مُعِلمْ الناسِ ومُعلِمْ النَفس.!

صَادق الصَافي

أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم – قرآن كريم

 

قال أعرابي لأبنه.. أُسكتْ يا أبن الامة.!! يعيره

فقال أبنه.. والله اِنها لأعذر منك، لأنها لم ترض ألا حرا.!!

توصف قلوب العباد على أنها بين أصبعين، يقلبها الخالق كيف يشاء... دليل ضعف البشر.! وتبقى الحياة مستمرة لاتتوقف على أحد مهما بلغ الأبهة والهيبة.! أما التعامل مع الناس فأنه من أصعب الفنون- كون البشر يتشابهون في كثير من الصفات والاهتمامات، ويختلفون في صفات واهتمامات أخرى- وأن رضى الناس غاية لا تدرك- وفي السلطة والجاه والثروة وعند الشدائد يحدث الاختبار الحقيقي لأخلاقيات البشر.!

 فالنفس الشريفة تميل نحو العمل والخير والعلم، وتراعي النزاهة، وتحتمل الضرر جهد ما احتملت.؟ والنفس فيها ميول الى الشر، فأذا لم تعودها على الحق.. عودتك على الباطل.؟ والحكام في بلداننا بمختلف تسمياتهم – ملوك - أمراء- رؤساء – هم بشر مثلنا، الغالب عليهم ربما سلبت من قلوبهم الخير و الرحمة، فصارت قلوبهم مظلمة سقيمة، أخلى من جوف بعير.!! نصحهم الواعظون.... لكنهم لا يجيدون القول ولا يحسنون صنعاً.؟

ياأَيُّها الرَّجلُ المُعلمُ غَيرهُ...... هلّا لنفسِكَ كان ذا التعليمُ.؟

يذكر أن رجلاً شتم أبا ذرْ- فقال له أبا ذرْ.. ياهذا لاتُغِرق في شتمنا، ودع للصلح موضعاً، فأِنا لانكافئ من عصى الله فينا، بأكثر من أن نطيع الله فيه.!

قال دَشَليمُ الملكُ لـ بيديا الفيلسوف، كما جاء في كتاب كليلة ودمنه.

أضرب لي مثلاً في شأنِ الرجلِ الذي يرى لغيره ولايراه لنفسه.!

قالَ الفيلسوفُ-أَنَّ مَثَل ذلك مَثَلُ الحمامةِ والثعلبِ ومالك الحزينِ.. قالَ الملكُ.. ومَا مثلهنَّ.؟

قال الفيلسوف – كانت حمامة تعمل عشها على رأس نخلة طويلة في عنان السماء.. لايمكنها من عمل العش اِلا بمعاناة وشدة وتعب لطول النخلة.! وكانت اذا فرغت من نقل العش، باضت، ثم حضنت بيضها؟ فاذا فقس البيض وأدرك فراخها.! جاءها ثعلب عند نهوض فراخها، فيقف أسفل النخلة فيصيح بها ويتوعدها أن يصعد اليها أن لم تلقي اليه أحد صغارها.. فتخاف الحمامة فتلقيه اليه فيأكله.؟ فبينما هي ذات يوم وقد كبر فراخها اذ أقبل مالك الحزين، فصار على جذع النخلة، فلما رأى الحمامة كئيبة حزينة شديدة الهم.! قال لها.. مالي أراك كاسفة البال، سيئة الحال.؟ فقالت له.. يامالك الحزين.. أن ثعلباً ابتليت به، فكلما جاء لي فراخ، جاء لي يتهددني ويتوعدني، ويصيح من تحت النخلة، فأخاف منه، فأطرح له أحد فراخي.! قال لها مالك الحزين.. نصيحتي لك.. أذا أتاك الثعلب فقولي له، لا ألقي اليك فرخي، فأعمل ما بجهدك، فأنك تغرر بنفسك.؟ حتى لو صعدت النخلة فأني أطير وأنجو بنفسي.؟ فلما علمها مالك الحزين هذه الحيلة، طار وأستقر على شاطئ النهر، وأقبل الثعلب في الوقت الذي عرف أن مالك الحزين علمها الحيلة.؟ وكان الثعلب غاضباً من مالك الحزين يريد به المكيدة والانتقام.؟ فتوجه الى مالك الحزين الى شاطئ النهر وكان واقفاً.. فقال له الثعلب..

يامالك الحزين.. اذا أتتك الريح عن يمينك، فأين تجعل رأسك.؟ قال- عن شمالي..

قال له.. فاذا أتتك الريح عن شمالك.. أين تجعل رأسك.؟ فقال- عن يميني أو خلفي

قال فأذا أتتك الريح من كل اتجاه ومن كل ناحية.. فأين تجعل رأسك.؟ قال أجعله تحت جناحيّ.؟ قال وكيف تستطيع أن تجعله تحت جناحك.! فأنا لا أصدق ذلك.؟ قال بلى –

 قال أرني كيف تصنع، فلعمري يامعشر الطير، لقد فضلكم الله علينا.! أنكن تدرين في ساعة واحدة مثل ماندري في سنه! وتبلغن ما لانبلغ وتدخلن رؤوسكن تحت أجنحتكن من البرد والريح؟ فهنيئاً لكن.. فأرني كيف تصنع.؟

فأدخل الطائر رأسه تحت جناحه.؟ فوثب عليه الثعلب وأمسك بعنقه.! ثم قال له – تعطي النصائح للحمامة.. وتعلمها الحيلة لتحمي نفسها.! وتنسى أن تعطي النصيحة لنفسك.! ثم فتك به الثعلب وأكله.؟...

 وهكذا حال حكام بلداننا.. ينصحون الناس وينسون أنفسهم.. فسقطوا وسيسقطون.!!

كتب الشاعر أحمد مطر عن الحاكم الصالح.. فأجاد........

وصفّوا لي حاكماّ،.. لم يقترف، منذ زمان، فتنة أو مذبحة.! لم يكذب، لم يخن، لم يطلق النار على من ذمّه.. لم ينثر المال على مدحه.؟ لم يضع فوق فم دبابة، لم يزدرع تحت ضمير كاسحه.!

لم يضطرب، لم يختبئ من شعبه.. خلف جبال الأسلحة.؟

هو شعبيّ، ومأواه بسيط، مثل مأوى الطبقات الكادحة.؟

زرت مأواه البسيط البارحة، وقرأت الفاتحة..؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/تموز/2011 - 3/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م