
شبكة النبأ: يخشى المحللون من تصاعد
حدة الصراع المستعر على الحدود بين شمال السودان وجنوبه قبل استقلال
الجنوب، ومع سعي الخرطوم للتأكيد على قوتها في الوقت الذي تبدو
احتمالات الحرب الشاملة مستبعدة آنيا.
وتواجه حكومتي الجنوب والشمال تحديات سافرة قد تطيح بآمال التنمية
والاستقرار في حال استمرارها، بالرغم من جهود المجموعة الدولية البارز
في احتواء أي طارئ يحدث في سياق محاولات إرساء الأمن.
ويبدو ان اتفاق السلام المبرم بين الطرفين لم يستطع درء المناوشات
والاحتكاكات التي تستذكر عقود من الحروب الأهلية الي تسببت في تقسيم
اكبر دولة في أفريقيا، سيما ان مصادر الطاقة باتت هي سببا جديدا لإذكاء
الصراعات الجديدة.
الخروج عن نطاق السيطرة
فقد تعهد الرئيس السوداني عمر البشير باستخدام كافة الوسائل المتاحة،
بما في ذلك الضربات الجوية والقصف الكثيف، لسحق ما وصفه بالتمرد في
ولاية جنوب كردفان من جانب ميليشيا شمالية ترتبط بالجيش الشعبي الجنوبي
لتحرير السودان.
ويعد هذا هو الصراع الثاني الرئيسي في المنطقة الحدودية بين شمال
السودان وجنوبه منذ اقل من شهر، وذلك بعد احتلال الجيش الشمالي لمنطقة
ابيي المتنازع عليها في 21 ايار/مايو، ما اجبر زهاء 113 الف نسمة على
النزوح جنوبا بحسب تقديرات الامم المتحدة.
ويقول زاك فيرتين المحلل المعني بشؤون السودان في تقرير اصدرته
مؤخرا مجموعة الازمة الدولية "يهدف استيلاء الخرطوم على ابيي --
واتخاذها خطا عدوانيا على جبهات اخرى - الى اظهار القوة في الداخل،
والتأثير على المفاوضات التي ستجري في المستقبل حول وضع ابيي نفسها،
وكذلك دعم وضعها التفاوضي عموما".
كما تهدد الصراعات في ابيي وفي جنوب كردفان المتاخمة لها بافشال
اتفاق السلام الموقع عام 2005 بين الخرطوم والجيش الشعبي، وهو الاتفاق
الذي انهى 22 عاما من الحرب الاهلية الطاحنة ممهدا السبيل لانفصال جنوب
السودان عبر استفتاء لتقرير المصير. بحسب فرانس برس.
غير ان الحكومة السودانية تبدو اكثر قلقا ازاء مستقبلها. فمع اقتراب
تحقق الانفصال الفعلي للجنوب تأتي الحملات العسكرية للخرطوم كوسيلة
مقصودة لاسكات منتقدي الحكومة من داخل النظام حسبما يقول المراقبون
السياسيون، بينما تراهن الخرطوم على ان الجنوب لن يرغب في تهديد
الاستقلال الذي كافح من اجله طويلا بعد ان بات وشيكا.
ويقول الطيب زين العابدين، استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم "اعتقد
ان قيادة حزب المؤتمر الوطني (الحاكم) في الخرطوم ترغب في استعراض
القوة ما يمنحها مزيدا من المصداقية والمشروعية". وتابع زين العابدين
قائلا "تشعر الحكومة السودانية بخيبة الامل تجاه انفصال الجنوب، ومن ثم
تعمد لاتخاذ اجراءات ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان .. وهي الحزب
الاكبر بعد المؤتمر الوطني في الشمال".
يذكر ان الحركة الشعبية لتحرير السودان هي الجناح السياسي للجيش
الجنوبي وهي الحزب الحاكم في الجنوب. وكادت الحركة الشعبية ان تفوز في
الانتخابات التي جرت الشهر الماضي على منصب حاكم ولاية جنوب كردفان،
وهي الولاية الوحيدة المنتجة للنفط في الشمال، غير ان الحركة انسحبت من
الانتخابات معللة ذلك بالتزوير.
وقال ابراهيم الغندور المتحدث بلسان حزب المؤتمر الوطني انه لن يسمح
للجناح الشمالي من الحركة الشعبية بالاستمرار بشكله الحالي "لانه حزب
ينتمي الى بلد اخر".
ويقول احد المحلليين الغربيين ان رفض الخرطوم قبول الفوز المرجح
لعبد العزيز الحلو مرشح الحركة الشعبية في انتخابات جنوب كردفان، اضافة
الى اصرارها على نزع سلاح القوات المتحالفة مع الجيش الشعبي في الشمال
والتي يعتقد انها تناهز 40 الف مقاتل، كانت السبب وراء اندلاع الصراع
الاخير.
ويشير اساقفة ونشطاء الى ان الحملة الجديدة التي يباشرها الجيش
السوداني تأتي في اطار سياسة حكومية للتطهير العرقي باستهداف السكان
الاصليين من ابناء قبائل النوبة في الولاية والذين قاتلوا الى جانب
الجيش الشعبي خلال الحرب الاهلية مع الجنوب ما بين عامي 1983 و2005.
وترفض الخرطوم بشدة تلك الاتهامات وتصر على انها تعمد الى حماية
المدنيين.
