
شبكة النبأ: بالتأكيد ان اوباما
ونتنياهو يمثلان قمة الهرم السياسي في بلديهما وهما المعبران الرئيسيان
عن السياسة الخارجية التي يؤمن بها الساسة ومن ورائهم الشعب الذي
انتخبهم لادارة البلاد وفق الافكار والمعتقدات التي تمثل اطار الدولة
العام، وفي الاونة الاخيرة افرزت القضية الفلسطينية سجلاً جديدة بين
الولايات المتحدة الامريكية "اوباما" والدولة العبرية الاسرائيلية
"نتنياهو" لايتعدا كونه سجالاً سياسياً بين "العشاق" وان كان ظاهره
الاختلاف في بعض الخطوط العامة المتعلقة بأقامة دولة فلسطينية الى جانب
اسرائيل، الا ان هذا الاختلاف يصب في مصلحة اليهود في نهاية المطاف،
واذا كانت اسرائيل البنت المدللة لامريك، فان الاخيرة لاتجرء حتماً على
اغضابها في امور "كأقامة دولة فلسطينية وترسيم الحدود وقضية اللاجئين"
تعتبر بالنسبة لاسرائيل مسألة حياة او موت.
تقارب أوباما ونتنياهو
فقد ألقى الرئيس باراك أوباما مؤخراً خطابين متعلقين بالصراع
الإسرائيلي الفلسطيني، وقد أُلقي الخطاب الأول في 19 أيار/مايو 2011
ناقش فيه القضية كجزء من تقييم عام لسياسة الشرق الأوسط تركز في أغلبه
على "الربيع العربي"، وأما الخطاب الثاني فقد أُلقي بعد الأول بثلاثة
أيام أمام "اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة" "إيپاك" وركز
على عملية السلام في الشرق الأوسط، ثم في 24 أيار/مايو، ألقى رئيس
الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطاباً أمام جلسة مشتركة للكونغرس
الأمريكي، ودار الكثير من الجدل حول تلك الخطابات الثلاثة، ورغم
الاختلافات الواضحة بين رسائل أوباما ونتنياهو إلا أن القواسم المشترة
كانت واضحة هي الأخرى، وتستحق نقاط الاتفاق والاختلاف المزيد من
التحليل:
1- القضايا الفلسطينية ينبغي ألا تُحسم في الأمم المتحدة: فإقامة
الدولة أمر لا يمكن فرضه بل ينبغي التفاوض حوله، ينبغي ألا تصبح الأمم
المتحدة منتدى لإعلان قيام دولة فلسطينية، ذلك أن إقامة دولة لا يمكن
تحقيقه دون عملية السلام، على هذا النحو، فإن المفاوضات الإسرائيلية
الفلسطينية هي السبيل الحيوي للوصول إلى السلام بين الطرفين، ويؤكد
خطابا أوباما بوضوح أن إدارته سوف تعترض على الطلب الأحادي الجانب
لقيام دولة فلسطين في مجلس الأمن، وهو ما يعتزم الفلسطينيون فعله في
أيلول/سبتمبر القادم، وفي 19 أيار/مايو صرح أوباما "أما بالنسبة
للفلسطينيين فإن جهود نزع الشرعية عن إسرائيل سوف تبوء بالفشل،
فالتصرفات الرمزية لعزل إسرائيل في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر لن
تخلق دولة مستقلة، وسنقف ضد محاولات تعريضها للانتقادات بصورة منفردة
في المحافل الدولية"، وفي خطابه في 24 أيار/مايو وافق أوباما بقوله، "السلام
لا يتحقق إلا عن طريق الجلوس حول مائدة المفاوضات، والمحاولة
الفلسطينية لفرض تسوية عن طريق الأمم المتحدة لن تجلب سلام، يجب
معارضتها بقوة من جانب جميع أولئك الذين يريدون إنهاء هذا الصراع".
ويشير توقيت خطابي أوباما (حيث سبقا مباشرة قمة مجموعة الدول
الثمانية في فرنسا) إلى أنه سوف يسعى إلى تفادي الدعم الأوروبي لإعلان
قيام دولة فلسطينية من جانب الأمم المتحدة، وذلك في اجتماعاته الثنائية
الخاصة مع الزعماء الأوروبيين، وفي الواقع، فإن الولايات المتحدة
وإسرائيل والفلسطينيين جميعهم يرون أوروبا ساحة رئيسية للمعركة
السياسية المتعلقة بالتصويت في أيلول/سبتمبر، وفي الشهور التي سبقت
خطابي الرئيس برز التوتر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في
المنتدى المعروف باسم "اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط" (التي
تضم أيضاً روسيا والأمم المتحدة) عندما أشار مسؤولون أوروبيون إلى
اهتمامهم في دعم تحرك الأمم المتحدة في غياب خطة أمريكية، غير أن بيان
مجموعة الثمانية في 27 أيار/مايو قد أعلن "دعماً قوياً لرؤية السلام
الإسرائيلي الفلسطيني التي حددها الرئيس أوباما" (ورغم أنه لم يذكر
أُطره الخاصة بــ "حدود 1967 زائد تبادل الأراضي"، إلا أن رئيس الوزراء
الكندي ستيفن هاربر قد طرح السؤال، وقال مسؤول أمريكي إن أوباما قد
اتفق على أن هذا ينبغي تركه بلا تفاصيل)، وتؤكد هذه التصريحات أن
أوباما لديه فرصة حشد الدعم الأوروبي لتجنب التصويت في الأمم المتحدة
في أيلول/سبتمبر، غير أنه توجد إشارات إلى أن بعض المسؤولين الأوروبيين
يريدون ربط دعمهم للتراجع عن التصويت في أيلول/سبتمبر بالدعم
الإسرائيلي والفلسطيني لرؤية أوباما كأساس لاستئناف مفاوضات مباشرة.
