آثار وشواخص... تؤرخ للمنجز البشري

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: ان الامم تفتخر بماضيها وتعتز بأصالتها وتقيم كثيراً ما تركه لهم الاجداد من ميراث متجذر في القدم، والحضارات التي صنعها الاوائل لم تكن وليدة اللحظة او ضرباً من الخيال، بل هي نتاج ضخم لقرون من الزمان والاف من الرجال والنساء شاركوا "اختياراً او جبراً" في صنع حضارة ضلت شاهدة على عصرهم ومثالاً على ابداعهم بعد ان لملمت بقاياها وعبر بالزمن حتى وصلت الى اليوم وهي تعاني ضروف الطبيعية القاسية التي نحتت بمعاول العوامل الطبيعية والتغيرات المناخية في اطرافه، وكذلك تعاني من اهمال الانسان لها بعد ان تعرضت "معظمها" على يديه الى السرقة والتهريب والتدمير والازالة.

ومع انشاء المنظمات الدولية التي تدافع عن الاثار والتراث الانساني وعلى رائسها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" اتخذت قضية الاثار منحاً اخر تمثل في توحيد الجهود العالمية من اجل المحافظة على هذا الثراث العالمي الذي تملكه الانسانية جمعاء، وقد قامت هذه المنظمة بقيادة الجهود الدولية من خلال ابداء النصح وتقديم المشورة ومساعدة الدول في المحافظة على اثارها.

قلعة ماتشو بيتشو

حيث وضعت اليونسكو قلعة الإنكا ماتشو بيتشو (البيرو) تحت "المراقبة المشددة"، ولكنها عدلت عن إدراجها على لائحة التراث العالمي المهدد، وأعلنت مصادر من لجنة التراث العالمي التي اجتمعت في باريس منذ 19 حزيران/يونيو لمراجعة حالة المواقع المدرجة أن "ماتشو بيتشو لن تدخل لائحة التراث العالمي المهدد" ولكنها "ستوضع تحت المراقبة المشددة"، وأشارت المصادر نفسها أن قلعة الإنكا التي اكتشفت قبل قرن من الزمن والتي تقع على ارتفاع 2400 مترا في منطقة كوسكو (جنوب شرق البيرو)، تواجه خطرا يتمثل بـ "فائض من الزائرين" و"بناء طريق مجاورة"، وقد انطلق "نقاش طويل" داخل لجنة اليونسكو التي تضم ممثلين عن 21 دولة عضوا بغية دراسة هذه التهديدات ولكن "لم يحصل تصويت بالأكثرية" لإدراجها على لائحة التراث المهدد، في السنة المقبلة ستقدم سلطات البيرو "تقريرا حول حالة الحفاظ" على ماتشو بيتشو التي تعتبر المجموعة الهندسية الأروع لامبراطورية الإنكا، التي بنيت في أوج هذه الحضارة بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر بعد الميلاد، اكتشفت قلعة الإنكا في تموز/يوليو 1911 وأعلنتها اليونسكو تراثا ثقافيا للبشرية سنة 1983، ويتوقع أن تراجع اللجنة بحلول 29 حزيران/يونيو حالة الحفاظ على 169 موقعا مدرجا على لائحة التراث العالمي، من بينها 34 موقعا مهددا. بحسب فرانس برس.

في قائمة التراث العالمي

في سياق متصل أدرجت غابات شجر الزان القديمة في ألمانيا في قائمة التراث العالمي لليونسكو، وكذلك مدينة هيرايزومي اليابانية (شمال-شرق) وبريدجتاون عاصمة جزيرة باربادوس، بحسب ما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة التي تتخذ من باريس مقرا له، ولفتت اليونسكو في بيان إلى أن غابات الزان القديمة في ألمانيا "ضرورية لفهم عملية انتشار أشجار الزان في النصف الشمالي من الكرة الأرضية"، أضافت "عملية الإدراج الجديدة هذه تشمل خمس غابات تغطي 4391 هكتارا، تضاف إلى 29278 هكتارا من غابات الزان في سلوفاكيا وأوكرانيا التي كانت قد أدرجت في قائمة التراث العالمي في العام 2007"، كذلك، أدرجت اليونيسكو "معابد وحدائق ومواقع أثرية" في هيرايزومي، هي كناية عن "ستة مواقع، من بينها جبل كينكييسان المقدس"، وتشرح اليونيسكو "نجد هنا آثار لأبنية حكومية تعود إلى القرنين ال11 والـ12، حين كانت هيرازومي تشكل المركز الإداري لمملكة اليابان الشمالية مزاحمة كيوتو، وكانت المملكة تعكس كوزمولوجيا بوذية الأرض الطاهرة والتعاليم التي انتشرت في اليابان في القرن الثامن". بحسب فرانس برس.