وعلى اية حال فقد زاد الصراع من الريبة بين الشمال والجنوب واللذين
على مقربة من ان يصبحا بلدين متجاورين، وهي الريبة الكائنة بالفعل بسبب
الافتقار الى احراز تقدم في المفاوضات التي تجري في اديس ابابا حول
قضايا ما بعد استقلال الجنوب.
ويقول صفوت فانوس، وهو استاذ علوم سياسية اخر بجامعة الخرطوم "اذا
استمر تدهور العلاقات فسيرافق استقلال الجنوب المزيد من العنف، سواء
بشكل مباشر او غير مباشر".
ويتابع "العنف يحدث فعلا، مع وجود مناوشات على الحدود واتهام الجيش
الشعبي لتحرير السودان (التابع للجنوب) الشمال بقصف الجنوب وتسليح
متمردين جنوبيين".
وقد اكدت الامم المتحدة ما ذكره الجيش الشعبي من ان الجيش الشمالي
توغل في اراضي الجنوب، وقالت ان الشمال قصف بلدة اغوك الجنوبية
الحدودية والتي تقع الى الجنوب من حدود ابيي.
ويتفق اخرون على ان صراعات ابيي وجنوب كردفان ليست مجرد استعراض
للقوة بل يمكن ان تمتد لتشمل ولاية النيل الازرق، وهي الثالثة بين "ثلاث
مناطق" منحت بمقتضى اتفاق السلام وضعا خاصا، والتي يرأس حاكمها مالك
عقار الحركة الشعبية في الشمال.
وقال المحلل الغربي المقيم في السودان من دون الكشف عن اسمه "من
الطبيعي بالنسبة للجيش السوداني ان يعمد الى القضاء على 40 الف مقاتل
معاد على اراضيه". وتابع قائلا "وبينما جاء احتلال الخرطوم لابيي بهدف
تعزيز موقف الحكومة السودانية في الداخل، فان الموقف في جنوب كردفان
بالتأكيد يشكل تحديا للنظام.. واذا استمر امد الصراع هناك فسيكون من
الصعب تخيل ان تفلت منه ولاية النيل الازرق".
غير ان المراقبين لا يتوقعون تجدد صراع شامل بين الشمال والجنوب،
على الاقل في المستقبل القريب. ويقول زين العابدين من جامعة الخرطوم "لديهم
الكثير من المشكلات الاخرى بخلاف ابيي وجنوب كردفان. ومع ذلك اعتقد
اننا سنرى المزيد من سياسة حافة الهاوية، مع دفع كل جانب للجانب الاخر
لابعد مدى ممكن".
بعد عقود من الحرب
من جهة أخرى عندما يتحدث عبد الجليل عبد الرحيم عن ابيي وهي منطقة
تعاني من الحرب في وسط السودان ويثمنها البدو الشماليون بسبب مراعيها
لا يساوره اي شكك في انها تنتمي الى الشمال. وقال العامل البالغ من
العمر 41 عاما وهو يفرغ اوعية من زيت الطعام في احدى ضواحي الخرطوم
المتربة ان "ابيي جزء من الشمال تاريخيا. "اذا نشبت حرب بشأنها فسوف
اقاتل الى جانب حكومتي الى جانب الشمال."
وعلى بعد 1200 كيلومتر جنوبا في جوبا كان ابيل قرنق الذي ينتمي
لقبيلة الدنكا الجنوبية مثل معظم سكان ابيي الدائمين متأكد من ان
المنطقة جنوبية . وقال ان "ابيي تنتمي الى الجنوب.انها ارضنا انها
مكاننا."
وسينفصل جنوب السودان ليكون دولة جديدة في التاسع من يوليو تموز
ولكن الشمال والجنوب لم يتفقا بعد على من الذي ستكون له السيادة على
ابيي مما يثير مخاوف من ان يؤدي نزاع طويل الامد بشأن المنطقة الى
افساد عملية الانفصال وقد يير صراعا اوسع.
وفي لعبة قوة قبل الانفصال ارسلت الخرطوم دبابات وقوات الى ابيي في
21 مايو ايار مما اثار غضب حكومة الجنوب وجماعات حقوق الانسان والقوى
الاقليمية والعالمية التي وصفت ذلك بانه خرق لاتفاقية 2005 التي انهت
الحرب الاهلية السودانية التي استمرت فترة طويلة.
وجاءت هذه الخطوة بعد هجوم على قافلة لقوات شمالية ولقوات لحفظ
السلام تابعة للامم المتحدة انحى الشمال باللائمة فيه على الجنوب وقالت
الامم المتحدة ان من المرجح ان رجال شرطة وجنودا جنوبيين قاموا بتنفيذه.
ومع دخول الخرطوم ابيي فر عشرات الالاف من القرويين جنوبا فرارا من
عمليات نهب وحرق. قبل ان اتفق الجانبان على سحب القوات من ابيي ونشر
قوات حفظ سلام اثيوبية ولكن الاهمية الرمزية والعاطفية للمنطقة يمكن ان
تجعلها نقطة توتر لسنوات قادمة.
وقال دوجلاس جونسون وهو خبير في شؤون السودان وعضو سابق في لجنة
حدود ابيي ان"هذا يمكن ان يكون بداية جولة اخرى مطولة من الوساطة
المدعومة دوليا."
