
شبكة النبأ: لم يعد الامر يخفى على
احد وبات الشارع العربي على معرفة تامة ودراية كافية بالاصدقاء ومن
يضمر له العداء، فربيع الثورات العربية الذي احيا قلوب الملايين من
المحيط الى الخليج واطاح بجبال الفساد التي جتمث لعشرات السنين على
صدور الشعوب العربية المضطهدة والمحرومة من الحرية والديمقراطية، قد
كشف الحقائق واسقط الغطاء عن زيف "ال سعود" وتشدقهم بحمل راية الدين
والدفاع عن الشعوب المحرومة ومساعدة المحتاجين وغيرها من الالقاب التي
اضافها الاعلام "الرخيص" لهم، وقد تجلى الامر واضحاً في قيادتهم "لدرع
الجزيرة الطائفي" والمذابح التي ارتكبها "ال سعود" في البحرين لكون
المتظاهرين من الطائفة "الشيعية" الامر الذي يخالف ايمانهم ومعتقداتهم
وسياستهم، وكذلك الامر بالنسبة لتونس بعد ان استقبلت "بن على" على
اراضيها بعد كل الفضائع التي ارتكبها في حق ابناء جلدته، ولم تتوانى عن
تقديم العلاج في مستشفياتها لدكتاتور اخر "عبد الله صالح" مازال يفتك
بالمطالبين بالحرية في اليمن، وغضت الطرف عن مجازر البعث في سوريا
وتوسط لمبارك وابنائه واغرت المملكة الهاشمية بضمها لمجلس التعاون
العربي وتقديم مساعدات مالية لها مقابل تشديد قبضتها الملكية، والقائمة
تطول، لكن ليس الى مالانهاية، فربيع القلوب لايعرف الحدود والمسافات
وقد يطرق باب السعودية في اية لحضة.
الازمة اليمنية
حيث تكافح المملكة العربية السعودية التي تخشى من أن تؤدي الازمة
اليمينة الى حرب أهلية أو الى اصلاح سياسي شامل من أجل أداء دورها
كصانع ملوك اقليمي، وحاولت الرياض أن تقوم بوساطة لتحقيق انتقال للسلطة
في اليمن وفقا لشروطها بينما تؤيد علانية الرئيس علي عبد الله صالح
الذي بعد أشهر من الاحتجاجات التي تستهدف الاطاحة به، وتضمن ذلك اقامة
علاقات مع زعماء عشائر وسياسيين وضباط في الجيش عمل السعوديون على
غرسهم منذ فترة طويلة كثقل مقابل لحكم صالح المستمر منذ 33 عاما ولكن
أعدادهم والانقسامات فيما بينهم لا تتيح خليفة جاهز لصالح، كذلك أثارت
عملية التفاوض على خروج سياسي لحاكم دولة مجاورة لم تعد تؤيده الحديث
عن حكم نيابي تخشاه السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، قال المحلل
السياسي أحمد الزرقا "ستحاول (السعودية) منع أي خطوة نحو الانتقال الى
أي نظام ديمقراطي حقيقي في البلاد، هذه هي المشكلة"، وقام مجلس التعاون
الخليجي الذي تسيطر عليه السعودية بالوساطة في ثلاثة اتفاقيات أجهضت مع
المعارضة اليمنية كانت تقضي بتنحي صالح من السلطة مقابل عدم محاكمته
على سوء السلوك بما في ذلك القمع الدامي للمحتجين الذين خرجوا للشوارع
في وقت اجتاحت فيه العالم العربي الحركة المؤيدة للديمقراطية، وفي كل
مرة تراجع صالح في اللحظة الاخيرة، وأدى اعتراضه الاخير في مايو أيار
الماضي الى قتال استمر أسبوعين مع اتحاد قبائل حاشد بقيادة عائلة
الاحمر الذي بلغ ذروته في الثالث من يونيو حزيران بالهجوم على قصر صالح.
بحسب رويترز.