إلى ذلك، أدرجت أيضا جزيرة باربادوس الواقعة بين المحيط الأطلسي وبحر الكاريبي في قائمة التراث العالمي، وتلفت اليونسكو إلى أن "الوسط التاريخي في بريدجتاون وحاميتها يعتبران مثالا استثنائيا للهندسة المعمارية على الطراز الاستعماري البريطاني، يأتي على شكل مدينة قديمة شيدت في القرون 17 و18 و19 ميلادية"، وتعقد لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة دورتها السنوية التي تستمر لغاية 29 حزيران/يونيو، وعلى جدول أعمالها البحث في إدراج 35 موقعا طبيعيا أو ثقافيا جديدا في قائمة التراث العالمي نظرا "لقيمتها العالمية الاستثنائية"، كما أدرجت خمسة مواقع جديدة في كل من الأردن والسودان وايطاليا والمانيا وكولومبيا، في قائمة التراث العالمي لليونسكو، ووفق بيانها أدرجت لجنة التراث العالمي في قائمتها مشهد القهوة الثقافي في كولومبيا، باعتباره "مثالا استثنائيا لمشهد ثقافي يتم تناقله ومستدام، هو مثال فريد ويمثل تقليدا بات رمزا قويا في كولومبيا وفي مناطق أخرى من المناطق المنتجة للبن في العالم"، ويشمل هذا المشهد "ستة مشاهد زراعية و18 مركزا مدنيا عند سفح جبال السلسلة الشرقية والوسطى لجبال الأنديز، غرب البلاد"، واختارت اللجنة ايضا جزيرة مروي في السودان، بوصفها "مشهدا نصف صحراوي بين النيل وعطبرة التي كانت قلب المملكة الكوشية، وكانت قوة كبرى في القرن الثامن قبل الميلاد ولغاية القرن الرابع قبل الميلاد"، ويشمل الموقع "موقعا حضريا ومقبرة، هي مهد الحكام الذين احتلوا مصر خلال قرابة قرن"، بالإضافة إلى "المدينة الملكية للملوك الكوشيين في مروي" و"المواقع الدينية القريبة من النقعة والمصورات الصفراء".

كما أدرجت منطقة وادي رم المحمية في الأردن على قائمة التراث العالمي، بوصفه موقعا طبيعيا وثقافي، ويمثل هذا الموقع الممتد على 74 الف هكتار "مشهدا صحراويا مدهشا بوديانه وقنطراته الطبيعية وصخوره واعمدته وكهوفه"، بنقوشه وتسجيلاته المحفورة وآثاره التي تعود الى 12 الف عام، يجسد الموقع "تطور أنشطة تربية المواشي والزراعة والانشطة الحضرية في المنطقة"، إلى ذلك، أدرج اللومبارديون في ايطاليا في القائمة، باعتباره مجموعة اماكن للسلطة تعود الى الفترة الممتدة من القرن السادس وحتى الثامن، وتضم "سبع مجموعات من الأبنية المهمة (بينها قلاع وكنائس وأديرة) في فريولي وبريتشيا وكاستيل سيبريو وسبوليت وكامبيلو سول كليتونو وبينيفان ومونتي سانت انجيلو"، واوضحت اللجنة ان "توليفة اللومبارديون تضم اساليب معمارية متعددة وتسجل الانتقال من العصور القديمة الى العصور الوسطى في اوروبا"، واخيرا، اختارت اللجنة مصنع فاغوس في الفيلد في المانيا، لكونه "مجمعا يضم 10 مبان، صممها في مطلع 1910 والتر غروبيوس، وهو يشهد على تطور الهندسة العصرية والتصميم الصناعي".

