هجرة الكوادر الصحية... ظاهرة مقلقة في دول النامية

 

شبكة النبأ: تفيد منظمة الصحة العالمية أن إفريقيا تتحمل 24 بالمائة من الأعباء المرضية في العالم ولكنها لا تضم سوى 3 بالمائة من القوى العاملة الصحية.

تقدر منظمة الصحة العالمية أن النقص العالمي في عدد العاملين الصحيين يبلغ 4.2 مليون عامل وعاملة، ولكن هجرة الأطباء والقابلات والممرضات والصيادلة من البلدان الفقيرة إلى البلدان الغنية تعني أن ذلك العجز ليس موزعاً بالتساوي؛ فمن بين 57 دولة تم تحديدها على أنها وصلت إلى نقطة الأزمة، توجد 36 دولة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وفي بعض البلدان ذات النظم الصحية الهشة والأعباء المرضية الثقيلة، غادر أكثر من نصف العاملين الصحيين المدربين تدريباً عالياً للبحث عن فرص عمل في الخارج، وفي بعض أسوأ الحالات، لم يتبق في المستشفيات الريفية سوى طبيب واحد فقط وحفنة من الممرضات للعناية بآلاف المرضى.

وعندما أصبح حجم أزمة القوى العاملة الصحية واضحاً منذ نحو خمس سنوات، استجاب المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية من خلال إقامة التحالف العالمي للقوى العاملة الصحية، الذي عقد منذ ذلك الحين منتديين عالميين حول الموارد البشرية الصحية، الأول في كمبالا في 2008 والثاني في وقت سابق من هذا العام في بانكوك.

وقد استعرض اجتماع بانكوك التقدم المحرز في 51 من أشد البلدان تضرراً، ووجد أن لدى 44 دولة الآن خطة لتنمية الموارد البشرية الصحية، على الرغم من أن 29 دولة فقط قد بدأت بتنفيذ تلك الخطط بالفعل. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

وفي عام 2010، أصدرت منظمة الصحة العالمية المدونة العالمية لقواعد الممارسة المتعلقة بالتوظيف الدولي للعاملين الصحيين التي تشجع الدول الأعضاء على عدم توظيف العاملين الصحيين من البلدان النامية التي تواجه نقصاً شديداً في هذه النوعية من الموظفين.

وقد اعتمدت جمعية الصحة العالمية هذه المدونة في مايو 2010، ولكن تنفيذها يبقى طوعياً ويعتمد على معالجة البلدان النامية، أو "بلدان المصدر"، لبعض العوامل التي تتسبب في هجرة العاملين الصحيين، وعلى إيجاد البلدان المتقدمة، أو "بلدان الوجهة"، لسبل تحد من الاعتماد على العاملين الصحيين المهاجرين.

وقال الدكتور جورج باريو من التحالف العالمي للقوى العاملة الصحية: "كانت هناك بعض قصص النجاح... فقد نفذت غانا ورواندا وإثيوبيا وملاوي برامج واسعة النطاق لزيادة أعداد العاملين الصحيين لديها".

وتحتل هذه المسألة مكانة بارزة الآن على جدول أعمال التنمية الدولية وقد أعربت الدول المانحة، التي هي أيضا دول الوجهة في كثير من الأحيان، عن استعدادها لدعم المبادرات الرامية إلى التخفيف من الأزمة.

ومن الواضح أن المهنيين المهرة الذين يتقاضون رواتب متدنية إلى درجة ترغمهم على الكفاح من أجل تغطية نفقاتهم سيبحثون عن فرص عمل برواتب أفضل في مكان آخر، سواء في القطاع الخاص أو المنظمات غير الحكومية، أو في الخارج.

وعادة ما تكون الاستراتيجية الأولى التي تتبعها البلدان التي تعاني من هجرة جماعية للعاملين في مجال الصحة العامة تقديم حوافز مالية، إما على شكل زيادات في الرواتب أو إغراءات تستهدف فئات العاملين الصحيين الذين توجد حاجة ماسة للاحتفاظ بهم، أو يعملون في المناطق الريفية التي تعاني من نقص في الخدمات. ولكن بالنسبة للحكومات التي تعاني من ضائقة مالية، فإن حجم ومدة هذه الحوافز كثيراً ما يتوقف على مقدار الدعم المقدم من الجهات المانحة.

وقد تلقت ملاوي دعماً كبيراً من وزارة التنمية الدولية البريطانية بين عامي 2004 و2010، لتنفيذ برنامج الموارد البشرية في حالات الطوارئ الذي شمل زيادة قدرها 52 بالمائة في رواتب جميع العاملين الصحيين وحوافز إضافية للعاملين في المناطق الريفية.

