شبكة النبأ: عندما تندلع الحروب لا
تستثني من شرارها احد، سيما الداخلية منها، فلظى اتونها يؤتي الجميع
بضرره وأذاه، مهما كان قريبا او بعيدا عنه ساحات المواجهة، خصوصا على
الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، والثقافي أيضا. فإلى الشرق من ليبيا
بالرغم من انحسار المعارك المسلحة بين الثوار وكتائب القذافي، الا ان
مشاهد الحرب والدمار مستمرة في الشخوص بظلال تشوبها مشاعر الانتصار
ورغبة الانتقام على حد سواء، فيما تبرز عقد الاضطهاد الذي عانت منه
مجتمعات تلك الدولة على مدى عقود طويلة في سلوكيات بعض أفرادها.
العودة الى الحياة
حيث يعرف العقيد بالشرطة هشام دويني ان الاحساس بروح المجتمع في
مدينة مصراتة الليبية التي تسيطر عليها المعارضة سوف يستمر طويلا.
فقريبا سيحتاج الرجال الذين يحرسون مكتب الاستقبال في قسم الشرطة بوسط
المدينة الساحلية التي دمرتها الحرب لتقاضي رواتبهم. وقال دويني محقق
الشرطة ممتلئ الجسم البالغ من العمر 43 عاما "نحن نعرف ان المجلس
الوطني الانتقالي ليست لديه اموال كثيرة. لكننا نأمل ان نحصل على بعض
الاموال قريبا."
وكان من بين العشرات من ضباط الشرطة في مصراتة الذين عادوا الى
العمل بدون اجر استجابة لنداء المجلس المعارض الشهر الماضي. وبعد
اسابيع منذ كانت مسرحا لبعض من ادمى المعارك في الحرب الليبية حتى الان
تحاول مصراتة الوقوف على قدميها بفضل قوة عمل من المتطوعين واحساس عميق
بالفخر بما كانت في وقت من الاوقات مركزا تجاريا ثريا.
ويصف زعماء المجلس الانتقالي ذلك بأنه الحد الادنى من الخدمة التي
يمكن توقعها بالنظر الى القتال المستمر بين القوات الموالية للزعيم
معمر القذافي والمعارضة التي تحاول انهاء حكمه المستمر منذ 41 عاما على
ثلاث جبهات على بعد يتراوح بين 20 كيلومترا و30 كيلومترا من مصراتة.
وتعمل اغلب المرافق العامة بفضل موظفين يعملون بدون اجر واعاد
الاباء القلقون فتح عدد من المدارس لبعض الوقت لابقاء اطفالهم في
التعليم. لكن المسؤولين يقولون انهم سيحتاجون الى المال قريبا.
وقال سعدون المصراتي العضو بمجلس مدينة مصراتة الذي تلقى تعليمه
بمنطقة تشيلسي بلندن "الفكرة هي التأكد من عدم تراكم القمامة ومن نظافة
الشوارع لكن هذا ليس استئنافا للحياة الطبيعية."
ودمرت الحرب كثيرا من الاوجه الجمالية للمدينة. بحسب رويترز.
وخلف الاشجار التي لا تزال مقلمة بشكل انيق تقبع مبان غير القصف
معالمها. وبات شارع طرابلس بوسط المدينة صورة للدمار. والان توجه
الشرطة حركة المرور عند تقاطعات مزدحمة معينة دون ان يتسلح افرادها او
يرتدون زيهم التقليدي. وقال دويني ان الجرائم الخطيرة نادرة في ظل وجود
كثير من الشبان على الجبهة للقتال.
ويقضي دويني كثيرا من وقته في استجواب جنود موالين للقذافي وقعوا في
الاسر او يتوسط لانهاء الخلافات البسيطة بين الجيران. وقال "نحضرهم الى
هنا ويتصافحون ثم يعودون." ويخرج في الثالثة بعد الظهر لاعادة اطفاله
من المدرسة.