2- لا تفاوض مع حماس: اذ لا يمكن لإسرائيل أن تتفاوض مع «حماس» لأن
الجماعة قد أقسمت بتدمير إسرائيل، وفي واحدة من التغييرات الجوهرية
الرئيسية القليلة بين الخطابين أعلن أوباما في 22 أيار/مايو أن "الاتفاق
الأخير بين «فتح» و «حماس» يشكل عقبة هائلة أمام السلام، ليس هناك دولة
يُتوقع منها التفاوض مع منظمة إرهابية أقسمت على تدميره، وسوف نستمر في
المطالبة بأن تقبل «حماس» مسؤوليات السلام الأساسية، ومنها الاعتراف
بحق إسرائيل في الوجود والالتزام بجميع الاتفاقات القائمة"، وأضاف "نحن
نعلم أن السلام يتطلب شريك، وهو ما جعلني أقول إن إسرائيل لا يمكنها
التفاوض مع فلسطينيين لا يعترفون بحقها في الوجود، وسوف نظل نعتبر
الفلسطينيين مسؤولين عن أفعالهم وخطابهم"، ومن الواضح إذاً أن أوباما
لا يقبل الموقف الفلسطيني المعتاد بأنه ينبغي على إسرائيل أن تقبل
التفاوض مع محمود عباس بناءاً على منصبه كرئيس لـ "منظمة التحرير
الفلسطينية" وليس كرئيس للسلطة الفلسطينية، ويؤكد الخطابان أيضاً أن
أوباما يعتقد أن المسؤولية إنما تقع على الفلسطينيين لكي يثبتوا أن «حماس»
ليست جزءاً رسمياً من حكومة تكنوقراط فلسطينية جديدة، وأن هذه الحكومة
تتمسك بمبادئ "اللجنة الرباعية"، ومن جانبه كان نتنياهو واضحاً بصورة
لا لبس فيها عندما جاء ذِكر «حماس» حيث قال في خطابه في 24 أيار/مايو،
"أقول للرئيس عباس، مزِّق اتفاقك مع «حماس» واجلس وفاوض واصنع سلاماً
مع الدولة اليهودية، ولو فعلت ذلك أعدك بهذ، أن إسرائيل لن تكون آخر
دولة ترحب بقيام دولة فلسطينية كعضو جديد في الأمم المتحدة، ستكون أول
من يفعل بذلك".
3- لا عودة لحدود ما قبل 1967: في خطابيه في 19 و 22 أيار/مايو قال
أوباما، "حدود إسرائيل وفلسطين ينبغي أن ترتكز على حدود 1967 بتبادلات
متفق عليها حتى تترسخ حدود آمنة ومعترف بها لكلتا الدولتين"، ووسط
مزاعم بإساءة تصور موقف أوباما من العودة إلى حدود ما قبل عام 1967،
أقرَّ نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس أنه قد اتفق هو وأوباما أنه لا
عودة إلى حدود ما قبل عام 1967 بين إسرائيل والضفة الغربية، حيث قال، "كما
قال الرئيس أوباما فإن الحدود ستكون مختلفة عن تلك التي كانت قائمة في
4 حزيران/يونيو 1967، إسرائيل لن تعود إلى حدود عام 1967 التي لا يمكن
الدفاع عنها"، وقد استشهد كلا الزعيمين بالحقائق "الديموغرافية" التي
يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند ترسيم الحدود، حيث أشار أوباما مرتين إلى
"الحقائق الديموغرافية"، ووصف نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس بعد ذلك
بيومين "التغيرات الديموغرافية المفاجئة"، وبطبيعة الحال فإن تعبير
التغيرات أو الحقائق "الديموغرافية" هو ببساطة الشفرة الدبلوماسية لما
ضمته إسرائيل من كتل استيطانية.
4- دولتان لشعبين: أوضح كل زعيم أن حسم الصراع يتطلب "دولتان لشعبين"،
بمعنى أنه يجب على القادة الفلسطينيين الاعتراف رسمياً بهوية إسرائيل
كدولة يهودية ووطن للشعب اليهودي، ويجب أن تبقى إسرائيل ديمقراطية
ويهودية في ذات الوقت، وقد صرح أوباما في 19 أيار/مايو قائل، "ما يمكن
لأمريكا والمجتمع الدولي فعله هو الإعلان صراحة عما يعرفه الجميع،
السلام الدائم سوف يتضمن دولتين لشعبين، إسرائيل كدولة يهودية ووطن
للشعب اليهودي ودولة فلسطين كوطن للشعب الفلسطيني، حيث تتمتع كل دولة
منهما بحرية تقرير المصير والاعتراف المتبادل والسلام"، ومن جانبه قال
نتنياهو للكونغرس، "الفلسطينيون يشاطروننا هذه الأرض الصغيرة، نحن نسعى
لسلام لن يكونوا فيه رعايا ولا مواطنين لدى إسرائيل، ينبغي أن يتمتعوا
بحياة وطنية كاملة الكرامة كشعب حر وقابل للحياة ومستقل يعيش في دولته،
ويجب على الرئيس عباس أن يفعل ما فعلته، لقد وقفت أمام شعبي "وأخبرتكم
أن ذلك لم يكن سهلاً بالنسبة لي" لقد وقفت أمام شعبي وقلت، "سوف أقبل
بدولة فلسطينية"، لقد آن الأوان للرئيس عباس ليقف أمام شعبه ويقول "سوف
أقبل بدولة يهودية"، وهذه الكلمات الست "باللغة الانكليزية" سوف تغير
التاريخ، سوف توضح للفلسطينيين أن هذا الصراع يجب أن يصل إلى نهاية،
وأنهم لا يبنون دولة فلسطينية لمواصلة الصراع مع إسرائيل، بل لإنهائه،
وهذه الكلمات الست سوف تقنع شعب إسرائيل بأن لديهم شريكاً حقيقياً
للسلام".
5- لا تتفاوضوا حول القدس الآن: من الناحية المثالية، يمكن للطرفين
حل جميع القضايا الجوهرية الآن وتجنب المفاوضات على مرحلتين، لكن هذا
النهج يبدو مستحيلاً في الوقت الراهن، وتحديداً ينبغي على الطرفين أن
يتجنبا المفاوضات الفورية حول القدس لأن القضية لم تنضج بعد للحسم، وقد
قال أوباما في 19 أيار/مايو، "ينبغي على الفلسطينيين أن يعرفوا الحدود
الإقليمية لدولتهم؛ ينبغي على الإسرائيليين أن يعرفوا أن مخاوفهم
الأمنية الأساسية سوف تتم مواجهته، أنا أدرك أن هذه الخطوات وحدها لن
تحل الصراع لأنه ستبقى هناك مشكلتان مؤلمتان ومتعلقتان بالوجدان وهم،
مستقبل القدس ومصير اللاجئين الفلسطينيين"، وينبغي أن يشار هنا إلى أنه
على الرغم من أن نتنياهو لم يدعم صراحة هذه الفكرة أثناء زيارته، إلا
أنه بالتأكيد لم يطرح أي اعتراض عليه، وعموماً فإنه لم يُظهر أية رغبة
في بدء المفاوضات حول القدس، وقال علناً إن فرص تأزم هذه القضية عالية.
