حوار البحرين... دمل الجراح أم استغفال سياسي؟

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: انطلق الحوار في البحرين، فيما لا تزال شوارع تلك الدولة تنتشر فيها مظاهر القمع السياسي، والانتهاكات الحقوقية بمختلف أشكالها، بالرغم من مزاعم ملك البلاد إطلاق تحقيقات مستقلة لكشف الحقائق، خصوصا بعد الإدانات الدولية التي تصاعدت مؤخرا.

فالوقائع على الأرض تختلف جذريا عما هو معلن، فيما يرى بعض المراقبين للشؤون البحرينية ان الحكومة تسعى الى كسب الوقت والمواقف، دون تقديم أي تنازلات حقيقية تلبي شيء من مطالب اغلبية الشعب، بالإضافة الى تلميع صورة النظام أمام المجتمع الدولي.

فاغلب رموز المعارضة لا يزالون في سجون الدولة، وسياسات التجنيس والإجراءات الوقائية يقوم بها النظام على قدم وساق، الى جانب استمرار المحاكم العسكرية التي تخالف جملة وتفصيلا مواثيق حقوق الإنسان.

المشاركة بتحفظ خشية التهميش

فقد اكدت المعارضة الشيعية البحرينية مشاركتها بتحفظ وتشاؤم في الحوار الوطني، مؤكدة ان هذه المبادرة التي تهدف الى دمل الجراح لا تقوم على تمثيل شعبي حقيقي وقد تشهد اغراق المطالب السياسية في سلة من المواضيع الاقل اهمية.

وشددت المعارضة على ان خياراتها "ستبقى مفتوحة"، بما في ذلك الانسحاب من الحوار، اذا فشلت هذه العملية في تحقيق مطالبها الاصلاحية وفي تجسيد "الارادة الشعبية" للبحرينيين.

وقال خليل مرزوق القيادي والنائب السابق عن جمعية الوفاق الوطني الاسلامية التي تمثل التيار الشيعي الرئيسي في المملكة "منذ البداية كنا متحفظين على صيغة الحوار بدءا من رئاسته واجراءاته وتفاصيله لانه لا يعبر عن الارادة الشعبية الحقيقية".

وذكر مرزوق انه مع اطلاق الحوار رسميا يوم السبت الماضي "توضحت الصورة الحقيقية وهي ان المشاركين ال300 لم يتم اختيارهم على اساس التمثيل الشعبي وانما على اساس تمثيل الافكار".

واكد مرزوق ان الجمعية التي ينتمي اليها تمثل "65% من الكتلة الناخبة" في البحرين، بينما تمثيلها مع باقي اطياف المعارضة في اللجان التي ستشكل في الحوار "لن يتجاوز 5%".

واعرب عن خشيته من ان يتم تقديم توصيات من الحوار "على اساس انها الارادة الشعبية" وتكون جمعية الوفاق خارج هذه التوصيات التي يفترض ان ترفع الى الملك حمد بن عيسى ال خليفة الذي اطلق مبادرة الحوار وعين رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني لرئاسته.

واشار الى ان الحوار يسعى للوصول الى توافق بين المشاركين مع امكانية تسجيل استثناءات و"هذا يعني ان الوفاق يمكن ان تكون هي الاستثناء". بحسب فرانس برس.

الى ذلك، اكد مرزوق ان المطالب السياسية الاساسية التي دعمت جمعية الوفاق على اساسها الحركة الاحتجاجية المطالبة بالتغيير في شباط/فبراير واذار/مارس الماضي والذي انهتها السلطات بالقوة، قد تضيع في سلة من المواضيع الاقل اهمية التي يتناولها الحوار.

وقال في هذا السياق، ان الحوار "سيناقش كل مشاكل الشعب البحريني بما في ذلك التعليم والعمل ورفع الرواتب والازمة المالية اضافة الى القضايا السياسية، وهذا يؤدي الى تذويب القضايا السياسية في بوتقة كبيرة تدعى الحوار الوطني". واضاف "لا نجد حتى الان اي رد ايجابي بان هذه الاجراءات ستعدل وقد ارسلنا رسالتين الى رئيس الحوار ولا جواب حتى الان".

وشدد مرزوق على ان جمعية الوفاق ما زالت ملتزمة بالمشاركة في الجلسات لكن "الحوار كما نراه لا يلبي مطالب الشعب البحريني بان ينتج حلا سياسيا، ولا مطالب المجتمع الدولي" الذي يطالب بنتائج للحوار تؤسس لحل سياسي في المملكة.

وقال مرزوق ان لدى المعارضة "سقفين" هما "تحقيق المطالب والقبول الشعبي، وستكون خياراتنا مفتوحة اذا لم يحقق الحوار هذين السقفين". وذكر بان مطالب الجمعية خمسة وهي "حكومة منتخبة وسلطة تشريعية منتخبة كاملة الصلاحيات ودوائر انتخابية عادلة على اساس +المواطنين وليس الطوئف+ واستقلال تام للقضاء وامن يشترك فيه الجميع". وقال في هذا السياق ان "الامور تسير بشكل غير مشجع" وهناك "محاولة تهميش" تتعرض لها الجمعية.

وعن امكانية التواصل مع جمعيات سياسية اخرى قد تتبنى المطالب السياسية نفسها، قال مرزوق "نحن منفتحون على مختلف الاطياف، ولكن لا نستطيع ان نقول اننا متفائلون بامكانية تبني باقي المشاركين في الحوار مطالبنا ونشعر ان هناك كمية من المشاركين تم اختيارهم بعناية" اي انهم موالون لاراء الحكومة.

