليوني شخص حتفهم في الصراع.
وتواجه الدولة الجديدة تحديات ضخمة في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة
تشييد البنية التحتية وفرض حكمها على مساحة من الاراضي تماثل مساحة
فرنسا تقريبا وتغص بالاسلحة المتخلفة عن الحرب الطويلة.
الجنوبيون يرقصون
فبالنسبة لآلاف السودانيين الجنوبيين كانت ليلة للبقاء خارج المنزل
للرقص والاحتفال بمولد دولتهم الجديدة. لكن بالنسبة للسودانيين في
الخرطوم عاصمة الشمال فقد كان وقت حزن يقترن بالتحدي.
وأصبح الجنوب - حيث يدين غالبية السكان بالمسيحية وديانات اخرى
تقليدية - مستقلا بعد استفتاء في يناير كانون الثاني أجري بموجب اتفاق
سلام 2005 الذي أنهى عقودا من الحرب الاهلية مع شمال السودان المسلم.
وبينما ابتهج الجنوب لانه حصل أخيرا على حريته من الشمال المهيمن
فان الانفصال بالنسبة للناس في الخرطوم لم يترتب عليه فقط خسارة ثلث
اراضي البلاد ومعظم الموارد النفطية بل خلف أيضا احساسا عميقا بالحزن.
وقال ياسر ادريس وهو فنان شعبي يجلس في طريق قريب من النيل في عاصمة
الشمال "انني سعيد لاستقلالهم وأعتقد انه سيفيدهم هم ومستقبلهم." وقال
"لكن في نفس الوقت انا حزين لانني أشعر بأن جزءا مني قطع على عكس
قناعاتي." واتفق معه في الرأي زميله الفنان محمد محيي الدين الذي قال
متسائلا "وهل سننفصل فنيا أيضا؟ هل يمكنني الان ان ارسم امرأة جنوبية؟
وهل هي رمز لتراثي أم لا؟" وقال "اليوم أرسم لوحة أطلق عليها (انفصال)
تصور امرأة جنوبية تسير على مسافة تاركة وراءها كل ذكرياتها."
واتسم اخرون في الخرطوم بالتحدي وأصروا على ان الشمال - حيث يعيش 80
في المئة من تعداد السكان البالغ 40 مليون نسمة - كان مكانا أفضل بدون
الجنوب الذي خاض معه حربا لفترة طويلة.
وقال صالح أحمد علي وهو مدرس ثانوي "انه أفضل حل للجميع ان يصبحوا
مستقلين. اننا مختلفون تماما ولنا دين مختلف وثقافة مختلفة." وقال
بينما كان خلفه عشرات الشماليين يرقصون في حفل نظمته جماعة في الخرطوم
مؤيدة للانفصال تدعى "حركة السلام العادل" للاحتفال بما وصفته بأنه
الاستقلال الحقيقي للشمال "نحن لا نريد حربا."
وقال الطيب مصطفى رئيس الحركة ان وحدة السودان كانت خطأ مثلما أثبت
التاريخ والان يمكنهم ان يسيروا في طريقهم ولا يحتاجون الى الاستماع
الى احتياجات الجنوب. وقال ان الجنوب على سبيل المثال لا يريد ان يصف
الخرطوم بأنها عاصمة عربية. وأضاف انهم أحرار الان ولا يحتاجون لان
يذعنوا لنداءاتهم ورغباتهم. ومع أذان الظهر توقف الرقص وعزف الموسيقى
واختفى الجميع في مسجد قريب.
وقال شماليون اخرون ان اقتصاد الشمال ربما يكون في الطريق نحو أوقات
صعبة بعد ان خسر 75 في المئة من انتاج النفط الذي يقع في جنوب السودان.
وقال رجل يدعى البدري سعى الى فترة راحة من الحر تحت ظل شجرة "نحن بلد
واحد وهذا خطأ."
وعلى النقيض في العاصمة الجنوبية جوبا بقي عشرات الوف الاشخاص طوال
الليل للاحتفال بجمهوريتهم الجديدة. وفي الصباح اصطفوا للعثور على مكان
لحضور الاعلان الرسمي للاستقلال الذي شهد حضور زعماء افارقة من بينهم
الرئيس السوداني عمر حسن البشير.
وقالت جنيفر اكيرو التي وقفت عشر ساعات في الحر الشديد لمشاهدة
المراسم "يوم عظيم في حياتنا. كل شيء جديد اليوم."