وقالت شيلا كرابيكو وهي خبيرة في الشؤون اليمنية وأستاذة للعلوم
السياسية في الجامعة الامريكية في القاهرة ان ذلك ربما أدى الى تحديد
مصير صالح بالنسبة للسعوديين، ومضت تقول "لا نعرف حتى ما اذا كان
سيتحسن على نحو يسمح له بالعودة (من السعودية) ولكن بعيدا عن ذلك اعتقد
أنهم فقدوا الثقة فيه"، ولا تزال وسائل الاعلام السعودية واليمنية تؤكد
علاقة الرياض مع صالح ولكن مغازلة خصومه واضحة، وقال صادق الاحمر وهو
شخصية بارزة في قبائل حاشد بعد جولة من الاشتباكات دمرت مناطق في
العاصمة اليمنية انه لا يلتزم بهدنة الا احتراما للعاهل السعودي الملك
عبد الله، وفقدت أحزاب المعارضة التي تتراوح بين الاشتراكيين
والاسلاميين و الطائفتين السنية والشيعية الزيدية والتي وقعت
الاتفاقيات التي توسط فيها مجلس التعاون الخليجي المصداقية لدى الشباب
الذي يستلهم "الربيع العربي" وظهر كجمهور مستقل في اليمن، وقال عمر عبد
القادر الناشط المؤيد للديمقراطية "اعتقدنا وما زلنا نعتقد أن دول
الخليج لا تريد نجاح ثورة الشباب في اليمن كي لا تمتد اثارها الى دول
أخرى في المنطقة"، وشاركت أحزاب المعارضة تلك في المفاوضات مع عبد ربه
منصور هادي نائب الرئيس والقائم بأعمال الرئيس اليمني التي لم تتطرق
الى مصير الرئيس الغائب، وساعد مسؤولون أمريكيون في الوساطة لاجراء هذه
المحادثات، ولكن مع استعداد واشنطن على ما يبدو لان تواصل الهجمات على
القاعدة في اليمن بالتوسع في استخدام الطائرات بدون طيار التي تديرها
وكالة المخابرات المركزية يعتقد محللون أن هذا قد يرضي احتياجاتهم
الحقيقية في اليمن وستترك للسعوديين اختيار من يخلف صالح.قالت كرابيكو
"لا اعتقد أن الولايات المتحدة لديها سياسة في اليمنط، وتابعت "فمن
جانب فاننا نؤيد السعوديين وما يريدونه أيا كان جيد بشكل كاف بالنسبة
لنا والجانب الاخر لذلك هو أننا حقا لا نحب القاعدة"، ويشير ميزان
القوى على الارض الى عدم وجود منافس سيقوم بتسهيل مهمة انتقال السلطة
بأن يصبح أقوى من الاخرين، وعلى الرغم من أن حزب صالح عانى من استقالة
شخصيات بارزة فان العديد من اقاربه ومن بينهم أحد أبنائه العميد أحمد
علي عبد الله صالح الذي يقود الحرس الجمهوري يحتفظ بالقيادة وحقق على
ما يبدو تكافؤ عسكريا مع خصوم الرئيس، وقال جيمس سبنسر وهو مستشار في
المخاطر العسكرية والسياسية "لا اعتقد أننا سنرى مزيدا من الناس يقفزون
من السفينة في هذه اللحظة."
عجلة التاريخ
الى ذلك «تبدو السعودية وكأنها تخوض معركة جديدة لوقف تيار التاريخ،
إذ تبذل أقصى جهدها للحفاظ على المملكة بعيداً عن الاضطرابات والثورات
فى العالم العربى»، بهذا المنطلق تسعى السعودية، وفقاً لتقرير نشرته
مجلة «دير شبيجل» الألمانية، إلى تخفيف حدة الاحتجاجات على حدودها بشتى
الوسائل، فعلى مدار الشهور الخمسة الماضية، حاولت السعودية أن تنأى
بنفسها عن الثورتين فى مصر وتونس، والإضرابات على حدودها فى كل من
اليمن والبحرين، إما بعزل نفسها عن الإطار الخارجى أو بمحاولة التأثير
على جيرانها لتخفيف حدة الأحداث، ففى الوقت الذى كانت فيه الاضطرابات
تعم المنطقة العربية، كانت السعودية، لاسيما العاصمة الرياض، وكأن شيئا
لم يحدث، فلقد أصبحت السعودية أشبه بـ«مملكة» وصلت إلى مرحلة «الركود
التام» فى ظل عالم سريع التغير، لاسيما أن قادتها وأبرزهم الملك
عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، 86 عاما، لا يزالون يعلقون آمالهم على
المبدأ القديم للاستقرار، ووفقا لـ«دير شبيجل»، فإن الملك عبدالله ربما
يكون سعيداً لرؤية عدوه الزعيم الليبى معمر القذافى فى مأزق، إلا أنه
بالتأكيد يزعجه إطلاق المتظاهرين التونسيين العنان لأنفسهم والإطاحة
برئيسهم، ولعل ذلك ما يجعله يتردد لحظة فى تقديم بلاده منفى لـ«بن على»
المحاصر، وفى محاولة منهم لضمان عدم وصول شرارة الثورة إليها، دفعت
السعودية لأول مرة فى تاريخها بقواتها عبر جسر الملك فهد إلى جارتها
الخليجية البحرين.
