الإخوان المسلمون في مصر... البحث عن دور ومكان

 

شبكة النبأ: منذ انتهاء عهد الرئيس مبارك في الحادي عشر من فبراير الماضي والعديد من المراقبين السياسيين يتساءلون هل يهمين الاخوان المسلمين الآن على الساحة السياسية في مصر؟

والذي لاشك فيه ان جماعة الاخوان سوف تسعى بصفتها اكبر واكثر مجموعات المعارضة شعبية لدور في الحكومة، الا ان هذا لن يحدث على ما يبدو الا بعد ان تتحول لحزب رسمي.

لكن اولئك الذين الذين يؤكدون على ما يطلقون عليه «خطر الطغيان الاسلامي» يلاحظون ان الاخوان المسلمين بدأوا كمجموعة مناهضة للنظام تسعى لاقامة حكم الشرع ثم انخرطت باعمال عنف ضد خصومها في الفترة التي سبقت عام 1952 بل ولاتزال تتخذ مواقف مناهضة للغرب والصهيونية، وتطلق شعارات ضد السامية.

ويرى الكاتب كاري روزفسكي في تحليله المنشور في موقع فورين أفبرز، ان تصوير الاخوان كمجموعة قادرة على الاستحواذ على السلطة، ومن ثم فرض رؤيتها الخاصة بالشريعة على مواطنين غير راغبين بها، هو امر يجافي الحقيقة ومثير للسخرية لأنه يبالغ في ابراز صفات معينة في الحركة ويتجاهل اخرى، ويقلل من اهمية التغيير الذي طرأ عليها مع مرور الوقت.

والحقيقة ان حركة الإخوان المسلمين، التي اسسها حسن البنا في 1928، كان لها على الدوام وجود مستمر اكثر من اية مجموعة اسلامية اخرى معاصرة. غير انها لم تتأسس في البداية كحزب سياسي بل كجمعية للدعوة الاسلامية تستهدف دفع المسلمين للتقوى والالتزام، وذلك من خلال الوعظ، الخدمات الاجتماعية ونشر الالتزام الديني.

ويتابع، بيد ان هذه الجماعة كانت ترى في فهمها للإسلام هو الفهم الوحيد الصحيح، وهذا ما جعلها لا تعترف بالاحزاب الأخرى ثم دعت المصريين للتوحد في مواجهة قوى الصهيونية والاستعمار، وسعت للتطوير الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.

الضباط الأحرار

ويشير كاري، لذا لم يكن مستغرباً ان تأثرت حركة الضباط الاحرار، التي استولت على السلطة في مصر عام 1952، بالاخوان المسلمين، وتقاسمت معهم الكثير من القضايا المهمة. غير ان النظام الجديد الذي قاده فيما بعد جمال عبدالناصر لم يؤيد دعوة الاخوان المسلمين للعمل بحكم الشرع ورأى في الجماعة منافساً قوياً. لذا استثمر محاولة فاشلة قام بها احد اعضاء الاخوان لاغتياله الذريعة لسحقهم، فقد عمد بعد ذلك للزج بالآلاف من اعضاء الحركة في معسكرات اعتقال بالصحراء، وارغم آخرين منهم على الهروب الى المنفى او الاختفاء.

ويضيف، من الملاحظ هنا ان زعماء الاخوان المسلمين تعلموا دروسا مختلفة من تجربتهم هذه خلال سنوات ناصر، فبينما اصبح البعض منهم مثل المفكر الايديولوجي سيد قطب راديكاليا، واعتبر ان «الجهاد» هو الطريقة الوحيدة لمواجهة سلطات الدولة الحديثة القاهرة، طالب حسن الهضيبي الذي خلف البنا كمرشد عام للاخوان بالتزام الحذر وتوخي الحكمة. وعندما جاء عمر التلمساني الذي خلف الهضيبي في 1972، اعلن عن نبذه العنف كاستراتيجية داخلية بالكامل، وذلك عندما سمح الرئيس انور السادات للمجموعة بالانضمام للعمل السياسي.