واي عودة الى الحرب والتي لا يمكن لاي من الشمال او الجنوب تحملها
سيزعزع استقرار المنطقة باعادة اللاجئين الى دول مجاورة مثل كينيا
واثيوبيا واثارة فراغ امني في الجنوب المدجج بالسلاح.
واثار مزيج متقلب من السياسة والتاريخ والنفط الصراع بشأن ابيي وهي
عالم مصغر للانقسامات العرقية والدينية التي كانت وراء حرب اهلية اودت
بحياة نحو مليوني نسمة.
وتعيش قبيلة الدنكا نجوك وهي جزء من الجماعة العرقية الرئيسية
بالجنوب وتزرع الارض طوال السنة. وتستخدم قبيلة المسيرية العربية
الشمالية الارض لجزء من السنة لرعي الماشية.
ومن بين النقاط الرئيسية العالقة خلاف بشا من الذي يجب السماح له
بالتصويت في استفتاء بشأن مااذا كانت المنطقة ستنضم الى الشمال ام الى
الجنوب بعد الانفصال.
ويقول الجنوبيون والذين يرى كثيرون منهم ان اجراء الاستفتاء تنازل
كبير في حد ذاته ان سكان ابيي الدائمين يجب ان يقرروا مصيرها مما يعني
ان الامر سيعود في معظمه الى الدنكا.
وقال احد سكان جوبا ان المسيرية "ضيوف جاءوا للرعي.اي نوع من الضيوف
يقوم بالغزو..."
ويرفض مسؤولون شماليون مثل ربيع عبد العاطي وهو عضو كبير في حزب
المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال هذا بوصفه تمييزا . وقال "كما تعرفون
ان البدوي مواطن."
ويقول محللون ان اهمية كل من هؤلاء الناخبين تعني انه ليس هناك
احتمال ان يتزحزح اي من الجانبين عن موقفه قريبا. ويشغل كثيرون من
افراد قبيلة الدنكا نجوك مناصب رفيعة في الجنوب كما كانت قبيلة
المسيرية حليفا قويا لحزب المؤتمر الوطني خلال الحرب الاهلية.
وتضم ابيي ايضا حقلا نفطيا مهما هو دفرة.
وفي اسوأ الحالات يتوقع محللون وموظفو اغاثة تكرارا للحرب الاثيوبية
الاريترية التي نشبت بسبب نزاع حدودي بعد خلاف مماثل.
وقال جون برينديرجاست وهو مسؤول سابق بوزارة الخارجية الامريكية
شارك في تأسيس مشروع اينف لمناهضة الابادة الجماعية ان"ازمة ابيي قد
تؤدي ال حرب اوسع واكثر دموية بعد التاسع من يوليو اذا لم تعالج قبل
ذلك الموعد." واذا تم استبعاد السياسة والتاريخ يبدو ان ابيي لا تستحق
كل اراقة الدماء تلك. ومازال كثيرون يرون املا في التوصل لحل سلمي.
مشاريع بناء سدود
من جانبها اكدت الحكومة السودانية المضي في تنفيذ عدة مشاريع لبناء
سدود على نهر النيل في شرق السودان تزيد كلفتها على 1,2 مليار دولار
رغم المصاعب الاقتصادية المتوقعة مع انفصال الجنوب وفقدان شمال السودان
نصيبه من عائدات النفط.
واعلنت الحكومة السودانية ان المرحلة الاولى من تعلية سد الرصيرص في
ولاية النيل الازرق على النيل الازرق احد الفرعين الرئيسيين لنهر النيل،
اكتملت على ان يكتمل المشروع في ايار/مايو 2012.
وفي الوقت نفسه، بدأت اعمال انشاء سدين على نهرين موسميين يغذيان
نهر النيل هما سد عطبرة على نهر عطبرة وسد ستيت على نهر ستيت وذلك ما
بين ولايتي القضارف وكسلا في شرق السودان.
ويأتي الكشف عن العمل في توسيع سد الرصيرص بتكلفة 400 مليون دولار
وبناء سدي عطبرة وستيت بتكلفة قدرها 838 مليون دولار في ظل مصاعب
اقتصادية منتظرة على اثر فقدان شمال السودان لنصيبه من عائدات نفط
الجنوب والتي قدرتها وزارة المالية السودانية بحوالي 36% من اجمالي
ايرادات الميزانية السودانية. بحسب فرانس برس.
وينتج السودان 490 الف برميل من النفط يوميا، يأتي 73% منها من جنوب
السودان الذي سيصبح دولة مستقلة اعتبارا من التاسع من تموز/يوليو 2011.
وقال وزير الكهرباء والسدود السوداني اسامة عبد الله للصحافيين
السبت عند تدشين المرحلة الاولى من تعلية سد الرصيرص، "بعد اكتمال
المرحلة الاولى من تعلية الرصيرص نبشر باكتمال العمل في التعلية والتي
هي واحدة من احلام السودانيين الثلاثة والمتمثلة في تعلية الرصيرص
والثاني قيام سدي عطبرة وستيت والحلم الثالث قيام سد مروي والذي اكتمل
العمل فيه عام 2009". واضاف ان تعلية الرصيرص "ستضيف مساحات للاراضي
الزراعية كما انها سترفع الطاقة الكهربائية المولدة من السد بنسبة 50%
مما ينتجه السد الان".
