طغاة العرب... إتخام البطون والخزائن

 

شبكة النبأ: نشر موقع مجلة "نيوزويك" الاميركية مقالا تناول تحقيقات اجرتها المجلة تكشف عن بلايين الدولارات الاميركية التي تتدفق من البنتاغون الى كبار المسؤولين في الشرق الاوسط. وفيما يلي ترجمة لما جاء في هذا المقال:

من الناحية الرسمية فان الولايت المتحدة لا تدفع شيئا الى الحكومات الاخرى مقابل الحق في اقامة قواعد عسكرية. والمنطق في ذلك صريح ولا لبس فيه: وذلك لان تحويل اموال الى خزائن الطغاة الاجانب لا يمكن ان يشكل اساسا لتحالف استراتيجي أصيل. ومع ذلك فان الدخول في حروب في العراق وافغانستان من دون اغماض العين عن نظام ايران، فانه كان لا بد للبنتاغون طوال العقد الماضي من الاعتماد بطريقة غير مسبوقة على شبكة من القواعد عبر الشرق الاوسط.

وكشف تحقيق للمجلة بشأن اساليب تعاقد البنتاغون في ابوظبي والكويت والبحرين عن دفع أكثر من 14 مليار دولار في عقود وحيدة المصدر الى شركات تسيطر عليها عائلات حاكمة في انحاء الخليج العربي. وقد اثار هذا الكشف تساؤلات اساسية: هل يعمل دافع الضرائب الاميركي على اثراء الملوك الحاكمين لانظمة صديقة مثلما تسببت احتجاجات الشبان والربيع العربي في اندفاع جديد نحو الديمقراطية في المنطقة؟

ولننظر الى ابوظبي. وهي التي تعتبر الاكثر ثراء في دولة الامارات العربية المتحدة، اذ انها تمون قاعدة لسلاح الطيران الاميركي بالوقود في الظفره، التي تعتبر موقع تموين حيوي في المنطقة. ومثلما هو الحال في معظم دول الخليج فان ابوظبي تخضع لحكم عائلة واحدة تسيطر على الحكومة والاعمال. وهي عائلة نهيان، ويرأسها الشيخ خليفه بن زايد آل نهيان (63 عاما) المعروف باهتماماته في سباق الجمال، وتقدر ثروته بـ15 مليار دولار، ويسيطر على شركة ابوظبي الوطنية للنفط "أدنوك". وتبين ان كل قطرة وقود تشتريها اميركا لطائراتها في الظفره، وهي اكثر من 200 مليون غالون في السنة، وتتكلف 5.2 مليار دولار منذ العام 2005، يتم شراؤها من "أدنوك" التي يسيطر عليها آل نهيان. بحسب صحيفة القدس العربي.

الا انه وفقا لمستندات التعاقد، فان تلك الاموال لم تمر عبر اسلوب منافسة العطاءات الذي يفترض ان تتم اي مشتريات للبنتاغون بمقتضاه، سواء كان اسلحة او اردية او وقود.

ويقول البروفيسور اليكساندر كولي، من كلية بارنارد "قد نكون ندفع مقابل وجودنا" في ابوظبي. وفي العادة تدفع الولايات المتحدة بانتظام ايجارا لمالكي الارض الاجانب، الا ان هذه الدفعات تكون منفصلة عن حقوق القواعد التي تقام باتفاق بين حكومة واخرى. ويقول كولي عن القواعد "انه تعويض يتسم بالسرية".

وقبل حوالي ثلاثة عقود وفي اعقاب سلسلة فضائح المصروفات – حيث كان سعر المطرفة 436 دولارا ومقعد المرحاض 640 دولارا، اقر الكونغرس قانون المنافسات في التعاقد للعام 1984 الذي يشترط اجراء مناقصة تنافسية. والمبدأ بسيط: فالتنافسية تخفض الاسعار وتزيد النوعية. وحسب قول تشارلز تيفر، عضو اللجنة الفيدرالية بشأن التعاقدات زمن الحرب ان "القانون ينص على التنافس ويحتوي على استثناءات محدودة للغاية".

وقد استغلت ابوظبي احد هذه الاستثناءات بذكاء. فقبل خمس سنوات، وفي اوج حرب العراق، تمكن مقاول وقود اميركي من فلوريدا يدعى "ايوتس" من الحصول على عقد بقيمة 500 مليون دولار وفق المصدر المنفرد مع أدنوك. وقد بعث احد محامي التعاقدات ويدعى رونالد اوشر تقريرا الى مكتب المحاسبة الحكومية الفيدرالي قال فيه ان الحصول على التعاقد يجب "ان يكون مفتوحا امام التنافس الشامل". لكن البنتاغون دافع باللجوء الى قانون الامارات، الا ان المحامي الاميركي يقول ان الجيش الاميركي "لم يتمكن من ابراز اي قانون او مرسوم بهذا الشأن".