سبسطية وتحديات العصر

من جهة اخرى فان مدينة سبسطية الفلسطينية الصغيرة متحف في الهواء الطلق، وبقايا معالم الحضارات التي مرت عليها شاهد على ذلك، الا انها تواجه تحديات العصر بين التطوير والحداثة والحفاظ على الآثار من الضياع والهدم، مدينة سبسطية الاثرية الواقعة غرب مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية، يسكنها نحو ثلاثة الاف فلسطيني وهي تضم معالم من العصر البرونزي والحديدي والهيليني والروماني والبيزنطي والاسلامي والصليبي، سميت في الماضي ايضا ساميرايا من كلمة "شامر" اي الحارس عندما حكمها عمري واخاب، الى جانب كونها مدينة اثرية، فان سبسطية هي ايضا موقع ديني مميز للمسيحيين والمسلمين، لوجود قبر يوحنا المعمدان (النبي يحيى لدى المسلمين) الذي عمد المسيح في نهر الاردن، وقد طالبت برأسه سالومي عندما رقصت للملك هيرودوس ويعتقد ان جسده مدفون في المدينة بينما رأسه في دمشق، وتواجه المدينة الصغيرة صعوبة في التوسع لوجود آثار في كل موقع، وتقول رئيسة بلدية سبسطية كاميلي، "تواجهنا مشكلة في المشاريع فلا يمكن السماح باي بناء من دون موافقة دائرة الاثار الفلسطينية، فما ان نبدأ بحفر مكان حتى نجد موقعا اثريا ويضطر الناس الى الانتقال الى مكان اخر"، وتضيف كاميليا "ان اراضي البلدة محصورة ايضا بسبب السيطرة الاسرائيلية على قسم كبير منها لانها تخضع للمنطقة "سي" وهنا ايضا لا نستطيع التوسع او البناء، كذلك فان اسرائيل تسيطر على المواقع الاثرية الكبيرة وفي بعض الاحيان تغلقها امامنا وتفرض منع التجول لاقامة المهرجانات فيها". بحسب فرانس برس.

من جهته يعتبر المهندس اسامة حمدان الذي يعمل مع مؤسسة الاراضي المقدسة "ان ابرز التحديات التي تواجه سبسطية هي عدم وجود استراتيجية واضحة من قبل الحكومات الفلسطينية، والبلديات وغيرها من المؤسسات لتربط المجتمع المحلي بالتراث بالذاكرة والهوية الفلسطينية"، ويقول "نحن بحاجة الى تدريب عمال متخصصين في مجال الاثار وسبسطية تفتقر للعمال المتخصصين في مجال الترميم الاثري في المنطقة"، ويضيف حمدان "قمنا بترميم بيت قديم بهدف اقامة بيت للضيافة في سبسطية واثناء الحفر، وجدنا بقايا كاتدرائية صليبية تعود للقرن الحادي عشر مع المذبح وهذا الجزء يمثل قدس الاقداس، كما وجدنا جدارا تحصينيا حول المبنى يعود الى الفترة الصليبية"، وسبسطية القديمة التي لا تزال اثارها موجودة حتى اليوم بناها هيرودودس الاكبر الذي عينه الامبراطور اغسطس العام 27 قبل الميلاد حاكما على فلسطين، واهداها لاغسطس واسماها سبسطية ومعناها "المبجل"، والمدينة الرومانية ذات مدخل غربي محصن ببرجين دائريين بارزين، والمدخل محاط بسور، وثمة ابراج نصف دائرية كل خمسين مترا تقريبا هي بمثابة دفاعات لدعم السور، وتقوم ولاء غزال ابنة سبسطية التي تخصصت في علم الاثار بدور الدليل وتقودنا الى مدخل سبسطية الرومانية القديمة عبر طريق الاعمدة، وهذا الطريق كان فيه ستمئة عمود على مسافة ثمانمئة متر.

