إيران والعقوبات الغربية... سيناريو غير منتهي

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: لم تدخل الولايات المتحدة او الاتحاد الأوربي جهدا في سبيل تركيع إيران وإخضاعها لما يعتبره الغرب الارادة الدولية الساعية الى الحفاظ على الامن والسلم العالمي كما يزعم، حيث شملت العقوبات المستمرة التي تطلقها تلك الدول إزاء طهران مختلف الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية طبعا، الا ان ذلك لم يثمر عن نتائج ملموسة بحسب المراقبين، سيما ان الأخيرة تصر على مواقفها دون إبداء أي مرونة تذكر. وصعد الغرب مؤخرا موقفه بعد تبني عدة قرارات قد تكون مؤثرة، وان كان تأثيرها معنويا اكثر مما قد يبدو اقتصاديا.

حرب نفسية

فقد قالت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية إن طهران اتهمت واشنطن بشن "حرب نفسية" ضدها بعد أن أضافت وزارة الخزانة الأمريكية بنكا حكوميا إيرانيا إلى قائمتها بالشركات المحظور التعامل معها.

ونقلت الوكالة عن وزير الاقتصاد شمس الدين حسيني قوله "يحاول الامريكيون المبالغة من خلال استخدام الاعلام كأداة للدعاية... انها مجرد حرب نفسية وعلى الاعلام ألا يلتفت لمثل تلك الامور." ومضى يقول "منذ انتصار الثورة الاسلامية عام 1979 حاولت كل الحكومات الامريكية فرض ارادتها المتعجرفة من خلال وسائل مختلفة لكنها فشلت جميعا."

وفرض مجلس الامن التابع للامم المتحدة عقوبات على طهران لرفضها تجميد برنامج تخصيب اليورانيوم الذي تشتبهه قوى غربية أن الهدف منه انتاج سلاح نووي. وتنفي ايران هذه المزاعم وتقول ان برنامجها النووي مخصص للاغراض السلمية.

وقد اعلنت الولايات المتحدة تعزيز عقوباتها على شركة الخطوط الجوية الايرانية الوطنية "ايران اير"، محظرة على الشركات والرعايا الاميركيين تقديم الخدمات لها او استعمال خدماتها. وجاء الاعلان عن هذه العقوبات في بيان لوزارة الخزانة التي قالت ان سببها يعود الى ان "ايران اير نقلت (منذ 2006) معدات عسكرية لحساب الحرس الثوري في الجمهورية الاسلامية".

واضافت الوزارة "انه تم نقل قذائف او صورايخ على متن رحلات لنقل الركاب قامت بها ايران اير، وان الضباط في الحرس الثوري يراقبون احيانا رحلات ايران اير التي تنقل بضائع مخصصة للحرس الثوري".

وشركة ايران اير تخضع منذ 1995 لحظر اميركي يمنع اي عملية بيع طائرات ايرباص او بوينغ وقطع غيار لصيانة اسطولها. وقد اصبح اسطول الشركة الايرانية من الاقدم في العالم. وتواجه طائرات شركة الخطوط الجوية الايرانية صعوبات لجهة التزود بالمحروقات خارج بلادها.

وتوقفت كبرى شركات الطيران الغربية تدريجيا منذ الخريف عن تزويد الطائرات الايرانية بالمحروقات في المطارات الاوروبية نتيجة تعزيز العقوبات الاقتصادية والسياسية للاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة ضد طهران.

وتقوم شركة ايران اير بتسيير رحلات الى 35 وجهة دولية في اسيا واوروبا مع اسطول من نحو اربعين طائرة. وفي تموز/يوليو 2010، حظر الاتحاد الاوروبي على اكثر من نصف اسطول الشركة عبور اجوائه لاسباب امنية.

فيما اعتبرت الشركة العامة الايرانية للملاحة البحرية ان قرار الولايات المتحدة بملاحقتها وخمسة من رؤسائها او فروعها وعشر مؤسسات مرتبطة بها لاتهامهم بمحاولة الالتفاف على العقوبات الاميركية المفروضة على ايران، هو تدبير "ظالم".

وجاء في بيان للشركة على موقعها الالكتروني ان "القرار الاميركي ظالم ويتعارض مع القانون والمعايير الدولية" منددا باجراء يهدف الى "الحاق الاذى باقتصاد البلد واعاقة عمليات الاستيراد والتصدير".