وفى سوريا، لم تتدخل المملكة عندما بدأت الاضطرابات هناك فى مارس
الماضى، لتصل ذورتها مع مجزرة مدينة جسر الشغور، وكأن هناك اتفاقا
ضمنيا بينهم، فعلى الرغم من نظرات الريبة التى ظلت متبادلة لسنوات بين
آل سعود وعشيرة الرئيس السورى بشار الأسد، لتحالف الأخيرة مع إيران
الشيعية، إلا أنهم فى النهاية اتفقوا على أنهم يريدون الهدوء وليس
التغيير فى بلدانهم، ولعل ذلك التحالف الضمنى ظهر جليا فى دعم دمشق
لدخول قوات الرياض البحرين، بما دفع الممكلة أن ترد بالمقابل بالصمت
تجاه ما يحدث فى سوريا مهما كانت وحشية الأسد فى سحق الاحتجاجات هناك،
أما فى اليمن، حيث كان سلاح الجوى السعودى العربى يتجاهل حتى وقت قريب
قصف المتمردين الشيعة بشكل روتينى على الحدود، بدت حاليا تواجه الفوضى
منذ اندلاع الربيع العربى بينما تعلق السعودية آمالها على الاستقرار فى
صنعاء، ولعل ذلك ما دفعها مؤخراً عن التبرع بنحو 3 ملايين برميل من
النفط لليمن، وتسعى الممكلة عبر إرسال قوات إلى البحرين، والوعد
بمليارات الدولارات لمصر، والرضا عن دمشق، وتدفق النفط إلى اليمن، إلى
توقف حركة التاريخ، فى محاولة منها لإعادة الهدوء والاستقرار على جميع
الجبهات حولها مستخدمة نفوذها وأموالها فى المنطقة، فلا تريد المملكة
الخليجية، المسؤولة حاليا عن نحو 12% من الإنتاج العالمى للنفط، إلا
الهدوء فى جميع أنحاء المنطقة، حتى تضمن استقرارها، فتلك الدولة الغنية
يبدو أنها لا تبحث عن التغيير، على الرغم من أن الكثيرين يرونها أرض
التناقضات، إلا أن «التاريخ طالما يحدث ولا يستطيع أحد أن يمنعه».
الشيخوخة
من جهتها قالت "فورين بوليسى الأمريكية" أن هذا العام هو الأسوأ
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، نظراً لأنها بدأت تفقد مركزها
كزعيمة فى المنطقة، وكأكبر مصدر للنفط في العالم، وأرجعت ذلك إلى أن
السعودية تواجة مشكلة كبرى هى كبر سن قادتها ومعاناة معظمهم من المرض،
"فالشيخوخة تخيم على القصور الملكية السعودية"، موضحة أن الملك عبد
الله يبلغ من العمر 88 عاماً، وغيره من كبار الأمراء يجلسون على كراسى
متحركة، أما ولي العهد السعودي الأمير سلطان (87 عاماً) فقد وصفته بأنه
مجرد ظل مبتسم، وربما يعود إلى مدينة نيويورك لتلقي العلاج من السرطان،
وأشارت المجلة إلى أن الأمير نايف (78 عاماً)، الثالث في ترتيب العرش،
عاد بعد غياب أكثر من شهر في سويسرا، ويعتقد أن غيابه كان لأسباب طبية
أيض، وفى الخلفية يأتى الأمير بندر بن سلطان، الذي سعى مؤخراً إلى
تجنيد المرتزقة من باكستان وماليزيا وإندونيسيا للدفاع عن المملكة
وأعضاء مجلس التعاون الخليجي، علاوة على ذلك، فإن الأمراء والملوك
العرب يشغلهم منذ فترة سؤال مهم، وهو كيف سيكون دعم الولايات المتحدة
لهم، ومؤخراً عرفوا الجواب، عندما انتقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما
في خطابه حول السياسة الخارجية للشرق الأوسط- البحرين بسبب طريقة
تعاملها مع المظاهرات، وعندما قام ولي عهد البحرين، الشيخ سلمان بن حمد
آل خليفة، بزيارة واشنطن هذا الشهر، لم يتم استقباله بالشكل اللائق،
وأكدت المجلة صعوبة تصور عام أكثر كارثية بالنسبة للسياسة الخارجية
السعودية من هذا العام.