وستكافح مصراتة لفعل المزيد بالنظر الى عدد الرجال --وبينهم كثير من
المتعلمين من اصحاب المهن-- الموجوين على الجبهة والاف العمال
المهاجرين الذين فروا على قوارب وبعضهم تحت نيران المدفعية خلال اسوأ
ايام الحصار. ويحرم نزوح العمال الافارقة لاسيما من جنوب الصحراء بعض
قطاعات الاقتصاد خاصة الزراعة والانشاء من القوة العاملة.
وقال خليفة زواوي وهو قاض سابق ويرأس الان مجلس مدينة مصراتة "فرار
العمالة الاجنبية شل بعض قطاعات الاقتصاد. "لدينا عدد كاف من المتطوعين
لتوفير الخدمات الاساسية."
وطالب الغرب بأن يفرج للمعارضة عن بعض مليارات الدولارات من
الحسابات الخارجية المجمدة لنظام القذافي. وقال "وبذلك نستطيع ان ندفع
(الرواتب) لهؤلاء الناس."
وفي مدرسة بوسط مصراتة يدير الاباء والسكان المحليون حصصا للكمبيوتر
والموسيقى والرسم. وتملا الرسوم الكارتونية للقذافي الجدران تدريجيا.
وقال شكري عبد الله (52 عاما) وهو مدير فندق سابق تولى مسؤولية ادارة
المدرسة "ايجاد اشخاص للعمل ليس مشكلة بل المشكلة هي ايجاد الاموال
لصيانة المدرسة والفصول." وقال انهم تمكنوا من مواصلة الدراسة حتى الان
بفضل تبرعات سكان مصراتة الاكثر ثراء.
وقال عدنان معيتق (42 عاما) "نحن لا نقاتل من اجل المال". وكان
عدنان يعمل في شركة التأمين الليبية قبل ان يستولي القناصة الموالون
للقذافي على مقرها في وسط مصراتة وتتعرض للتدمير خلال القتال مما ادى
الى تسريح العمال. والان يدير فصولا للرسم للاطفال لثلاثة ايام في
الاسبوع ويأمل ان تكون بشكل يومي.
وفي الشارع اصلح سباك يدعى احمد عبد الله انبوب المياه الرئيسي.
وقال انه لم يحصل على اجره منذ يناير كانون الثاني. واضاف "انا اعمل
بالمجان.. اريد ان اخدم بلدي. اذا لم افعل ذلك فمن يفعل؟."
ملاحقة مؤيدي القذافي
من جانب آخر مع دخول الصراع شهره السادس تهز انفجارات واطلاق رصاص
بنغازي معقل المعارضة المسلحة في شرق ليبيا وتذكي مسعى للقضاء على
الموالين للزعيم الليبي معمر القذافي. ويتنامى إحباط المعارضة من أن
ركضها الى طرابلس في البداية تحول الآن الى زحف وهي تنحي باللائمة على
أنصار الزعيم الليبي في أعمال العنف التي تتفجر بالمدينة من وقت لآخر
على الرغم من أن بعض السكان المحليين يقولون انها تتصل بعصابات إجرامية.
وقال فرج محمد حسين (61 عاما) وهو ضابط بالجيش "اذا تقدموا باعتذار
فاننا سنقبلهم ونأخذ أسلحتهم ونعفو عنهم. نشجعهم على أن يتقدموا لنا
سلميا" مشيرا الى ما وصفها بالجماعات الموالية. واستطرد قائلا عن
الموالين الذين أنحى عليهم باللائمة في هجمات من بينها انفجار في فندق
"لكن كل ما يفعلونه هو زرع القنابل وإطلاق الرصاص. يقتلون الناس في
الشوارع. سنلاحقهم واذا قاوموا سنقتلهم."
وتسلط محاولات القاء اللوم على انصار القذافي الضوء على التوتر
المتزايد في الشرق الذي تسيطر عليه المعارضة مع استمرار القتال في
ليبيا. كما تبرز التحدي الذي تواجهه سلطات المعارضة في السيطرة على
المدينة التي تنتشر فيها الاسلحة على نطاق واسع ومع ظهور شكاوى قمعتها
القبضة الحديدية للزعيم الليبي لفترة طويلة. بحسب رويترز.
