النزول عن أفعوانية العنف

زاهر الزبيدي

اعترافات متتالية يفرج عنها السيد رئيس الوزراء يوماً بعد يوم، فالحكومة تتحامل على نفسها وتعترف ببعض التقصير في كثير من الأمور التي أصبحت في تلامس تام مع يوميات الشعب العراقي.. ففي يوم ما اعترف السيد المالكي بأن حكومته حكومة قد جُبلت على عجل وهو غير راض عنها.

واليوم الحديث طويل عن ترشيق الحكومة التي اتصفت بالبدانة والترهل وقبلها كانت مقدمة بسيط باعترافه أن العراق لا زال تحت في دائرة الخطر وقبله كان السيد قاسم عطا حينما اعترف أن لا ظهراً هناك ليقصم للقاعدة في العراق لكونها لازالت تنشط بقوة، وفي جميع بقاع الوطن ففي ايام مضت ضربت موجه من القتل الصامت في مناطق متفرقة من بغداد وقبلها أصابات في ابو دشير والشرطة الرابعة وفي الديوانية مثلما ضربت في ديالى والأنبار وصلاح الدين والبصرة تتحرك وفق أفعوانية الخوف التي صنعتها في العراق من خلال خطط مرسومة بدقة في ظل انشغال المسؤولين بالمهاترات والسجالات وحرب الأبواق الإعلامية النشزة..

 أفعوانية الرعب الوهابي تلك تمر بكل محافظات العراق تنشر الموت وتقصي من نفوسنا الأمل بدواء لأوجاعنا التي نرى أنها ستصبح مزمنة يوماً، إذا لم تكن كذلك، وستسعتصي على أي من أمصال التخدير الحكومية.

فمتى نخرج من تلك الدائرة التي تحدث عنها السيد رئيس الوزراء بعدما تنبأ بها السيد قاسم عطا ؟ الخروج لن يكون سهلاً والخروج كالدخول صعباً ويحتاج الى تضحيات كبيرة، لازلنا ندفع فواتيرها من لحم فلذات أكبادنا الطازج، والخروج يحتاج الى تنازلات ترقى الى درجة أن تفقد كل شيء من اجل الشعب والوطن..

فالعراقيون يعون بشكل كامل بأنهم أمام فريق سياسي كامل يحمل في عقله اشد أنواع التنناقضات الفكرية تحكمه عدم الثقة والتي تسيرّه الى مصير مجهول.. فما يراه من قممه السياسية من تنابز مقيت وتنافر كبير في قطبي السياسة يجعله يفقد الأمل بالعملية السياسية برمتها ويصاب بخيبة الأمل التي تنعكس بشدة تأثيراتها على حياته الاجتماعية ففي العالم كله يعيش السياسيون هاجس واحداً هو خدمة وطنهم وشعبهم الذي انتخبهم ويهنئ بعضهم البعض بالفوز ويعودوا لممارسة حياتهم الطبيعية سواء مع الحكومة الجديدة أو بخلافها.. بل وقد يسافرون على متن ذات الطائرة ويلتقون ويلعبون الجولف ويضحكون ويسهرون وفي الصباح ينطلقون احدهم الى مقر الحكومة والآخر الى مقر عمله، أياً كان، إلا نحن في العراق ساستنا يسكنون في نفس المدينة وفي نفس الحي وفي نفس الزقاق وتطوقهم ذات الكتل الكونكريتية ويأبوا أن يلتقوا ليتحدثوا ويجدوا حلاً للمشاكل بينهم من اجل عيون العراقيين الذين رفعوهم الى قمة الهرم السياسي والحكومي وبدلاً من ذلك كله يتبادلوا الاتهامات والتشهير برسائل المراهقة السياسية التي سوف لن تجلب علينا إلا وباء الفتنة وتضيّع علينا فرص التقدم.

العراقيون سوف لن يطمئنوا الى مستقبلهم مالم يبدأ ضباط الجيش بالخروج الى الشوارع دون حمايات تدور حولهم وعندما يذهب الضباط في الجيش والداخلية الى مراكز عملهم بملابسهم العسكرية الزاهية.. يحملون رتبهم التي شرفهم بها العراق.. بلا خوف ولا وجل.. وما تلك إلا الإشارة الوحيدة على خروجنا من دائرة العنف بقطرها الناري الملتهب.. فنحن نرى الكثير من الضباط والمراتب يذهبون الى مركز عملهم وهم يرتدون الزي المدني خوفاً من استهدافهم.. وهذا أمر عجيب حقاً أن يكون المتمرس على القتال خائفاً !! فكيف بي وأنا لا أملك خنجراً للدفاع عن نفسي.. ومكشوف في الشوارع أمام من هب ودب والإرهاب الذي يستهدف كل شيء في العراق.

وسوف لن نخرج من دائرة العنف إلا باحترامنا لحقوق الإنسان والتوقف عن عسكرة المجتمع بفتحنا المجال أمام التطوع بأوسع أبوابه أمام أفراد الشعب مستفيدين من عدم توفر فرص العمل في العراق وأن نبدأ بالأعمار الحقيقي لا هذا الصوري الوقتي الذي ندرأ به المعارضة الشعبية عن الحكومة.. فوضعنا اليد على أفكار شبابنا منذ اليوم وتوفير مستلزمات الحياة الحرة الكريمة لشعب يموت من اجل كرامته أهم سبل الخروج بأقل الخسائر.

وسوف لن نخرج من تلك الدائرة حتى نتمكن من السيطرة على عقول شرطتنا وأفراد جيشنا وتثقيفهم بأهمية احترام الشعب وأن لا يكونوا، بأي شكل من الأشكال، ظهيراً للتخلف في الوطن وبعدما تمت المصادقة على قانون الرواتب الخاص بمنتسبي قوى الأمن الداخلي وبأثر رجعي منذ بداية عام 2011 عسى أن يكون ذلك دافعاً جدياً على إخلاص وشعور بالمسؤولية أكثر في العمل.

وسوف لن نخرج من عنفنا هذا حتى نستمر بالشراكة الحقيقية وإنبات الثقة بالآخرين ونتحمل عواقب تلك الثقة مهما كانت نتائجها أمام الشعب ولتكون لكم صولة أخرى من صولات الوطنية عندما قاتلتم نظاماً عتياً كان إلا على الله.. فالشراكة الحقيقية التي تبنى على أساس مصلحة الشعب وأهدافه بالحياة لا عيب فيها بل ستكون عنواناً كبيراً من عناوين تقدمنا ولكن الشراكة التي تبنى على أساس المحاصصة سوف لن تكون إلا خنجراً في خاصرة الوطن والشعب ولن تردينا إلا ونحن نلعق جروح تخلفنا كل يوماً ولاينوبنا منها إلا الحسرة التي شبعنا منها وبدأنا نتجشأ آلامنا منها منذ ثمان سنوات !

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/تموز/2011 - 9/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م