ففي يناير فر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي من بلاده وتوجه
إلى مدينة جدة السعودية، والآن يريد النظام الجديد في تونس إعادته
لبلاده لمحاكمته، وفي فبراير الماضي، اضطر مبارك، الحليف القوى
للسعودية منذ فترة طويلة، للتخلى عن منصبه، ثم في مارس، وبعد أن بدأت
الأمور تخرج من تحت السيطرة فى البحرين، وبدا كما لو أن إرادة الشعب
ستنتصر قامت السعودية بإرسال قوات مكافحة الشغب تدعمها الدبابات إلى
البحرين، وحتى هيمنة السعودية على أسواق النفط العالمية، بحكم قيادتها
لمنظمة أوبك، أصبحت على المحك، فقد شهد اجتماعاً لوزراء نفط أوبك في
فيينا، وصفه ممثل السعودية علي النعيمي، بأنه "واحد من أسوأ الاجتماعات"،
وكان النعيمي يقود محاولة لزيادة حصص الإنتاج من أجل السيطرة على
ارتفاع أسعار النفط والتي تهدد انتعاش الاقتصاد العالمي، وهو الأمر
الذى رفضته إيران وآخرون من الدول الأعضاء في أوبك التي تريد استمرار
ارتفاع الأسعار، ومن المتوقع أن تقوم السعودية بزيادة الإنتاج من جانب
واحد، وهو ما يعني أن السعودية ستتحرك بمفردها، بدلاً من أن تقود الدول
المصدرة للطاقة، ومن ناحية أخرى، تواجه الخطة التى تقودها السعودية
لتوسيع مجلس التعاون الخليجي، الذى يضم مجموعة متنافرة من المشيخات من
الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان- حالة من
اليأس، وعلى الرغم من ذلك، تلقى العاهل السعودى رسالة من الملك عبد
الله الثاني ملك الأردن يطلب فيها الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي،
في محاولة لتجنب الدخول فى الربيع العربي.
من زاوية مختلفة
من جانب اخر ترى الكاتبة أنا فيفيلد، في مقال بعنوان الربيع العربي
يختبر العلاقات الأمريكية السعودية، أن نجاة السعودية حتى الآن من
الربيع العربي هو أمر مرحب به من قبل إدارة الرئيس الأمريكي باراك
أوبام، وتضيف فيفيلد أنه بينما تنتشر حمى الثورة من تونس ومصر إلى
ليبيا واليمن وسورية، فإن أقرب حليف عربي إلى الولايات المتحدة (السعودية)
ألقى بالأموال على مواطنيه لشراء أي معارض محتمل، وتضيف الكاتبة أن
نتيجة هذا الفعل ليست مرضية للسعوديين الذين يحلمون بالتغيير السياسي
في الملكية المطلقة، وتستدرك فيفيلد قائلة لكنها (هذه النتيجة) جنبت
الولايات المتحدة اتخاذ قرار بشأن أي الأمرين تعتبره أكثر اهمية، المد
الديمقراطي أم علاقتها التي تمتد لعقود مع آل سعود، وتستشهد الكاتبة
برأي آرون ميلر المستشار الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأوسط الذي
يعتقد أن الأدارة الأمريكية محظوظة لأن السعودية كانت الأقل تأثرا
بالربيع العربي، وتضيف فيفيلد أن وجود الرئيس اليمني علي عبد الله صالح
الآن في السعودية لتلقي العلاج يؤكد على أهمية التحالف بين الرياض
وواشنطن، وتقول الكاتبة إن الإدارة الأمريكية، التي ليس لديها سوى
تأثير محدود على الأحداث في اليمن، تعتمد الآن على العائلة المالكة
السعودية لمنع صالح من العودة إلى صنعاء، حتى يتيسر انتقال منظم للسلطة،
لكن فيفيلد تعود للقول إن من الممكن أن تكون الولايات المتحدة
والسعودية تواجهان نقطة تحول في علاقتهما التي استمرت 60 عام، وتضيف أن
الربيع العربي قد أوضح بجلاء التناقضات بين الرياض وواشنطن، وينقل
التقرير عن المستشار الرئاسي الأمريكي السابق آرون ميلر قوله إن الدعم
الأمريكي للتغيير الديمقراطي يعني أننا صرنا مصدرا لعدم الاستقرار أكثر
من كوننا مصدرا للاستقرار بالنسبة للسعودية، وترى الكاتبة أن العلاقة
بين الجانبين تأسست على تفاهم جوهري بأن الولايات المتحدة ستوفر الأمن
للسعودية، والتي، بالمقابل، ستقوم بدورها للحفاظ على أسعار النفط
مستقرة .
