
شبكة النبأ: ما يقرب العام والربيع
العربي المتمثل بالثورات والانتفاضات تعم المنطقة العربية، صفارة البدء
التي أطلقها التونسي (بوعزيزي) المتمثلة بحرق نفسه احتجاجا على تردي
الوضع المعيشي والخدمي وانتشار البطالة والفساد وسوء إدارة الدولة كانت
بداية بطولة التغيير السياسي العربي.
هذه الدورة يبدو أن الأطراف المشتركة فيها (الشعوب والحكومات) وان
كانت غير متدربة لها بشكل كاف، لكنها سرعان ما شكلت مراحل تسابقيه
متنوعة فمن العصيان المدني الى التظاهرات الى الإضرابات, فيما وصل
بعضها الى مراحل نهائية باستخدام السلاح، قبال ذلك فان الحكومات هي
الأخرى تنوعت بطريقة التعاطي مع الحالة فمنها من اتهم المتظاهرين
بالعمالة للأجنبي واستخدم بحقهم قانون الطوارئ سيئ الصيت ومنها من
استخدم (بلطجياته) فيما استخدمت الأخرى قوات خارجية لقمع هذه الحركات
في ظاهرة هي الأولى من نوعها في المنطقة تقريبا.
المشكلة لدى الحكومات اليوم ليس في من ينزل للشارع رغم ثقله وتهديده
للسلطة الحاكمة، المشكلة الحقيقية تكمن بالمصدر المحرك والمقلق
باستمرار لهذه التظاهرات والانتفاضات، فحركات المعارضة التي تنتهج شتى
الطرق سواء السلمية او العسكرية في العهود السابقة كان اغلبها يقع خارج
حدود البلاد الخاضعة لهذه السلطة او تلك، أما اليوم وبوجود شبكة
التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) فقد أصبحت المشكلة متفاقمة لهذه
الحكومات، فالمعارضة في عصرنا قد تكون على بعد أمتار من القصر الرئاسي
وهي تخطط لقيادة المعارضة في الشارع، والسلطة لا تستطيع دفع هذا الخطر
الداهم لها وان حاولت بشتى الطرق تضييق الخناق على وسائل الاتصال او
مراقبتها إلا إنها تبقى حلول ترقيعية لا تجدي نفعا.
انه زمن الفيس بوك (وجهة الكتاب) الذي اظهر الوجه الحقيقي للحكومات
الشرق أوسطية عموما والعربية خصوصا، بعد أن بقيت تجمل بوجهها قرون
عديدة أمام أنظار العالم الخارجي وتعزل مجتمعاتها في زاوية ميتة.
هذه النقلة النوعية المتطورة في التعاطي مع الحياة سببت إرباكا
كبيرا لهذه الحكومات السلطوية كونها تتعاطى بعقلية السلطة المنغلقة
والفكر الضيق ولو أنها أخذتها برحابة صدر وتعاملت معها كونها شي بديهي
في زمن العولمة والحداثة لكان سببا لتقويتها وتنمية قدراتها في إدارة
ألأمور .
تحجر الحكومات وإصرارها على نهج صم الآذان وغلق العيون لن يجدي نفعا
في وقت أصبح الرافضون فيه للتغيير بحكم الميتون, فالعالم اليوم ينظر
لكل نقطة من أكثر من زاوية، ولعل شبكات الانترنت جعلت من أسرار الدول
شيء أشبه بالمستحيل إخفائه، والحكومات أكثر من غيرها بحاجة لقناعة
جديدة ترتكز على إن زمن تشويه الحقائق وتكميم الأفواه أصبح شي من
الماضي، ومن يستعمل سلاح القرون الوسطى لتثبيت نفسه قبال أسلحة التطور
الالكتروني إنما يحاول حفر بئر بإبره.
تشكيل الحكومات وسياستها قد ارتكزت سابقا على عدة عوامل منها
الداخلية والخارجية، مضافا لها وضع شعوبها وقدراتها المالية والعسكرية
وبعض الجوانب الأخرى، أما اليوم أصبح هنالك حقيقة لابد من التعامل
والتعاطي معها وهي شبكات التواصل الاجتماعي وشبكة المعلومات الدولية
عموما فهي عنصر جديد ومؤثر لابد من إدخاله في معادلة السياسات القادمة
كي تكون الدول الخاملة جزءا من العالم المتحضر.
هذا التعاطي لا ينحصر في إنشاء الحكومات الالكترونية او التراسل
البريدي وإنما يرتكز أولا على استخدام هذا العنصر (الانترنت) لفهم
طريقة تفكير الشعوب وتلمس احتياجاتها المعنوية والنفسية وسماع الصرخات
والاستجابة بشكل يتماشى مع واقع الشارع بطريقة تنم عن حياة كريمة
للإنسان، و أن تصبح الحكومات جزء من منظومة المجتمع المدني وصفحة من
صفحات التواصل الاجتماعي، ولا يتطلب منها الكثير من اجل ذلك فمجرد
قناعتها بهذه المواقع كجزء من الدولة الحديثة والمدنية تكون قد
استخدمتها الاستخدام الأمثل، وخلاف ذلك فان مصيرها كمصير سابقاتها من
المتحجرين، اذا بقيت أسيرة قصور عالية الجدران خاوية العروش .
او كما يقول (هوارد غاردنر) في كتابه (خمسة عقول من أجل المستقبل)
(... مع الإقرار بان المرء لا يمكنه في هذه الأيام أن يظل بعد الآن
حبيس قوقعته او مسقط رأسه وموطنه، فان العقل المحترم يلاحظ ويرحب
بالفروق بين الأفراد وبين الجماعات من البشر، ويحاول ان يتفهم هؤلاء
الآخرين ويسعى للعمل معهم بفاعلية، وفي عالم نحن جميعا فيه مترابطون
فيما بيننا فان عدم التسامح او عدم الاحترام لم يعد خيارا قابلا
للتطبيق..).
وعلى ما تقدم إننا بحاجة لحكومات ترى نفسها من خلال الشارع لا من
خلال إعلامها او مرتزقتها ولعل الأمر قد سهل عليها الآن كثيرا فكل
حكومة تريد ان تسير بنجاح فلتنظر الى ما يقال عنها في الانترنت ومواقع
التواصل الاجتماعي لتعرف صورتها الحقيقة كوننا في زمن حكومات... (الفيس
بوك). |