المقدمة
عنوان الورقة سؤال راود ذهني منذ إن اطلعت على المراحل الأولى
لتشكيل المفاهيم الديمقراطية في العالم، إذ تفيد الدراسات إن تطور
أساليب الحكم في العالم بدأت في مراحل أولية بحكم الفرد لنفسه ثم حكم
الجماعة حتى تطور إلى حكم الدولة وبأشكالها المعروفة، واستمر تطور
العمل في النظم التي تنظم عمل الدولة ومنها ما يتعلق بالحكم، فظهرت
الحكومات الفردية والمطلقة والملكية والأميرية والجمهورية وبأنواع
متعدد منها البرلمانية والملكية الدستورية والرئاسية وغيرها كما تطور
معها مفهوم التخصص في العمل في المؤسسات التي تشكل منظومة الحكم في أي
بلد ووصلنا إلى إن تقترن أي ديمقراطية بمفهوم الفصل بين السلطات ومنحت
كل سلطة مهمة محددة بموجب الدساتير التي تنظم أعمالها وسار العرف
الدستوري على ان تكون السلطات ثلاث تشريعية وتنفيذية وقضائية ومجازا
نطلق مسميات سلطة على بعض الأنشطة فظهرت نظرية السلطة الدستورية وسلطة
الصحافة التي سميت بالسلطة الرابعة.
كما ظهرت دراسات تدعو لان يكون المجتمع المدني سلطة وهناك أصوات
تنادي إلى تكوين سلطة العالم الافتراضي (الانترنيت)، إلا أن الثابت
بشكل رسمي في الدساتير هي السلطات الثلاث التي أشرت إليها آنفاً ومنها
السلطة التشريعية التي منحت حصرا حق تشريع القوانين التي يحتاجها أي
بلد من اجل استمرار الحياة فيه، لكن طرق واليات التشريع اختلفت من
دستور إلى آخر وفي الدستور العراقي حصر كاتب الدستور طرق تشريع القانون
بمنفذين لا ثالث لهم الأول عبر السلطة التشريعية من خلال مقترح يتقدم
به عدد من أعضاء البرلمان ومنفذ السلطة التنفيذية بشقيها رئاسة
الجمهورية والحكومة التي منحت حق اقتراح مشاريع القوانين وعلى وفق
أحكام المادة (57) والحكمة من هذه المنافذ والآليات هو الوصول إلى أفضل
وسيلة نعبر من خلالها عن حاجة الشعب إلى القوانين التي ترعى وتنظم
مصالحه، لكن الواقع الفعلي ليس في العراق فحسب، وإنما في العالم وفي
تجارب الدولة العريقة في الديمقراطية نجد أن بعض القوانين لم تراعى
فيها مصلحة الشعب وإنما مصالح الأحزاب والفئات المهيمنة على العمل
التشريعي في البرلمان، وبعضها سعى لإصدار قوانين تتقاطع مع مبادئ الأمة
التي اعتمدتها في دستورها وهو ما جعل الحاجة إلى وجود فكرة المحاكم
الدستورية التي تحرس الدستور وتحافظ على قيمه التي أقرتها الأمة او
الشعب.
وهذا الملحظ اخذ حظه في الاهتمام وتناولته بعض الدساتير عندما أعطت
الحق للشعب إن يقترح القوانين بشكل مباشر منه ودون توسط السلطة
التشريعية او التنفيذية، ومنها دستور نيوزلندة وغيرها وبطرق شتى، وهذا
ما استفزني كثيرا عندما وجدت إن البرلمان لم يراعي هموم الشعب وحاجته
إلى القوانين التي تنظم أحواله وتنهض به واكتفى النواب بتفضيل مصالحهم
الشخصية على مصلحة الشعب ومثال ذلك الامتيازات التي منحوها هم لأنفسهم
والرواتب العالية التي خلقت منهم طبقة أرستقراطية جديدة في العراق
وعملية الاستجوابات التي أدارها البرلمان بينت بشكل واضح وجلي مقدار
الاستهتار بحقوق الشعب والاستحواذ على مقدراته من خلال القرارات التي
يصدرها هؤلاء في تجيير موارد الأمة إلى جيوبهم.