ويقول المهندس المشرف على مشروع السد خضر محمد قسم السيد لفرانس برس
"سنضيف عشرة امتار جديدة لارتفاع الجسم الخرساني للسد ليصبح 490 مترا
فوق سطح البحر كما ان طول السد سيصبح 25 كيلومترا بدلا من 15 كيلومترا
الان. هذه الاضافة سترفع السعة التخزينية للسد من المياه من 3,4
مليارات متر مكعب الى 7,4 مليارات متر مكعب مما يمكن من ري 3 ملايين
فدان من الاراضي الزراعية شمال السد".
ويخزن سدي ستيت وعطبرة 3,2 مليارات متر مكعب من المياه يخطط لها ان
تروي مليون فدان من الاراضي الزراعية لانتاج محاصيل غذائية ونقدية او
صناعية كالقطن.
ومن المقرر افتتاح السدين في ايلول/سبتمبر 2015 وهما يبعدان حوالي
600 كلم شرق الخرطوم. ويستورد السودان من الخارج قمحا بقيمة 1,8 مليار
دولار سنويا وينتج فقط 16% من جملة استهلاكه.
وقال وزير المالية السوداني للصحافيين الاسبوع الماضي "نخطط لرفع
انتاجنا من القمح الى 40% من جملة استهلاكنا كما اننا نسعى لزيادة
انتاجنا من قصب السكر والحبوب الزيتية حتى نسد الفجوة ما بين الاستهلاك
والانتاج ومن بعد ندخل في التصدير".
وتمول هذه المشروعات بواسطة عدد من مؤسسات التمويل العربية وهي
الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والصندوق السعودي
للتنمية، وصندوق ابو ظبي، والصندوق الكويتي للتنمية، وصندوق وبنك
التنمية الاسلامي - جدة.
وتقوم ببناء مشروعات السدود شركات صينية. والصين هي اكبر مستثمر
بالسودان في مجال النفط والانشاءات كما انها اكبر مستورد للنفط
السوداني. ومنطقة شرق السودان التي بدأ فيها بناء سدي عطبرة وستيت، من
افقر مناطق السودان وفق تقارير برنامج الامم المتحدة الانمائي والتي
تؤكد ان 50% من سكانها يعيشون تحت خط الفقر.
وبالاضافة الى توسيع مساحة الاراضي المزروعة وانتاج الكهرباء نتيجة
تعلية سد الرصيرص، من المتوقع ان يؤدي ذلك الى تهجير 22 الف عائلة من
قراها، مع ما يمكن توقعه من تاثيرات اجتماعية واقتصادية.
ولكن اسامة عبدالله وزير الكهرباء والسدود اكد ان "اعادة توطين هذه
العائلات ستجعلها بمنأى من اضرار الفيضان الموسمي لنهر النيل".
وكتب السفير البريطاني في شباط/فبراير الماضي بعد زيارة للسد ان "التغيير
الذي تفرضه عوامل خارجية يولد حالة من الاضطراب (...) التخلي عن قبور
الاجداد والاسلاف وترك البيوت المبنية من الطين والقش للعيش في بيوت
مبنية من الاسمنت ومزودة بالكهرباء والماء ينطوي على تحد كبير، ولكن
التحدي الاكبر هو في تجميع القرى المنفصلة في بلدة جديدة واحدة".
متمردون ودستور جديد
وحين تولد جمهورية جنوب السودان في التاسع من يوليو تموز فان هذا
سيكلل عملية سلام جرت بوساطة دولية لكنها ستصبح في اليوم التالي دولة
في أزمة ومصدر تهديد محتمل للمنطقة بالكامل.
وحتى اذا صمد السلام مع الشمال يقول محللون ان جنوب السودان قد يصبح
مستنقعا غير قادر على بدء التنمية في الوقت الذي يحاول فيه المقاتلون
الذين تحولوا الى ساسة السيطرة على المنطقة الشاسعة التي تزخر بالاسلحة.
ويقول ايدي توماس محلل الشؤون السودانية في معهد ريفت فالي "لايزال
عدد من المخاطر موجودا في الجنوب." وأضاف "تحاول حركة تحرير أن تصبح
حزبا سياسيا... المعارضة السياسية تصل في أحيان كثيرة الى حد استعداد
الناس في المناطق النائية لاتخاذ اجراءات عنيفة."
وقريبا ستشترك ست دول في حدود مع هذه المنطقة التي ينعدم فيها
القانون ولا يتجاوز طول الطرق المرصوفة فيها 100 كيلومتر. وتقول الامم
المتحدة انها ساعدت في اطعام نصف السكان العام الماضي او نحو أربعة
ملايين نسمة.
والحاجة الى التنمية تتيح فرصا لشركات المقاولات لكن المزيد من
أعمال العنف قد تؤدي مجددا الى نزوح ملايين الجنوبيين عبر الحدود.
وينحي الجنوب باللائمة منذ فترة طويلة على الشمال في تقويض جهوده
للتنمية لكنه أبعد ما يكون عن المنطقة المتحدة.
وانقلبت القبائل في بعض المناطق على بعضها البعض وتتقاتل بسبب سرقة
الماشية. وفاقم الطلب على الابقار اللازمة لسداد المهور في ظل الاعداد
المرتفعة للشباب من الصراع التقليدي.
