أفغانستان وتداعيات الانسحاب الأمريكي

هل سينجح كرزاي في ديمومة الدولة؟

شبكة النبأ: أقرت الولايات المتحدة مؤخرا بعجزها عن تحقيق أهدافها في أفغانستان او جعل تلك الدولة على اقل تقدير قادرة على تأمين قدرا مسئولا من الحماية والاستقرار لسكانها، بالرغم من المليارات الكثيرة التي أنفقت في سبيل ذلك أملا في إنهاء العنف والتمرد.

وتسعى واشنطن الى اتخاذ استراتيجيات جديدة تهدف الى تحقيق ما عجزت عنه خلال سنوات الحرب الطويلة، بعد قرارها المعلن عن سحب قواتها من ذلك البلد الذي تسوده الاضطرابات بشكل مستمر.

في الوقت الذي اتضح مسعى بعض الدول المجاورة الى ملئ الفراغ السياسي والأمني المصاحب لتلك الإجراءات الأمريكية، من خلال التقارب من حكومة كرزاي.

مخاطر جسيمة

فيجب أن تكفل ادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما أن تصمد الاتجاهات الامنية وأن تكتسب محادثات السلام جاذبية وأن يتحسن الحكم في افغانستان حتى تكسب المقامرة التي تراهن فيها بالكثير هناك. ان لم تستطع فان الولايات المتحدة وشركاءها قد ينضمون الى القوى العالمية الاخرى التي حاولت وفشلت في ترويض تلك الدولة صعبة المراس فيما مضى.

وكتب انتوني كوردزمان الخبير الامني بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "واضح جدا أنهم في سباق ايضا. سباق مع الزمن والموارد والعدو قد لا يفوزون به."

وكشف أوباما النقاب عن خطة لبدء اعادة القوات الامريكية الى الولايات المتحدة بوتيرة أسرع من تلك التي اقترحتها وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) وهو قرار أقلق كبار القادة بالجيش الامريكي الذين يخشون من أن يهدر المكاسب العسكرية. وقال أوباما انه سيسحب ثلث 100 الف جندي موجودين حاليا في افغانستان بحلول نهاية الصيف القادم. وسيعود بقيتهم الى ديارهم بوتيرة مطردة.

ودافع مستشارو أوباما عن خطته قائلين ان قراره ارسال 30 الف جندي إضافي الى افغانستان العام الماضي حقق انتصارات حقيقية ورمزية وأخرج طالبان من معقلها بجنوب البلاد.

وقال الرئيس الامريكي خلال زيارته للجنود في قاعدة فورت درام بنيويورك "تجاوزنا نقطة يمكننا ان نسحب فيها بعض قواتنا. لا نفعل ذلك بشكل مندفع. بل سنفعل ذلك بطريقة متوازنة لنضمن ان المكاسب التي شاركتم جميعا في تحقيقها تكون مكاسب مستدامة."

لكن جنوب أفغانستان لايزال غير مستقر كما أن الصورة ليست افضل في مناطق أخرى من البلاد. وتصاعدت وتيرة العنف على الحدود الشرقية بل ان كبار قادة الجيش الامريكي حذروا بصراحة من أن الاوضاع قد تتردى اذا لم يتم الالتزام بشروط صارمة.

وقال الاميرال مايك مولن رئيس هيئة الاركان الامريكية المشتركة "التقدم الذي أحرزناه على الرغم من أنه كبير فاننا يمكن أن نفقده دون قيادتنا المستمرة ومساهمات شركائنا... او جهد اكثر تضافرا من الحكومة الافغانية."

وحتى في المناطق التي تلخص النجاحات المتواضعة التي حققتها استراتيجية تكثيف القوات التي وضعها أوباما مثل قندهار بجنوب افغانستان فان الجنود الامريكيين هناك منتشرون بأعداد صغيرة بالفعل وهم قلقون بشأن ما سيعنيه الانسحاب السريع.

