السكن... وطن يصون كرامة الإنسان العراقي

 

شبكة النبأ: تتردد على ألسنة الناس، من العراقيين او غيرهم من العرب والمسلمين، جملة بسيطة في مبناها، لكنها عميقة وخطيرة في معناها، الجملة تتكون من مفردتين فقط تقول (السكن وطن).

يتضح من هذه الجملة، أن شرط السكن يعادل شرط المواطنة، فمن لا سكن له لا وطن له، وقد يصح عليه القول، أنه لا يشعر بالمواطنة الصحيحة التي تساعد في بناء دولة متوازنة وراقية ومجتمع متطور ومتماسك في آن، والسبب في أزمة السكن بين المواطنين العراقيين، تلك السياسات الحكومية الطائشة التي لم تقم قط، على أسس علمية في مجال التخطيط العمراني وسواه، فترى الحكومة مشغولة عن أهم قضية تتعلق بالمواطن والعائلة، ألا وهي قضية السكن.

في بلد مثل العراق يطفو على بحيرة من النفط، ويتمتع بثروات معدنية وزراعية هائلة، قد يبدو الكلام عن ازمة سكن أو أزمة فقر مسألة مضحكة حقا، فهذا البلد الذي يمكنه أن يتسع لسكان الصين الذين بلغوا مليارا ونصف المليار، بسبب سعة أراضيه الشاسعة، هذا البلد الثري والصغير نسبيا من حيث عدد السكان، يعيش أزمة سكن!

وبدلا من أن تسعى الجهات المعنية، لتوفير قطعة ارض سكنية لكل عائلة عراقية، بل لكل فرد عراقي، تراها منشغلة بجوانب واهتمامات اخرى، لا ترقى الى مشكلة السكن التي، إما أن تؤازر المواطنة، وإما تدمرها، ولا يوجد حل وسط بين هاتين النتيجتين.

والمشكلة التي تتسبب بألم كبير للعراقيين، أن أمر السكن اذا تعلق بقادة الدولة وأعضاء الحكومة، فإنه لن يشكل أزمة، بل سرعان ما ترى رئاسة الوزراء والوزارات المعنية توزّع الأراضي السكنية الواسعة على الوزراء ونوابهم، والمدراء العامين كقطع الحلوى بالمناسبات، هكذا يبدو الامر سهلا ومحلولا اذا تعلق الامر بالمسؤولين الكبار، فليست هناك مشكلة في السكن اذا تعلق الامر بالوزراء كما حدث مثلا في الأمر الذي اصدرته الحكومة بتوزيع أراض على بعض المنتسبين الكبار، تقع في اماكن مهمة من بغداد (على شاطئ دجلة)، ويُضاف الى ذلك منحهم المساعدات والقروض المالية التي تدعمهم، في بناء هذه القطع بأسرع مدة، وبأفضل خيارات البناء الهندسية او مواد التشييد وما شابه.

ولكن حين يتعلق الامر بالمواطن العادي، فإن السكن سيتحول الى أزمة، والحصول على قطعة ارض تصون المواطنة تصبح مشكلة المشاكل، وترى المشرعين العراقيين ناشطين في سن القوانين التي تحد من قدرة الناس بالحصول على قطعة سكن تصون كرامتهم، وتحفظ نفوسهم وعوائلهم من حالات الامتهان والتشرد، ورحلة البحث المريرة عن ايجار شقة او دار متواضعة، ومن لا يملك بدل الايجار بسبب ارتفاعه، فإنه لجأ الى حل آخر ضاعف من إهدار كرامته حين شاعت قضية مؤسفة اطلق عليها الناس تسمية (التجاوز)، بمعنى تشييد الارض بدار سكنية خلافا للقوانين الوضعية، التي هي أصلا من أفعال الحكومة التي أسهمت بمضاعفة هذه الازمة بين الفقراء بالدرجة الاولى، ولو اردنا المقارن بين أزمة السكن الراهنة وبين الحلول التي طرحها الاسلام للتصدي لقضية السكن، لوجدنا بونا شاسعا بين ما تقوم به الحكومات الآن بصدد السكن، وبين الحلول التي وضعها الاسلام لمعالجة هذه القضية.

فقد جاء في احد مؤلفات الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) قانون إسلامي ساهم بحل هذه الازمة وفي صون كرامة الانسان، من خلال قانون (الارض لمن عمَرها) وطالما أن العراق بلد مترامي الاطراف، وفيه اراض سكنية شاسعة، وأن الناس على استعداد لزراعة هذه الارض وبنائها، فإن أزمة السكن لا وجود لها في ظل مثل هذه القوانين، ولكن حين تحمي القوانين كبار الناس في الدولة، وتمنحهم بدلا من البيت قصورا وفللا، فيما يبقى الفقير مشردا بين كماشة (الايجار والتجاوز)، فحين تفعل الحكومة ذلك أمام مرأى الجميع، فإن أزمة السكن وإهدار كرامة الانسان وضعف الشعور بالمواطنة سيبقى قائما ما بقيت مثل هذه الحكومات الفاسدة.

لذلك على البرلمان العراقي، وهو الجهة التشريعية الاولى والمهمة في البلاد، عليه أن يبادر الى وضع التشريعات والقوانين اللازمة التي تسهم في حل هذه المعضلة، وتضمن حاضر ومستقبل الفرد والعائلة العراقية، وتتدخل بقوة في رفع الذل والمهانة التي تقع على الناس.

ومن هذه التشريعات على سبيل المثال، المبادرة لتخصيص قطعة ارض لكل مولود جديد تسجل بإسمه في دائرة العقاري، مع وضع مبلغ من المال باسمه في احد البنوك على أن يتضاعف مع تصاعد عمر الانسان، من خلال آلية فوائد مدروسة من لدن المعنيين، وحين يكبر المولود ويصبح عمره 18 عاما، يكون بمقدوره تشييد قطعة السكن، إن الكلام عن مثل هذه القوانين ليست ضربا من الاحلام، فالارض موجودة والاموال العراقية موجودة ايضا، والمشكلة في التخطيط والتشريع والتنفيذ، أي أن الامر يتعلق بالبرلمان والحكومة معا، نضع امامهم مثل هذه الاقتراحات وغيرها، لكي يشعر الانسان العراقي بكرامته مصانة، وحقوقه محفوظة، فيؤمن بالوطن الذي منحه سكنا، وصان كرامته من الذل والامتهان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/تموز/2011 - 11/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م