وتقول الحكومة ان سبع ميليشيات متمردة على الاقل تخوض قتالا مع
الحكومة. وتتكرر المناوشات بين هذه الميليشيات والجيش الجنوبي وفي احدى
المعارك بفبراير شباط قتل اكثر من 200 شخص. ومنذ الاستفتاء قتل 1450
شخصا على الاقل في أعمال عنف شهدتها تسع من جملة عشر ولايات بالجنوب
وفقا لما ذكرته الامم المتحدة.
وقال فيليب اجوير المتحدث باسم الجيش الشعبي لتحرير السودان وهو جيش
الجنوب ان الجيش مهيمن وان على المتمردين أن يلقوا أسلحتهم. لكن متحدثا
باسم احدى الجماعات المتمردة قال انهم سيقاتلون الى الابد ضد ما
يصفونها بالحكومة الشمولية. بحسب رويترز.
ويقول كثيرون بما في ذلك حكومة الجنوب ان الميليشيات تعمل لحساب
الخرطوم. وقال جون برندرجاست المسؤول السابق بوزارة الخارجية الامريكية
الذي شارك في تأسيس منظمة (ايناف بروجكت) لمكافحة الابادة الجماعية ان
على الجنوب أن يتعامل مع الجنوبيين الذين يريدون حمل السلاح ضد حكومتهم
حتى يتجنب نشوب صراع داخلي.
وأضاف "ستولد الدولة وسط هذه الفوضى المدعومة من الخارج لكن اذا لم
تتعامل الدولة الجديدة مع القضايا الداخلية المتعلقة بالتواطؤ مع
الخرطوم فقد يؤدي هذا الى حرب أهلية."
ويؤكد المتمردون أنهم يقاتلون ضد الفساد والمحسوبية والعنصرية
القبلية. وقال مسؤول كبير بالامم المتحدة طلب عدم نشر اسمه ان على
حكومة الجنوب أن تتحمل جانبا من اللوم على الفوضى لانها لم تبذل ما
يكفي من الجهد لاحتواء المتمردين منذ اتفاق السلام. وأضاف "كان أسلوبهم
هو شراؤهم بالمحسوبية او هزيمتهم عسكريا لكن الخلافات القبلية أساسية
في هذه المشكلة. انه سباق مع الزمن لبناء هوية جنوبية اكبر من القبائل."
ويقول مسؤول جنوبي ان المجتمع الدولي انشغل عن التدقيق في دستور
الجنوب الجديد الذي وصفه المسؤول بأنه "شمولي" بسبب انعدام الامن
والحاجة الماسة لتوفير مساعدات غذائية لملايين الجنوبيين.
ووافق مجلس الوزراء على مسودة "الدستور الانتقالي" الذي يؤدي في
نهاية المطاف الى دستور دائم وهو مطروح الان امام البرلمان ومن المقرر
اقراره خلال احتفالات الاستقلال في يوليو.
وكان يجري اعداد "الدستور المؤقت" الحالي منذ اتفاق السلام وهو ينص
على الا يتولى الرئيس الحكم لاكثر من ولايتين كحد أقصى. واختفى هذا
الشرط من الدستور الجديد وسيكون للرئيس صلاحيات جديدة في تشكيل حكومات
الولايات.
كما تسمح مسودة الدستور الجديد لرئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير
بتعيين 66 عضوا جديدا بالمجلس التشريعي. ويخشى مراقبون من أن يكون
الجنوب بصدد انشاء دولة حزب واحد.
وقال المسؤول بالامم المتحدة ان مراجعة الدستور "تعطي لمحة عن
رؤيتهم لتقسيم السلطة في المستقبل وهناك بعض النزعات الشمولية الواضحة."
وأضاف "نخشى أن يؤدي هذا الخط الشمولي الى انعدام الامن وهو ما نراه
بالفعل."
العودة للديار
الى ذلك تتكدس أمتعة وممتلكات جنوبيين في مخيم وادي البشير في
العاصمة السودانية الخرطوم انتظارا للشاحنة التالية التي ستقلهم الى
ديارهم في الجنوب قبل أن يتحول الى دولة مستقلة في يوليو تموز المقبل.
لكن الطريق مغلق. فالقتال في منطقة ابيي الحدودية المتنازع عليها في
وسط البلاد يهدد باستدراج الشمال والجنوب الى الصراع من جديد.
تركت الامتعة تحت اشعة الشمس الحارقة. وقال رجل في الثلاثينات من
عمره يحاول الاختباء من أشعة الشمس تحت خيمة قرب كومة من المكاتب
والاسرة والحواشي مع مجموعة من الجنوبيين في المخيم "حزمنا امتعتنا لكن
لا يمكننا الرحيل لاننا سمعنا أن الطرق مغلقة."
وكانت الحرب الاهلية قد دفعت بالعديد من الجنوبيين الى الخرطوم سعيا
وراء العمل أو اللجوء خلال نحو عقدين من الصراع بين الشمال والجنوب
الذي انتهى باتفاق سلام عام 2005 . واجرى استفتاء في وقت سابق هذا
العام صوت فيه الجنوبيون لصالح الانفصال.
ويسعى البعض للرحيل لانهم لم يعد بامكانهم الحصول على عمل. وأما
بالنسبة لاخرين حتى الذين قضوا أغلب حياتهم في الخرطوم لم يعد الشمال
الذي تقطنه أغلبية مسلمة موطنا مناسبا للجنوبيين وأغلبهم مسيحيون او من
ديانات محلية أخرى.