6- دولة فلسطينية غير عسكرية: أوضح كلا الزعيمين أن الدولة
الفلسطينية يننبغي أن تكون غير عسكرية، واستخدم أوباما هذه الصيغة في
19 أيار/مايو مضيفاً، "يجب أيضاً أن تكون البنود قوية بما يكفي لمنع
انبعاث الإرهاب ولوقف تسلل الأسلحة ولتوفير أمن حدودي فعال، إن ذلك
يرسي معايير رئيسية للمفاوضات"، كما أكد أيضاً على الانتقالات المبنية
على الأداء، موضحاً أن "فعالية الترتيبات الأمنية يجب إظهارها".
7- حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها: في 19 أيار/مايو، قال أوباما "أما
عن الأمن فإن لكل دولة الحق في الدفاع عن نفسها، ويجب أن تكون إسرائيل
قادرة على الدفاع عن نفسها "بنفسها" ضد أي تهديد"، وقد كانت تعبيراته
بمثابة ضربة عنيفة لتقرير غولدستون الصادر من قبل الأمم المتحدة عام
2009، الذي أثار أسئلة حول حق إسرائيل في وقف الهجمات الصاروخية
المستمرة عليها من قطاع غزة.
8- الربيع العربي وصناعة السلام: عبَّر كلٌ من أوباما ونتنياهو عن
أملهم في نجاح "الربيع العربي"، لكنهما اعترفا في الوقت نفسه أن
الاضطرابات الإقليمية الجارية يمكن أن تجعل صناعة السلام العربية
الإسرائيلية أكثر صعوبة.
تنافر أوباما ونتنياهو
1- يجب مقايضة الأراضي الإسرائيلية بالكتل الاستيطانية: يعتقد
أوباما أنه لكي تضم إسرائيل الكتل الاستيطانية اليهودية الأكثر ازدحاماً
بالسكان المجاورة لخطوط ما قبل عام 1967 وما وراءها، يجب عليها أن
تتفاوض على تبادلات للأراضي بحيث تعطي للفلسطينيين أراضي من الجانب
الإسرائيلي من تلك الخطوط، والإطار الزمني للخلاف الجاري بين الزعيمين
فيما يتعلق بهذه النقطة واضح، فقد قال أوباما أثناء خطابه في 19 أيار/مايو،
"حدود إسرائيل وفلسطين ينبغي أن تستند على خطوط عام 1967 بتبادلات متفق
عليها حتى يمكن إقامة حدود آمنة ومعترف بها لكلتا الدولتين"، لكن
نتنياهو رفض هذه النقطة على الفور وذلك قبل مغادرته متوجهاً إلى
الولايات المتحدة مشيراً بأن أوباما أراد أن تعود إسرائيل إلى خطوط ما
قبل 1967 ولم يذكر دعوة الرئيس الأمريكي للمقايضة، وفي اليوم التالي
التقى الزعيمان وحدهما في المكتب البيضاوي للرئيس الأمريكي لمدة ساعتين
كرر بعدها نتنياهو لوسائل الإعلام، بحضور أوباما، أن العودة إلى خطوط
1967 أمر غير مقبول وأن مثل هذه الحدود لا يمكن الدفاع عنه، وسعى
أوباما لتوضيح الأمر في خطابه في 22 أيار/مايو، ولأنه يعرف أن نتنياهو
على دراية بمصطلح "المقايضة" الذي تكرر استخدامه مراراً، يعتقد أوباما
أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد تعمد إساءة فهمه مرتين على الأقل،
وبإشارته إلى هذه المشكلة في 22 أيار/مايو، كرر أوباما حرفياً ما قاله
في 19 أيار/مايو ثم أضاف، "وحيث أُسيء عرض موقفي لعدة مرات دعوني أعيد
تأكيد معنى "خطوط 1967 مع تبادلات متفق عليها"، من خلال التعريف تعني "العبارة"
أن الطرفين بنفسيهما "الإسرائيليين والفلسطينيين" سوف يتفاوضان على
حدود مختلفة عن تلك التي كانت موجودة في 4 حزيران/يونيو 1967، وهذا ما
تعنيه كلمة تبادلات متفق عليها، وهي صيغة معروفة لكل من عمل في هذه
القضية على مدى جيل كامل، فهي تسمح للطرفين نفسيهما بأن يأخذا
بالاعتبار التغيرات التي حدثت على مدى الأربع والأربعين سنة الأخيرة،
وتسمح للطرفين نفسيهما بالأخذ بالاعتبار تلك التغيرات، بما في ذلك
الحقائق الديموغرافية الجديدة على أرض الواقع واحتياجات كلا الطرفين"،
غير أنه في خطابه في 24 أيار/مايو قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه هو
وأوباما كانا متفقين على أنه لا عودة إلى حدود ما قبل 1967، ويبقى
السؤال الرئيسي هو لماذا اختار نتنياهو أن يسلك هذا النهج، ويقول كبار
القادة الإسرائيليين إن نتنياهو شعر شخصياً بالصدمة لكونه لم يُستشر
بما يكفي فيما يخص تصريحات أوباما عن سياسته المخطط لها "لتعريف"
الحدود وقضايا أخرى مرتبطة بالأمن الإسرائيلي، حسبما اشتكى لوزيرة
الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون خلال مكالمة هاتفية في 19 أيار/مايو،
وفي الواقع، فقد تم إبلاغ الحكومة الإسرائيلية بالمحتويات الرئيسية
للخطاب في اليوم السابق، وكانت هناك تكهنات صحفية كثيرة "خاصة داخل
إسرائيل" بأن تعبيرات عن حدود 1967 زائد مقايضات "الأراضي" سوف تكون
مضمنة في الخطاب، غير أن معاونين لنتنياهو يصرون على أنهم لم يكونوا
على علم بذلك.