ثورة مضادة
في سياق متصل اتهمت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية السعودية بأنها
تقود ثورة مضادة للربيع العربي في ظل خوفها من الفوضى وعدم الاستقرار
وعدم رغبتها في تغيير الهياكل السياسية أو توازن القوى في الشرق الأوسط،
وهو ما يهدد بظهور حكومات جديدة في الدول المجاورة، وأضافت المجلة أن
هذا الأمر كان واضحاً فى طريقة تعامل السعودية مع أزمة البحرين، فقد
أكدت العائلة المالكة السعودية للعاهل البحرينى أن الأمور لا تحتمل أي
حل وسط مع المعارضة وطالبته بسحق المظاهرات، فالرياض ترى أن تولى
الأغلبية الشيعية السلطة فى البحرين سيشكل تهديداً يمكن أن يؤدي إلى
هيمنة إيران على المنطقة، وهو احتمال غير مقبول كلياً فى السعودية،
وحتى في اليمن، فقد دعمت السعودية الرئيس اليمني علي عبد الله صالح
واستقبلته فى الرياض لتلقي العلاج الطبي بعد إصابته فى الهجوم الذى
تعرض له قصره الرئاسي في وقت سابق من هذا الشهر، لكنها تحولت إلى
الاقتناع بأن سيطرة صالح على الأمور صارت ضعيفة وأنه لا يمكن الدفاع
عنه، وأدركت الرياض "من ثم" أنه أصبح يشكل تهديداً للاستقرار بدلاً من
أن يكون حامياً له، لكن الأمور فى اليمن مختلفة عنها فى البلدان الأخرى
في شبه الجزيرة العربية، ولا يمكن أن تستقر الأمور فى هذا البلد عن
طريق التكتيكات التى استخدمتها الرياض في أماكن أخرى، مثل استعراض
القوة، ودعم فصيل على حساب آخر، والتلويح بشبح الطائفية أو الحديث عن
دور إيران، إن حل المشكلة اليمنية يتطلب من المملكة العربية السعودية
إيجاد بديل مقبول لصالح وإن كان الحديث عن هذا أسهل من القيام به.