وقال مانوت (38 عاما) وهو مسيحي يقيم في المخيم في الخرطوم مع أسرته
منذ عام 1983 "ليس لدي عمل. أعمل أجيرا هنا وهناك لكن لا يمكنني العيش
هكذا مع أسرتي." وأضاف وهو ينتظر العودة مثل غيره "في الجنوب الحال
أفضل لان بأمكاننا العمل في الحقول والمزارع."
وقال رجل اخر يجلس بالخيمة "لا نعلم متى يمكننا الذهاب. نريد أن
نرحل لاننا لا نجد عملا هنا."
وتفيد تقديرات المنظمة الدولية للهجرة التي تقدم النصح لحكومتي
الشمال والجنوب ان نحو 300 ألف جنوبي عادوا الى ديارهم من شمال السودان
منذ أكتوبر تشرين الاول الماضي سواء بالقطار أو عن طريق النيل أو
الطريق البري.
وليس هناك بيانات يعتد بها عن أعداد الجنوبيين الذين مازالوا
موجودين في الشمال. لكن تقديرات المنظمة الدولية للهجرة تشير الى أن
نحو 25 الفا تقطعت بهم السبل في الطريق سواء في محطات القطارات أو
اماكن أخرى.
وقال رجل من المخيم ان بعض الاسر تنتظر منذ ستة اشهر اذ اغلقت الطرق
وكان استخدامها ينطوي على مخاطر كبيرة. والحصول على أماكن في القطارات
أو السفن غير متاح في كثير من الاحيان أو مكلف للغاية.
وقال جنوبي اخر من المجموعة الجالسة في الخيمة "الطرق غير امنة
والسفر مكلف. نأمل في مساعدة الامم المتحدة." ويضم المخيم المكون من
مساكن بنيت بالخشب أو الواح الحديد خارج الخرطوم عشرات الالوف من
الجنوبيين منذ ثمانينات القرن الماضي عندما بلغ القتال بين الشمال
والجنوب ذروته. ويشعر بعض الجنوبيين انهم لن يكونوا موضع ترحيب في
الشمال بعد الانفصال.
لكن الحياة في الجنوب قد لا تكون سهلة. فقد تركت الحروب التي استمرت
عقودا المنطقة مدمرة وتنقصها التنمية وتفتقر للطرق وغيرها من البنية
الاساسية. وقتل 1100 شخص على الاقل في أعمال عنف في الجنوب منذ
الاستفتاء في يناير كانون الثاني الماضي. ومثل هذه التحديات قد تبقي
بعض الجنوبيين في الشمال.
وقال علي فيرجي الباحث البارز في معهد الوادي المتصدع "لاعتبارات
اجتماعية واقتصادية وتعليمية سيهتم الكثيرون من الجنوبيين الذين يقيمون
في الخرطوم بالابقاء على صلاتهم بالشمال." وأضاف "على كل عيوبها تمثل
الخرطوم فرصا غير متاحة في جنوب السودان." لكن في مخيم وادي البشير
يرغب الكثيرون في العودة رغم كل شيء. وقال جون وهو جنوبي مسيحي يجلس
تحت ظل الخيمة "نريد الرحيل. كيف نعيش هنا دون عمل."
تأجج الغضب بين المزارعين
على صعيد متصل يقول المزارع عبد الباقي عبد الله ان رقعة الارض
الصغيرة التي يمتلكها في أهم منطقة زراعية بالسودان أعطته محصولا وافرا
من الذرة عاما بعد عام الى أن أهلكت الافات والري غير المنتظم محصوله.
ويغطي عبد الله نفقاته بالكاد مستغلا ثلاثة اجولة من المحصول الذي
أنتجته أرضه هذا العام مقابل اكثر من 40 جوالا كانت تنتجها في زمن
الرخاء. ويقول عبد الله انه اضطر الى اخراج ابنيه وابنته من الجامعة.
ويتهم عبد الله الذي يغمره الحزن والمرارة الحكومة باهمال مشروع
الجزيرة الزراعي وهو مشروع كبير تديره الحكومة السودانية ومن ضمنه
الافدنة الاربعة من الارض التي يمتلكها.
وقال المزارع (55 عاما) "لم تقدم الادارة اي مساعدة." وأضاف "أنا
غاضب جدا.الان أعيش على أقل القليل. حتى ابنائي الان اضطروا للمكوث في
المنزل."
وعبد الله جزء من موجة الاحتقان المتزايدة في أهم منطقة زراعية
بالسودان حيث أدى ارتفاع تكاليف المعيشة الى تصاعد التوتر الذي يعتمل
منذ فترة طويلة بسبب اهمال الخرطوم لقطاع الزراعة. ونظم مزارعو مشروع
الجزيرة احتجاجا هذا الاسبوع مما دفع الحكومة الى الوعد بتقديم
المساعدة على الفور. بحسب رويترز.
ولا توجد مؤشرات تذكر على أن السودان سيشهد احتجاجات مناهضة للحكومة
كتلك التي أسقطت زعيمي مصر وتونس لكن نشطاء يقولون انه اذا حدث هذا
فستأتي الشرارة من المناطق الزراعية التي تعاني منذ فترة طويلة كتلك
القريبة من واد مدني.
ويشكو مزارعون بالجزيرة تسنى الاتصال بهم عن طريق نشطاء من كل شيء
بدءا من عدم توفر التمويل الذي وعدت به الحكومة وانتهاء بنظام الري غير
المنتظم والمخاوف من أن تصادر الحكومة أراضيهم وهي اتهامات ينفيها
مديرو مشروع الجزيرة بشدة ويقولون ان لها دوافع سياسية.