وفي سياق متصل، اكد مرزوق وجود معلومات عن "توجيهات من قبل الملك" لاعادة الموظفين الذين فصلوا من وظائفهم بحسب المعارضة بسبب دعمهم للحركة الاحتجاجية. الا انه قال ان "الامور تتم ببطء على ما يبدو".

كما ندد مرزوق باستمرار اعتقال حوالى 400 شخص على خلفية الحركة الاحتجاجية بينهم نائبان سابقان من الجمعية، وذلك بالرغم من احالة قضاياهم من القضاء العسكري الخاص الى القضاء العادي. وقال "بات هناك لجنة مستقلة للتحقيق واعطيت صلاحيات واسعة ... فبالتالي يجب ان يخرج الرموز والنواب والمواطنون من السجن حتى تظهر الحقائق".

وكان خليفة الظهراني رئيس مجلس النواب المكلف ادارة الحوار قال في كلمة بثها التلفزيون العام "انه حوار بلا شروط وبلا سقف". واشار الى ان الهدف منه هو التوصل الى "مبادىء مشتركة لاعادة اطلاق مسيرة الاصلاحات السياسية". واضاف ان نحو 300 مشارك بينهم ممثلون عن جمعية الوفاق ابرز القوى المعارضة، سيقدمون افكارهم بشان الاصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي علاوة على رؤاهم بشان الحقوق المدنية ووضع المقيمين الاجانب في البحرين.

وكانت جمعية الوفاق قررت في اللحظة الاخيرة المشاركة في الحوار مع التاكيد على مطالبها المتمثلة في اقامة ملكية دستورية حقيقية يتم فيها تعيين رئيس الوزراء من الاغلبية البرلمانية.

اللجنة المستقلة

من جهته اعلن الملك حمد بن عيسى آل خليفة تشكيل لجنة مستقلة تضم حقوقيين دوليين للتحقيق في الاحداث التي رافقت الحركة الاحتجاجية التي شهدتها المملكة في شباط/فبراير وآذار/مارس وقمعتها السلطات بالقوة.

ويرأس اللجنة محمود شريف بسيوني أستاذ القانون بكلية دي بول في شيكاغو والامين العام للرابطة الدولية للقانون الجنائي ورئيس المعهد الدولي للعلوم الجنائية.

ونص المرسوم الملكي على ان تتمتع لجنة التحقيق باستقلال تام عن حكومة مملكة البحرين او اي حكومة اخرى وان يعمل أعضاؤها بصفتهم الشخصية على ان تكون مهمتها "تقصي الحقائق" عبر الاتصال بجميع الجهات الحكومية المعنية والمسؤولين الحكوميين وكذلك الاطلاع على الملفات والسجلات الحكومية، كما تحظى "بمطلق الحرية في مقابلة أي شخص تراه مفيدا لها" من الجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني.

ويفترض ان تنهي اللجنة مهمتها قبل نهاية تشرين الاول/اكتوبر عبر تقديم تقرير للملك، كما يحق للجنة التوصية بمحاكمة اشخاص.

الى ذلك دعا شيعة البحرين مستلهمين الانتفاضات الشعبية التي اسقطت الرئيسين المصري والتونسي الى الاضطلاع بدور اكبر في الحكم وانهاء ما يقولون انها تفرقة منهجية على اساس طائفي بينهم وبين المواطنين السنة في الحصول على الوظائف والخدمات الاجتماعية.

وتندلع الاحتجاجات يوميا في أزقة القرى الشيعية التي تطوق المنامة ويهتف المحتشدون مطالبين بالافراج عن كافة المسجونين.

السجن 10 أعوام لـ3 متهمين بـ"التخابر"

في سياق متصل قضت المحكمة الكبرى الجنائية في البحرين، بعقوبة السجن عشرة أعوام والغرامة 10 آلاف دينار على ثلاثة أشخاص، واحد حضورياً واثنان غيابياً بتهمة التخابر مع دولة أجنبية. ولم يكشف التقرير الذي نشرته وكالة أنباء البحرين "بنا"، عن تلك "الدولة الأجنبية."

وأشار التقرير إلى أن المتهمين الثاني والثالث، ويقيمان في دولة الكويت، قاما بتجنيد المتهم الثالث، وهو بحريني، للتخابر لمصلحة دولة أجنبية وذلك للحصول على معلومات عن بعض المنشآت العسكرية والاقتصادية بالمملكة.

وبحسب الاتفاق،  قام الأخير الأول بتصوير بعض المواقع العسكرية ومنشآت اقتصادية ومساكن العاملين بالقاعدة العسكرية الأمريكية مقابل مبلغ 20 ألف دينار كويتي.

ووجهت السلطات البحرينية إلى مواطنها بالخلية تهمتي" التخابر لمصلحة دولة أجنبية ومن يعملون لمصلحتها بشأن الإضرار بمركز الدولة السياسي والاقتصادي والحربي وقبول مبالغ من الدولة الأجنبية بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية.

ويذكر أن البحرين وإيران قد تبادلتا استدعاء السفراء للتشاور، وقامت المنامة بطرد دبلوماسيين إيرانيين بتهمة التخابر والتدخل في شؤونها الداخلية، وخاصة في الفترة التي شهدت فيها المملكة الخليجية احتجاجات قادتها المعارضة التي يغلب عليها الطابع الشيعي، والتي يعتقد أن بعض القوى فيها ترتبط بعلاقات مع إيران، وقامت طهران بالرد على الخطوة البحرينية بالمثل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/تموز/2011 - 4/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م