ومن المرجح أن يضطر القادة العسكريون الى سحب أعداد كبيرة من الجنود في ذروة موسم القتال بالصيف القادم التزاما بالموعد النهائي المحدد بسبتمبر ايلول. وقال رونالد نيومان سفير الولايات المتحدة السابق في افغانستان "هذا فعلا يقيد الجيش في عام 2012 ."

وتعتمد استراتيجية أوباما الامنية على قدرة الغرب على تشكيل قوة محلية كفء وهو ما يتفق جميع المراقبين على أنه أمر أساسي لاستقرار البلاد على المدى الطويل. وسيؤدي الانسحاب بوتيرة أسرع الى انخفاض عدد الجنود الامريكيين الذين يدربون قوات الامن الافغانية.

وحتى حين يبدأ نقل تدريجي للمسؤولية الامنية فانه لا توجد دلائل تذكر على أن قوات الامن ستكون جاهزة لتأمين افغانستان قريبا.

لكن العقبات التي تواجهها ادارة أوباما خارج ساحة المعركة تجعل التحديات العسكرية تبدو مباشرة. ولم تحرز عشر سنوات ومليارات الدولارات من المساعدات الغربية تقدما يذكر في تحقيق الاستقرار لافغانستان.

والعلاقات بين الرئيس الافغاني حامد كرزاي والولايات المتحدة هي في أحسن أحوالها متوترة وتتحول في أسوأ حالاتها الى العداء الصريح. وبلغ الفساد مستويات وبائية ولايزال الاقتصاد في وضع سيء ولاتزال تجارة الافيون المزدهرة تمول المتمردين.

وعلى الرغم من مسارعة واشنطن الى اظهار النتائج التي عادت من "الزيادة المدنية" لاعداد الدبلوماسيين وعمال الاغاثة فان الكونجرس الامريكي الذي لا يطيق صبرا قد يخفض الميزانية لجهود الاغاثة الافغانية التي يشعر أنها لم تحقق شيئا.

كما ستتوقف خطة اوباما لتقليص دور الولايات المتحدة تدريجيا على قدرة واشنطن على رعاية تسوية سياسية مع حركة طالبان. وقال جون كيري العضو البارز بمجلس الشيوخ الامريكي "الخلاصة أن اي عدد من القوات لا يستطيع حل تحدي افغانستان."

وأكدت الولايات المتحدة وبريطانيا أنهما تجريان اتصالات مع طالبان. لكن الجهود السابقة لاجراء مفاوضات سلام فشلت ومن الصعب قياس احتمال نجاح المبادرة التي تحيطها السرية.

واذا كان يمكن استقاء الدروس من صراعات أخرى فان عقد اتفاق للسلام قد يستغرق وقتا أطول كثيرا من الذي يريد الساسة الامريكيون انتظاره في الوقت الذي يسعون فيه الى اعادة التركيز على الاقتصاد الضعيف والاولويات الداخلية الاخرى.

لكن المسؤولين يعترفون بأن اكبر تحد للولايات المتحدة في افغانستان ليس موجودا في أفغانستان. واذا لم يتم احراز تقدم في كبح جماح الجماعات المتشددة التي تعمل في باكستان المجاورة فان من غير المرجح أن تصمد دولة أفغانية غير مستقرة.

ويضغط المسؤولون الامريكيون بشدة على اسلام اباد بعد أن عمقت الغارة التي شنتها قوات خاصة امريكية على اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وقتلته خلالها الشكوك في واشنطن بشأن تواطؤ باكستان مع المتشددين.

وقال نيومان ان خطط الانسحاب الامريكي السريع ستتطلب مزيدا من الجهد من باكستان ضد المتشددين. وتساءل "لكن اذا تصوروا أننا سنرحل فلماذا يقومون بأكثر مما نريد.."

محادثات سرية

في السياق ذاته كشفت صحيفة "الجارديان" عن محادثات سرية بين مسئولين أمريكيين وأفغان للتوصل إلى اتفاق أمنى على المدى الطويل والذى سيسمح بمقتضاه للقوات الأمريكية وعملاء المخابرات بالبقاء لعقود فى أفغانستان.