مشاركة

ويقول كاري، هكذا بدأ الاخوان المسلمون في مستهل عام 1984 بتقديم مرشحيهم للانتخابات في مجالس ادارات النقابات المهنية في مصر وفي البرلمان، وحدث هذا اولا من خلال المشاركة مع الاحزاب الشرعية ثم كمستقلين بعد تغيير قوانين الانتخابات. غير ان بعض قادة الاخوان عارضوا مثل هذه المشاركة لخشيتهم من ان يضطروا للمساومة على مبادئهم، الا ان التلمساني وبعض رفاقه برروا هذه المشاركة السياسية باعتبارها جزءا من المهمة التاريخية للاخوان، واكدوا لنقادهم انها لن تبعدهم عن الوعظ وتقديم الخدمات الاجتماعية.

مفارقة

ويتابع، لكن على الرغم من ان حركة الاخوان المسلمين دخلت النظام السياسي بهدف تغييره، انتهى بها المطاف على ما يبدو بان تتغير هي نفسها من خلال هذا النظام. فقد انخرط زعماء الاخوان الذين تم انتخابهم في النقابات المهنية بحوار متواصل مع اعضاء الحركات السياسية الاخرى بما فيها حركة القوميين العرب العلمانية، وتمكن زعماء الحركتين من خلال مثل هذا التفاعل من ايجاد ارضية مشتركة في الدعوة لتوسيع دائرة الحريات العامة، الديموقراطية واحترام حقوق الانسان وحكم القانون، واعترفوا انهم كانوا قد اهملوا مثل هذه المبادئ في الماضي.

وما ان بدأ عقد التسعينيات حتى اخذ الكثيرون من الاخوان يطالبون بالاصلاح الداخلي بل ورفع بعضهم شعار اعادة النظر بايديولوجية الاخوان، ومنها مواقفها من مبدأ التعددية الحزبية وحقوق المرأة.

كما انتقد اخرون احتكار الحرس القديم للقرار داخل مكتب الارشاد في الحركة، وطالبوا بالشفافية والمساءلة والالتزام الصارم بالقانون الداخلي الذي يحكم عملية انتخاب الزعماء وتحديد السياسة العامة للجماعة.

ويبدو ان السخط المتزايد بسبب عدم مرونة قيادة الحرس القديم في الاخوان دفع بعض الاعضاء البارزين في جناح الاصلاح عام 1996 الى الانشقاق عن الحركة والسعي للحصول على ترخيص حكومي من اجل تشكيل حزب سياسي جديد اطلقوا عليه اسم «حزب الوسط»، ثم ساعد زعماء هذا الحزب في اطلاق «حركة التغيير» التي عرفت بشعارها «كفاية» بين عامي 2004 و2005، وعمل هؤلاء مع انصار الديموقراطية في مشاريع معينة تتعلق بـ«الشخصية المدنية» والدستور والاستعداد لوصول حكومة ديموقراطية جديدة للسلطة.

ومن الملاحظ ان اعضاء هذه المجموعة تمكنوا بسرعة خلال الاحتجاجات الاخيرة في مصر من تفعيل شبكة اعمالهم من اجل المساعدة بتشكيل جبهة متحددة للمعارضة. ومن المتوقع ان يلعب هؤلاء الاعضاء الآن دورا اساسيا في رسم ملامح دستور مصر الجديد.

تحول

وينوه كاري في تحليله الى كون، لابد من الاعتراف ان التغييرات المهمة التي طرأت على حركة الاخوان المسلمين تمثل تحولا واضحا عن ماضيها السابق المناهض للنظام على نحو قاطع. فقد تعود زعماء الاخوان خلال السنوات الثلاثين الاخيرة على المنافسة الانتخابية والتمثيل البرلماني وتمكنوا من تطوير مهارات جديدة في إقامة علاقات اوثق مع الناشطين المصريين الآخرين من الباحثين والصحافيين والسياسيين من خارج المعسكر الاسلامي.