وكانت خلف هذه الاعمدة اروقة واسواق المدينة، اما الان فانتشرت اشجار الزيتون بين بقايا الاعمدة، وعند انتهاء شارع الاعمدة، هناك درج طويل يقود الى المدينة العليا حيث لا تزال بقايا الفوروم (الساحة العامة كانت تستخدم لاغراض تجارية) والبازيليكا، (مبنى دار الحكم والبرلمان)، واعمدة الساحة والبازيليكا يصل طولها الى خمسة امتار مقطوعة قطعة واحدة وتتصل في القاعدة بقطعة من الرصاص فيما ينتشر على الارض عدد من تيجان الاعمدة، وتتواصل الطريق الى معبد اغسطس الذي شيده هيرودوس الاكبر، هنا ايضا لا تزال بقايا الاكروبوليس "المدرج" الذي يتكون من اربعة عشر صفا تفصلها ستة مقاطع، ومنصة هذا المسرح مهدمة، وليس بعيدا عن معبد اغسطس، بقايا برج هيليني وجزء من سور المدينة الهيلينية التي يتميز بناء حجارتها بشكل طولي مرصوص يجعل منه بناء قوي، وعلى بعد عدة امتار تبرز بقايا قصر الحاكمين اخاب وعمري اللذين اسميا المدينة ساميراي، وكانت اسرائيل اعلنت مواقع سبسطية الاثرية، حديقة قومية. وقال عنها اخصائي اثار اسرائيلي لوكالة فرانس برس "ان سبسطية تعتبر موقعا تاريخيا هاما للشعب اليهودي فكان فيها ممالك، وذكرت في التوارة قبل 900 عاما من الميلاد"، وكان التنقيب قد بدأ عند المدرج من قبل عالمة الاثار كاثلين كانيون من جامعة هارفرد ما بين عام 1908 و1930 وبعد ذلك اكتشفته سلطة الاثار الاردنية في الستينات، ويقيم الفلسطينيون كل عام مهرجانا فنيا في المدينة.

تايلاند تنسحب

على صعيد اخر انسحبت تايلاند من اتفاقية التراث العالمي لليونسكو، على هامش نزاع حدودي مع كمبوديا يتمحور حول معبد يعود الى اكثر من 900 عام مصنف من قبل المنظمة، على ما اعلن مسؤول كبير في بانكوك، واعلنت الحكومة التايلاندية عن قرارها خلال اجتماع عقد مؤخراً في باريس، شهد تسجيل مشروع استغلال معبد "برياه فيهيار" المنسوب الى كمبوديا، على جدول اعمال اليونسكو، وكانت تايلاند تطالب بتجميد المشروع الى حين تسوية الخلاف، وقال ممثل المملكة خلال النقاشات سويت خونكيتي وهو وزير البيئة والموارد الطبيعية أمام وسائل الإعلام التايلاندية "ننسحب لنعلن بأننا لا نقبل القرار الصادر عن هذا الاجتماع"، وكانت مواجهات مسلحة بين البلدين في شباط/فبراير وثم في نيسان/ابريل، قد أدت إلى مقتل 28 شخصا وتهجير عشرات الآلاف. بحسب فرانس برس.

وخلال جلسة في منتصف ايار/مايو في لاهاي، طلبت بنوم بنيه من محكمة العدل الدولية ان تأمر تايلاند بسحب جنودها من محيط المعبد، لكن المحكمة لم تصدر قرارها بعد، وكانت كمبوديا تقدمت بطلبها هذا فيما هي تنتظر قرارا آخر من المحكمة حول حكم صدر في 1962 نسب الى كمبوديا الآثار التي تعود الى القرن الحادي عشر، لكن التايلانديين يسيطرون على الطرق المؤدية الى هذه المواقع الأساسية، في حين أن كلا البلدين يتنازعان منطقة تمتد على مساحة 4،6 كيلومترا مربعا تحت الصرح الذي لم يتم ترسيم حدوده بعد، ويقول المحللون ان البلدين يستخدمان هذه النزاعات لغايات سياسية داخلية، لجذب القوميين عند الحدود.

ترميم الكولوسيوم

الى ذلك ستبدأ عملية ترميم مدرج الكولوسيوم الشهير في روما في أواخر أيلول/سبتمبر المقبل ويتوقع أن تدوم سنتين أو ثلاث، على ما أعلن مروجو المشروع الذي نال تمويلا قدره 25 مليون يورو من مجموعة مصنع الأحذية الايطالية "تودز"، وفي مؤتمر صحافي، أعلن روبرتو سيكي وهو مفوض المناطق الأثرية في روما أنه "بعد استدراج العروض، يتوقع أن تبدأ أعمال ترميم الكولوسيوم في أواخر أيلول/سبتمبر"، وأضاف مبتهجا "عند انتهاء الأعمال، ستزيد نسبة المناطق القابلة للزيارة عن 25 في المئة"، وأوضح قائلا "تحتاج كل ورشة من الورش الثمانية بين 24 و36 شهرا، وستبدأ ثلاث منها في الوقت نفسه"، وكانت السلطات العامة قد وقعت مع مجموعة "تودز" اتفاقا في تشرين الثاني/نوفمبر تتعهد "تودز" فيه بتمويل تنفيذ خطة التدخل بمبلغ قدره 25 مليون يورو، خلال هذه الأعمال، ستبقى أبواب الكولوسيوم مفتوحة أمام الزائرين"، حاليا، واجهة الكولوسيوم التي تضررت بفعل تقلب الطقس والتي اسود لونها بسبب التلوث الناتج عن السيارات "ألفا سيارة في الساعة، بحسب علماء البيئة" في حالة يرثى لها. بحسب فرنس برس.