وعلى الرغم من أنها ليست معلنة، إلا أن هناك مفاوضات تجرى منذ أكثر من شهر لتأمين اتفاق شراكة استراتجية يتضمن تواجداً أمريكياً فى أفغانستان بعد عام 2014 وهو الموعد المحدد لسحب كل القوات الأفغانية البالغ عددهم 130 ألف من البلاد، وذلك على الرغم من استمرار النقاش العلنى فى واشنطن وفى دول أخرى من التحالف المقاتل فى أفغانستان بشأن سرعة الانسحاب.

واعترف مسئولون أمريكيون أنه على الرغم من أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون قد قالت مؤخراً إن واشنطن لا تريد أى قواعد دائمة فى أفغانستان، إلا أن تصريحها يسمح بعدد من التنسيقات الممكنة.

وصرح أحد هؤلاء المسئولين للجارديان أن هناك قوات أمريكية فى عدة الدول وتظل فترات زمينة محددة دون أن تكون موجودة بشكل دائم.

وأشارت الصحيفة إلى أن أنباء المحادثات السرية بين واشنطن وكابول قد أثارت مخاوف شديدة بين القوى الأخرى فى المنطقة وخارجها. حيث تتخوف روسيا والهند من وجود أمريكى طويل المدى بالقرب منهما.

أزمة مالية طاحنة تواجه أفغانستان بحلول عام 2014

من جانب آخر حذر الأعضاء الديموقراطيون في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي من أن أفغانستان قد تواجه أزمة مالية عسيرة عند انسحاب القوات الأجنبية من أراضيها عام 2014.

وحثت اللجنة في دراسة أجرتها على مدى عامين وستعلن نتيجتها اليوم ، الرئيس الأمريكي باراك أوباما على تحسين استخدام الميزانية المخصصة للمساعدات الخارجية في أفغانستان والتي تبلغ 350 مليون دولار شهريا، بحيث ينصب التركيز فيها على أوجه التنمية المستدامة.

وأوضحت الدراسة أن عدم التروي في تحديد الأوجه المثلى لإنفاق تلك الموازنة قد يسهم بصورة مباشرة في حدوث المزيد من الفساد ، ولكن الأخطر هو أن عدم ترشيد ميزانية المساعدة الأمريكية سيكون من شأنه تشويه التوازن الطبيعي في الإقتصاد الأفغاني وإضعاف قدرة الحكومة الأفغانية على السيطرة على الإقتصاد.

وتنفق وزارة الخارجية الأمريكية والذراع التابعة لها وهي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية 350 مليون دولار شهريا في أفغانستان بهدف استمالة العقول والقلوب وحشد مزيد من التأييد الشعبي ضد مقاتلي حركة طالبان والقاعدة.

وكانت أهم المكاسب هي زيادة بنسبة 700 في المائة في عدد الأطفال الذين يتلقون تعليما في المدارس وكذلك تحسن ملحوظ في مستوى الخدمات الصحية.

ولكن تقرير اللجنة الأمريكية يؤكد ضرورة إخضاع تلك المساعدات لقدر أكبر من التدقيق وخاصة في ضوء الاعتماد الكامل على المقاولين لتنفيذ عقود المشروعات.

وأوضح التقرير أن نسبة لا تقل عن 80 في المائة من ميزانية المساعدات الأمريكية يتم إنفاقها في مشروعات في جنوب وشرق أفغانستان، وهي المناطق التي تخضع تقليديا لسيطرة حركة طالبان ، كما أن الإنفاق الأمريكي في تلك المناطق يتركز في مشروعات خدمية قصيرة الأجل دون الدخول في مشروعات إنمائية للاجل الطويل. كما لم تثبت صحة الزعم بأن هذا النوع من الإنفاق يسهم في تحقيق الإستقرار، وإنما على العكس يقول محللون إنه جاء بنتيجة عكسية تماما.

