مصر والإسلاميين... خارطة التحالفات السياسية القادمة

 

شبكة النبأ: جاء الإعلان في 22 حزيران/يونيو عن انشقاق جناح من الشباب في جماعة «الإخوان المسلمين» المصرية لكي يشكل حزبا علمانيا خاصا به بمثابة دلالة على النشاط السياسي غير المسبوق في مصر ما بعد مبارك.

وقد شهد 21 حزيران/يونيو انعقاد الاجتماعي الثاني لـ "التحالف الوطني الديمقراطي" من أجل مصر، مع موافقة أربعة عشر حزباً صغيراً على الانضمام إلى مؤسسي التحالف، وهما "حزب الحرية والعدالة" الذي أسسته مؤخراً جماعة «الإخوان المسلمين» و"حزب الوفد" الليبرالي.

وعلى الرغم من أن التحالف لا يمكن أن يستمر في شكله الحالي، إلا أن مجرد وجوده يشير إلى قيام اتجاهين مزعجين في السياسات المصرية: أولاً، تتفاوض الأحزاب على توزيع المرشحين لتحديد نتائج الانتخابات مسبقاً، وثانياً، تعمل وجهات نظر السياسة الخارجية المناهضة للغرب على توحيد الأحزاب ذات وجهات النظر المتباينة بشكل كبير حول القضايا المحلية.

خيمة كبيرة حول أعمدة مهتزة

يرى إيريك تراغر، وهو مرشح للدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، حيث يكتب أطروحته عن أحزاب المعارضة المصرية. وقد أجرى عملاً ميدانياً أثناء ثورة كانون الثاني/يناير 2011 المناهضة لمبارك، إن الأحزاب التي انضمت إلى التحالف تشمل طيفاً متنوعاً من الأيديولوجيات السياسية المصرية. فبالإضافة إلى "الوفد" و"حزب الحرية والعدالة"، يضم أعضاء التحالف حزبي "الغد" و"مصر الحرية"، و"حزب التجمع" اليساري، وحزبي "الناصري" و"الكرامة" القوميين، و"حزب النور السلفي"، و"حزب العدالة" الوسطي، من بين أحزاب أخرى.

حيث يشير ايريك في تحليله المنشور في موقع واشنطن لدراسات الشر الأدنى الى  تحمل العديد من هذه الفصائل وجهات نظر متباينة بشكل واسع جداً حول دور الدين في السياسة. فـ "حزب الحرية والعدالة" يرغب في إقامة دولة إسلامية تكون قوانينها مستمدة من الشريعة الإسلامية، بينما يسعى "حزب النور" إلى نسخة أكثر تشدداً من ذلك النظام القانوني. وبدلاً من ذلك، تؤيد الجماعات الليبرالية والقومية واليسارية جميعاً "الدولة المدنية" المحايدة دينياً.

ويضيف، من جانبه روّج "حزب الوفد" منذ فترة طويلة نحو المساواة بين المسلمين والأقباط، وانشق بعض أعضاء الحزب بسبب تحالفه مع جماعة «الإخوان المسلمين». وفي الوقت الراهن، يتفوق تكتل "الوفد" بقيادة رئيسه السيد البدوي، والذي يُعتبر ودوداً نسبياً تجاه الإسلاميين، على التكتل الأكثر علمانية المتحالف مع رئيس الحزب السابق محمود أباظة. بيد، تعهد أولئك الذين يعارضون التعاون مع جماعة «الإخوان المسلمين» على مواصلة القتال.

ويتابع، كما أظهر التحالف خلافات قوية حول صيغة الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في أيلول/سبتمبر. فـ "حزب الحرية والعدالة"، الذي سيعتمد على القدرات التنظيمية المتقدمة لـ جماعة «الإخوان المسلمين»، يُفضل الصيغة الحالية التي يُنتخب فيها اثنان من أعضاء البرلمان من كل دائرة انتخابية من دوائر البلاد البالغ عددها 222. (إن انشقاق "حزب الشباب" المذكور سابقاً لن يقوض بشكل كبير من القدرات التعبوية لـ جماعة «الإخوان المسلمين» على المدى القصير؛ فالفصيل الجديد يبعد نفسه بشكل واضح عن حزبه الرئيسي السابق ولذلك فمن غير المرجح أن يعرقل شبكات العلاقات الشخصية الشاسعة لـ جماعة «الإخوان المسلمين» قبل أيلول/سبتمبر). وليس من المدهش أن الأحزاب الأصغر - بما في ذلك "الغد" و"الوفد" - تطالب بتمثيل تناسبي، من شأنه أن يمكنها من الترشح اعتماداً على الاعتراف بالسمعة الوطنية لأحزابها دون أن تقلق حول قدراتها التنظيمية المحلية المحدودة.