وأضافت "فورين أفيرز" أن السعودية سعت دائماً إلى جعل الحكومة
المركزية في اليمن ضعيفة ومنقسمة، فوجود يمن قوى وموحد يمكن أن يسبب
المشاكل للعائلة المالكة السعودية، خاصة وأن اليمن هو البلد الأكثر
سكاناً في الجزيرة العربية، ويبلغ تعداده 24 مليون نسمة، معظمهم مدججون
بالسلاح ويعانون من الفقر، وقد سعت الرياض، على مر العقود، إلى الحفاظ
على نفوذها وزرع علاقات متميزة مع العديد من القادة السياسيين في اليمن
وشيوخ القبائل، الذين يشكلون ثقلاً موازناً للحكومة المركزية، إن
الرياض لم تتردد في معاقبة صنعاء، كلما فكرت فى مواقف سياسية مستقلة،
على سبيل المثال خلال حرب الخليج، عندما وقف الرئيس اليمنى إلى جانب
صدام ضد الكويت، طردت السعودية ما يقرب من مليون من العمال اليمنيين،
وقطعت المساعدات الرسمية عن اليمن، وكانت هذه هى بداية انهيار الاقتصاد
اليمنى، وبعد سنوات قليلة وفي عام 1994 أثناء الحرب الأهلية في اليمن،
واصلت الرياض معاقبة صالح من خلال دعم الانفصاليين في الجنوب، وعلى مدى
عقود كان ولي العهد الأمير سلطان هو الذى يضع سياسة السعودية تجاه
اليمن، ولكن على مدى السنوات القليلة الماضية تدهورت صحة الأمير سلطان
وتوقف عمل اللجنة الخاصة التى كان يرأسها، وتقوم بتنسيق العلاقات مع
اليمن، والآن يقال، إن السياسة السعودية تجاه اليمن تدار من قبل الأمير
نايف وزير الداخلية السعودي والأمير نايف له لاعبوه المفضلون فى اليمن
بما في ذلك عدد من السلفيين والإسلاميين وكذلك الجنرال على محسن أحد
أقرباء الرئيس صالح والمرشح لخلافته في الحكم، وأكدت "فورين أفيرز" أن
صالح لا يخشى الملاحقة الجنائية في المملكة العربية السعودية، والسؤال
الآن هو هل سيسمح السعوديون له بالعودة إلى صنعاء أم سيقدمون له
ولعائلته حق اللجوء؟، إن مصير اليمن يتوقف على هذا القرار، فعودة صالح
من شأنها أن تؤدي إلى نشوب حرب أهلية.
قواعد التحالف المهزوز
من جهة اخرى يبدو ان السعي وراء تحقيق مزيد من النفوذ يشمل لعبة شد
الحبل بشأن الاردن، وهو مثال على المنافسة التي تبين انشقاق الحلفاء
القدامى فيما يتعلق بمفهوم الانتفاضات المنادية بالديمقراطية في
المنطقة، وقالت صحيفة "لوس أنجيليس تايمز" الاميركية في تقرير لاثنين
من مراسليها "بول ريختر ونيلا بانرجي" ان كبار الدبلوماسيين الاميركيين
واصلوا زيارة القصر الملكي في عمان كل اسبوع تقريبا خلال هذا الربيع
لاقناع العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني بان الاصلاح الديمقراطي
هو الطريق الامثل لاستئصال الاحتجاجات ضد حكمه، ومضت تقول الا ان هناك
حليفا قويا اخر يتعامل مع عبد الله ويريد منه ان يتجاهل الاميركيين،
ذلك ان المملكة العربية السعودية تحث المملكة الهاشمية على الالتزام
بنوع من تراث الحكم المطلق الذي ضمن بقاء آل سعود في الحكم لعقود من
الزمن، كما ان الرياض لم تبخل في توفير الهدايا على ابواب الملك
الاردني لاقناعه بوجهة نظره، حيث عرض السعوديون على الاردن فرصة ذهبية
للانضمام الى الكتلة الاقليمية الثرية وهي "مجلس التعاون الخليجي"، وهي
خطوة تمنح المملكة الفقيرة استثمارات واعمالا وعلاقات أمنية جديدة،
وتمهيدا لذلك تبرعت السعودية بمبلغ 400 مليون دولار لمساعدة عمان، وهي
المرة الاولى التي ترسل بها معونات منذ سنوات، ويمثل التنافس الهادئ
احد الدلائل على المزاحمة التي اندلعت في انحاء الشرق الاوسط هذا العام
بين المملكة لسعودية والولايات المتحدة، وهما حليفان منذ زمن بعيد
وضعتهما الانتفاضات الشعبية التي اكتسحت المنطقة وجها لوجه.