معاقبة البنوك

على الصعيد ذاته قال مسؤول كبير بوزارة الخزانة الامريكية ان الوزارة تقترب من اتخاذ قرار بشأن ما اذا كانت ستضيف الى قائمتها السوداء مزيدا من البنوك الاجنبية التي تتجاهل فيما يبدو العقوبات على ايران ومن بينها مؤسسة في تركيا.

وابلغ ديفيد كوهين المرشح لمنصب وكيل وزارة الخزانة لشؤون الارهاب والجرائم المالية جلسة لمجلس الشيوخ لتأكيد ترشيحه انه سيطبق بقوة قانون العقوبات الشاملة على ايران. وحتى الان لم تفرض عقوبات على بنوك خارج ايران بموجب هذا القانون.

ويلزم القانون الذي يهدف الى كبح البرنامج النووي الايراني البنوك بالاختيار بين التعامل مع النظام المالي الذي تقوده الولايات المتحدة او التعامل مع ايران.

وقال كوهين ان القانون يردع بنوك اجنبية كثيرة عن التعامل مع المؤسسات الايرانية المدرجة على القائمة السوداء لكن البعض ما زال يتعامل والخزانة تركز الجهد على معرفتها.

وقال كوهين لجلسة اللجنة المصرفية لمجلس الشيوخ بشأن ترشيحه "خيارنا الاول هو اقناعها بالتوقف. وخيارنا الثاني هو تطبيق العقوبات. ودون الخوض في تفاصيل اي تحقيق بعينه فنحن نقترب من اتخاذ قرار بشأن عدد من المؤسسات."

وقال السناتور روبرت ميننديز الديمقراطي عن نيوجيرزي انه قلق من أن وزارة الخزانة لم تنفذ القانون بدرجة كافية بما في ذلك بين البنوك في تركيا التي تربطها بايران روابط أعمال عميقة.

وقال ميننديز متسائلا "افهم انه توجد مؤسسات مالية تركية تجري معاملات في الوقت الحالي مع بنك ايراني معين. فهل نحن مستعدون لمعاقبتها."

ورفض كوهين التعقيب على اي اجراء معين يجري دراسته. ولكنه قال "نحن ملتزمون بتنفيذ القانون. لدينا مؤسسة مالية (في تركيا) لا تستجيب لمبادراتنا وهي منخرطة في نشاط يعاقب عليه قانون العقوبات الشاملة على ايران. سنواصل ذلك بقوة شديدة."

وسافر كوهين الى اسطنبول الاسبوع الماضي لحث المؤسسات المالية التركية ومسؤولي الحكومة على تطبيق عقوبات الامم المتحدة وحضها على قطع العلاقات مع بنك ملت ايران وهو أحد البنوك المملوكة للدولة التي وضعتها الخزانة من قبل في قائمتها السوداء.

ولاحظ كوهين ان قانون العقوبات جعل البنوك في تركيا اكثر حذرا لكنه قال ان دعوات الحكومة التركية لزيادة الروابط التجارة والمالية مع ايران تتعارض مع الالتزامات التي تفرضها عقوبات الامم المتحدة.

وقال ميننديز انه يريد قبل أن يساند ترشيح كوهين ان يصله احساس بأن كوهين سيسعى بقوة لتنفيذ العقوبات بموجب قانون العقوبات الشاملة على ايران.

وقال كوهين ان الخزانة تبحث ايضا عن أدلة على ما اذا كان البنك المركزي لايران متورط بشكل مباشرة في انشطة انتشار الاسلحة او تمويل اعمال ارهابية. واضاف قوله ان اي ادلة من هذا القبيل ستؤخذ في الاعتبار في قرارات الخزانة بشأن العقوبات على ايران.

وقال تيم جونسون رئيس اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ انه يأمل ان تجري اللجنة تصويتا على ترشيح كوهين بنهاية مايو ايار. واذا وافقت اللجنة فان الترشيح يذهب الى مجلس الشيوخ بكامل هيئة للموافقة النهائية عليه.

في حين قدم النائبان الامريكيان ايلينا روس ليتينن وهوارد بيرمان ارفع الاعضاء الجمهوريين والديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب مشروع قانون جديد للعقوبات.