فوجدت من الإلزام أن أنبه الى بعض المقترحات التي قد تحفظ للشعب
حقوقه وبمقالات عدة نشرتها عبر وسائل الإعلام المتعددة وهذه الورقة هي
تتويج لتلك المحاولات من خلال إثارة السؤال الذي وضعته عنوان لهذه
الورقة لماذا لا يقترح الشعب القوانين؟ او ليس هو مصدر السلطات
والقوانين تصدر باسمه فما الماتع من ذلك؟ لذلك سأعرض لهذه الفكرة من
خلال التعريف بالشعب والية اقتراح القوانين وما جاء في الدستور مع جملة
من المفترحات التي أرى فيها بلسما ينفع لجزء من داء الهيمنة السلطوية
على مقدرات الشعب وفي عدة فروع:
الفرع الأول
ما هو الشعب؟
إن أي دولة لابد وان تتكون من عدة عناصر ويعرفها فقهاء القانون
الدستوري بانها عبارة عن شعب يستقر على ارض معينة ويخضع لسلطة حكومة
منظمة تتألف من عدد من السلطات، وبذلك فان الشعب هو احد أهم عناصر
الدولة الثلاث، ويعرف فقها الدستور أيضا الشعب بأنه مجموعة من الأفراد
أو الأقوام يعيشون في إطار واحد من الثقافة والعادات ضمن مجتمع واحد
وعلى أرض واحدة، ومن الأمور المميزة لكل شعب هي طريقة تعاملهم وشكل
العلاقات الاجتماعية التي تتكون في مجتمعات هذا الشعب إضافة إلى أسلوب
العقد الاجتماعي بين أفراد الشعب، ويتكون الشعب عادة من أجناس وطوائف
وانيات مختلفة، يعبر عنها بتنظيمات شعبية او إدارية في إطار الشعب
الواحد فمنهم من ينضوي تحت منظومة دينية تميزه عن غيره ضمن إطار الشعب
الواحد وبعضهم ضمن منظومة أثنية وغيرها والبعض الآخر وان تميز عن غيره
بما تقدم، إلا انه يجتمع مع الآخرين بمفهوم الأحزاب والتكتلات او
منظمات قطاعية او فئوية تؤسس على أساس المهنة او المعتقد او على أساس
الهدف المشترك، ومن هذه منظمات المجتمع المدني التي تعد من تشكيلات
ومفردات تكوين الشعب، وهي جزء أساس من مكوناته التنظيمية، ومؤسسات
المجتمع المدني هي كل التشكيلات والمنظمات والتجمعات ذات الصلة بحياة
الناس البعيدة عن إشراف ورقابة السلطة التنفيذية، لذلك فانه مصطلح واسع
وفضفاض ويتسع للكثير على وفق مشيئة المتبصر أو الذي يتأمل الوضع
الاجتماعي، حتى إن البعض اعتبر الأجهزة الحكومية، هي جزء من مؤسسات
المجتمع المدني على اعتبار إن المجتمع هو مجتمع متمدن ومتحضر ويستوعب
كل الطبقات والاتجاهات الفئوية والقطاعية للجهات الإنسانية والأسرية،
لكن ما نعنيه في هذه الورقة هي المنظمات غير الحكومية التي تعمل في
الوسط الاجتماعي وبموجب الأهداف التي أعلنتها والمتسقة مع الخط العام
الإنمائي للمجتمع.
ومن خلال ما تقدم أرى إن أي مدلول للشعب او بعض مكوناته ينصرف إلى
المجتمع المدني عندما نتطلع إلى تعديل الدستور بفتح الأفق تجاه قبول أن
يقترح الشعب قوانينه التي يريدها ويحتاجها ,
الفرع الثاني
طريقة اقتراح القوانين في ظل دستور عام 2005
إن دستور عام 2005 في نص المادة (57) حدد منفذين لاقتراح القوانين
الأول بالسلطة التنفيذية بذراعيها رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء
والثاني بمقترح يقدم من عشرة من أعضاء مجلس النواب وعلى وفق نص الفقرة
(ثانيا) من المادة (57) أعلاه (أ- مشروعات القوانين تقدم من رئيس
الجمهورية ومجلس الوزراء. ب- مقترحات القوانين تقدم من عشرةٍ من أعضاء
مجلس النواب،أو من إحدى لجانه المختصة)، وبذلك أصبح اقتراح القوانين
حصريا بهذين المنفذين، وبما إن القانون أو القاعدة القانونية ولدت من
رحم حاجة الأمة أو المجتمع وذلك من اجل معالجة مشكلة أو تنظيم حالة
ظهرت في المجتمع أو لغايات و أهداف أخرى حيث يوظف القانون أحيانا
لتحقيق غايات غير مشروعة مثلما وظفته الأنظمة الدكتاتورية بجعله وسيلة
من وسائل القمع، واللجوء إلى إنشاء القاعدة قانونية على الرغم من وجود
القواعد الأخلاقية، التي اعتاد عليها المجتمع، كان بسبب قوة الإلزام
التي تتصف بها تلك القاعدة القانونية، وهذا الإلزام يرتب آثار مهمة جدا
تصل إلى حد إنهاء حياة الإنسان أو سلب حريته أو مصادرة ممتلكاته وغير
ذلك من آثار أخرى.لذا فان القاعدة القانونية وكما أسلفت وليدة الحاجة
ويقترن وجودها بوجود الحاجة إليها وحيث إن الحاجة متغيرة بحكم الزمان
والبيئة والسلوك والتوجه وحتى مصدر وجودها التشريعي، وهذا ما يجعل من
القاعدة القانونية متغيرة باستمرار وغير ثابتة، لذلك نجد الأمم تشرع
القوانين متى ما وجدت إن الحاجة تدعو إلى ذلك.