ويحق لمجموعة "تودز" أن تروج لرعايتها للمشروع ولكن لا يمكنها نشر إعلانات على الكولوسيوم، بحسب رئيس المجموعة دييغو ديلا فالي الذي قال مطمئنا "الكولوسيوم ملك لجميع الايطاليين، ولن نسمح أبدا أن يشوهه أحد بحملة إعلانية"، وأعلن "هذه ليست عملية تجارية بل اجتماعية بحتة"، ارتفع عدد زائري الكولوسيوم في عشر سنوات من مليون إلى ستة ملايين سنويا بعد نجاح فيلم رايدلي سكوت "غلاديايتور" (2000)، ويعتبر الكولوسيوم الذي بدأت أعمال بنائه بين العامين 70 و72 في عهد الامبراطور فسباسيان وانتهى في العام 80 في عهد تيتوس، أكبر مدرج شيد في عهد الامبراطورية الرومانية (188 مترا على 156، وارتفاعه 48،50 مترا)، وكان الكولوسيوم الذي يتسع لما بين 50 و75 ألف شخص، قد استضاف المعارك بين المجالدين وغيرها من العروض العامة، ودام استخدامه حوالى 500 سنة.

كاميرا تكشف أسرار المايا

من جهة اخرى ولأول مرة تم التصوير بآلة فيديو، والتحكم بها عن بعد، داخل أحد القبور الذي يعود تاريخه الى 1500 سنة مضت، على عهد حضارة المايا في جنوب شرقي المكسيك، وعند وصول الكاميرا الى نحو خمسة أمتار في جوف القبر، تمكن المنقبون من مشاهدة جدران الحجرة التي ضمت القبر مدهونة بصبغ أحمر كلون الدم، تعلوها تسعة رسوم لاشكال بشرية، والجدران مرصعة باحجار كريمة، ويقول علماء الآثار إن ما عثر عليه من رسوم سيلقي بمزيد من الضوء على حضارة الماي، ويذكر أن القبر اكتشف العام 1999، لكن العلماء لم يتمكنوا من اكتشاف ما يحويه خشية تقويض بناء الهرم الذي يحتوي القبر، بالينك، وهذا هو اسم المدينة التي يوجد فيها الهرم، كانت إحدى حواضر المايا في أوج عظمتهم، والتي تقع الآن ضمن ولاية تشياباس المكسيكية، لكنها، وبعد ان أفل نجمها في القرن الثامن الميلادي، ابتلعتها الغابة، وبالرغم من فاعلية نشاط علماء الآثار لاستكشاف خباياها، خصوصا خلال العقدين الماضيين، فإن المزيد من آثارها ما زال بانتظار استكشافه، ويشير بيان للمعهد الوطني المكسيكي للأنثروبولوجي والتاريخ إن صعوبات فنية و"وعورة المنطقة التي يوجد فيها القبر، حالت دون التعرف على محتوياته كامل، خصوصا وأنه يعتقد أنه يحتوي على قبر شخص مهم جدا"، ويحتمل خبراء عودة القبر الى الفترة بين 431 الى 550 ميلادية، ويمكن أن يكون ضم رفات الحاكم الاول لبالينك، كأوك باهلام، في حين يرى آخرون أنه ربما احتوى رفات إكس يول إكنال، أول أمرأة تتولى حكم المدينة في مراحلها الأولى.