مليارات الدولارات بدون نتيجة فعالة

فيما افاد تقرير لمجلس الشيوخ الاميركي ان الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة منذ عشر سنوات لمساعدة هذا البلد على النهوض بدت قليلة الجدوى. فقد انفقت الولايات المتحدة حوالى 19 مليار دولار في افغانستان بين 2002 و2010. وتمثل المساعدة الاميركية حاليا لافغانستان موردا تبلغ قيمته 320 مليون دولار في الشهر.

واكد تقرير لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي ان "الادارة الاميركية يمكن ان تكون اكثر فعالية في الطريقة التي تنفق فيها المساعدة لافغانستان". وجاء في الوثيقة ان "المساعدة الاميركية يجب ان تلبي ثلاثة شروط اساسية قبل انفاق المال: ان تكون مشاريعنا ضرورية وقابلة للتطبيق والاستمرارية".

وانتقد التقرير الذي نشر في الوقت الذي يستعد فيه الجيش الاميركي لبدء انسحابه من افغانستان اعتبارا من تموز/يوليو 2011، "انعدام الامن، والفقر، والقدرات المحلية المحدودة، والفساد المعمم" كعقبات امام توزيع عادل للاموال. ولم يعلن بعد رسميا الاربعاء حجم عمليات الانسحاب الاولى للقوات الاميركية.

ولفت التقرير الى ان الانتقال من شراكة عسكرية الى مساعدة مدنية يجب ان يتواصل حتى 2014 الموعد المحدد لانتقال المسؤولية الامنية في افغانستان الى القوات الافغانية.

لكن التقرير يعبر عن القلق ازاء هذا الاستحقاق، مشيرا الى ان "افغانستان قد تواجه ازمة اقتصادية خطيرة عندما ترحل القوات الاجنبية في 2014 الا اذا بدأ تخطيط فعال الان".

واكدت الوثيقة ان العملية الانتقالية يجب ان تكون متوازنة لتفادي "تراجع مفاجىء للمساعدات".

من جهته سعى رئيس اللجنة جون كيري للطمأنة في خصوص التقرير. وقال امام اللجنة "هذا التقرير يريد ان يحمل نظرة بناءة وايجابية لمقاربتنا".

وبين التوصيات الواردة في التقرير تقديم مساعدة مدنية على سنوات، على الكونغرس الموافقة عليها. وعلى هذه المساعدة ان تقدم وفقا لاستراتيجية "محددة بوضوح".

فضلا عن ذلك يدعو التقرير الى "مراجعة برامج استقرار مناطق الحرب" لتقييم ما اذا كان وقع مثل هذه البرامج على الجهات التي تتلقاها ايجابيا ام لا، و"اذا دعت الحاجة" استخدام الاموال لاغراض اخرى. وتحدث الدبلوماسي راين كروكر الذي عينه الرئيس باراك اوباما سفيرا مقبلا في افغانستان امام لجنة الشؤون الخارجية في جلسة لتثبيته في هذا المنصب.

وعندما سئل بخصوص التقرير اجاب كروكر انه سينكب على المسالة واقر في الوقت نفسه بحصول "مشاكل". واضاف انه سيستخلص العبر من تجربته كسفير في العراق بين 2007 و2009 حيث اعتبرت مهمته الى جانب الجنرال ديفيد بترايوس ناجحة.

لكن كروكر اكد، كما فعل التقرير، ان نجاحات قد سجلت بفضل المساعدة في افغانستان. وذكر في شكل خاص القطاعات الصحية والتربوية.

وراى السناتور جون كيري ان دور كروكر سيكون "حاسما" لتصحيح نقاط الخلل المسجلة في المساعدة الاميركية في افغانستان.

وكروكر الدبلوماسي الذي تعود على المهمات الصعبة، تقاعد في العام 2009 بعد ان شغل منصب سفير في باكستان ثم في العراق حيث عينه الرئيس السابق جورج بوش.

