خيانة التعبير وخواتها

في تصريحات النجيفي

محمد الوادي

مازالت الدنيا لم تقعد في العراق على المستوى الشعبي والرسمي على ضوء تصريحات اسامة النجيفي رئيس البرلمان العراقي التي فجرها من واشنطن حينما اشار الى " شعور السنة العرب بالتهميش والتفكير بتشكيل الاقليم السني واحتمال الانفصال عن العراق !!".

المفارقة ان وطن هذه التصريحات كانت واشنطن عاصمة " الاحتلال " التي طالما كان النجيفي اكثر الحاح من غيره باستعمال وصف الاحتلال للتغير الجذري والتاريخي والانساني الذي حدث في العراق في نيسان 2003. والمفارقة الاخرى ان زيارة النجيفي الى واشنطن تمت بشكل لايمت بصلة الى العمل السياسي والبرلماني والرسمي المشترك، حيث سافر دون علم اعضاء البرلمان ودون التنسيق مع اي قائمة صغيرة او كبيرة في هذا البرلمان العتيد !! والمفارقة الادهى ان النجيفي لم يختار لمرافقته سوى اعضاء من قائمته البرلمانية دون غيرهم، فهل الزيارة كانت شخصية ؟ فلماذا اذن يلوذ بالعلم العراقي اذا كانت كذلك ؟ ام ان الزيارة كانت خاصة بالقائمة التي ينتمي اليها النجيفي، والسؤال هنا من يتحمل تكاليف السفر والتي تصل الى مئات الالاف من الدولارات، هل ستدفع من جيبه الخاص او من خزائن البرلمان التي لاتنتهي !!، يجب فك هذا الطلسم العراقي الغريب الذي يخلط العام بالخاص والذي تتداخل فيه الحدود والمساحات بين ماهو شخصي او رسمي.

وحتى ذلك الحين الذي لن يحين بالقريب المنظور، اعتقد ان الرجوع الى جوهر التصريحات سيكون الاهم في جوهر موضوع هذه الزيارة الخفية.

مسألة شعور السنة العرب بالتهميش اعتقد انه غير واقعي وان وجد هذا الشعور الكاذب عند البعض فتلك رواسب تاريخية قديمة يجب التخلص منها لمواكبة أسس العراق الجديد الذي تحكمه الديمقراطية والدستور وهو ضمان للجميع دون استثناء في تمثيل ديمغرافي سياسي واقعي لايمكن التلاعب او العبث بعقارب ساعته لانه حينها سيكون الزلال نفسه وسيقول الجميع بحسرة او دونها كان هنا العراق وهذا هو الجانب الاخطر في الموضوع.

 اما مسالة الفيدرالية والاقاليم فذلك حق دستوري وقانوني تكمن خطورته بان يكون دعوة للتقسيم او الانفصال كما جاء في تصريح النجيفي، ومع ذلك سيكون الخاسر الاكبر هو المنفصل دون غيره بحكم وقائق الجغرافية والتاريخ والسياسة والاقتصاد العراقي، رغم ان هناك يقين شبه تام بان ابناء هذه المحافظات المعنية لايفكرون بهذه الطريقة الانفصالية.

اختار النجيفي واشنطن دون غيرها لاطلاق هذه التصريحات الاستفزازية الخطيرة، وفات عليه كما يبدو ان صدى هذه التصريحات سيكون في العراق اكثر قوة من امريكا نفسها وان ذلك سيكون حافز للبحث عما لم يصرح به النجيفي بشكل علني في الاجتماعات المعلنة وغير المعلن منها في واشنطن، كما فات عليه ان المزاج العام العراقي قد تغير بشكل جذري عند غالبية العراقيين منذ عام 2007 تقريبا و بعد نجاح خطة الرئيس المالكي بفرض الامن والقانون على الجميع دون تميز.

 لذلك حصاد هذه التصريحات كان الرفض من غالبية الشعب ومن كل اعضاء البرلمان العراقي بما فيها القائمة العراقية التي ينتمي اليها النجيفي.

قد تكون المبررات ان النجيفي خانه التعبير او ان تصريحاته حرفت وان هناك خطأ بالفهم والتفسير، كل هذه المفردات التراجعية ممكن استخدامها في عالم السياسة لكن الاخطر في الموضوع ان ذاكرة الشعب العراقي ستجد مكان مناسب لهذه التصريحات وسيتم استدعائها مع كل فاصل او حاجز مهم في الحياة العراقية السياسية والشعبية. وحينها لن تفيد كل جمل وتعابير خيانة التعبير وخواتها لان العراقيين من سماتهم التاريخية انهم لايحاسبون على الخطأ في حينه بل تتراكم الاخطاء ويتم تجميعها ليوم فتح السجلات ورفع القلم، قد يكون هذا السلوك التراكمي يحمل الكثير من السلبيات بين جوانبه لكنه في النهاية واقع يجب التعامل معه في كلا الحالتين ان كان غدا ناظره قريب او أبعد من ذلك بقليل.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/تموز/2011 - 11/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م