سوريا والاماراتا والتراث

من جانبها أدرجت اليونسكو على لائحة التراث العالمي مواقع أوروبية وافريقية وشرق اوسطية لا سيما في سوريا والامارات العربية المتحدة، ففي سوريا ادرجت المنظمة العالمية على لائحتها قرى اثرية في محافظتي حلب وادلب في شمال سوري، وبحسب الملف السوري فان هذه التجمعات الاثرية "تمثل نموذجا متكاملا للفترة البيزنطية في سوريا"، ولسوريا اصلا عدة مواقع على قائمة التراث العالمي هي قلعة الحصن وقلعة صلاح الدين ومدن دمشق وحلب القديمتان وبصرى وتدمر الأثريتان، اما في الامارات العربية المتحدة فقد ادرجت اليونيسكو مدينة العين بسبب فرادة مواقعها الثقافية، وهذا اول موقع اماراتي يدرج على قائمة التراث العالمي للبشرية، وقد أعلنت منظمة اليونسكو على موقع "تويتر" أنها أدرجت على لائحة التراث العالمي مواقع أثرية تعود الى حقبة ما قبل التاريخ تتوزع حول البحيرات والمستنقعات في منطقة جبال الألب (فرنسا وسويسرا وايطاليا والمانيا والنمسا وسلوفينيا)، فهذه المواقع تقدم لمحة عن تطور المجتمعات الزراعية في العصر الحجري الحديث، وكذلك ادرجت اليونيسكو أنها أدرجت على لائحة التراث العالمي المشهد الثقافي لبلاد كونسو (اثيوبيا) وحصن "فورت دجيزوس" في مومبازا (كينيا) وقلعة سلالة "هو" (فيتنام)، يقع المشهد الثقافي لبلاد كونسو على مرتفعات اثيوبي، هذه الأرض القاحلة التي تبلغ مساحتها 55 كيلومترا مربعا وتضم مصطبات حجرية وتحصينات "تمثل نموذجا مذهلا عن تقليد ثقافي حي" يعود إلى أكثر من 400 سنة، على ما أعلنت اليونسكو في بيان لها.وتضم هذه الأرض أيضا تماثيل حجرية شبيهة بالإنسان تشكل "دليلا استثنائيا وحيا على تقاليد جنائزية مهددة بالزوال"، على ما ذكرت المنظمة. بحسب فرانس برس.

أما حصن "فورت دجيزوس" فقد شيده البرتغاليون بين العامين 1593 و1596 لحماية مرفأ مومباسا في كيني، وتذكر اليونيسكو أنه "أحد أمثلة التحصين العسكري البرتغالي في القرن السادس عشر الأبرز والأفضل حفظا ومرجع في تاريخ هذا النوع من البناء"، وتوضح أن "الحصن يمتد على مساحة 2،36 هكتارا ويضم خنادق الحصن والمنطقة الملاصقة له"، بنيت قلعة سلالة "هو" في فيتنام "وفقا لمبادئ الفنغ شوي" وهي "تشهد على نمو الكونفوشية الجديدة في الفيتنام في أواخر القرن الرابع عشر وانتشارها في أجزاء أخرى من الشرق الأقصى"، وتقول اليونيسكو إن "مباني القلعة تمثل نموذجا استثنائيا عن أسلوب جديد من المدن الامبريالية جنوب شرق آسيا"، وادرجت اليونيسكو أخيرا مواقع ثقافية على لائحة التراث العالمي هي وسييرا دو ترامونتانا في اسبانيا والحديقة الفارسية في إيران ومسجد السليمية في تركي، تجتمع لجنة التراث العالمي حتى 29 حزيران/يونيو في إطار دورتها السنوية في باريس لتنظر في 35 موقعا طبيعيا جديدا أو ثقافيا وتقرر أيها تدرج على لائحة التراث العالمي بحكم تمتعها بـ"قيمة عالمية استثنائية".