فراغ في السلطة

من جهة أخرى لا زالت النتائج الكارثية للحرب التي خاضتها روسيا في افغانستان تطارد قادتها فيما يتلمسون خطاهم للانخراط في شؤون كابول قبل الانسحاب التدريحي لقوات حلف شمال الاطلسي الذي يمكن ان يقود لفراغ خطير في السلطة في بلد كان يدور في فلك موسكو من قبل.

ورفضت موسكو ارسال قوات للمشاركة في حرب يتنامي الرفض الشعبي لها مع دخولها عامها العاشر ولكنها تدعم الغارات على تجارة المخدرات وعززت مساندتها لحلف شمال الاطلسي والقوات الافغانية. كما ابدت اهتماما بصفقات تجارية فيما تصارع لتعزيز مكانتها في افغانستان.

واستقبلت روسيا الرئيس الافغاني حامد كرزاي مرتين خلال 12 شهرا طلب خلالهما بشكل مباشر من نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف المساهمة في حفظ الامن في أفغانستان.

وقالت فاندا فلباب براون خبيرة الشؤون الافغانية وزميلة معهد بروكينجز ان روسيا انخرطت في الشؤون الافغانية بشكل غير مباشر لفترة طويلة من خلال دعم العمليات الاجنبية ولكنها تتبنى الان سياسة "التواصل بشكل مستقل".

وقالت من واشنطن "كان هدف روسيا الرئيسي تفادي نشوب حرب أهلية وتجنب عدم الاستقرار وامتدادهما لاسيا الوسطى او روسيا ذاتها." بحسب رويترز.

وتتقرب روسيا ايضا من باكستان التي يعتقد انها تضطلع بدور مهم في خطط السلام في افغانستان حيث لقي نحو 15 ألف جندي سوفيتي حتفهم في معارك مع المجاهدين قبل انسحاب القوات السوفيتية من البلاد في عام 1989.

وفي العام الماضي وافقت موسكو على تمديد اتفاق يسمح بعبور مركبات مدرعة لحلف شمال الاطلسي اراضيها. وكانت قد سمحت للحلف من قبل بنقل مواد غذائية ووقود.

كما يتوقع ابرام اتفاق يقضي بامداد الولايات المتحدة بعدد 21 مروحية عسكرية بحلول نهاية العام.

وقال فيودور لوكيانوف رئيس تحرير صحيفة (رشا ان جلوبل افيرز) "بالتأكيد لا تريد روسيا بقاء امريكا في المنطقة. وفي الوقت ذاته ثمة قلق من ان يزيد رحيل الولايات المتحدة -بصفة خاصة ان حدث سريعا- من صعوبة الوضع."

كما تأمل موسكو ان تشارك في عدة مشروعات اقتصادية بما في ذلك خط انابيب غاز مقترح ومنشات تعمل بالطاقة المائية في كابول. وقالت روسيا انها ستعيد بناء البنية التحتية التي شيدت خلال الفترة من الخمسينات الى السبعينات.

ويقول خبراء ان المرحلة الانتقالية الاولى التي تبدأ في سبع مناطق هي خطوة رمزية اكثر منها موضوعية ولكنهم يتفقون على ان عملية نقل السلطة ضرورية لمعرفة مدى جاهزية القوات الافغانية.

ومازال القلق ينتاب موسكو من بلد كان محور الصراع التاريخي بين بريطانيا وروسيا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين بينما يحركها الان الخوف من تنامي المد الاسلامي.

وتخشى روسيا ان يسمح خفض عدد القوات الاجنبية بتسلل متشددين الى دول غالبيتها مسلمة في اسيا الوسطى كانت تدور في فلك الاتحاد السوفيتي سابقا.

وحذرت منظمة معاهدة الامن الجماعي التي تهيمن عليها روسيا الدول الاعضاء من ان انشطة المتشددين الافغان تمتد بالفعل لدول اسيا الوسطى المجاورة. وقال نيكولاي بورديوجا من المنظمة في موسكو "هذا أحد العوامل الرئيسية لزعزعة الاستقرار ويمثل تهديدا حقيقيا للامن الجماعي في منطقة اسيا الوسطى."