على السطح يبدو أن الاوضاع في بنغازي قد عادت الى طبيعتها بعد
الفوضى وانعدام القانون في الايام الاولى للانتفاضة. المتاجر والمقاهي
مفتوحة والاسواق تعج بالمتسوقين والاكشاك مليئة بالمنتجات الزراعية.
وتنظم الشرطة المرور. لكن وراء واجهة الاوضاع الطبيعية يكمن شعور
بالتوتر. ويحمل كثيرون السلاح الان. وتدوي الانفجارات وأصوات تبادل
اطلاق النيران كل ليلة تقريبا.
وتقوم لجان شعبية بدوريات في الأحياء ويشعر المواطنون بالقلق من
الجريمة او من أن يحاصروا في القتال بين المعارضين ومن يشتبهون أنهم
خصوم لهم. وتدوي الخطب التي تدعو الى اسقاط حكم القذافي في أنحاء وسط
المدينة من مكبرات الصوت بالمساجد في وقت متأخر من الليل. وينبعث صوت
الخطيب مشحونا بالحماس.
ويقول سكان بالمدينة ان ما يصل الى عشرة في المئة من سكان بنغازي
البالغ عددهم 750 الف نسمة مازالوا يراهنون على انتصار القذافي بعد
اشهر من القتال بين المعارضة التي تسيطر على الشرق وجيش القذافي الذي
رسخ قدميه في غرب ليبيا. لكن البعض يقول ان الشكاوى السابقة والتي نحيت
جانبا لفترة طويلة خلال عقود من القمع بدأت تظهر على السطح بمرارة
متجددة.
وقال عيسى وهو من سكان بنغازي ان شخصين قتلا قبل ثلاثة ايام في
تبادل لاطلاق النار بعد أن تصاعد شجار عائلي. وأضاف أن الخلاف دب حين
حاول أقارب ضحايا قتلهم جنود القذافي بالرصاص في مذبحة عام 1996 بسجن
ابو سليم تصفية حساباتهم مع من يعتقدون أن لهم صلات بحكومة القذافي.
ومضى يقول "من قتلا كانا من انصار القذافي."
وفي واقعة أخرى أصيب سائق يعمل لحساب وكالة اجنبية في تبادل لاطلاق
النار وفقا لما ذكره زملاء له. وأثارت هذه الحوادث توترا في المدينة
التي خرجت عن سيطرة القذافي بعد فترة قصيرة من اندلاع الانتفاضة في
منتصف فبراير شباط. وتقع على بعد نحو 150 كيلومترا شرقي خط جبهة القتال
الذي يقسم ليبيا والذي ظل ثابتا لأسابيع.
وقال عوض علي (41 عاما) وهو عامل بناء كان يشتري الشمام من أحد اكبر
اسواق بنغازي "انهم مختبئون. اذا عثرنا عليهم فسنمزقهم إربا" متحدثا
عمن وصفهم بالموالين الذين يتربصون بالمدينة. وأضاف في تعليقات كررها
كثيرون في المدينة "من لا يريدون الاذى فلا بأس بهم. لكن من يحاولون
الحاق أضرار بقضية الثورة حتى لو كان اخي فانني مستعد لقتلهم بنفسي."
غير أنه بالنسبة لكثيرين تحتل المخاوف الامنية مرتبة متأخرة عن
قضايا الحياة اليومية الاكثر الحاحا. على سبيل المثال تضاعف سعر لتر
الحليب في الاسبوعين الماضيين الى دينارين.
وقال علي عامل البناء "قبل الثورة كانت الحياة طبيعية. الان الحياة
غير طبيعية. لا يوجد شيء طبيعي. لكن يجب أن نصبر. الوضع صعب لكنه افضل
الان. أشعر بحرية في التعبير عما أفكر فيه. لم أعد أخاف."
وتقول خديجة عوض (58 عاما) وهي ربة منزل ان ارتفاع الاسعار "هو
المشكلة الوحيدة في الوقت الحالي. الله اعلم ماذا سيحدث بعد ذلك. لكننا
ندعم الحكومة الجديدة... انا لا أخشى أنصار القذافي. رجالنا سيتمكنون
منهم." |