ووصفت مارثا كواتيني، المسؤولة بشبكة ملاوي للعدالة الصحية، هذه الإجراءات بأنها "تدبير لسد الفجوة" تم تصميمه للاحتفاظ بالموظفين الحاليين، في حين عملت مؤسسات التدريب على مضاعفة عدد الخريجين الجدد. وقد نجح البرنامج في تحقيق خفض كبير في عدد الأطباء والممرضات الذين يغادرون البلاد (لم يغادر البلاد سوى 16 ممرضة في عام 2009، مقارنة مع 108 في عام 2003)، لكن بعد أن انتهت المرحلة الأولى وأعلنت وزارة التنمية الدولية البريطانية أنها لن تجدد المساعدات لملاوي، تخشى كواتيني من إمكانية فقدان الزخم ومن أن يؤدي أي تخفيض في رواتب العاملين الصحيين إلى موجة جديدة من الهجرة.

وقد أظهر تحليل حديث للحوافز المالية كاستراتيجية للاحتفاظ بالعاملين الصحيين في جنوب إفريقيا وتنزانيا وملاوي، أجراه مركز السياسات والإدارة الصحية في كلية ترينيتي في دبلن، أن تلك الحوافز في الكثير من الأحيان تؤدي إلى نتائج غير متوقعة، مثل الاحتكاك بين الزملاء الذين يتلقون مستويات مختلفة من الحوافز. وخلص الباحثون إلى ضرورة "الحذر الشديد عند تصميم حزم الحوافز والإعلان عنها وتنفيذها".

المال ليس كل شيء

ولكن دفع المزيد من المال لا يكفي عادة للاحتفاظ بممرضة تعمل بأكثر من طاقتها ولا تجد الدعم الكافي في عيادة ريفية تفتقر إلى الأدوية الأساسية والمعدات اللازمة للقيام بعملها بشكل صحيح، كما لا توجد مدارس جيدة لتعليم أطفالها، أو فرص متاحة لمزيد من التدريب أو التقدم الوظيفي.

وقال باريو، المسؤول بالتحالف العالمي للقوى العاملة الصحية أن "أحد أكبر المثبطات - إذا كنت مدرباً على تقديم الرعاية وإنقاذ الأرواح - هو أن تجد نفسك في مكان بعيد يعاني من نقص الموارد ومكبل اليدين بسبب نقص الموظفين والمعدات والأدوية".

ويوجد في جنوب إفريقيا حوالي 67 طبيباً لكل 100,000 شخص، ولكن يعمل 22 فقط من هؤلاء في القطاع العام و5 في المرافق الصحية العامة بالمناطق الريفية، على الرغم من استحداث علاوات خاصة للأخصائيين الصحيين العاملين في المناطق الريفية.

ويعد بناء مساكن أفضل للموظفين، وضمان إمدادات موثوق بها من الأدوية والمعدات للمرافق الصحية، ومنح الموظفين فرصاً متكافئة للحصول على المزيد من التدريب وفرص التعليم هي بعض الاستراتيجيات التي تستخدمها البلدان لتحسين ظروف العمل في المناطق الريفية وجعل هذه الوظائف أكثر جاذبية.

ولم تتمكن مؤسسات التدريب الطبي في البلدان ذات الدخل المرتفع من مواكبة زيادة الطلب على العاملين الصحيين الناتجة عن متطلبات المصابين بالشيخوخة وزيادة الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب. وأشار باريو إلى أنه قد ثبُت أن توظيف العاملين الصحيين "الجاهزين" من بلدان أخرى أرخص وأسهل. وتحث مدونة قواعد الممارسة الخاصة بمنظمة الصحة العالمية الدول الأعضاء على تلبية احتياجاتها من العاملين في المجال الصحي من خلال تخريج عدد أكبر من الأخصائيين الصحيين الخاصين بها.

وقد تعهدت النرويج بانتهاج سياسة الاكتفاء الذاتي لاحتياجاتها من العاملين الصحيين والمساهمة في تعزيز النظم الصحية في البلدان المنخفضة الدخل. كما قامت المملكة المتحدة بترتيبات ثنائية مع جنوب إفريقيا لتجنب توظيف العاملين الصحيين على نحو غير أخلاقي ونقل المهارات من خلال توظيف أخصائيين صحيين بريطانيين لفترات قصيرة في بعض المستشفيات والمدارس الطبية في جنوب إفريقيا.

كما تحاول مبادرة أطلقتها المنظمات غير الحكومية في جنوب إفريقيا عكس اتجاه هجرة العقول عن طريق توظيف العاملين الصحيين المهرة من المملكة المتحدة للعمل في المستشفيات الريفية التي تعاني من نقص الأخصائين في البلاد. ومنذ إنشائها قبل خمس سنوات، عينت منظمة التوظيف الصحي في إفريقيا أكثر من 2,000 طبيب بريطاني حريص على تجربة المعيشة في قارة مختلفة وعلاج الأمراض التي لن يراها في وطنه.

وتستمر معظم الوظائف لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات فقط، ولكن وفقاً لموظفة الإعلام جانيت سترايدوم، فإنه غالباً ما يكون لتوظيف جميع العاملين في مستشفى لتكوين فريق عمل ديناميكي تأثير متنامي ككرة الثلج. وأضافت قائلة: "سوف يذهب إلى هناك المزيد من المرضى ويبدأ الأطباء المحليون في طلب شغل وظائف، وعندما يحين الوقت لمغادرتهم، تكون البدائل موجودة". بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

ووصف بعض المراقبين التوظيف النشط للعاملين الصحيين الأفارقة من قبل الشركات ووكالات التوظيف الغربية على أنه انتهاك لحقوق الشعوب الإفريقية في الحصول على الرعاية الصحية.