والواقع ان نداءات انتقاد الذات والمطالبة بالإصلاح فتحت نقاشا حاميا حول قضايا سياسية كانت سابقا من اختصاص المرشد العام ومستشاريه الوثيقين فقط، وهكذا اصبحت قيادة الاخوان اليوم اكثر تنوعا داخليا مما كانت عليه في اي وقت مضى من قبل.

ثلاث مجموعات

ويضيف، اذا كان من غير السهل تصنيف فصائلها، الا ان بالامكان القول ان هناك الآن ثلاث مجموعات رئيسية يمكن وصف الاولى منها بـ«فصيل الدعوة»، الذي يضم محافظين أيديولوجيين، وله تمثيل قوي في مكتب الارشاد ومكاتب حركة الاخوان المحلية في الاقاليم، وهو يستمد سلطته الرئيسية من سيطرته على العمليات البيروقراطية ومخصصات الموارد.

ولأنه يسيطر على عملية تأهيل المتطوعين الجدد، استطاع ان يزرع الولاء في اوساط الشباب في المناطق الريفية بشكل خاص.

ويشكل الفصيل الثاني الذي يمكن ان ندعوه بـ«المحافظون البراغماتيون» الجناح الرئيسي لهذه المجموعة، وهو يجمع بين النزعة الدينية المحافظة والإيمان بأهمية المشاركة والتعامل مع الاطراف الاخرى، ويمكن القول ان معظم اعضاء الاخوان المسلمين يتمتعون بخبرة تشريعية ومنهم اعضاء في البرلمان منذ وقت طويل مثل سعد الكتاتني ومحمد مرسي ينتمون جميعا لهذا الفصيل.

اما الفصيل الثالث والأخير فيتألف من مجموعة دعاة الاصلاح الذين اختاروا البقاء مع الاخوان بدلا من الانشقاق عنهم.

بيد ان تمثيل هذه المجموعة التي تنادي بتفسير تقدمي عصري للاسلام، ضعيف في مكتب الارشاد وليس لديها اتباع كثيرون على مستوى القاعدة، لكن على الرغم من هذا اصبح عبدالمنعم ابوالفتوح، الذي هو من ابرز شخصيات الاخوان المسلمين الاصلاحيين، نموذجا مهما ومصدرا للالهام بالنسبة للجيل الجديد من الناشطين الاسلاميين المؤيدين للديموقراطية داخل وخارج حركة الاخوان المسلمين.

ولعل من المفيد الاشارة هنا الى ان ابو الفتوح كان قد اقترح بان تلقي الحركة ثقلها وراء مرشح رئاسي علماني مثل الدكتور محمد البرادعي، كنوع من الاستجابة للأمر الواقع اليوم.

ومهما يكن الامر، من الملاحظ ان الافراد المرتبطين بفصيل الاصلاح في الاخوان كانوا هم اول من انخرط في الانتفاضة الجماهيرية وقيادتها في مصر.

لذا من غير المستغرب ان يكون المدون الاصلاحي مصطفى النجار واحدا من المتحدثين الرئيسيين في التآلف الوطني للتغيير الذي يقوده البرادعي.

لكن على الرغم من هذا لاتزال مشاركة الاخوان ضعيفة فالحركة لم تعبئ صفوفها الا في الثامن والعشرين من يناير اي بعد بداية الاحتجاجات.

رموز غائبة

ويؤكد، على عكس التظاهرات السابقة التي كان اعضاء الاخوان المسلمين يحملون خلالها نسخا من القرآن الكريم، ويطلقون فيها شعارات معينة مثل «الاسلام هو الحل»، كانت الرموز الدينية غائبة عن مسرح الاحداث هذه المرة.