وقال محللون ان الانزعاج دفع موسكو لاجراء محادثات بشأن ارسال ما يصل الى ثلاثة الاف من حرس الحدود الروس الى طاجيكستان التي تقع افغانستان على حدودها الجنوبية الطويلة التي تكثر بها ثغرات يمكن العبور منها. كما تقع اوزبكستان وتركمانستان على الحدود مع افغانستان.

وتقول جيما فرست من مجموعة اوراسيا ومقرها لندن "من الممكن ان نرى عودة طالبان وقد يشجع ذلك الحركات الاسلامية في اسيا الوسطى." وتضيف ان حركات اسلامية نمت محليا في جميع دول اسيا الوسطى بعد 20 عاما من انهيار الاتحاد السوفيتي وقد ثبت بالفعل وجود صلات بالتيار المتطرف على مستوى العالم. كما أن هناك بواعث قلق اقرب للداخل..

فالكرملين يخوض معركة صعبة ضد متمردين اسلاميين في منطقة شمال القوقاز التي يغلب على سكانها المسلمون والتي شهدت عمليات تهجير ابان الحقبة السوفيتية وحربين انفصاليتين في الشيشان منذ عام 1994.

وقد تشجع الفوضى المحتملة في افغانستان عقب رحيل القوات الاجنبية المتمردين في روسيا العازمين على اقامة دولة اسلامية والذين يشنون غارات شبه يومية في شمال القوقاز.

وصعد المتمردون من حملتهم واعلنوا مسؤوليتهم عن تفجيرات انتحارية اسفرت عن مقتل 77 شخصا في اكثر مطارات موسكو ازدحاما في يناير كانون الثاني ومترو موسكو في العام الماضي.

وقالت فلباب براون "ثمة مخاوف من احتمال انتقال (العنف) الى شمال القوقاز وكيف يمكن ان يذكي الدعم المعنوي من افغانستان التيارين السلفي والانفصالي هناك."

وساند متشددون افغان شمال القوقاز علنا في السابق واعترفت حكومة طالبان بالشيشان كدولة مستقلة في عام 2000 بل وافتتحت سفارة لها في كابول.

كما أن أزمة المخدرات التي تزحف على روسيا وخطر انتشار مرض الايدز وفيروس اتش.اي.في المسبب له فيها يزيدان من اهتمام موسكو بالشأن الافغاني. فربع الهيروين الافغاني يصل الى روسيا من خلال اسيا الوسطى مما يجعلها أكبر مستهلك في العالم من حيث نصيب الفرد من هذه المادة المخدرة مع وجود ما يصل الى ثلاثة ملايين مدمن بها.

الامن العالمي

على صعيد متصل قالت منظمة الشرطة الدولية (انتربول) ان عدم القدرة على تبادل الصور وبصمات الاصابع والحمض النووي "للارهابيين الافغان يهدد الامن العالمي". وذكر الامين العام للمنظمة رونالد نوبل ان هروب المئات من سجن في مدينة قندهار الافغانية بمن فيهم اعضاء من حركة طالبان مرة اخرى يكشف عدم تدريب السلطات الافغانية او تجهيزها لاخذ صور وبصمات الاصابع والحمض النووي لارهابين وتوزيعها دوليا.

وقال ان سلطات انفاذ القانون العالمية لم تتلق اي معلومات تعريفية عما يقارب 480 سجينا هربوا من سجن قندهار ليلة 24 الشهر الجاري حيث شهد السجن نفسه هروبا جماعيا لنحو 900 سجين في يونيو 2008.

واضاف انه "على الرغم من انفاق الدول مئات المليارات من الدولارات كل عام في افغانستان فانه لا يزال الفشل مستمرا في تدريب وتجهيز السلطات الافغانية لجمع وتخزين وتبادل المعلومات مع سلطات انفاذ القوانين الاساسية مثل بصمات الاصابع والصور الفوتوغرافية والحمض النووي وهو امر غير مقبول ويعد فجوة في الامن العالمي".