وأشار آخرون إلى أن المدونة العالمية لقواعد الممارسة، فضلاً عن غيرها من التدخلات الرامية إلى الحد من هجرة العاملين الصحيين، تشكل انتهاكاً لحق العاملين الصحيين في مغادرة بلدانهم مثل غيرهم من العاملين للبحث عن حياة أفضل.

ولكن باريو يصر على أن المدونة تضع فقط بعض المبادئ لتوظيف العاملين الصحيين بشكل أخلاقي أفضل، "مع احترام حق الناس في الهجرة".

ولكن كواتيني وصفت المدونة بأنها انتهاك محتمل لحقوق الإنسان. "لماذا ينبغي علينا أن نعقد الاتفاقات المتعلقة بالعاملين الصحيين فقط؟ إنهم كبشر، لديهم الحق في البحث عن عمل في المكان الذي يريدونه".

منع الناس من التنقل

لونغيل نداكي، البالغة من العمر 58 عاماً، التي تدربت كممرضة في جنوب إفريقيا ولكنها انتقلت إلى المملكة المتحدة منذ ثماني سنوات لتولي وظيفة في مستشفى خاص في مدينة باث. وقد تحدثت لونغيل حول ما دفعها لاتخاذ هذه الخطوة، والسبب وراء تفكيرها الآن في العودة إلى بلادها: "عملت في القطاع العام عندما كنت في مرحلة التدريب فقط، وعندما أنهيت تدريبي كنت حاملاً... كانت الطريقة الوحيدة للحصول على وظيفة [في القطاع العام] كممرضة مؤهلة حديثاً هي الذهاب إلى العيادات الريفية. لم أكن أرغب في العمل في المناطق الريفية. عملت معظم حياتي في مستشفيات خاصة وكنت أكسب 5,000 أو 6,000 راند ( 740أو 888 دولاراً) في الشهر.

غادرت بلدي أول مرة عام 1999 كي آتي إلى المملكة المتحدة وأقضي فيها سنة واحدة... أردت فقط أن أراها على الطبيعة، وعملت في المستشفى العام في برمنغهام. عدت مرة أخرى إلى جنوب إفريقيا وقضيت أربع سنوات ثم رجعت إلى انكلترا في عام 2003.

تأتي معظم الممرضات من أجل الحصول على المزايا المالية، لكنني أتيت لأنني أصبحت مطلقة ولم أتمكن من تغطية نفقاتي من راتبي في جنوب إفريقيا.

لا توجد مقارنة بين العمل هنا والعمل في جنوب إفريقيا ... الممرضات في جنوب إفريقيا على درجة عالية من المهارة، لكنك عندما تأتي إلى هنا تفقد مهاراتك لأن التمريض هنا يخضع لقيود شديدة. إنهم لا يدعون الممرضات يتولين الكثير من المهام وهذا أمر محبط بالنسبة لمعظمنا.

تعمل معظم الممرضات من جنوب إفريقيا في نهاية المطاف في دور رعاية المسنين ويقمن بأعمال بسيطة جداً. إنهن لا تأتين هنا لاكتساب الخبرة، بل من أجل المال، ودور رعاية المسنين تدفع المزيد لأنهن يستطعن العمل لأوقات إضافية. تكلفة المعيشة هنا مرتفعة والرواتب ليست عالية جداً، ولكن سبب مجيئنا هنا هو سعر الصرف.

أعمل الآن في باث في مستشفى خاص. لقد أصبحت مؤهلة لممارسة التمريض منذ 30 عاماً، ولكنني أعمل مع فتيات صغيرات. عندما تأتي هنا، تُعامل على أنك مواطن من الدرجة الثانية. هناك شي من العنصرية. يستغرق الناس وقتاً لقبولك كمحترف لأنك أتيت من إحدى بلدان العالم الثالث وهم يفترضون أنك لا تعرف شيئاً.

الآن، وبسبب أعداد [المرضى] المصابين بفيروس نقص المناعة البشري وجميع الأمراض الانتهازية في جنوب إفريقيا، أصبح عبء العمل هناك أكبر، ولكن تم تعديل الرواتب. في الواقع، يمكنك أن تكسب أكثر الآن في القطاع العام [من القطاع الخاص] وتوجد فرص أكثر للتطوير المهني.

أفكر في العودة لأسباب مهنية وشخصية. أشعر بالوحدة هنا، ولا يوجد نظام دعم؛ وأنت لا تفعل شيئاً سوى العمل. أرغب في العمل في مجتمع أو في عيادة خاصة حيث تكون ساعات العمل عادية، من التاسعة صباحاً إلى الخامسة مساءً، وأن أكون قادرة على أخذ الأمور ببساطة. لا أريد أن أعمل عملاً شاقاً في مثل سني. قد أفكر في القطاع العام إذا كان بإمكاني العمل في أحد المجتمعات وتحت ظروف عمل جيدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/تموز/2011 - 12/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م