الصنمية هي من اخطر العوامل التي تفتت المجتمع –وتخلق عناصر
الحساسية والخصومة بين افراد المجتمع الواحد. لان الذي يمتلك العقلية
الضيقة ولا يتسع ذهنه للرأي الاخر وايجاد مساحة مشتركة بينه وبين من
يختلف معه ويرى بنفسه او بمن يصنمه هو اقدس الاقداس وغير قابل للنقد
والنقاش واذا مسهم احد من الناس بالنقد يكون حكمه كالمتجاوز على الله
ولعله لو تجاوز الناس على الله لاينفعل مثل ماينفعل لو اتجاوز احد على
صنمه الذي يقدسه, وحتى لو اخطأ صنمه فتجد وسائل التبرير والدفاع جاهزة
,وسمة الانفعال من المدافع والتسقيط للناقد جاهزة.
الصنمية انواع-صنمية الافراد-صنمية الاسرة-صنمية الحزب او الحركة =صنمية
الطائفة او القومية= وتتسع حتى تصل مداها الى آفاق كبيرة.
ولقد شخص القرآن الكريم هذه الصنمية باتجاهين-صنمية الهوى والانا }وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28, {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ
إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً }الفرقان43 –وصنمية
المجموعات البشرية التي تؤدي الى التفتيت الاجتماعي {فَتَقَطَّعُوا
أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
}المؤمنون53, {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً
كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}الروم32.
اقول اننا اذا لم نبادر الى وعي جديد ينطلق من انسانيتنا وديننا
ونتحرر من هذه القيود التي شرنقتنا حتى اختنقت بنا المساحات المشتركة
التي ضيقناها على انفسنا ,فاننا سنكون من القوم المستبدلين.
فلنجعل قاعدة لامقدس في الحوار هي اساس حوارنا ونجمع كل السبل
والمساحات المشتركة التي تجمعنا مع الاخرين على انواعهم والوانهم
وعقائدهم منطلقين من القاعدة الانسانية المشتركة التي تجمعنا. فالعراق
للجميع والجميع للعراق. ومن يريد ان يحترم انسانيته فليتحرر من صنميته
ويجد اكبر المساحات المشتركة للحوار البناء وتهديم كل العقبات التي
تواجه مسيرة العاملين المخلصين لتهديم كل المفاهيم المغلوطة التي تعرقل
المشروع الانساني في العراق-دولة الانسان في العراق.
فلنكن يدا بيد لتفتيت كل عناصر الشر ولنحمل معاولنا لتهديم اصنامنا
ونعبد الطريق للاخوة والمحبة الانسانية حتى نكون من المرحومين وليس من
الملعونين.
كيف نتحرر من الصنمية؟
ان معركة المواجهة مع الصنمية تحتاج الى مقدمات صحيحة , وبدون توفر
المقدمات الصحيحة فسيكون عملنا غير ناضج وسوف نعيش بصنمية جديدة.
اولا علينا معرفى اسباب تولد الصنمية في المجتمع وهي:
1- الجهل
2-الفراغ العقائدي
3-الحاجة الاقتصادية
4-العصبية القبلية-العصبية الحزبية-العصبية الفكرية-العصبية
المذهبية وغيرها.
فحينما نشخص الاسباب يسهل علينا المعالجة رغم كل التحديات التي
تواجهنا –لان محاربة الصنمية مسؤولية انسانية ووطنية ودينية –والارهاب
الذي نواجهه اليوم في مجتمعنا هو نتاج لهذه الصنمية الي ذكرنا اسبابها.
إذن فلابد ان نتحرر من هذه القيود واول هذه القيود هي اصنام الشهوة ,لان
اصنام الشهوة تحطم المحتوى الداخلي للانسان وتجعله يقلب كل الموازين من
اجل تحقق رغباته وتسلبه حريته الانسانية. فإذا استطاع الانسان ان يتحرر
من الصنم الاول (الهوى والانا) التي تمثلهما الشهوة. وحينما يستطيع ان
يحطم صنم نفسه ,يكون قادرا على تجاوز ,يستطيع ان يتحرر من الاصنام
الاجتماعية التي تعيق علاقات الافراد فيما بعضهم البعض من خلال منطلق
انساني هو قاعدة الكلمة السواء التي تجمع كل الناس على المشتركات
الانسانية, بعيدا عن الاستعباد والاستغلال اللامشروع لاهل الحاجة ,والتذكر
دائما ان هناك مخلوق وهو الانسان وهناك الخالق المطلق وهو الله سبحانه
وتعالى «قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم: ألاّ
نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من
دون الله» آل عمران 64.
فهذه العبادة المطلقة الى الله وتحرير النفس من القيود الصنمية
الفردية او الاجتماعية سواء كان الصنم امة، ام فئة تمكننا من الانطلاق
والقول بصوت عالي –انه لاسبيل لسيطرة مجموعة بشرية على مجموعة بشرية
وانتهاك حريتها ولاسبيل لأنسان مخلوق ان ينصب نفسه صنما للاخرين من دون
الله. أن الانسان الواعي الذي يتحرر من قيوده الصنمية ويقر بعبوديته
المطلقة الى الله سوف يرفض كل صنم وكل تأليه مزور لأي انسان ويرفع راسه
حرا أبيا ولايستشعر ذل العبودية والهوان امام اي قوة من قوى الارض او
صنم من اصنامها لان الله وليه ومن يكن الله وليه فلاخوف عليه وهو ينطلق
نحو الله بارادة وعزيمة واعية الذي يرشدنا الى طريق الحرية واحترام
انسانيتنا التي يحاول الاخرين استلابها بطريقة الاستغفال.
كذلك انه من الحكمة والنجاح ان نجمع المشتركات الانسانية ونبني
المساحات التي جمعتنا ونصغر حجم المساحات التي نختلف فيها منطلقين من
قواعد الكلمة السواء-والحوار الواعي لتكامل الحقيقة من قاعدة قل هاتوا
برهانكم «.. فبشر عبادِ * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك
الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.»(الزمر: 17 ـ 18). «وأنزلنا
إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون»(النحل: 44).
«وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه
آبائنا أولو كان آباءهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون»(البقرة: 170).
«تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين»(البقرة: 111).
فلنبني العراق الجديد كدولة للانسان ولنحطم جميع اصنامنا التي
صنعناها بانفسنا او فرضت علينا دون ارادتنا ولنتوكل على الله بعد
التخطيط السليم الذي اراده الله منا ان نكون بعيدا عن الانانية والهوى
اللذان يقصمان ظهر البناء الداخلي للامة ونكون من المستبدلين.
فلنتفق على مفهوم ليس منا من يملك الحقيقة كلها وانما الحقيقة
تتكامل بالحوار. |