واظهرت الرسائل الالكترونية الداخلية للبنتاغون التي حصلت عليها "نيوز ويك" بموجب قانون حرية المعلومات الاميركي مدى الفوضى حتى داخل وكالة الدفاع اللوجستية الاميركية التي تتولى عمليات الشراء للجيش. وفي اعقاب مسائلة عقيد اميركي عن اسلوب المصدر المنفرد مع أدنوك في العام 2008 ، كان رد القائم باعمال رئاسة الوكالة انها "في الاساس الشركة الوحيدة التي يسمح لنا بالحصول منها على وقود وفق ما تريد الحكومة المحلية". وفي وقت لاحق سأل ضابط مسؤول عن التعاقد "هل هناك اي مستندات او تاريخ" فيما يتعلق بقانون ابوظبي؟ حتى السفارة الاميركية في ابوظبي قالت انها لم تتمكن من الحصول على نسخة من القانون. الا انه بعد اشهر قليلة فيما بعد، فان البنتاغن اصدر عقدا مع مصدر منفرد بقيمة 918 مليون دولار لصالح أدنوك. ويقدر تيفر "ان الامر يعني تسليم مفاتيح الخزانة (الاميركية) الى المشيخة (في ابوظبي)".

وقال البنتاغون انه كان عليه ان يقوم بما يجب عليه ان يفعله. وقال مسؤول في وكالة الدفاع اللوجستية لـ"نيوزويك" انه "كان لدينا خيار. هل تريد ان تكون في تلك البلاد وان تقلع من المطار وتستخدم الوقود الذي يزودونك به، ام لا؟". (اما أدنوك فانها لم تبد اي تعليق). وكما يقول رونالد نيومان، السفير الاميركي السابق في الشرق الاوسط فان المشكلة هي "عمل محتمل للتعامل في دول غير ديمقراطية".

ويبدو ان العائلات الحاكمة التي تقام فيها قواعد اميركية اخرى في الخليج تفيد بالطريقة ذاتها. ولننظر الى الكويت، حيث القاعدة الاميركية الرئيسة في عريفجان، التي تخدم طريق تموين عسكري رئيسي الى العراق. وكما هو الحال بالنسبة لآل نهيان، فان آلصباح تحكم الكويت، ومصدر النفط فيها وتمثله شركة نفط الكويت التي تحصل على 4 مليارات دولار نتيجة عقود مع البنتاغون منذ العام 2005، ومعظمها من خلال عقود المصدر المنفرد. وتقول وكالة الدفاع اللوجستية ان "العقود توفر الوقود الذي يرسل الى العراق وهي المصدر الوحيد نتيجة القيود الكويتية".

او لننظر الى البحرين حيث احتجاجات الربيع العربي وقد اندلعت مؤخرا. حيث فيها قيادة الاسطول الخامس الاميركي على منطقة مساحتها 60 فدانا. ويحكم البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، كما ان البحرين تضم المقر الاقليمي لعمليات الطاقة لوكالة الدفاع اللوجستية – وهو المكتب الذي يشتري كل الوقود للجيش الاميركي. وفي كل عام تحصل شركة نفط البحرين الوطنية على عقود ضخمة من البنتاغون لتوفير النفط للعمليات العسكرية الاميركية في منطقة غرب الباسيفيك. وقد حصلت شركة نفط البحرين الوطنية على صفة نادرة: فالمملكة التي لا يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة، اصبحت احدى موردي الوقود للجيش الاميركي وتحصل مقابل ذلك على بلايين الدولارات.

وتقول وكالة الدفاع اللوجستية ان مبيعات الوقود البحريني لا تتم وفق عقود المصدر المنفرد مثلما هو الحال في ابوظبي. الا ان البنتاغون يقول ان البحرين تحصل دوما على العقود لانها تتقدم باقل العطاءات قيمة. وتعرض كميات كبيرة من النفط، وليس لديها الا القليل من المنافسين بين "المصادر التقليدية" في المنطقة، ان وجدوا. ويقول ديفيد كيرش، مدير شركة الاستشارات النفطية ان "شركة نفط البحرين ربما لم تكن لتفوز بهذه العقود لولا انها للقاعدة". ويقول مسؤولون في وكالة الدفاع اللوجستية ان الوكالة تبذل قصارى جهدها لتوفير النفط باسعار متدنية للقوات الاميركية في انحاء العالم.

ويظل السؤال يتردد حول ما اذا كانت هذه التحالفات الاستراتجية تطفو على سطح نهر سريع التدفق من اموال دافعي الضرائب (الاميركيين).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/تموز/2011 - 8/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م