وفي الواقع القانوني العراقي نجد ان بعض النصوص النافذة أضحت غير
منسجمة مع الواقع الجديد سواء الزماني أو الاجتماعي والاقتصادي وفي أي
مجال ذي صلة بتطبيقات تلك القاعدة أو النص القانوني، وبعد الأحداث
الزلزالية التي حلت بالعراق نرى إن الحاجات قد تغيرت وأسباب نشوء بعض
القواعد والنصوص قد تغيرت واختلفت، حيث أن بعض النصوص نافذة منذ أكثر
من نصف قرن من الزمان والأخرى وجدت لمعالجة أوضاع انتهت في حينها او
بعض النصوص كانت تعبر عن توجه سلطة التشريع القابضة، وكما يعلم المطلع
في علم القانون إن فلسفة الأنظمة الحاكمة في الفترة السابقة كانت عملية
التشريع فيها تنحصر في كون القانون يمثل فلسفتها كسلطة قابضة، لذلك نجد
نصوص ذات غايات تدل على تكريس السلطة لفرد أو تحقيق مصالح فئوية أو
شخصية.
بالإضافة إلى أن الخلفيات الثقافية لرموز تلك الأنظمة كانت مختلفة
ومتباينة ففي فترة نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان
الحكام ورموز السلطة أبناء حواضر ومدن ويعبرون عن ثقافة المدينة ثم
حدثت الانقلابات العسكرية مما أدى إلى وصول أبناء الريف وهؤلاء نقلوا
ثقافة الريف فانعكست على عملية التشريع حتى وصل الأمر إلى العمل على
وفق ثقافة القبيلة والتفرد وربط الكل بفلكه وهذه أيضا أفرزت وأوجدت
نصوص معبرة عن تلك الثقافات والطروحات.
وحيث ان المواطن هو محل التنفيذ ومن تطبق عليه تلك القوانين فلابد
وان يكون له صوت تجاه تعديلها او اقتراح غيرها او إلغائها لان القوانين
النافذة التي مازال العمل بها مستمر بحاجة إلى إعادة النظر بما ينسجم
والتطور الزمني والنوعي لواقع التشريع القانوني، ومن الجدير بالذكر ان
القضاء العراقي لازال يعمل على وفق النص النافذ حتى لو كان القاضي يدرك
ويعلم انه لا ينسجم مع المرحلة الحالية ومثله الموظف في أي موقع كان في
هرم السلطة التنفيذية، ومن هذه الحاجة إلى إعادة النظر في القوانين
النافذة، وإذا قدر لتصور معين من تصورات القانون ان يدخل إلى حيز
التطبيق العملي، ذلك بأن ساندته سلطة سياسية رسمت على هدى تصورها
للصالح المشترك، القانون الوضعي بأسره، فأن مشروعات القوانين المقترحة
من جانب تلك السلطة ستحدد طبيعة التنظيم القانوني للمجتمع الذي سيرتب
عليه ان يكون مجتمعاً ما حراً واشتراكياً او غير ذلك من الأشكال
الاجتماعية والسياسية.