ويخشى النائبان واخرون في الكونجرس ان تتحايل ايران على العقوبات التي وافق عليها الكونجرس العام الماضي في اطار مسعى دولي للضغط على ايران للدخول في محادثات بشأن برنامجها النووي.

واستهدفت العقوبات الامريكية التي اجيزت العام الماضي قطاع الطاقة والبنوك في ايران مع التهديد بمعاقبة الشركات الاجنبية التي تتعامل مع طهران. ولم يتم معاقبة سوى شركتين هما بيلاروس نفت من روسيا البيضاء ونفتيران انترتريد وهي شركة مقرها سويسرا تابعة لشركة النفط الوطنية الايرانية.

وقال مكتب روس ليتينن ان القانون الجديد سيسعى الى سد الثغرات في القانون الحالي بوسائل منها أنه يجعل من الصعب بدرجة اكبر من ذي قبل على الرئيس الامريكي تعليق العقوبات.

وقال مكتب بيرمان ان مشروع القانون يفرض ايضا عقوبات اضافية على الشركات التي تتعامل في مجال الطاقة مع الحرس الثوري الايراني الذي يقوم بدور متزايد في كل قطاعات الاقتصاد الايراني.

واضاف مكتب بيرمان قوله ان المشروع سيستهدف ايضا منتهكي حقوق الانسان المزعومين في ايران بتجميد اموالهم في الولايات المتحدة وحرمانهم من دخول الولايات المتحدة ومنعهم من اجراء تعاملات مالية مع الولايات المتحدة.

وقال بيرمان وهو ديمقراطي "مع انتظارنا تنفيذا فعالا للقانون من جانب حكومة اوباما ... يجب ان نستمر في المضي قدما ودراسة سبل اضافية للضغط على ايران."

الاتحاد الاوروبي

في السياق ذاته وسع الاتحاد الاوروبي نطاق عقوباته على ايران، وقال دبلوماسيون اوروبيون ان وزراء خارجية الدول الاعضاء اتفقوا أثناء اجتماع في بروكسل على اضافة اكثر من مئة كيان جديد لقائمة الشركات والشخصيات الذين تشملهم عقوبات الاتحاد الاوروبي التي تهدف الى ممارسة ضغوط اقتصادية على طهران للتخلي عن برنامجها النووي.

وتضاف الاجراءات التي تشمل تجميد أموال وحظر منح تأشيرات الى عدد من العقوبات المالية والتجارية التي تفرضها حكومات الاتحاد الاوروبي بالفعل على طهران. ويضم الاتحاد 27 دولة.

وقال الوزراء في بيان "اعتمد المجلس تشريعا اليوم لتعزيز الاجراءات المقيدة المفروضة على ايران نظرا للمخاوف بشأن برنامجها النووي."

وعبرت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون عن قلقها لعدم احراز تقدم في وقت سابق هذا الشهر قائلة ان الرسائل التي تتلقاها من طهران عن المحادثات المستقبلية مخيبة للامال.

وقالت اشتون حينذاك "أحث ايران على أن تفكر مجددا وأن تبحث العودة الى الطاولة... لكن من الخطابات التي تلقيتها لا أرى هذا في الوقت الحالي."

وقال دبلوماسيون بالاتحاد الاوروبي ان قائمة العقوبات التي فرضت اليوم تشمل بنك (اي.اي.اتش) ومقره المانيا المتخصص في التجارة في ايران وكذا شركات شحن وهندسة ومنظمات يمتلكها ويديرها الحرس الثوري الايراني.

وتعليقا على قرار الاتحاد الاوروبي قالت واشنطن ان القوى الكبرى في العالم ستواصل استهداف ايران بالعقوبات مادامت طهران تواصل برنامجها لتخصيب اليورانيوم.

وقال البيت الابيض في بيان "مادامت ايران ترفض الوفاء بالتزاماتها الدولية فان المجتمع الدولي سيواصل محاسبة ايران ومواجهة انشطة الانتشار (النووي) الايرانية بكل صرامة."

وتدرس ايران من جانبها فرض عقوبات على القوى الغربية في خطوة تصعيدية بعد سنوات من الاجراءات العقابية حيث من المنتظر أن يبحث البرلمان الايراني معاقبة 26 مسؤولا امريكيا.