وقال تشان لوك "السودان لن يكون كما كان مرة اخرى. يمكنك ان ترى ذلك
بالحضور الكبير لهذا الحدث." ورقص اخرون قرب تمثال لبطل الحرب الراحل
جون قرنق ازاح عنه الستار الرئيس الجنوبي سلفا كير الذي ابتهج بينما
حلقت طائرات هليكوبتر فوق المكان. وقال مايكل البالغ من العمر 25 عاما
"انني سعيد للغاية.. بالغ السعادة" ناسيا في هذا الوقت القتال الفئوي
والفقر المدقع ونقص المنشات الاساسية التي تواجه الفجر الجديد.
أول مباراة
وصلى سكان جنوب السودان من اجل رخاء دولتهم الجديدة ولعبوا اول
مباراة لكرة القدم كدولة مستقلة يوم الاحد بعد الانفصال عن شمال
السودان.
ولم يتم بعد حسم القضايا الحساسة مثل الطريقة التي سيدفع بها الجنوب
تكلفة نقل النفط حيث تقع معظم الحقول في الجنوب لكن أنابيب النفط
والميناء الوحيد في الشمال. ويمثل النفط شريان الحياة لاقتصاد البلدين.
وفي صلاة أقيمت من أجل التنمية والنجاح في الدولة الجديدة ناشد
الكاهن القادة العمل على تلبية احتياجات الشعب وليس السعي لتحقيق
الثراء لانفسهم.
وقال للحضور في الكنيسة "أقول انه يتعين حتى على الاطفال أن ينظروا
لانفسهم على انهم بناة هذه الامة." ومضى قائلا "اسألوا انفسكم دائما
ماذا يمكننا ان نفعل لنجعلها أمة عظيمة.."
ولم تقلل مثل هذه التحديات من حماس الجنوبيين الذين احتفلوا
بالانفصال بالرقص لساعات والغناء تحت الشمس الحارقة.
واحتشد الوف في استاد لمشاهدة منتخبهم الوطني الذي تشكل حديثا وهو
يلعب مباراة ضد فريق من كينيا وهم يرددون الهتافات ويهللون ويغنون
النشيد الوطني الجديد. وقال ايمانويل جوسيب (21 عاما) وهو يقف في صف من
اجل الدخول الى الاستاد "تغمرنا مشاعر عظيمة ..كما تعرفون.. فقد حصلنا
على استقلالنا. الشماليون يستعمرون بلادنا منذ زمن طويل واخيرا اصبحنا
احرارا اليوم." بحسب رويترز.
وانطلقت السيارات وهي تحمل علم جنوب السودان الجديد وتطلق ابواقها.
وداخل الاستاد احتشد الناس بينما جلس بعضهم بمحاذاة الجدران في أجواء
احتفالية ووقف الجنود على جوانب الملعب يتابعون المباراة. كما تجمع
مسؤولون جنوبيون لمشاهدة المباراة في الاستاد الذي زود باضواء كاشفة
أقيمت بشكل متعجل.
وقال نايل كلاوديو (24 سنة) الذي توقع فوز الفريق السوداني الجنوبي
بهدفين مقابل لا شيء "هذه اول مرة نلعب فيها كدولة مستقلة مع دولة اخرى.
هذا هو السبب في مجيئنا الى هنا لتشجيع لاعبينا."
مدينتان لعالمين مختلفين
في سياق متصل كان التناقض الحاد بين التنمية النسبية للشمال أو على
الاقل في مدنه وبين الجنوب الفقير أحد الاسباب التي دفعت متمردي الجنوب
الى خوض حرب أهلية مع الخرطوم.
تبرز شوارع جوبا المتربة والتي تتناقض مع الطرق السريعة في الخرطوم
المكونة من ثماني حارات والتي شقتها الصين مدى احتياج الجنوب حتى الان
لجهود بناء أمة من الصفر.
والان تتولى جماعات مختلفة من المقاتلين السابقين مهمة حراسة الجنوب.
وأغلب هؤلاء يفتقرون الى تدريب رسمي على مهام الشرطة وعدم وجود مؤسسات
قوية يعني أن سلطة الدولة تنتهي من حيث تبدأ ماسورة بندقية أي ضابط.
قال جندي صائحا وهو يخطف مفتاحا من دراجة نارية "ما الذي تفعله..
الوقت الان بعد منتصف الليل.. هذا وقتنا نحن. المجرمون فقط هم
الموجودون في الخارج الان. هل أنت مجرم.." كما تسري شائعات عن معاملة
أكثر سوءا بكثير للسكان المحليين.