وقال عثمان سمساعة مدير مشروع الجزيرة لرويترز ان الحكومة تريد أن
يمتلك المزارعون أراضيهم رافضا المزاعم بوصفها كاذبة ويحركها مناهضون
للحكومة. وأضاف أن الحكومة أنفقت اموالا لاعادة تأهيل مشروع الجزيرة
وأعطت للمزارعين حرية زراعة المحاصيل التي يختارونها.
وترجع أصول مشروع الجزيرة الذي يشمل اكثر من مليوني فدان على
النيلين الابيض والازرق ويعمل بهما 130 الف مزارع الى عهد الاستعمار
البريطاني.
ويعترف محمد عبد المجيد رئيس مجلس ادارة مشروع الجزيرة بأن المشروع
يواجه صعوبات منذ التسعينات بسبب مشاكل في التمويل لكنه ينفي رغبة
الحكومة في مصادرة أي أراض ويقول انها تفعل العكس. وأرجع التوتر الذي
ظهر في الاونة الاخيرة الى كم التعويضات التي ستعاد الى ملاك الاراضي
عن اكثر من 800 الف فدان.
وقال محمد احمد ابراهيم وهو عضو في اتحاد محلي للمزارعين يؤيد
سياسات الحكومة ان الحكومة لا تهمل المشروع وانما تتطلع الى تحسينه.
وبدا رئيس اتحاد للمزارعين في مشروع زراعي منفصل بوسط السودان جرت
خصخصته ويدعى عبد العزيز البشير متفائلا بأن المزارعين يستطيعون عقد
اتفاق مع الحكومة بشأن المشاكل المتعلقة بالاراضي.
غير أن التوتر تصاعد في المناطق الريفية التي ينتشر فيها انعدام
الثقة في الحكومة ويكون الفرق بين الواقع والخيال غير واضح. وقال شاهد
ان عدة مئات من المزارعين أغلقوا هذا الشهر طريقا رئيسيا الى الخرطوم
في احتجاج على ما قالوا انها خطة حكومية لمصادرة أراضيهم قبل أن تطلق
الشرطة الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين.
وقال محمد مصطفى الذي يقول انه يخشى أن تصادر الحكومة الاربعين
فدانا التي زرعها لاكثر من 30 عاما في اطار مسعاها للخصخصة "لن نتنازل
عن أرضنا." وأضاف "سنقاتل. الموت أهون من فقد أراضينا."
وفي يناير كانون الثاني قالت مجموعة لم تكن معروفة من قبل تمثل
المزارعين في ولاية سنار بوسط السودان انها أحرقت خمسة الاف فدان من
قصب السكر احتجاجا على السياسات "الفاسدة" للحكومة. وقالت شركة السكر
السودانية الحكومية ان جزءا صغيرا من المحصول هو الذي فقد في الحريق
وتم القاء القبض على المجرمين.
كما شهدت واد مدني عاصمة ولاية الجزيرة التي يوجد بها المشروع
الزراعي الذي يحمل اسمها احتجاجات أخرى هذا العام نظمها طلاب حاولوا
محاكاة الانتفاضات التي تجتاح العالم العربي.
وفي العموم لم تنجح محاولات تنظيم احتجاجات مناهضة للحكومة في
السودان في حشد الدعم وانتهت بسرعة في وجه ما تمارسه قوات الامن من ضرب
واعتقالات واستخدامها للغاز المسيل للدموع.
ويبدو المجتمع الزاخر بالخلافات الذي مر بحربين في دارفور والجنوب
الذي ينفصل في يوليو تموز اكثر حرصا على الاستقرار من احتمال نشوب صراع
اذا ضعفت سيطرة الرئيس عمر حسن البشير الذي يحكم البلاد منذ 22 عاما
على السلطة.
لكن السودان يعاني من تضخم في أسعار الغذاء يصل الى عشرة في المئة
وارتفاع في معدل البطالة بين الشباب وانتشار الفساد على نطاق واسع
ويأمل نشطاء أن تكتسب الحركة الاحتجاجية زخما في مناطق مثل واد مدني
البعيدة عن العاصمة الخرطوم.
ويقول مجدي عكاشة الناشط الذي يقود حركة شباب من أجل التغيير التي
نظمت احتجاجات مناهضة للحكومة عبر موقع فيسبوك لكنها لم تستمر طويلا
انه يجب أن تبدأ اي انتفاضة في السودان من مناطق مثل واد مدني قبل أن
تصل الى الخرطوم.
وأضاف أن الجهاز الامني في الخرطوم ضخم وهناك الكثير من رجال الامن
بحيث يصعب في بعض الاحيان التفرقة بين المحتجين ورجال الامن الذين
يرتدون ملابس مدنية.
وأدى انتشار قوات الامن الكثيف والاعتقالات الاستباقية الى فشل
الاحتجاجات التي بدأ تنظيمها على موقع فيسبوك في الخرطوم. غير أنه في
واد مدني تجمع نحو 250 محتجا في السوق الرئيسية قبل أن تفرق الشرطة
المظاهرة.