ويمكن تفهم أن نتنياهو قد شعر أيضاً بالاستياء من أن أوباما قد ألقى
خطاباً ربما كان مثيراً للجدل في نفس اليوم الذي سبق اجتماعهما في
المكتب البيضاوي (في البيت الابيض)، ولئن كان صحيحاً أن أوباما أراد
إلقاء هذا الخطاب الرئيسي قبل أن يغادر إلى أوروبا لكن السماح بفاصل
زمني من بضعة أيام بين الخطاب واجتماعه مع نتنياهو كان يمكن أن يكون
أكثر دهاء من الناحية السياسية، وقد قيل إن الرئيس الأمريكي على الأرجح
لن يلقي خطاباً رئيسياً يتعلق بتايوان عشية زيارة يقوم بها رئيس وزراء
جمهورية الصين الشعبية، وقال مسؤولون أمريكيون إنهم أبلغوا إسرائيل في
أيلول/سبتمبر الماضي وبعده أن عدم تمديد فترة تجميد الاستيطان قد يضطر
واشنطن إلى اتخاذ موقف حول خطوط 1967 بالإضافة إلى مقايضة، لأن قضية
الاستيطان متعلقة بقضية الحدود، وعلاوة على ذلك يقولون إن الحاجة إلى
إعادة هيكلة محادثات الوضع النهائي هي شيء ينبغي لإسرائيل الترحيب به
لأنه سيسهل التقدم في حين سيتجنب قضية القدس، وقد قال مسؤول كبير إنه
من الواضح أن الولايات المتحدة سوف ترحب بذلك لو أراد الطرفان حل جميع
مشاكلهم دفعة واحدة، وحالياً السؤال هو ما إذا كانت إساءة التصور سوف
تؤدي إلى ضغينة بين الزعيمين وتزيد في إفساد العلاقة المتوترة بالفعل،
وعلاوة على ذلك فإن معارضي أوباما الجمهوريين، بمن فيهم منافسيه على
الرئاسة ميت رومني وتيم بولينتي قد تفهموا ما رفضه نتنياهو مما يزيد من
احتمالية استخدام أوصاف كاذبة ضد موقف الرئيس أثناء التصويت في محاولته
لإعادة انتخابه العام القادم، وثمة نقطتان أخريان تستحقان الانتباه،
أولاً، وسط كل هذه الضجة الإعلامية لم يذكر نتنياهو علناً رؤيته
الشخصية عن تبادل الأراضي مما جعل البعض يتساءل عما إذا كان كان
المقصود من تركيزه على 1967 هو صرف الانتباه بعيداً عن فكرة التبادل
هذه أم ل، فلم يحدث أن قبل رئيس الوزراء علناً قط فكرة التبادلات، كما
أن كلاً من صحيفتي "هآريتس" و "يديعوت أحرونوت" قد استشهدت ببرقية
دبلوماسية أمريكية من تلك التي سربها موقع "ويكيليكس" في شباط/فبراير
2009 (وقد عرضت "يديعوت" صورة) لمحادثة بين نتنياهو ووفد أمريكي برئاسة
السيناتور بين كاردين بعد أسبوعين من انتخاب نتنياهو رئيساً للوزراء
حيث قيل إن نتنياهو قد عبر عن دعمه لفكرة مقايضة الأراضي وأكد أنه لم
يُرد أن يحكم الضفة الغربية وغزة، وعند نشر تلك البرقيات أوضح مكتب
نتنياهو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قصد إظهار "استعداد إسرائيل للتوصل
إلى تسوية بشأن الأراضي" و أن "أي تفسير آخر غير صحيح"، ثانياً وعلى
الرغم من أن أوباما ربما كان متمسكاً بالقضية في خطابيه إلا أنه أخطأ
في كونه لم يشرح بشكل كاف ما قصده بالمقايضة، أي أن إسرائيل يمكنها
الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية المتاخمة لحدود ما قبل عام 1967 حيث يعيش
أغلبية كبيرة من المستوطنين الإسرائيليين مقابل منح الفلسطينيين حزمة
تعويضات من الأراضي الخالية من الجانب الإسرائيلي من تلك الحدود.
