
شبكة النبأ: تفرعن... نسمعها على
السنة الكثير من الناس في وصف من يتعالى على الآخرين ولا يعيرهم
اهتماما وهو كان قبلها شخصا لا في الغير ولا في النفير... وهي مشتقة من
كلمة فرعون لقب من حكم مصر في حضارتهم القديمة.
وهو رمز قرآني لكل طاغية متجبر مستبد يتوهم في لحظة انه اصبح الها
وهو يرى جموع المحكومين تحني رؤوسها له (انا ربكم الأعلى فاعبدون)..
وقصة فرعون بحمولاتها الرمزية العديدة معروفة للجميع، حتى انه بلغت به
مشاعر العظمة ان يبني سلما الى السماء لرؤية الرب الذي يتحدث عنه
الفقراء والمساكين وكأنه لا يريد ان يصدق ان هناك ربا آخر غيره وهو رب
حقيقي.
كل انسان يتفرعن تتاح له أدوات وظروف الفرعنة، فصاحب الأموال
الطائلة والتي جمعها وتراكمت لديه في غفلة من الزمن هو فرعون. السياسي
صاحب السلطة وخاصة في المجتمعات التي كان لها تاريخ عريق من
الدكتاتورية والاستبداد له القدرة على التفرعن والاستطالة.
الفرعنة لوحدها ليست سابحة في الفراغ بل تحتاج الى جمهور من
الخاضعين والمتملقين الذين يصدقون قدرات هذا الفرعون او يروجون لها
ويصدقها حتى السياسي نفسه.
يزخر التاريخ بالكثير من نماذج الحكام الذين تفرعنوا سواء في سجلاته
القديمة او الحديثة، في شرق المعمورة او غربها شمالها وجنوبها.. وهي
امتداد لما كانت عليه علاقة الحاكم بالمحكوم في عصور وفترات سابقة.
لم يلغ ما وصل اليه العالم من تقدم علمي وتقني من ضروب التقديس
للأشخاص الحاكمين سواء في الجمهوريات أو الملكيات... وأتحدث هنا تحديدا
عن بعضها والتي لازالت راسخة فيها تلك التقاليد او انها تعاود الظهور
بين فترة وأخرى وتحت تبريرات عديدة لا تتوقف عن استيلاد نفسها.
آخر الدعوات الحديثة في هذا المجال ما قاله كبير الخبراء
الاستراتيجيين في الكرملين في تصريح عام نادر ان الله أرسل رئيس
الوزراء الروسي فلادمير بوتين لروسيا لمساعدة بلاده في واحدة من أشد
الأوقات اضطرابا.
وقال فلادسلاف سوركوف المؤيد القوي لبوتين وأحد اقوى الشخصيات في
روسيا في تصريح للتلفزيون الشيشاني الرسمي نقلته وكالة انترفاكس "في
الحقيقة أؤمن ان بوتين شخص ارسل لروسيا عن طريق القدر ومن قبل الله في
وقت صعب على روسيا."
وأضاف سوركوف الذي يشغل أيضا منصب النائب الاول لرئيس ديوان
الكرملين "كتب عليه القدر ان يحمي شعبنا."
وقبل شهرين ظهرت طائفة في وسط روسيا وقالت ان بوتين قديس ومنقذ.
وقال متحدث ان بوتين لا يوافق "على مثل هذا النوع من الاعجاب."
وهذه الدعوة الجديدة تعيد الى الاذهان ما روج له الاتحاد السوفييتي
السابق من مزايا خارقة للعادة للدكتاتور ستالين طيلة حكمه... ولكن
الإله البشري الجديد، ستالين، لم يملك جنة ولم يسيطر على جحيم يدخله
البشر بعد الموت، فكان عليه ان يعد بجنة على الارض او يهدد بجحيم دنيوي
لكي يحقق عبادته. وكانت الجنة التي وعد بها هي النظام الاشتراكي
والتقدم نحو جنة النظام الشيوعي، وحب ستالين الى درجة العبادة انتشر في
العالم كله.
وهي تعيد الى الاذهان ما روج له اليمين المسيحي المتطرف في فترة حكم
جورج بوش الابن وهو يتلقى الوحي عبر أحلامه لإنقاذ البشرية... وتعيد
تلك الدعوة الجديدة الى الاذهان ماروج له الرئيس الايراني احمدي نجاد
وهالاته الضوئية في مبنى الجمعية العمومية للأمم المتحدة وما يروج له
أنصاره داخل إيران حول كونه خليفة الإمام المهدي المنتظر (ع).
ما يثير الدهشة هذا التقديس للشخصية السياسية كون السياسة وحسب احد
تعبيرات رونالد ريغان هي ثاني أقدم مهنة في التاريخ أي بعد الدعارة...
وحسب تعريف الرئيس المصري الراحل للسياسة فإنها بلا اخلاق.
ووجه آخر للدهشة هو كون السياسي أيا كان وحسب تعريفه لنفسه بأنه
مخادع كونه عاملا في حقل تنتشر فيه الخدعة والمكر والحيلة والإجرام
والفساد وغيرها من الأعمال المنافية والمضادة لفطرة الانسان، وبذلك
يكون غير آمن على نفسه من تلك الشرور المقيتة وبالتالي يصبح جزءا منها!
في عالمنا العربي تبرز الى الأذهان شخصية الرئيس المصري الراحل جمال
عبد الناصر الذي بكته الملايين من العرب في جنازته، رغم بشاعة التنكيل
الذي ألحقه بمعارضيه وبكثير من رموز الحركة الوطنية المصرية والمثقفين
المصريين.
ولا ننسى في هذه السطور من التذكير بشخصية القائد الضرورة صدام حسين
والذي حاول منافسة رب العالمين بأسمائه الحسنى وكان قاب قوسين او أدنى
من مرتبة الإلوهية العالية.
ولا احد كان يستقر في جنته أو حتى جحيمه فهو كان كل يوم في شان...
أليس تلك بعض من صفات رب العالمين والخالق الأوحد؟ |