ويقول احد المسؤولين الاميركيين الذي لم يكشف عن هويته "هناك الكثير
من المصادمات، فقد ادخل الربيع العربي عامل التوتر في صلب العلاقة"،
كانت ادارة اوباما تؤيد الاحتجاجات بوجه عام، وقد حثت حكومات المنطقة
على المشاركة في الحكم، ولكن عندما طالب الرئيس اوباما الانظمة العربية
في خطاب رئيسي باجراء اصلاحات، فانه تحاشى اي اشارة الى المملكة
السعودية، اما الرياض التي ترى ان الولايات المتحدة تدير ظهرها
لحلفائها المخلصين فانها تحاول ان تخرج من تحت العباءة الاميركية، ومن
العجب ان سياسة خارجية تنطلق في اغلب الاحيان من صلب سياسة واشنطن،
تحاول تقويضها في بعض الاحيان، وحول القضايا السياسية الرئيسة قال عبد
الله عسكر، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي ان
"ادارة اوباما لا تصغي الى وجهات نظر السعودية"، وترى الصحيفة
الاميركية ان هذا التحول لا يعني انهاء تحالف 70 عاما بين الولايات
المتحدة والمملكة السعودية الذي اقيم على قواعد بسيطة، هي النفط
السعودي مقابل الحماية العسكرية الاميركية، لكنه يعني مزيدا من فقدان
واشنطن لنفوذها في الشرق الاوسط في وقت تواجه فيه قضايا محرجة اخرى،
ومنها مثلا مع مصر وتركيا، توترات جديدة، وقد عمد السعوديون الذين يرون
ان استقرارهم مهدد بسبب الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، الى التبرع
بمليارات الدولارات الى الجيران في مصر والاردن والبحرين واماكن اخرى
على امل ان تقاوم هذا التغيير السياسي، وتقوم السعودية بتوسيع اطار
علاقاتها وقوتها لتصل الى الملكيات السنية وترسم مسارا جديدا للقضايا
العربية الاسرائيلية ولحملتها لاحتواء ايران، كما انها تحمل مظاهر
استقلالها عن اميركا في قضايا الطاقة الرئيسية، التي يمكن ان تؤدي في
نهاية المطاف الى التاثير على اسعار النفط في الولايات المتحدة.
وقد نشأ هذا المحور بعد سنوات من الاستياء المتنامي من الاسلوب
الاميركي في المنطقة، فقد شعرت الرياض بالخشية عندما سمحت ادارة جورج
بوش لحكومة شيعية باستلام زمام الامور في العراق بعد عملية الغزو، كما
استاء العاهل السعودي الملك عبد الله عندما حثت ادارة اوباما مبارك
للانصياع بعد 18 يوما من المظاهرات، كما شعر السعوديون بالاهانة نتيجة
اراء اخرى ومن بينها خطاب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون المتشدد
المؤيد للاصلاح الذي ألقته في دولة قطر في كانون الثاني (يناير) وقد
حذرت فيه من ان اسس المنطقة "تغوص في الرمال"، بالاضافة الى ذلك فقد
أحس السعوديون "بالتذمر والغضب" حسب قول احد كبار المسؤولين الاميركيين
سابقا، الذي ادلى بتصريحاته بشرط عدم الكشف عن هويته بالنظر للحساسية
التقليدية لدى السعوديين "وهم لا يعرفون بالضبط ما الذي عليهم ان
يقوموا به"، وأصر احد كبار موظفي الخارجية الاميركية على انه فيما
يتعلق بقضايا الامن والطاقة فان التحالف يظل "صخرة صامدة"، ويواصل
البلدان التعاون عن كثب في قضايا مكافحة الارهاب، كما انهما تعاونا في
الازمة السياسية التي اكتنفت اليمن والتي كشفت عن مدى انبعاث القاعدة،
حسب قول المسؤولين، وتقوم الولايات المتحدة ببيع اسلحة ومعدات عسكرية
اخرى الى السعودية بقيمة 60 مليار دولار ضمن صفقة على عدة سنوات، هي
اكبر عملية اسلحة اميركية حتى الان، وقد ظهر التوتر بشكل اكثر وضوحا في
البحرين، حين اغفلت الرياض تحذيرات الولايات المتحدة وارسلت اكثر من
الف من قواتها في منتصف آذار (مارس) لقمع المظاهرات الشيعية، وينظر
المسؤولون السعوديون الى الاحتجاجات على انها عمل ايراني لاكتساب موطئ
قدم على حدودهم، وبالتالي فانهم يعتقدون ان واشنطن فشلت في التعرف على
هذا التهديد، وفيما كان المسؤولون الاميركيون يحثون على الاصلاح في
مصر، فان الرياض منحت القاهرة 4 مليارات دولار للمحافظة على الوضع
القائم ولمواجهة نهضة الاخوان المسلمين، اذ يخشى السعوديون ان تقوم هذه
الجماعة بتحدي المفهوم الديني التي يوفر الشرعية للملكية السعودية. |