يمنح الزي الرسمي الجديد للشرطة والسيارات الجديدة أيضا هذه القوة
الشكل الخارجي للنظام لكن هذه الدولة المرتقبة ما زالت تفتقر للقوانين
الواضحة. على سبيل المثال كثيرا ما يتعرض الصحفيون للمضايقات بينما
ينتظرون مشروع قانون طال انتظاره للاعلام.
يرسخ فراغ القانون أجواء من الفوضى والملذات غير الواردة على
الاطلاق في الخرطوم. تمرق السيارات بسرعة كبيرة في الشوارع المتربة
بدون أي مراعاة للسرعة القصوى المقبول بها ويحتسي السكان الخمور علانية
في المقاهي المفتوحة.
وفي الشمال حتى النارجيلة التي كانت منتشرة في المقاهي المفتوحة
منعت السنة الحالية. وهناك يمثل الاسراف في احتساء الشاي المحلى هو
أكبر خطيئة يمكن قبولها في الحياة العامة.
ويشعر الكثير من سكان الشمال بالتوتر بشأن الشرطة السرية الموجودة
في كل مكان ويرفضون التحدث الى الشرطة عبر الهاتف. وعلى عكس الفوضى
الموجودة في الجنوب يتمحور الخوف حول وجود مؤامرات أوسع نطاقا وحول
السلطة الموجودة في أيد خفية.
تظهر قيادة السيارة في شوارع جوبا المليئة بالحفر والحارات المليئة
بالطين حجم العمل الذي ما زال مطلوبا فيما سيعتبر واحدة من أقل الدول
نموا في العالم. هناك عدد محدود للغاية من المباني التي تزيد في
ارتفاعها عن الطابقين في جوبا والتي تتوسع مع تدفق مئات الالاف من سكان
الجنوب من الشمال أو من الخارج.
ويستعين العديد من الفنادق بالخيام أو المباني سابقة التجهيز بدلا
من الاستثمار في مبان دائمة. ويطلق السكان على مدينتهم "أكبر قرية في
العالم" بعضهم من قبيل الافتخار بينما البعض الاخر من قبيل السخرية.
كما لا تلقى أعمال البناء رقابة.. اذ يجري شق حفر هائلة مع عدم وضع
علامات تحذيرية ثم تترك أياما في الشوارع الرئيسية. وكثيرا ما يجري قطع
الاجتماعات الحكومية نتيجة انقطاع الكهرباء. وتمد مولدات الكهرباء التي
تعمل بالديزل المدينة بالكهرباء في ظل غياب أي شبكة تغطي البلاد. كما
أن العديد من مسؤولي الجنوب لديهم رقمين أو ثلاثة أرقام للهواتف بسبب
شبكات المحمول التي لا يمكن الاعتماد عليها.
تقود مثل تلك التحديات الكثيرين في الخرطوم لاعتبار السودان مكانا
بائسا والميزة الوحيدة بالنسبة للبعض هي الحرية النسبية. وقال أحد سكان
الشمال "يمكن احتساء الجعة في جوبا.. ليس أكثر من ذلك."
وما زال يوجد في الخرطوم المطلة على النيلين الازرق والابيض الكثير
من الطرق المتربة والمرور الخانق لكن اشارات المرور تلقى استجابة من
قادة السيارات.
وبامتداد النيل تضفي مجموعة من الابراج الزجاجية والمجمعات المبنية
من الطوب الاحمر التي تعود لعهد الاستعمار البريطاني والتي تضم الان
وزراء ومتاحف على المدينة جوا من الثراء التاريخي الذي تفتقر اليه
نظيرتها في الجنوب. بحسب رويترز.
وكثيرا ما يجري التمييز بين المدينتين طبقا للطبيعة "العربية" أو "
الافريقية" لكن مثل هذا التعميم يلغي تعقد وتنوع المدينتين. اذ يوجد
تحت السطح العديد من أوجه الشبه التي تشير الى أن الاثنين سيبقيان
متداخلين لدرجة ما اجتماعيا واقتصاديا حتى بعد أن يصبح الانقسام رسميا.
والمدينتان جديدتان نسبيا وترجع جذور الحاميات العسكرية والنقاط
التجارية الى الجيش التركي المصري الغازي في القرن التاسع عشر. وفي كلا
المدينتين اللغة العربية هي اللغة الموحدة التي تستخدمها كافة القبائل
والمجموعات العرقية.
والنفط هو شريان الحياة لكلا البلدين كما أن صناعات الطرفين متداخلة
بشدة. وتوجد أغلب حقول النفط في الجنوب لكن كل الموانيء والمصافي وخطوط
الانابيب تقريبا في الشمال.
