ثقافة المسدس... إرث اجتماعي أم ظاهرة متجددة؟

عدنان الصالحي

 

شبكة النبأ: قطعة من السلاح المصنوع من السبائك الخاصة تحمل عادة للتفاخر في المجتمعات الريفية او للدفاع عن النفس لدى القوى الأمنية، قد يكون تعريفها هكذا او قريب منه فالـ (مسدس) الذي يرى البعض بان ارتدائه يمثل جزء من حضارة تاريخية عريقة او مكمل لبناء شخصيته أو رمزية لحالة اجتماعية تفاخرية، أصبح لدى العراقيين يمثل تاريخا مزعجا ومملا ارتبط بسنوات القمع الوحشية التي مارسها نظام صدام بحق المواطنين.

فقطعة السلاح هذه لم تكن مخيفة بقوتها على أطلاق الرصاص بل أنها تمثل علامة لتاريخ القمع الأمني ألصدامي ولسنواته الوحشية، حيث يصف بعض العراقيون هذه الثقافة بأنها (من أتعس ما مر على العراق من ترويع وخوف، ويؤكدون أنها وسيلة قمع كبرى وإن لم يطلق المسدس النار) إلا إنها طريقة للتهريب النفسي.

 فقد كان متعارفا لدى العراقيين عامة بان من يحمل هذا السلاح إنما هو احد المتنفذين سلطويا او عميلا امنيا او استخباريا لدى حكومة البعث، وهذا الشخص كان يمتلك صلاحيات واسعة بالتعامل مع المواطنين وبشتى الطرق منها الترهيب والتغيب والاعتداء بالشتم والضرب والابتزاز الى غير ذلك من جرائم بحق سحق كرامة الإنسان العراقي وامتهانه .

هذه الثقافة التي سئم اغلب العراقيون منها وتمنوا بفارغ الصبر الخلاص منها ليس كرها بالقانون ولكن بمن يستغله لصالح نفسه وشهواته وسطوته لا غير، اليوم وبعد بزوغ شمس الحرية على بلدنا بدأت وللأسف الشديد تطل برأسها من جديد، وللأمانة فان الأشخاص الحاملين له وان لم يرتكبوا في اغلبهم تصرفات المن ألصدامي ولكنهم بدا يسيرون ببداية طريق قد توصلنا الى نهايته، لا سامح الله.

فطريقة حمل السلاح الشخصي تمثل لدى المتخصصين النفسين قراءات مختلفة الا أنها بمجملها تكون علامة مميزة لعسكرة المجتمع وهي خلاف تمدنه او مؤسساته، فالمجتمعات جميعها بحاجة لرجل الأمن ولكن ليست بالطريقة (الكوبوي) البوليسي، وإنما من أهم أهداف رجل الأمن هو إشاعة الطمأنينة لدى المواطن البسيط، وهذا لا يحدث بإشهار السلاح بشكل علني او الإيحاء للمقابل بالقوة او الغلظة.

في العراق الجديد وبعد قرون وسنوات من الترهيب الحكومي والأمني يتطلب من أجهزة الأمن والقوى العسكرية التعامل بدقة عالية وبحساسية كبيرة مع مشاعر شعب كان يرى في الجيش والشرطة وباقي القوات الأمنية عبارة عن وجهة لعملة واحدة وهي صورة البطش والترهيب، او صورة القائد الأوحد، فلا نبالغ اذا ما قلنا بأننا نتعامل مع مشاعر لا تكاد تتحمل المزيد من هذه الصور المقززة في ذاكرة العراقيين.

ولذا فأننا بحاجة لإخفاء هذه الصورة وتغييب هذه الثقافة التي أصبحت جزء من عالم القسوة والبداوة واستبدالها بثقافة رجل الأمن المتمدن الذي لا يشهر سلاحه إلا للضرورة القصوى، ورغم إننا نعي الظرف الذي يعيشه البلد ولكن يجب ان نرتقي بتصرفاتنا وطريقة تعاملنا الى مجتمعنا الجديد وبلباس الثقافة العسكرية المتزنة لا الرجوع الى ثقافة التبختر والتباهي دون معرفة حقيقة هكذا انعكاسات على طبيعة العلاقة بين المواطن ورجل الأمن فكلما حاول رجل الأمن التواضع كلما ارتفعت ثقة المجتمع به وزاد الدعم المعنوي والشرعي له وهو أعلى رصيد واهم سبب يكمن وراء نجاحه كرجل امن وصورة من صور الطمأنينة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/تموز/2011 - 11/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م