إن الأسباب التي دعته إلى عدم توضيح هذا التعريف غير واضحة. ويمكن
للمرء أن يتكهن بأن الخطاب قد ركز في المقام الأول على "الربيع العربي"،
وأن أوباما ربما اعتقد أن رسالته الأكثر تفصيلاً ربما تضعف لو أنه
فصَّل الحديث بإعطاء تعريفات دقيقة. لكنه أيضاً لم يُعط تعريفاً كاملاً
في خطابه أمام "اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة" ("إيپاك")
مما يشير إلى أنه لم يشأ أن يخوض بعمق في المسألة المتعلقة بعدد الكتل
الاستيطانية التي ستحتفظ بها إسرائيل، ولا شيء من هذا يبرر بالضرورة رد
فعل نتنياهو (نظراً لأنه يعرف تماماً ما هو المقصود بالمقايضة)، لكن
تعريف المصطلح كان سيقلل من الضجة التي صاحبت هذه القضية، ومن الناحية
الموضوعية، من الواضح أن أوباما لا يعتبر فكرة تبادل الأراضي قضية
مثيرة للجدل إلى حد كبير، سيما وقد كانت جزء من مفاوضات "كامب ديفيد
الثانية" التي قادها وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي إيهود باراك في عام
2000، ومؤخراً جداً فضَّل رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت فكرة "تبادل
الأراضي بأحجام متساوية"، وهي العبارة، التي تجدر الإشارة، بأن أوباما
لم يستخدمه، كما أن دعم تبادل الأراضي لا يعكس انحرافاً كبيراً عن
السياسة السابقة للولايات المتحدة، فمنذ أن تم تعيين وليام روجرز وزيراً
للخارجية الأمريكية في عام 1969، والسياسة الأمريكية تدعم العودة إلى
حدود ما قبل 1967 مع تعديلات طفيفة نسبي، كما أن بل كلينتون قد أيد
مقايضة الأراضي أثناء جهوده الدبلوماسية في عام 2000، وقد طُرحت هذه
الفكرة من قبل جورج دبليو بوش في عام 2005، وفي عام 2008 قال والده إيچ
دبليو بوش "أعتقد أن أي اتفاق سلام بينهما سوف يتطلب تعديلات متفق
عليها لخطوط الهدنة من عام 1949، لتعكس الوقائع الحالية وتضمن أن
الدولة الفلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافياً"، وهذه الخطوط التي
أشار إليها بوش مطابقة تقريباً لخطوط 1967 رغم أنها لا تشمل ستة وعشرين
كيلومتراً من "الأرض الحيادية"، وهي التي تم دمجها داخل إسرائيل بين
عامي 1949 و 1967، والذي حظي بالقليل من الاهتمام هو أن نتنياهو قد قبل
فكرة ضم الكتل الاستيطانية فقط. ففي خطابه أمام الكنيست قبل وصوله إلى
واشنطن صرح نتنياهو بأنه "سيسترشد" بـ "الإجماع" الإسرائيلي حول الضم
المحتمل، وذكر صراحة "الكتل الاستيطانية" المعروفة بأنها تعادل ما لا
يزيد عن عشرة بالمائة من الضفة الغربية، وهذا تنازل كبير لحزب رئيس
الوزراء وهو "الليكود" الذي فضَّل في الماضي التخلي فقط عن الأجزاء غير
المتواصلة جغرافياً إلى الفلسطينيين (رغم أن قادة حزب العمل مثل إسحاق
رابين قد قبلوا مثل هذه التنازلات منذ فترة 1992-1995)، وفي خطابه
للكونغرس ألمح نتنياهو إلى هذه الكتل، لكنه قال بعد ذلك "أماكن أخرى
ذات أهمية استراتيجية ووطنية حساسة سوف يتم دمجها في الحدود النهائية
لإسرائيل".
2- تأجيل قضية اللاجئين لتكون ثمناً لتأجيل قضية القدس: إن الموضوع
الذي تُرك ضمنياً في خطاب أوباما هو أن ثمن تأجيل مسألة القدس وخلق
مفاوضات واقعية تتم على مرحلتين بخصوص القضايا الجوهرية المحددة في "اتفاقيات
أوسلو" من عام 1993 الأصلية (الأراضي والأمن والقدس واللاجئين) هو
تأجيل مشابه في قضية اللاجئين الفلسطينيين، وفي الحقيقة فإن كليهما
قضيتان تتعلقان بالتصور حيث إنهما تتعلقان عند كلا الطرفين بالتعريف
الذاتي الذي يشمشل مواضيع الهوية والدين والقومية، فلا عباس ولا
نتنياهو قد قاما بتهيئة شعبيهما لقبول أية تسويات في هذه القضاي، ويمكن
للمرء أن يتصور أن الفلسطينيين سوف يعترضون على تأجيل قضية القدس فقط
لأنها لن تعطي إسرائيل حافزاً لجولة ثانية من المفاوضات، ذلك أن أية
تسوية على القدس سوف تكون بطبيعة الحال مؤلمة وجداني، ويدرك جيداً كبار
الفلسطينيين أن المواقف الأمريكية والأوروبية بشأن اللاجئين هي أقرب
إلى الموقف الإسرائيلي منه إلى موقف الفلسطينيين، ولذا فلو أنه قد طُلب
منهم أن يقدموا تنازلاً أخيراً بخصوص موضوع اللاجئين فإنهم سيفضلون أن
يجعلوه مقايضة مقابل بعض التنازلات الإسرائيلية في قضية القدس، وهذا لا
يعني أن الولايات المتحدة الآن لديها سياسة واضحة بشأن القدس لكن أُطر
السلام التي نوقشت من قبل باراك وياسر عرفات في نهاية إدارة كلينتون في
عام 2000 ومن قبل أولمرت وعباس في نهاية إدارة بوش في عام 2008 كلاهما
شمل تسويات على مستقبل المدينة، كما أن إدارة أوباما تخشى أيضاً من أن
الدفع بقضية اللاجئين قبل الأوان "وهو ما يتطلب إعادة توطين اللاجئين
الفلسطينيين في فلسطين وليس في إسرائيل" يمكن أن يمنح «حماس» كسباً
سياسياً غير متوقع ضد الرئيس عباس وحلفائه في عام الانتخابات
الفلسطينية.
ومع ذلك، يعترض نتنياهو على منهج أوباما مُصراً على أن تعيد
الولايات المتحدة تأكيد خطاب الرئيس بوش من عام 2004 الذي جاء فيه، "يبدو
واضحاً أن الإطار المتفق عليه والعادل والنزيه والواقعي لحل قضية
اللاجئين الفلسطينيين كجزء من اتفاق الوضع النهائي سوف تكون حاجة
لإيجاده من خلال إقامة دولة فلسطينية وتوطين اللاجئين الفلسطينيين هناك
وليس في إسرائيل"، ويرى نتنياهو خطاب أوباما بمثابة خطوة إلى الوراء من
خطاب بوش، على الرغم من أن أوباما لم يلمح قط إلى دعمٍ من أي نوعٍ
للسماح للاجئين الفلسطينيين "بالعيش" داخل إسرائيل، في حين يدعم مراراً
الفكرة بأن إسرائيل دولة يهودية، وبطبيعة الحال، فإن نتنياهو مثل
الإسرائيليين عبر جميع الأطياف السياسية يرى فكرة أية عودة كبرى
للاجئين كتقويض احتمالات الحفاظ على أغلبية يهودية في إسرائيل، وهو ما
يثير مخاوف عميقة من الناحية الأمنية والديموغرافية وغيره، وفي خطابه
أمام الكونغرس صرح نتنياهو "ينبغي أن يكون للفلسطينيين من جميع أنحاء
العالم حق الهجرة "إذا اختاروا ذلك" إلى دولة فلسطينية، فيما يلي ما
يعنيه هذ، إنه يعني أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين سوف يتم حلها خارج
حدود إسرائيل، أنتم تعلمون، وكل واحد يعرف ذلك. لقد حان الوقت لنقول
ذلك، إنه لموضوع مهم"، وأما عن القدس، فعلى الرغم من أن نتنياهو قال
إنه يعرف أن القضية سوف تُطرح في المفاوضات إلا أنه لم يوافق على أن
الطرفين سوف يقسمان المدينة بالضرورة، وفي الوقت نفسه، كشف خطابه أمام
الكونغرس فهماً نادراً لأهمية المدينة للفلسطينيين عندما قال، "أعرف أن
هذه مسألة صعبة بالنسبة للفلسطينيين لكني أعتقد أنه بالإبداع والنوايا
الحسنة يمكن التوصل إلى حل".