كما تواجه كلا المدينتيين شكاوى من الفساد المستشري. وأصبحت وسائل
الاعلام المحلية في الشمال صريحة بشكل متزايد في انتقاد الفساد بعد
الانتفاضات الشعبية في دول عربية أخرى.
وفي جوبا أصبح الفساد مشكلة يتحتم علاجها مع تولي المقاتلين الحكومة
بميزانية تبلغ نحو ملياري دولار تحت طوعهم.
وفي الطريق الجديد بجوبا ظهرت مبان جديدة من الوهلة الاولى يمكن أن
نظن أنها مباني وزارات الجنوب. لكنها في واقع الامر منازل الوزراء
والكثير منهم يقطع الطرق بسيارات دفع رباعي أو حتى هامر. يلعن السكان
المحليون تلك السيارات عندما تغلق الشوارع التي أصبحوا يعتبرونها بشكل
غير رسمي شارع الحكومة والتي تقطع وسط شوارع جوبا.
العودة الى الديار
الى ذلك تتابع نال واك رجالا يحملون أسرة ومقاعد ويضعونها على ظهر
شاحنة في الحي العشوائي الذي تقيم به قرب العاصمة السودانية الخرطوم
ولا تطيق صبرا للعودة الى الديار في جنوب السودان الذي سيستقل ليصبح
دولة جديدة يوم السبت.
وقالت وقد أحاط بها أطفال بملابس متسخة على مشارف الخرطوم "هذه ليست
بلدنا. بلدنا هناك (في الجنوب). نحن فقراء جدا هنا ولا نملك شيئا لهذا
سنذهب الى الديار." وأضافت "ليست لدينا وظائف هنا. نحن فقراء جدا."
جاءت واك الى الخرطوم منذ عقود هربا من الحرب الاهلية بين الشمال
والجنوب، ورحل مئات الالاف من الجنوبيين الى دولتهم المستقبلية بالفعل.
ولايزال الالاف يأملون في الانتقال الى هناك وبدأوا في نقل أثاث
منازلهم المبنية من الخشب والطمي والحديد الخردة الى ميدان بوسط
المعسكر.
ويأمل كثيرون في هذا الحي العشوائي وهو واحد من عدة مخيمات من هذا
النوع على مشارف الخرطوم في الفرار من الفقر الى الجنوب بعد أن عاشوا
كعمال باليومية يعتمدون على الاعانات.
وتلقى الاف الجنوبيين الذين كانوا يعملون في حكومة الخرطوم والاجهزة
العامة والشرطة والجيش اخطارات بفصلهم من وظائفهم وسيضطرون الى
الانتقال للبحث عن وظائف جديدة.
وقال وليام اجور الذي كان يعمل في احدى وزارات الشمال "لم تعد لي
وظيفة. أنا أوقع الاوراق الاخيرة مع الحكومة."
ويخشى اخرون من أنهم لن يكونوا موضع ترحيب في الشمال بعد استقلال
الجنوب الذي يعتبره كثيرون من أهل الشمال خطأ او اهانة. ويغلب على سكان
الشمال المسلمون بينما أغلبية الجنوبيين من المسيحيين وديانات أخرى.
وقال ديار مايوم انييق "نخشى من وقوع أعمال عنف واشتباكات مجددا."
وبعد مقتل زعيم متمردي جنوب السودان جون قرنق في حادث تحطم طائرة
هليكوبتر عام 2005 قام الجنوبيون بأعمال شغب في الخرطوم مما أدى الى
اندلاع اشتباكات في الشوارع استمرت اياما وأودت بحياة المئات.
وقال أنييق "أخشى من أن ما حدث بعد مقتل جون قرنق يمكن أن يحدث
مجددا... أنا عائد لان الوضع في الجنوب افضل من هنا. افضل كثيرا. عشنا
هنا لاكثر من 30 عاما وليس هناك اي شيء جيد."
وفي ديسمبر كانون الاول قال الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي
سيصبح رئيسا للشمال وحسب بعد الانفصال ان الشمال سيتبنى دستورا اسلاميا
اذا اختار الجنوب الاستقلال. وقال فيما بعد ان على الجنوبيين اختيار ما
اذا كانوا سيحملون الجنسية الشمالية ام الجنوبية.
وقال دومينيك بارتش من مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين
للصحفيين في جنيف "يجدون أنفسهم الان في وضع ليست لديهم فيه اي ضمانات
بشأن وضعهم المستقبلي في السودان. هناك تصريحات متضاربة بشأن معاملتهم
مستقبلا."