غير منطقية

من جهتها رفضت الحكومة الايرانية العقوبات الجديدة التي فرضها عليها الاتحاد الاوروبي بسبب برنامجها النووي المثير للخلاف، واصفة اياها بأنها "غير منطقية". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية رامين مهمانبرست في مؤتمره الصحافي الاسبوعي ان "قرار الاتحاد الاوروبي فرض عقوبات لها اهداف سياسية، غير منطقي". واضاف ان "خير ما يقوم به الاتحاد الاوروبي هو ان يؤمن مصالح سكانه بدلا من ان يتبع من غير تبصر سياسة بلد آخر"، ملمحا بذلك الى الولايات المتحدة.

وتضم حزمة العقوبات الاوروبية الجديدة اكثر من مئة مؤسسة مشبوهة بصلاتها مع البرنامج النووي والبالستي لايران، ومنها بنك التجارة الاوروبي-الايراني الذي يتخذ من المانيا مقرا، وخمسة اشخاص معظمهم مسؤولو شركات، كما ذكر دبلوماسي اوروبي. والقسم الاكبر منها شركات وهيمة انشئت على الاراضي الاوروبية، او فروع لمجموعات فرض الاتحاد الاوروبي عقوبات عليها في السابق.

وتأمل طهران في توسيع المناقشات بحيث تشمل مسائل تتصل بالامن الشامل، ومنها حيازة اسرائيل السلاح النووي ومشكلة نزع السلاح، بدلا من التركيز على برنامجها النووي.

لكن مهمانبرست اعلن استعداد ايران لاستئناف المفاوضات. وقال "لم نتلق مؤشرا يفيد ان عملية (الحوار) تواجه مأزقا. لقد اعلنا استعدادنا لاستئناف المناقشات في اطار يحترم المصالح المتبادلة ونأمل استمرار المناقشات".

فرض عقوبات على مسؤولين امريكيين

كما تبحث ايران فرض عقوبات على مسؤولين امريكيين "لارتكابهم انتهاكات لحقوق الانسان" في محاولة لتغيير دفة الامور بعد سنوات من العقوبات التي يفرضها الغرب عليها. وفي حين أدرج وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي 100 شركة وفرد من ايران على قائمة سوداء للعقوبات فان من المقرر أن يناقش البرلمان الايراني توجيه اللوم لستة وعشرين مسؤولا امريكيا.

ونقل عن النائب البرلماني كاظم جليلي قوله "بموجب هذه الخطة ستفرض عقوبات على 26 مسؤولا امريكيا لهم تاريخ من انتهاكات حقوق الانسان في العالم بما في ذلك العراق وافغانستان ويدعمون الارهاب."

ولم يحدد جليلي المتحدث باسم لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان اسماء المسؤولين لكنه قال انه اذا وافق النواب على مشروع القرار "سيجري بحث اتخاذ اجراءات عقابية ضدهم."

شبكة تهريب عالمية

من جانبها قالت صحيفة "التليجراف" البريطانية إن تقريراً صادرا عن الأمم المتحدة كشف عن أن القيادة الإيرانية ظلت قادرة على الحفاظ على البرنامج النووى من خلال تشغيل شبكة تهريب عالمية تتجار فى الأجهزة والمعدات المحظورة على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة على طهران.

ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من أربع جولات من العقوبات الأممية، إلا أن إيران استمرت فى أنشطتها النووية باستخدام شبكة من الموردين الأجانب وشركات وهمية للحصول على المواد التى تريدها. وتوصل تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة إلى أن العقوبات ليس لها تأثير حتى اللآن على الحسابات الخاصة بالقيادة الإيرانية فيما يتعلق بوقف تخصيب اليورانيوم.

وأشاروا إلى أن تحايل إيران على العقوبات فى جميع المجالات لا يزال مستمراً، وقالت اللجنة التى تم إنشاؤها لمراقبة تأثير العقوبات إن الحظر قد جعل الأمر أكثر صعوبة وأكبر من حيث التكلفة والمخاطرة بالنسبة لإيران فيما يتعلق بتطوير الأسلحة النووية، لكنهم اكتشفوا تنفيذ أنشطة محظورة على نظاق واسع، خاصة من قبل الحرس الثورى فى البلاد، ويحصل المسئولون الإيرانيون، حسبما تقول التليجراف، على المواد والتكنولوجيا المطلوبة للصواريخ النووية والتقليدية وتهريب الأسلحة وإنشاء شركات وهمية للتهرب من العقوبات على الشركات المحظورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/تموز/2011 - 2/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م