وينوه ايريك، كما يختلف أعضاء التحالف حول ما إذا كانت صياغة الدستور ينبغي أن تسبق إجراء الانتخابات. فالأحزاب الإسلامية ترى أن إجراء الانتخابات مسبقاً سوف يحقق لها انتصارات أكبر ويعزز من نفوذها فيما يتعلق بصياغة الدستور الجديد. وعلى النقيض من ذلك، تصر الأحزاب الليبرالية واليسارية على أنها بحاجة إلى المزيد من الوقت لكي تنظم أنفسها بفعالية وجادلت بأنه لا يمكن إجراء انتخابات دون [قيام] دستور جديد - أو على الأقل مجموعة من التعديلات - يحكم العملية الانتخابية.

إن هذه المصادر التي تؤدي إلى حدوث توترات تجعل التحالف غير قابل للاستمرارية. فلماذا إذن يضغط أعضاء التحالف نحو المضي قدماً على أي حال؟

تقويض المنافسة الديمقراطية

ويؤكد ايريك، تتعاون الأحزاب المتباعدة داخل التحالف بغية تحقيق هدف واحد ألا وهو: تنسيق الترشيحات في أيلول/سبتمبر من أجل ضمان الفوز. وقد عبر عن ذلك زعيم "حزب الحرية والعدالة" عصام العريان بقوله "إن وجود هذا الإئتلاف سيحدد نتيجة الانتخابات". ويأمل مختلف أعضاء التحالف في الوصول إلى اتفاق لضمان دخولهم إلى البرلمان القادم، والذي من المرجح أن تُعهد إليه مهمة صياغة الدستور الجديد.

ويتابع، إن استمرار نظام التصويت القائم على الدوائر الانتخابية هو السيناريو الأكثر احتمالاً: فـ "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" الحاكم في البلاد يفضل بقوة إجراء الانتخابات عاجلاً وليس آجلاً، ومن المرجح أن تؤدي إعادة الهيكلة الكبيرة للنظام الانتخابي إلى تأخير العملية الانتقالية. ومع ذلك يبدو أن الإئتلاف عازماً على استغلال هذا الترتيب - فإذا وافقت أحزاب التحالف على الترشح في دوائر محددة مقابل عدم الترشح في أخرى، تمنع بذلك المصوتين من فرصة الاختيار من بين العديد من الأحزاب ذات أيديولوجيات متباينة.

والأمر الأكثر أهمية هو أن التنسيق الانتخابي القائم على الدوائر الانتخابية سوف يصب بقوة في صالح جماعة «الإخوان المسلمين». وكونها القوة السياسية الوحيدة التي تتمتع بقدرات تعبوية هائلة على نطاق البلاد، سيكون بوسع جماعة «الإخوان» تعزيز خطتها للدفع بمرشحين من "حزب الحرية والعدالة" في 49 بالمائة من جميع الدوائر الانتخابية. وبفضل ذلك التحالف، ستواجه جماعة «الإخوان» منافسة أقل في كل دائرة من تلك الدوائر الانتخابية. وعلاوة على ذلك، ونظراً لأن الأحزاب الأصغر في الإئتلاف ستكون مدينة بنجاحها على نحو كبير إلى مساعدة جماعة «الإخوان المسلمين»، فمن المرجح أن يتجاوز النفوذ البرلماني الفعلي لـ «الجماعة» عدد المقاعد التي تفوز بها فعلياً.

ويرى اريك ايضا انه على نحو مماثل، كانت أحزاب المعارضة في ظل نظام مبارك تعمد على التنسيق مع "الحزب الوطني الديمقراطي" الحاكم.ولقد كان أعضاء المعارضة القلائل الذين فازوا بمقاعد برلمانية يدينون عادة بفوزهم إلى صفقات عقدوها مع "الحزب الوطني الديمقراطي" وبالتالي فإنهم نادراً ما عارضوا النظام بأي طرق ذات مغزى. وإذا قامت أحزاب المعارضة نفسها الآن بعقد صفقات مع جماعة «الإخوان المسلمين»، فسوف تكون النتيجة قيام نظام برلماني غير تنافسي نسبياً يهيمن عليه الإسلاميون.

عبارات مهدّئة غامضة ومعارضة للغرب

كما يؤكد ايريك، سوف يعمل التنوع الأيديولوجي والاستراتيجي للأحزاب الأعضاء في التحالف على تعقيد الجهود الرامية إلى خلق رؤية موحدة للمضي قدماً. بيد أنه عقب اجتماعه في 21 حزيران/يونيو، أصدر التحالف بياناً لمّح فيه إلى مجالات قائم حولها توافق واسع النطاق. وعلى الجانب الأكبر، ضم البيان عبارات مهدّئة غامضة بشأن "المواطنة كأساس لضمان الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع" و"انتقال السلطة من خلال انتخابات عامة وحرة ونزيهة". وقد تم التغاضي عن القضايا الأكثر مركزية وإثارة للانقسامات التي تؤثر على المستقبل السياسي لمصر ألا وهي: دور الدين في الدولة ومصادر القانون المصري ودور الدولة التاريخي في تنظيم الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.