وربما تكون الاوضاع المعيشية سيئة في معسكر مانديلا لكنها أقل صرامة
منها في الخرطوم. في المعسكر تتجول النساء بلا حجاب ويستمتع الشبان
بتدخين الشيشة (النارجيلة) وهو أمر محظور في الخرطوم.
وقال ماكول (25 عاما) الذي يعتزم العودة الى ولاية الوحدة في الجنوب
بعد 20 عاما قضاها في الخرطوم "من الافضل العودة الى الديار."
وفي الشهر الماضي اندلعت اضطرابات في ولاية جنوب كردفان وهي من
ولايات الشمال حيث يقاتل جيش السودان عصابات مسلحة متحالفة مع الجنوب.
وقالت كلير بولت مسؤولة التنمية والتنسيق في أحد المشاريع في المنظمة
الدولية للهجرة بالخرطوم "سيكون له أثر كبير هذا أكيد."
وحتى الان رحل نحو 300 الف جنوبي منذ اكتوبر تشرين الاول بالقطار او
بالعبارة النيلية او عبر الطرق وفقا لما تقوله المنظمة التي تقدم
المشورة للحكومتين. وتشير تقديرات مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين
الى أن ما يصل الى 1.8 مليون جنوبي لايزالون في الشمال. وقال ماكول
"الرحلة ستكون خطيرة لكننا سنذهب رغم هذا."
وتقطعت السبل بنحو 17 الف شخص في الخرطوم تركوا منازلهم في نوفمبر
تشرين الثاني بعد أن طلبت منهم الحكومتان الشمالية والجنوبية الانتظار
حتى يتم نقلهم وهو ما لم يتحقق حتى الان. بحسب رويترز.
وتغادر نحو ثلاثة قطارات شهريا الان الشمال محملة بالجنوبيين لكن
خبراء يقولون ان البرنامج الحكومي يواجه عثرات تتعلق بالتمويل وان هناك
حاجة الى مزيد من وسائل النقل.
وتقول بولت ان كثيرين يريدون حمل أثاثهم معهم حتى يستقروا بسهولة او
يبيعوه حين يصلون.
وتشير ارقام للمفوضية الى أنه تقطعت السبل بنحو 16 الف جنوبي في
مدينة كوستي الشمالية بعد أن وصلوا الى هناك بالقطار وانتظروا العبارات
النيلية لتقلهم الى الجنوب.
وقال بارتش من مفوضية شؤون اللاجئين "الاوضاع صعبة جدا جدا وهذا
الموقع (المعسكر) كان من المفترض ان يكون لالفي شخص. لدينا مخاوف خطيرة
بشأن وضع الصحة العامة لان الامطار ستبدأ قريبا جدا."
وقال بيتا اكوي وهو أحد زعماء المعسكر "الحكومة لم تساعدنا في
النقل. يجب أن ندفع مقابل كل شيء من أموالنا." وتابع قائلا وهو يجلس مع
جنوبيين اخرين في ظل كوخ "لا نحصل على اي مساعدة."
وقالت امرأة ذكرت أن اسمها مارسا ان عائلتها واصدقاءها اضطروا الى
ان يوفروا بأنفسهم شاحنة لنقل الاثاث. وتابعت قائلة "الحكومة لم تفعل
لنا اي شيء. استأجرنا هذه السيارة بأموالنا. لو لديك أمتعة كثيرة يجب
أن تدفع. دفعنا مقابل هذا من اموالنا."
ويأمل ديار انييق أن تزدهر جمهورية جنوب السودان الجديدة اقتصاديا
لان بها معظم النفط السوداني. وقال "يوجد نفط... انا متفائل. يمكننا
العثور على وظائف هناك. هنا ليس لدينا شيء."
لكن الحياة في الجنوب لن تكون سهلة. وسيضطر الجنوب الى تسديد مبالغ
مالية للشمال لاستخدام منشاته النفطية ومينائه الوحيد لبيع النفط الذي
يمثل 98 في المئة من عائدات الدولة.
وتركت عقود من الحرب الجنوب محطما ومتخلفا ولا يوجد به سوى القليل
من الطرق ومرافق البنية التحتية الاخرى. وتقول الامم المتحدة ان العنف
في الجنوب منذ الاستفتاء على الاستقلال في يناير كانون الثاني خلف اكثر
من 1800 قتيل. لكن هذا لم يثن كثيرين في المعسكر. وقال ماكول "نحن
جالسون هنا لا نفعل شيئا. ليست لدينا وظائف." |