وما من شك ايضاً في انه اذا ارتضت السلطة السياسية تنظيماً معيناً
للمجتمع فأن المشرع العادي يعمد على تنفيذه. على انه مهما اجتهد ذلك
المشرع في رسم صورة ذلك التنظيم رسماً وضعياً فأن الصورة لن تأتي كاملة
بل ستحتاج إلى التنقيح والتعديل مع افراد الحياة الاجتماعية والتطلع
المثالي إلى التنظيم. ومفـاد ما تقـدم ان كـل صياغـة قانونية تعترف
بسياسة معينة فلا بد ان يكون إقتراح القانون باعتباره خطة تنظيـم
اجتماعـي مقتـرن بفكـرة تخطيط سياسي.
الفرع الثالث
طرق اقتراح مشاريع القوانين في الدساتير
المقارنة
توجد عدة طرق لاقتراح مشاريع القوانين وعلى وفق ما يلي:
أ- حصر اقتراح القوانين بالسلطة التشريعية بواسطة أعضائها ومنها
دساتير الولايات المتحدة الأمريكية في دستورها لعام 1787 وفرنسا في ظل
دستور عام 1791
ب- وفي بعض الدساتير حصر حق اقتراح القوانين ب السلطة التنفيذية.
فيلاحظ إن حق اقتراح القوانين يكون من اختصاص هذه السلطة، دون ان تشترك
معها غيرها من السلطات العامة الأخرى، وبخاصة السلطة التشريعية. ومنها
دستور فرنسا لعام 1799 الذي نص على ان (تقترح الحكومـة القوانيـن) في
حيـن تقتصــر السـلطة التشريعيـة على إبداء الرأي في المشروعات
الحكومية دون ان يكون لرأيها اثر ملزم كمــا تختص بالموافقــة على
القوانين ورفضها دون ان يكون لها الحق في تعديلها. وكذلك نص الدستور
الأردني لعام 1928 على ان (يعـرض مشـــروع كل قانـون على المجلس من قبل
رئيس الوزراء او رئيس المصلحـة...) وتبنى ذات الاتجاه الدستور الأردني
لعــام 1947 والذي نص على ان (يعـرض رئيس الوزراء مشروع كل قانــون على
مجلس النواب، فـإذا قبـل مــا عـرض عليـه يرفــع إلى مجلس الأعيان).
ج- وفي دساتير أخرى اقتراح القوانين حق مشترك بين السلطتين
التشريعية والتنفيذية ومن أمثلة الدساتير التي أشركت السلطتين
التشريعية والتنفيذية في مرحلة اقتراح القوانين في دستور الجمهورية
الرابعة الفرنسية الصادر عام 1946 حيث نصت المادة (14) من الدستور على
أن: يختص باقتراح القوانين رئيس مجلس الوزراء وأعضاء البرلمان. ودستور
جمهورية العراق لعام 2005 في المادة (57) التي نصصت على ما يلي (أ-
مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. ب- مقترحات
القوانين تقدم من عشرةٍ من أعضاء مجلس النواب،أو من إحدى لجانه المختصة).
د- وتوجد طريقة أخرى هي اقتراح القوانين حق للشعب:
لان الفكرة الأساسية التي تكمن وراء إسهام الشعب في الإقتراح أو في
(المبادرة الشعبية)، هي إن إسهام المحكومين في قرارات الحكام لا يكون
بصورة لاحقة، كما في الاستفتاء، وإنما بصورة مسبقة على هذا القرار.
وبعبارة أدق وأوضح، أن دور الشعب (المحكومين)، لا يقتصر على إقرار قرار
سبق للحكام أن اتخذوه، وإنما مبادرة هذا القرار (أي تحضير هذا القرار)
تعود للمحكومين أنفسهم. وهذا يتحقق إذا قدم عدد معين من المواطنين (وفقاً
لما رسمه الدستور) مشروع قانون إلى ممثلي الشعب أي إلى البرلمان، للنظر
في مشروع القانون المقترح وتؤكد ممارسة الشعب لحق اقتراح القوانين،
وجود صلة مباشرة بين البرلمان والشعب. وهذا ما يمتاز به النظام
الديمقراطي شبه المباشر عن النظام النيابي التقليدي ويتخذ الإقتراح
الشعبي أحد صورتين:
الصورة الأولى: الاقتراح المفصل، الذي يصاغ على شكل مشروع قانون
كامل ومبوب ومفصل ومقسم إلى مواد.