3- مدة الفترة الانتقالية للترتيبات الأمنية: المدى الزمني للوجود
الأمني الإسرائيلي على طول نهر الأردن ما يزال محل فحص أيض، ففي خطابه
أمام الكونغرس صرح نتنياهو "إنه لأمر حيوي، حيوي للغاية أن تحتفظ
إسرائيل بوجود عسكري طويل الأمد على طول نهر الأردن، إن الترتيبات
الأمنية القوية على الأرض ضرورية ليس فقط لحماية السلام، إنها ضرورية
لحماية إسرائيل في حال ذهاب "اتفاقية" السلام أدراج الرياح، ولأنه في
منطقتنا غير المستقرة لا يمكن لأحد أن يضمن أن شركاءنا في السلام اليوم
سيكونون موجودين غداً"، ولكن أوباما قال، "يجب الاتفاق على مدة هذه
الفترة الانتقالية"، وهذا يعني أن الأطراف الخارجية لن تملي شروط
الفترة الانتقالية على أي من إسرائيل أو الفلسطينيين، وأخيراً فإن
التخلي عن السياسة الأمريكية الماضية كان واضحاً في تصريح أوباما بأن "الانسحاب
الكامل والمرحلي للقوات العسكرية الإسرائيلية ينبغي تنسيقه بافتراض
قيام مسؤولية أمنية فلسطينية في دولة ذات سيادة وغير عسكرية"، وتحديداً
فإن فكرة أن أفراد الجيش الإسرائيلي سيكون عليهم في مرحلة ما أن
ينسحبوا كليةً من الضفة الغربية يمكن أن تفسر من قبل البعض على أنها
تعني أن إسرائيل لن تكون قادرة على الاحتفاظ بثلاث محطات إنصات هناك
إلى أجل غير مسمى، وهو ما تم افتراضه أثناء مفاوضات "كامب ديفيد" في
عام 2000، غير أن هذا الادعاء قد فندته بعض المصادر المطلعة التي أكدت
أن انسحاب أفراد الجيش لا يمنع وجود أفراد إسرائيليين غير عسكريين ومن
بينهم الفنيون المدنيون.
4- ما إذا كان "الربيع العربي" يجعل السلام أكثر إلحاحاً أم لا: على
الرغم من أن كلاً من أوباما ونتنياهو يقول إنه يرحب بـ "الربيع العربي"
الذي يؤدي إلى الديمقراطية مع الخوف في الوقت نفسه من النزوات الشعبية
السلبية التي يمكن أن يولدها هذا "الربيع" إلا أن هناك اختلافاً واضحاً
بين الاثنين، فلأن نتنياهو يخشى أن يختطف الإسلامويون "الربيع العربي"
فقد ألمح إلى أن إسرائيل قد تكون في وضع أفضل إذا ما اتبعت نهج
الانتظار والترقب، وعلى النقيض من ذلك، يعتقد أوباما أن "الربيع العربي"
يجعل قضية الانسحاب الإسرائيلي أكثر إلحاحاً قبل أن تُفاقم الشعبوية
العربية الأمور، وحيث إن مدة الحركة وآثارها غير معلومة فإن نهج
الانتظار والترقب سيكون غير حكيم لأنه يمكن أن يعني حينئذ وضع القضية
الإسرائيلية الفلسطينية على الرف إلى أجل غير مسمى.
5- تأثير التأخر في حسم الصراع: يبدو أن بين أوباما ونتنياهو
اختلافاً في التصور "على الأقل كما تبين علناً" فيما يتعلق بدور الوقت
في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإحدى النقاط الرئيسية التي علّق
عليها أوباما بالتفصيل بصورة أكثر في خطابه في 22 أيار/مايو هي أن
الوقت ليس في صالح إسرائيل، وذلك لعدة أسباب، فمن وجهة نظره أن هؤلاء
الذي يهتمون بمستقبل الهوية الديمقراطية واليهودية لإسرائيل ينبغي أن
يدركوا أن التأخيرات طويلة المدى يمكن أن تضر البلاد بسبب التحديات
المتعلقة بالديموغرافيا والعزلة الدولية والتشدد المتنامي والتوسع
التكنولوجي للعناصر الفاعلة من غير الدول والروح الشعبوية الجديدة في
العالم العربي، والطريقة الوحيدة لمنع ذلك هو إقامة دولة فلسطينية
وبذلك يتم تفادي انهيار وضع إسرائيل في المنطقة.