ويبدو ان الاخوان يعرفون من تجربتهم الذاتية ان ظهورهم على نحو كثيف او قيامهم بدور اكبر يمكن ان يعرضهم لخطر القمع والملاحقة كما حدث لهم بعد ادائهم المعنوي في انتخابات عام 2005 البرلمانية.

لذا تمثلت اولويتهم الفورية في المرحلة الاخيرة بالتزام الحذر من اجل ضمان تنحي مبارك ووضع حد لعهد الفساد والدكتاتورية الذي ارتبط بحكمه.

ولهذا ساند الاخوان في الآونة الاخيرة ومعهم ايضا مجموعات المعارضة الاخرى الدكتور محمد البرادعي.

ولما كانوا يدركون ان التحول اللطيف نحو النظام الديموقراطي سيتطلب قيام حكومة مؤقتة مقبولة لدى العسكر والغرب، اعلنت حركتهم انها لن تسعى للحصول على اية مناصب في الحكومة الجديدة.

من الواضح اذا ان الاخوان باتوا عمليين جدا وحذرين كثيرا كي لا يبددوا سمعتهم التي كسبوها بشق النفس لدى المصريين كحركة سياسية مسؤولة، وهم لا يريدون ايضا ان يكونوا سببا لحدوث انقلاب عسكري بسعيهم للوصول الى السلطة.

ترحيب

ويستدرك الكاتب قائلا، لكن على الرغم من هذا، من غير الواضح بعد ما اذا كان الاخوان سيستمرون في ضبط النفس والتحلي بالبراغماتية او تكون الكلمة الاخيرة بالنهاية لزعمائهم التقدميين، ومهما يكن الامر من المرجح ان يلقى دعاة الاصلاح من الاخوان ترحيبا لدى مجموعات المعارضة الاخرى عندما تشارك في وضع دستور جديد وتحديد اطار عمل الانتخابات المقبلة.

لكن يبقى ان نعرف ما اذا كان الاخوان كمنظمة، وليس كأعضاء افراد فقط، سيقبلون ام لا دستورا لا يشير على الاقل الى الشريعة الاسلامية، ويحترم حقوق كل المصريين في التعبير عن افكارهم وتشكيل الاحزاب.

كما يتعين على الاخوان توضيح مواقفهم الغامضة ازاء حقوق المرأة وغير المسلمين، وتطوير برامج ملموسة لمعالجة مشكلات البلاد الاجتماعية والاقتصادية واستخدام نفس البراغماتية التي اظهروها على الساحة الداخلية في التعامل مع مسائل السياسة الخارجية ومنها العلاقات مع الغرب واسرائيل. لقد بينت حركة الاخوان المسلمين انها قادرة على التطور مع مرور الوقت.

ولذا تكمن افضل وسيلة لتقوية التزاماتها الديموقراطية في ادراجها ضمن العملية السياسية والعمل لضمان الا تستطيع اية مجموعة مهما كانت احتكار سلطة الدولة مع تأمين الحريات لكل المواطنين بموجب القانون.

ويشير، غير ان الاخوان لايزالون يتخذون على صعيد السياسة الخارجية مواقف مناهضة للصهيونية والولايات المتحدة ويطالبون بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين، وربما يعملون على اعادة النظر بعلاقة مصر مع اسرائيل من خلال القنوات الدستورية، ومن المرجح ايضا الا يساندوا ابدا مصالح الولايات المتحدة واسرائيل في المنطقة كما فعل مبارك.

لكن على الرغم من هذا، على الولايات المتحدة تشجيع الاخوان للاستمرار في نهجهم البراغماتي وتوخي الحكمة، فما من شك في ان حركتهم التي حافظت على سلوك مسؤول طوال السنوات الثلاثين الماضية، التي تمتلك قاعدة شعبية قوية تستحق ان يكون لها مكان الى الطاولة في عهد ما بعد مبارك، لان التحول الديموقراطي في مصر لن ينجح دون مشاركتها فيه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/تموز/2011 - 11/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م