وقال"انه لامر مروع فبعد ثلاث سنوات من اكبر هروب من السجن في تاريخ أفغانستان من قبل ارهابيين ومدانين لا توجد بيانات يتم تقاسمها مع سلطات انفاذ القانون اقليميا وعالميا في حالة الهروب". بحسب الوكالة الكويتية للانباء.

وذكر نوبل ان مكتب المنظمة الوطني في كابول كان قد نبه الى ذلك كما انه حذر من ذلك في اجتماع وزراء العدل والداخلية لدول المجموعة الصناعية الكبري الثمان (جي 8) عام 2007 فيما اعتمدت الجمعية العامة للانتربول قرارا عام 2006 يشدد على ضرورة قيام الدول الاعضاء في المنظمة بتعميم المعلومات في حالة هروب ارهابيين او مجرمين خطرين من السجن.

المتمردون يبدلون استراتيجيتهم

من جانبه قال حاكم ولاية قندهار ان متمردي طالبان "بدلوا استراتيجيتهم" في جنوب افغانستان حيث باتت هجماتهم على المدن "متفرقة" بسبب تراجع الدعم الذي يحظون به بين السكان المحليين. وقال توريالاي ويسا في حديث اجرته معه وكالة فرانس برس على هامش اجتماع للمنتدى الدولي للاميركيتين في مونتريال "لقد بدل المتمردون استراتيجيتهم. انهم ياتون الى المدن، ينفذون عمليات قتل متفرقة، يزرعون عبوات ناسفة يدوية الصنع والغاما".

وتابع "انهم لا يملكون موارد مالية كما في الماضي" مؤكدا ان مواردهم جراء زراعة الخشخاش المستخدم لصنع الهيرويين تراجعت لان علاقاتهم مع المزارعين لم تعد وثيقة كما كانت.

وقال ويسا "من قبل كان الامر وكان السكان المحليين رهائن لدى المتمردين. اما الان، فلم يعودوا يساعدونهم، الحكومة باتت اكثر حضورا في المناطق النائية" مؤكدا ان الامن تحسن في جنوب البلاد.

وتابع المسؤول الذي عاش فترة طويلة في غرب كندا "في الفترة نفسها من العام الماضي لم يكن بوسعنا الوصول (برا) الى بعض المناطق وبعض القرى. حتى انا كنت اضطر الى الصعود في الطائرة للتوجه الى بعض القرى. اما الان، فاستقل السيارة للذهاب الى مناطق ارغنداب ودامان وبانجواي وزاري". بحسب فرانس برس.

ومن المقرر ان تضع كندا حدا الشهر المقبل لمهمتها القتالية في قندهار، غير انها ستبقي قسما من جنودها في افغانستان لتدريب الجيش الوطني الافغاني.

وقال ويسا "ان وجود كندا في قندهار كان مهما جدا.. لكنني واثق ان قوات دولية اخرى معظمها اميركية ستحل محلها". وقال "لست واثقا بان الرئيس (الاميركي باراك) اوباما سيسحب قواته ان كانت الفوضى تعم افغانستان وولاية قندهار. عقدنا لقاءات (مع الاميركيين) حول الامن. لن يتركوننا وحدنا كما في التسعينات" في اشارة الى تراجع الدعم الاميركي لافغانستان بعد انسحاب القوات السوفياتية من هذا البلد عام 1989.

وقال حاكم قندهار "سيستغرق الامر ستة اشهر او سنة" ليتبين بوضوح انعكاس مقتل بن لادن على الامن في جنوب افغانستان المحاذي لباكستان، مستبعدا انتقال عدوى الثورات العربية الى بلاده المسلمة.

وقال "في مصر بقي (الرئيس السابق) حسني مبارك في السلطة حوالى ثلاثين عاما وكان يسعى لنقل السلطة الى ابنه. والوضع مماثل في سوريا حيث حكم حافظ الاسد حوالى ثلاثين عاما ويحكم ابنه منذ 12 عاما. دستورنا واضح، لا يمكن لاي كان تولي الرئاسة لاكثر من ولايتين".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تموز/2011 - 7/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م