أحجية عملاقة

الى ذلك فان عملية جمع 300 ألف كتلة حجرية رملية مبعثرة في أدغال كمبوديا من دون أي إرشادات، لهي مأثرة بحد ذاته، اذ أنجزها علماء آثار أعادوا بناء معبد "بابوون" رائعة مجمع انغكور الذي تحول إلى أكبر أحجية عالمية بالأبعاد الثلاثية، فبعدما تحول هذا المعبد إلى حطام مبعثر خلال نصف قرن من الزمن، أصبح هذا النصب الهرمي بمستوياته الثلاثة والذي يقوم وسط أحد أغنى المواقع الثقافية في آسيا، جاهزا لاستقبال الزوار، وأنجزت عملية ترميم المعبد في نيسان/أبريل، وكان ملك كمبوديا نورودوم سيهاموني أول من يمتع نظره بهذه التحفة الفريدة إلى جانب رئيس الحكومة الفرنسي فرانسوا فيون، وفي العام 1960، التحق إيينغ تي بالمشروع وهو بعد طالب، فأوكلت إليه مهمة ترقيم الحجارة، ويتذكر قائلا "عندما لمست للمرة الأولى إلى أي حد كان النصب التذكاري متضررا، لم أعتقد بأننا سوف نتمكن من إصلاحه"، ويضيف هذا الكمبودي البالغ من العمر 66 عاما والذي أشرف ميدانيا على عملية الترميم، "أنا سعيد للغاية ومتأثر كوننا تمكنا من إعادة بناء معبدنا التاريخي"، ويعود تاريخ عملية الترميم هذه التي بلغت كلفتها 10 ملايين يورو إلى ستينات القرن الماضي، وفي ذلك الحين، عمد فريق من علماء الآثار الفرنسيين إلى تفكيك هذا المعبد الذي يعتبر واحدا من أكبر المعابد في البلاد بعد أنغكور وات، بهدف منعه من الانهيار أكثر فأكثر، تحت ضغط وسطه الثقيل المليء بالرمال والذي تسنده جدران دقيقة جدا. بحسب فرانس برس.

أما النتيجة فـ 300 ألف كتلة حجرية رملية مبعثرة في الأدغال المحيطة، لكن الحرب الأهلية في بداية السبعينات ما لبثت أن عرقلت جهود إعادة بناء الأبراج الحجرية والواجهات كثيرة الزخرفة، إلى ذلك، أتلف نظام الخمير الحمر الوثائق الخاصة بعملية الجمع بما في ذلك نظام الترقيم، وكان الخمير الحمر قد حكموا البلاد بين العامين 1975 و1979 وسط التهديد والرعب، وفي العام 1995، أصبحت المنطقة آمنة، فانطلق من جديد المشروع الذي مولته فرنسا بإشراف باسكال روايير مهندس في المدرسة الفرنسية للشرق الأقصى (إيفيو)، ويشرح "كنا أمام أحجية بالأبعاد الثلاثية، أحجية من 300 ألف قطعة كنا قد فقدنا صورته، فنحن كنا قد خسرنا أسس عملية جمع هذا الصرح"، فكان من الضروري أن تقاس وتزان كل كتلة، قبل أن توضع في مكانها استنادا الى صور من الأرشيف حفظت في باريس وكذلك على رسومات وبعض الذكريات، ويوضح الفرنسي أن "الإسمنت لم يستخدم لملء المفاصل، ما يعني أن لكل كتلة موضعها"، مشيرا إلى أن الزخرفة الفريدة لكل كتلة حجرية ساهمت في إيجاد مكانها المحدد، ومعبد بابوون الذي كان قد شيد في العام 1060 في ظل حكم أوداياديتيافارمان الثاني تكريما للاله الهندوسي "شيفا"، اعتبر في ذلك الحين أكبر صرح ديني في البلاد، وقد ارتفع 35 مترا، أما طوله ف 130 مترا وعرضه 104 أمتار، وفي القرن السادس عشر، استخدمت حجارة من قمة النصب لبناء تمثال لبوذا طوله 70 مترا، حل مكان جدار في الطبقة الثانية، ويشير باسكال روايير إلى أن مرحلتين من البناء فصلت بينهما مئات السنين، عرقلت أيضا عملية الترميم، يضاف الى ذلك معوقات فصل الامطار الموسمية، اليوم، تم إغفال كل هذه الصعوبات، وروايير مقتنع بأن "نجاحا كبيرا ينتظر" هذا المعبد، وقد بدأ السياح فعلا بالتهافت إلى الممر الخشبي الذي يقود إلى بابوون، وقد أثارتهم هذه الحكاية الخارجة عن المعهود، وبدهشة واضحة تقول غايل سيينيكي وهي أميركية تزور كمبوديا للمرة الأولى "إنه لأمر مذهل، أعني مذهل جدا أن يتمكنوا من جمع قطع الحجارة. أنا في حالة إعجاب كلي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/تموز/2011 - 4/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م