ويستشهد، في الواقع جاء بيان يوم الثلاثاء محدداً في مجال واحد فقط. ففيما يتعلق بالسياسة الخارجية، أعلن التحالف أنه يهدف إلى "فتح حوار استراتيجي مع إيران وتركيا بشأن مستقبل النظام ومراجعة عملية التسوية [أي اتفاقية السلام] مع إسرائيل، على أساس أنه ليس سلاماً فعلياً في ضوء الاعتداء الظالم وانتهاك حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره". وقد اتفق أعضاء التحالف بصفة أساسية على الاقتراب من الخصم الإقليمي لواشنطن مع التشهير باتفاقات كامب ديفيد، والتي يمكن القول إنها أكبر نجاح لسياسة واشنطن في الشرق الأوسط.

ويشير، إن مثل هذه التصريحات تعكس وجهات النظر التي دأبت جماعة «الإخوان» على تكرارها، والتي تظهر السهولة التي يمكن أن تستميل بها «الجماعة» الأحزاب الأصغر التي قبلت بتلك الاتفاقات من قبل - مثل "حزب الغد" - وذلك مقابل مشاركة محتملة في السلطة. وسواء كان هذا التحالف سيتغلب على خلافاته الداخلية أم لا، ينبغي على واشنطن أن تأخذ على محمل الجد وجهات نظره الخاصة بالسياسة الخارجية، لأنها تمثل الجانب محل الإجماع بين أحزاب هي بالأحرى غير متشابهة. ولا شك أن "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" يتعامل معها بجدية، وحتى إنه ينفذ بعضاً من وجهات النظر هذه لإسترضاء القوى السياسية المخولة حديثاً - فقد سمحت القاهرة منذ الإطاحة بمبارك بمرور سفن حربية إيرانية عبر قناة السويس وعجزت عن توفير حماية كافية لخطوط الأنابيب التي تضخ الغاز إلى إسرائيل والأردن، ودعمت المقاربة بين حركتي «حماس» و «فتح».

الخيارات الأمريكية

ويخلص ايريك في تحليله، بما أنه من المرجح أن يكون "التحالف الديمقراطي الوطني" من أجل مصر لاعباً مؤقتاً آخر في العملية الانتقالية للدولة، فلا يوجد لدى صناع السياسة الأمريكيين سبب قوي للانخراط معه في الوقت الحاضر. ولكن نظراً إلى وجود احتمال بأن تواصل بعض الأحزاب الأعضاء بذلك التحالف تعاونها مع جماعة «الإخوان المسلمين»، يتعين على واشنطن أن تكون مستعدة لقيام برلمان يتجاوز فيه النفوذ الفعلي لـ جماعة «الإخوان» عدد المقاعد التي ستحصل عليها - وهي سلطة جديدة سوف تستخدمها الجماعة دون شك لدفع السياسة الخارجية المصرية بعيداً عن المصالح الأمريكية.

ويرى، في المرحلة اللاحقة، ينبغي على صناع السياسة الأمريكية أن يؤكدوا أن الديمقراطية تتطلب منافسة فعلية، وأن محاولات الحد من خيارات المصوتين من خلال عقد صفقات وراء الكواليس من شأنها فقط أن تحيي الممارسات الفاسدة التي سعى متظاهرو "ميدان التحرير" إلى إنهائها. يتعين على واشنطن أيضاً أن تساعد على تدريب الليبراليين المصريين للمنافسة بشكل أفضل سياسياً، إلى جانب دعم جهود إنشاء تحالفات فعالة بين الفصائل الليبرالية. ومن المرجح أن تقل احتمالية خضوع تلك الأحزاب لسيطرة جماعة «الإخوان المسلمين» إذا رأت أن أمامها فرصة أفضل للنجاح في الانتخابات بمفردها.

ويختتم قائلا، أخيراً ينبغي على صناع السياسات الأمريكية أن يظهروا لـ "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" أنه قد يواجه ضغطاً أقل لو أنه تنازل لصالح الليبراليين واليساريين حول المطالب السياسية الداخلية - مثل إرجاء الانتخابات - بدلاً من الإذعان للإسلاميين حول السياسة الخارجية. من المفهوم أن المجلس الحاكم يساوره القلق من أن يصبح الهدف التالي للاحتجاجات الجماهيرية. وبناءاً على ذلك، يجب على واشنطن أن تذكّر القاهرة بأن النشطاء الليبراليين واليساريين هم الذين كانوا العامل المحفز لاحتجاجات كانون الثاني/يناير الثورية، وليس الإسلاميين.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/تموز/2011 - 2/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م