وكما عبر عن ذلك الرئيس الأمريكي بقوله، "قلت لرئيس الوزراء نتنياهو
أعتقد أن الموقف الراهن في الشرق الأوسط لا يسمح بالمماطلة، وأعتقد
أيضاً أن الأصدقاء الحقيقيين يتكلمون بصراحة وصدق مع بعضهم البعض، ولذا
أريد أن أطلعكم على بعض ما قلته لرئيس الوزراء، فيما يلي الحقائق التي
يجب علينا جميعاً أن نواجهه، أولاً، عدد الفلسطينيين الذين يعيشون غرب
نهر الأردن يتنامى بشكل سريع، ويعيد تشكيل الحقائق الديموغرافية بشكل
جوهري لكل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية. إن هذا سيجعل من الصعب
بصورة أكثر وأكثر "بدون اتفاق سلام" الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية
وديمقراطية في ذات الوقت، ثانياً، التكنولوجيا سوف تجعل من الأصعب على
إسرائيل الدفاع عن نفسها في غياب سلام حقيقي، ثالثاً، ثمة جيل عربي
جديد يعيد تشكيل المنطقة، والسلام العادل والدائم لم يعد بالإمكان
التوصل إليه مع قائد عربي أو قائدين فقط، وبالنظر إلى الأمام فإن
ملايين المواطنين العرب عليهم أن يروا أن السلام ممكن وأنه يجب
استدامته، وحيث تغير السياق في الشرق الأوسط كان هناك تغير أيضاً في
المجتمع الدولي على مدى السنوات القليلة الماضية، وثمة سبب في أن
الفلسطينيين ينشدون مصالحهم في الأمم المتحدة وهو إدراكهم أنه قد نفد
الصبر تجاه عملية السلام أو أنه لا توجد عملية سلام بالأساس ليس فقط في
العالم العربي بل في أمريكا الجنوبية وفي آسيا وفي أوروب، ونفاد الصبر
هذا يتنامى ويظهر نفسه بالفعل في العواصم [المختلفة] حول العالم، وتلك
هي الحقائق"، ولا يمكننا تحمل الانتظار لعقد آخر أو عقدين أو ثلاثة
عقود لتحقيق السلام، فالعالم يتحرك بسرعة مذهلة والتحديات الاستثنائية
التي تواجه إسرائيل سوف تزيد وبالتالي فإن التأخير سوف يقوض أمن
إسرائيل والسلام الذي يستحقه الشعب الإسرائيلي، ووفقاً لمسؤولين
إسرائيليين أقرَّ نتنياهو بأن الوقت بالفعل ليس في صالح إسرائيل وذلك
عند مناقشته للقضية في جلسات خاصة معينة، غير أنه من الواضح أنه يخشى
أن قول ذلك علناً من شأنه أن يخلق ضغطاً ذاتياً على إسرائيل.
جوانب عدم اليقين
1- ما إذا كان هناك أم لا تعويض عن الأراضي مقابل الاعتراف المتبادل:
وضع خطابا أوباما قضايا الأراضي والأمن والاعتراف المتبادل جانباً
بادعاء أن قضيتي القدس واللاجئين تحتاجان إلى الحسم لاحق، وكما صرح
الرئيس الأمريكي في 19 أيار/مايو، "ما تستطيع أمريكا والمجتمع الدولي
فعله هو المصارحة بالإفصاح عما يعرفه كل شخص، وهو أن السلام الدائم سوف
يتضمن دولتين لشعبين، إسرائيل كدولة يهودية ووطن للشعب اليهودي ودولة
فلسطين كوطن للشعب الفلسطيني وكل دولة تتمتع بحرية تقرير المصير
والاعتراف المتبادل والسلام"، فمن ناحية بدا أن أوباما يدعو العالم
وليس الفلسطينيين بالذات إلى الاعتراف بالهوية اليهودية لإسرائيل إلا
أنه في الوقت نفسه ذكر فكرة "الاعتراف المتبادل"، والسؤال هو هل
الاعتراف الفلسطيني بالهوية اليهودية لإسرائيل سوف يُقنع إسرائيل
بالتخلي عن أراضي أم ل، وان لم يتخط الفلسطينيون هذه العتبة التاريخية
فهل سيكون الإسرائيليون مستعدين لتخطي عتبتهم والوصول إلى اتفاق على
الأراضي؟ لم يذكر أوباما المسألة صراحة كبديل تعويضي، ولذا تحتاج
القضية إلى التوضيح، فلو لم يكن هناك بديل تعويضي واضح فإن هذا يثير
القلق من أن تتم مطالبة إسرائيل بتقديم تنازلات استباقية عن الأرض مما
قد يقوض نفوذها.
2- تعريف حكومة تقاسم السلطة الفلسطينية: ظهر اختلاف دقيق بين
أوباما ونتنياهو فيما يتعلق باتفاق فلسطيني محتمل لتقاسم السلطة،
ويعتقد كلا الزعيمين أن المشاركة الوزارية النشطة لـ «حماس» في حكومة
وحدة وطنية كهذه سوف تقضي بعدم أهلية السلطة الفلسطينية كطرف محاور في
محادثات السلام، وقد بيَّن عباس للدبلوماسيين أنه يفضل أية حكومة جديدة
تقبل مبادئ "اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط"، وأكد أن
التعاون الأمني مع إسرائيل لن يتغير، كما أوضح مسؤول في «حماس» وهو
موسى أبو مرزوق علناً أن الوضع الأمني الحالي سوف يستمر كما هو حتى
انتخابات العام القادم، وهذا يعني أن «حماس» سوف تستمر في السيطرة على
غزة بينما سوف تستمر السلطة الفلسطينية "التي عملت بصورة وثيقة مع
الأمن الإسرائيلي" في السيطرة على الضفة الغربية، وعندما تؤخذ هذه
العوامل معاً يبدو أن الولايات المتحدة سوف تحكم على الحكومة الجديدة
من خلال مبادئها وأفعاله، ولعل ذلك يشرح السبب في أن أوباما لم ير
تناقضاً بين الموافقة مراراً على ألا تجلس إسرائيل مع «حماس» واعتقاده
أن الوقت ليس في صالح إسرائيل، إن الموقف الإسرائيلي يحتاج أيضاً إلى
توضيح في ظل هذه الظروف، غير أنه كما لو كان تأكيداً للتشكك الإسرائيلي،
من الجدير بالذكر أن مستشار الأمن القومي لنتنياهو يعقوب عميدرور قد
قال لوسائل الإعلام الإسرائيلية أنه عند هذه النقطة عباس سيكون مشابهاً
لمحامي للمافيا.