الصورة الثانية: الاقتراح غير المفصل او غير المبوب، وهو الذي يقتصر
على مجرد ابداء فكرة او بيان رغبة او وجهة نظر في قانون معين او جزء
منه على ان يترك البرلمان امر الصياغة والاعداد لمشروع القانون بالكامل
وبالشكل النهائي هذا وقد أخذت بالاقتراح الشعبي للقوانين بعض الولايات
السويسرية بدرجات وصور مختلفة، كذلك قد أخذت إيطاليا بنظام الاقتراح
الشعبي في دستور 1947، إذ استلزمت المادة (71) من الدستور أن يكون
الاقتراح موقعاً من خمسين ألف ناخب على الأقل، وأن يقدم في صورة مشروع
قانون مصاغ. وكانت بعض دساتير الدول الاشتراكية، تنص على حق الإقتراح
الشعبي، من ذلك ما نصت عليه المادة (48) من دستور الاتحاد السوفيتي
لعام 1977، من أنه يشترك المواطنون في مناقشة ووضع مشاريع القوانين
والقرارات ذات الأهمية.
ويرى البعض ان دستور العراق لعام 2005 كتبه أعضاء الجمعية الوطنية
ولم يكتبه الشعب وإنما كان دور الشعب في قبوله بالاستفتاء عليه والقبول
نسبي وليس كلي كما إن الشعب قبله بالإجمال وليس على كل فقرة من فقراته.
وهذا يدل على أن الدستور العراقي الحالي لا يمكن وصفه بأنه يعبر عن
إرادة الشعب العراقي وإنما عبر عن إرادة الفرقاء السياسيين الذين
تزاحموا على النقاط الخلافية، وبما إن الباب مازال مفتوح لتدارك ما فات
من نقص ومواد بالتعامل مع التعديلات الدستورية وجعل هذه التعديلات
يكتبها الشعب وليس الفرقاء السياسيين من خلال تشكيل لجنة التعديلات
الدستورية بأسلوب آخر غير الطريقة الحالية التي تشكل اللجنة من بين
أعضاء البرلمان (مجلس النواب) لان أعضاء مجلس النواب (البرلمان)
انتخبهم الشعب لأداء دور التشريع الوطني (القوانين) ودور رقابي وهذان
لا يمثلان اختيار لكتابة الدستور لان التعديل الدستوري هو كتابة جديد
للنص الدستوري أو إضافة نص جديدة ولا يخفى عن الفرق بين من يشرع قانون
وطني وبين من يكتب الدستور والفرق في عدة صور منها صياغة الأفكار
وعرضها وتأطيرها وصبها في قوالب دستورية تشكل مبادئ واضحة وتتمتع
بالجزالة في اللفظ واختيار الكلمة التي تشكل المعنى الذي يهدف إليه
النص وهذه المواصفات لا يتوفر عليها عضو البرلمان (مجلس النواب) وإنما
تحتاج إلى أصحاب اختصاص في الفقه الدستوري وعلم الاجتماع والشريعة
واللغة والإعلام وفن الصياغة وغيرها، لان هذه الهيئة أو اللجنة التي
ستكتب التعديلات الدستورية يسميها بعض فقهاء الدستور بالسلطة الدستورية
وظهرت هذه النظرية في أمريكا الشمالية أولاً ومن ثم في فرنسا ويقول احد
الكتاب في الفقه الدستوري AbbéSieyès السلطة الدستورية ليست مفهوماً من
القانون الوضعي، لكن هذا لا يعني بالضرورة بأنه ليس لها وظيفة قانونية؛
ليس كذلك فحسب بل لا يمكن الاستغناء عنها أيضاً إذ أن تلك السلطة
الدستورية تأتي قبل الدستور بغض النظر عن الشكل الذي سيلبسه عند تبنيه.
وكنت كتبت في مقال نشرته بعض الصحف المحلية ووسائل الإعلام طالبت
بتعديل الدستور من خلال الشعب واقترح مقترحات لتنفيذ هذا الغرض وعلى
وفق ما يلي: ـ
اقترح أن يتم اختيار أعضاء لجنة خبراء لتقديم مقترحات التعديلات
الدستورية من الشعب بالمباشر وليس من بين أعضاء مجلس النواب ولم أجد في
الدستور ما يمنع ذلك أو يقف حائلا دونه لان نص المادة (142) من دستور
العراق لعام 2005 عندما أشارت إلى لجنة التعديلات الدستورية حددت
مهامها بتقديم تقرير بمقترحات التعديل الدستوري ولم تمنع لن يستعان
بالخبراء لذلك وخوفا من سوء اختيار لجنة الخبراء بدخولها في منظومة
المحاصة المقيتة وتحسبا لذلك أرى أن يتم تشكيل هذه اللجنة على وفق
الآتي:-
1. يتم انتخابهم من الشعب بالمباشر بمنح كل محافظة عدد من المقاعد
في اللجنة على وفق النسبة السكانية مع مراعاة تمثيل الأطياف والطوائف
للخصوصية التي يتمتع بها معتنقي تلك الطوائف.