ويقول النشطاء الذين يواجهون لامبالاة من النخبة الحضرية في الخرطوم
ان الرأي العام في صالحهم في مناطق مثل واد مدني والتي طالما كانت
قاعدة دعم قوية للحزب القومي الديمقراطي وحزب الامة وهما حزبان معارضان
وحيث أذكت المشاكل الزراعية مشاعر خيبة الامل.
يقول محمد علي مصطفى (26 عاما) وهو طالب جامعي في واد مدني انه
انجذب للاحتجاجات بعد فصل والده الذي كان يعمل كامين مخزن في مشروع
الجزيرة ووالدته الموظفة التي تعمل على الالة الكاتبة من عملهما في
نوفمبر تشرين الثاني 2009 .
وقال مصطفى الذي حشد الدعم لاحتجاج 21 مارس من خلال توزيع المنشورات
مستعينا بدراجته النارية ليلا "أشعر بالقلق من الا أجد عملا حين أتخرج."
وأضاف "اعانة البطالة التي تحصل عليها أسرتي وتبلغ 350 جنيها سودانيا
(117 دولارا) في الشهر لا تكفي لتغطية نفقات المعيشة."
كبد الجمل النيء.. فطور الابطال
من جهة أخرى قد لا تكون قطع كبد نيء انتزع من جمل ذبح للتو افطارا
شهيا لكثيرين لكن البعض في شمال السودان يرى أن هذه أفضل وسيلة لبدء
اليوم بل ويعتبرونه فطور الابطال. وفي قرية تمبول ذات المساكن المنخفضة
المبنية بالطين والحجارة فان سوق الجمال هي المكان الذي يتجمع فيه عشاق
الكبد النيء لاشباع شهيتهم من الطعام المحلي أسبوعيا.
ومع طلوع فجر يوم السبت وقف مبارك محمد أحمد (57 عاما) على جانب
الطريق السريع القادم من الخرطوم في انتظار سيارة تقله الى السوق لعله
يحظى بافطار شهي بكبد نيء.
ومثل كثيرين غيره في المنطقة يقسم أحمد أن الوجبة لها فوائد صحية
عديدة رغم أن بعض تلك المزاعم قد تكون محل جدل على أفضل تقدير.
وقال أحمد "اذا أكلت الكبد يمكنني البقاء في الشمس لفترة طويلة دون
الشعور بالتعب." وسيكون هذا أقرب الى معجزة تحت شمس السودان الحارقة.
وأضاف "انه يمنحني كثيرا من الطاقة ويحسن مزاجي."
وفي كوخ صغير ذي حوائط خضراء وبه بضعة مقاعد بلاستيكية تغسل مريم
بخيت قطعة كبيرة من الكبد قبل أن تضعها سريعا في اناء مع قليل من
الليمون وشرائح البصل وصلصة الفول السوداني.
قالت مريم وهي تعرض الطبق مع الفلفل الحار والليمون "الافضل ألا
يغسل الكبد.. لكن ان كان ولا بد.. ينبغي غسله مرة واحدة حتى تحصل على
أكبر فوائد ممكنة." ويؤكل الكبد مباشرة بأصابع اليد دون استخدام أدوات
المائدة.
وقال عبد الله عبد المحمود (45 عاما) وهو يقضم قطعة في كوخ مريم "طعمه
رائع.. انه وجبتي المفضلة." ويقول عشاق الكبد النيء ان السبب في مذاقها
اللذيذ هو كونها طازجة. وفي الحقيقة يبدأ الانتظار في الساحة المفتوحة
حيث يتم جلب الابل للذبح مع طلوع الفجر.
ويمكن أن يكون المشهد مروعا بالنسبة لمن لم يجربوا من قبل حيث يبدأ
قصاب بملابس مخضبة بالدم سلخ الذبيحة وبجواره عنقها المفصولة وفي غضون
لحظات يتم تقطيع الارجل وغيرها من أجزاء الجمل.
وعندما يتوقف سكين القصاب يكون كل ما يتركه هو بقعة دماء على الارض
وكومة مصنفة من الامعاء والاعضاء واللحم على عربة خشبية يجرها حمار.
وقال عبد العظيم علي (50 عاما) بينما كان يشاهد ذبح جمل "اكل الكبد
النيء منذ ولدت.. تماما مثل أبي وجدي من قبلي."
ومع اخراج الكبد من الجمل المذبوح ووضعه على العربة الخشبية أخذ
مالكها أحمد محمد قطعة وقذفها في فمه غير مكترث بالدماء التي لا تزال
تتساقط منه.
وقال محمد وهو يبتسم ابتسامة عريضة حاملا سكينا مخضبا بالدم "لا
داعي لطبخه لان الطبخ يجعله صلبا كالحجر." وأضاف "بعض الناس يقلبونه مع
قليل من الزيت على النار لكنه أفضل كثيرا بهذه الطريقة. عندما يخرج
الكبد من الجمل .. يكون لا يزال ساخنا في يدك ولذيذ."
ورغم أن المحليين ينظرون الى الكبد النيء على أنه صحي وبلا اضرار
وثقت دراسة مشتركة بين المراكز الامريكية لمكافحة الامراض ووزارة الصحة
السعودية في 2005 حالات اصابة بالطاعون في قرية سعودية نائية بسبب
تناول أكباد ابل نيئة مصابة.
وعندما قيل ذلك لمحمد سخر من الفكرة. وقال "لم أمرض قط من أكل هذا.
الكبد صحي للغاية .. انه مثل تناول الدواء." |