الطريق إلى الأمام
بدورها تشمل المبادرات الرئاسية للسياسة الخارجية غالباً تفاصيل عن
كيفية إيفاد وزير الخارجية الأمريكية أو أي مبعوث آخر لتنفيذ الخطة
المطروحة، غير أن هذا ليس هو الحال هنا ربما بسبب عدم وضوح ما تحمله
الأشهر القادمة، أي التركيبة المجهولة لحكومة تقاسم السلطة بين «فتح»
و«حماس»، والتي كما قال أوباما يجب توضيحها من جانب الفلسطينيين أنفسهم،
وربما كان هذا أيضاً بسبب انتظار واشنطن لرد الفعل الأوروبي على مساعي
الرئيس الأمريكي ضد تدخل الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر، وفي الحقيقة
ربما لا تستقر الولايات المتحدة على استراتيجية محددة إلى أن تصعد
هاتان القضيتان إلى بؤرة الاهتمام، غير أن البعض تساءل عما إذا كانت
واشنطن تريد حقاً تجديد المحادثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين أصلاً
أم لا مما يُوحي عن وجود شكوك خطيرة في قدرة عباس أو نتنياهو على فعل
ما هو مطلوب من أجل السلام، وفي هذا السياق ربما يريد أوباما أن يضع
مُحددات للسلام في جهد لوقف الانزلاق إلى أيلول/سبتمبر لكنه لا ينظر
إلى تهيئة نفسه تحسباً لأي فشل وذلك باتخاذ خطوات أعمقه، على سبيل
المثال تساءل الكاتب الإسرائيلي البارز ناحوم بارنياع عما إذا كان تخلف
الرئيس الأمريكي عن تسمية مبعوث جديد هو إشارة إلى أنه قد ملّ من كلا
الطرفين وسيكون سعيداً بوضع القضية موضع "الإهمال الحميد" إلى ما بعد
انتخابه في العام القادم، ومع ذلك، وكما أوضح بارنياع فإن الاضطراب
الحالي في الشرق الأوسط يؤكد أن الإهمال يمكن أن يؤدي إلى سفك الدماء
لأن المنطقة تميل إلى مقت الفراغ، وثمة إشارات إلى أن الأوروبيين
ينتظرون حتى يروا ما إذا كان نتنياهو وعباس مستعدين للموافقة على خطاب
أوباما باعتباره أساساً للمفاوضات قبل اتخاذ قرارهما حول أيلول/سبتمبر،
غير أنه من المثير للاهتمام أن أوباما لم يستخدم عبارة "شروط المرجعية"
في خطابيه أو بمعنى آخر لم يُصر على أن الطرفين يجب أن يقبلا شروطه
كأساس وحيد لاستئناف المفاوضات.
ولعله أدرك بأنه من غير المرجح أن يقبل نتنياهو "خطوط ما قبل 1967
بالإضافة إلى تبادلات" كأساس لدخول المحادثات، وعلى قدم المسواة من غير
المرجح أن يقبل عباس أيضاً بالشرط المسبق وهو قبول إسرائيل كوطن للشعب
اليهودي، وعلى أية حال فحقيقة أن «فتح» و «حماس» ما يزال عليهما تشكيل
حكومة تقاسم سلطة جديدة قد طرحت تكهنات حول ما إذا كانت الولايات
المتحدة سوف تسعى في الواقع أم لا إلى تجديد المفاوضات بين نتنياهو
وعباس في الوقت الراهن، وبالنسبة لإسرائيل فإن ميزة تجديد المفاوضات
الآن ربما تتمثل في تفادي حكومة تقاسم السلطة بين «حماس» و«فتح» كليةً،
وربما تكون مفيدة أيضاً لتجنب المزيد من العزلة التي ناقشها كلٌ من
أوباما ونتنياهو في سياقات مختلفة، وبدون المحادثات يعود نتنياهو إلى
القدس من واشنطن بدون وضع أية استراتيجية حول كيفية وقف الانزلاق إلى
عزلة إسرائيل في العالم، وحتى الآن فإن موقف عباس هو أن أية محادثات مع
إسرائيل يجب أن ترتكز على حدود 1967 مع تبادل الأراضي ويجب أن تشمل
تجميداً للمستوطنات، غير أنه لو فشلت السلطة الفلسطينية في الالتزام
بطلب أوباما بتأييد محادثات السلام فإن واشنطن يمكن أن تفسر ذلك كصفعة
على وجهها خاصة بعد خطابين مهمين للرئيس الأمريكي اللذين يصعب القول
بأنهما حملا عداوة تجاه الاهتمامات الفلسطينية، ورغم التزام عباس بطلب
أوباما بعام من المفاوضات مع إسرائيل إلا أنه عملياً قد تفاوض مع
إسرائيل لأسبوعين فقط، وهما أول أسبوعين من أيلول/سبتمبر 2010. ويبدو
أن من بين حقوق إدارة أوباما أن تطالب بأن يأخذ هذا التفاوض الثنائي
مساره الكامل والمخطط له، ومن المستبعد أن إدارة أوباما سوف تسعى فقط
لاستئناف المحادثات لتجنب تكرار ما حدث في أيلول/سبتمبر الماضي عندما
أُطلقت المحادثات فقط ليتم تعليقها في غضون أسابيع، ولتجنب أي إحراج
مستقبلي ينبغي للطرفين أن يكونا مستعدين للدخول في محادثات جادة تحت
راية أوباما "دولتان لشعبين"، ويجب أن يكون هناك وعي بالكيفية التي
ستتكشف عنها تلك المحادثات، غير أن واشنطن لم يكن لديها مسؤول رفيع في
المنطقة للقاء نتنياهو وعباس منذ كانون الأول/ديسمبر، ولذا فبدون فحص
جاد سيكون من الصعب استخلاص الاستنتاجات حول كيف سيكون رد فعل الطرفين
على مائدة المفاوضات.
على أن خطابي أوباما يضعان رد الفعل الأوروبي في بؤرة التركيز
أيضاً، فهل سيحث الأوروبيون عباس على العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل؟،
وهل ستؤسس شخصية أوروبية رفيعة المستوى (مثل الممثلة العليا للسياسة
الخارجية بالاتحاد الأوروبي السيدة كاثرين أشتون) مقتضيات خطابي
أوباما، وتنقل بعض الحقائق الصعبة مثلما فصَّل أوباما رؤيته أمام
الأمريكيين عن الأراضي ودور الوقت في الصراع؟، بالنظر إلى تقارب أوروبا
مع الفلسطينيين في صورة بالتأكيد لا تقل عن العلاقة بين الولايات
المتحدة وإسرائيل فإن خطاب من قبل الاتحاد الأوروبي عن مواجهة المخاوف
الأمنية لإسرائيل ومفهوم "دولتان لشعبين" سوف يؤكد إلى أي مدى قد ترددت
أصداء كلمات أوباما في العالم. |