2. أن يكون عدد الأعضاء لا يتجاوز 10% من عدد أعضاء مجلس النواب
لضمان سرعة الإنجاز.
3. أن يكون المرشح حاصل على التحصيل الجامعي الأولي على الأقل.
4. أن لا يتمتع العضو المنتخب بأي امتياز مالي أو وظيفي أو اعتباري.
وذلك لضمان وصول أشخاص لديهم الرغبة الصادقة لخدمة الشعب لان وجود
الامتياز والمنح والعطايا سيجعل المنافسة للحصول على الغنيمة وليس
الخدمة العامة.
5. كل عضو ينتخب إذا كان موظف ويشغل وظيفة في سلطة تشريعية، تنفيذية
أو قضائية يمنح إجازة براتب من وظيفته إذا شاء أن التفرغ وان لم يرغب
بذلك يبقى في وظيفته ودون أي زيادة في المخصصات أو حتى في أي امتياز
مهما كان بسيط
6. كل عضو ينتخب ولم يكن موظف حكومي أولم يكن يتقاضى راتبا من
الدولة فلا يستحق أي مكافأة مالية عن عمله لأنه تطوعي ومن لا يرغب في
خدمته شعبه إلا بمقابل من المال لا أظن فيه الأمانة في حفظ حقوق الشعب
وبذلك نكون قد أبعدنا لجنة التعديلات الدستورية عن الانتهازيين الذين
يقتنصون الفرص والمغانم.
7. تحدد فترة زمنية لإكمال اللجنة لإعمالها.
8. ثم تقدم هذه التعديلات إلى اللجنة البرلمانية لتأخذ طريقها الى
النفاذ على وفق الآليات الدستورية التي رسمها الدستور.
الخاتمة
ومن عرض المقترح أرى بان هذه الوسيلة ستقربنا كثيرا من عبارة (الشعب
يكتب الدستور) والدستور دستور الشعب وكذلك من المبدأ الدستوري (الشعب
مصدر السلطات) وسيجنب أعضاء مجلس النواب الحرج الحزبي أو الطائفي كما
سيجنب الشعب مآسي سطوة المنافع الحزبية والطائفية. واضع هذا الرأي أمام
الشعب والعقلاء من أهل الحل والعقد لعل الله يبعث الحياة في الضمائر
الميتة. وبذلك فان تعديل الدستور النافذ باتجاه فتح الباب لان يتمكن
الشعب من اقتراح القوانين بالمباشر من قبله دون توسط أي جهة تشريعية او
تنفيذية هو مطلب يقربنا كثيرا من خط العدالة وسيمكن الشعب من مراقبة
اداء السلطات، ويمكن ان يفعل هذا المقترح برسم الاليات اما عن طريق
تحديد عدد محدد كحد ادنى مثلما اشير الى ذلك عند التعرض الى تشكيل
الاقاليم بموجب قانون الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم رقم
13 لسنة 2008 (يتم تكوين أي إقليم عن طريق الاستفتاء ويقدم الطلب بإحدى
الطرق التالية: أولا: طلب مقدم من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس
المحافظات المشكلة بموجب الدستور التي تروم تكوين الإقليم. ثانيا: طلب
مقدم من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين
الإقليم. ثالثا: في حالة طلب انضمام احدى المحافظات الى إقليم يقدم
الطلب من ثلث أعضاء مجلس المحافظة مشفوعا بموافقة ثلث أعضاء المجلس
التشريعي للأقاليم) او بعدد من منظمات المجتمع المدني او بكليهما او
بأي وسيلة تتوسلها لتحقيق هذا المطلب، وفي الختام أتمنى أن أكون قد
أسهمت في لفت العناية إلى هذا المطلب من اجل تحقيق مشاركة فاعلة للشعب
بكل مكوناته بما فيها منظمات المجتمع المدني مع سلطات الدولة وتوثيق
العلاقة بينهم. |