شبكة النبأ: يرى معظم المحللين للشؤون
السياسية ان خارطة طريق رسمت لتجنيب سوريا سيناريو ليبي جديد في
المنطقة، خصوصا بعد فشل المعارضين لحكومة الأسد استمالة الجيش كما هو
الحال في ثورتي تونس ومصر، وبروز الحراك السلفي المتطرف المدعوم
اقليميا، الأمر الذي أثار خشية الولايات المتحدة من انتشار بؤر جديدة
لتنظيم القاعدة في سوريا.
حيث كشفت الأيام الماضية انقساما حادا بين صفوف المعارضة، سيما بين
القوى العلمانية الهادفة الى التغيير، والجماعات الإسلامية المتشددة
التي تسعى بحسب المراقبين الى إشاعة الفوضى في تلك الدولة، مما رجح كفة
فشل الرامية الى الإطاحة بالنظام السوري بالرغم من مرور ثلاثة اشهر على
اندلاع الاحتجاجات.
الدور الامريكي
فقد كشفت مصادر في المعارضة السورية ان الولايات المتحدة تمارس
ضغوطا عليها لاجراء حوار مع نظام الرئيس بشار الأسد على أساس خارطة
طريق مثيرة للجدل تبقي الأسد في السلطة خلال المرحلة الراهنة. ونقلت
صحيفة الغارديان عن المصادر ان مسؤولين في وزارة الخارجية الاميركية
يشجعون من وراء الكواليس على مناقشة خارطة الطريق التي لم تُنشر ولكن
جرى تداولها خلال اللقاء الذي عقده معارضون سوريون في دمشق مؤخرا. ونفت
واشنطن دعمها للوثيقة.
ويُفترض بموجب الوثيقة ان يشرف الأسد على ما تسميه انتقالا سلميا
الى "ديمقراطية مدنية". وتدعو خارطة الطريق الى لجم قوى الأمن وحل
عصابات "الشبيحة" المتهمة بارتكاب فظائع وضمان حق التظاهر السلمي
وتوفير حريات اعلامية واسعة وتشكيل مجلس انتقالي.
وتطالب الوثيقة التي جاءت صياغتها حذرة بـ"اعتذار واضح وصريح"
ومحاسبة الأجهزة والأفراد الذين تصدوا لاحتجاجات مشروعة وتعويض عائلات
الضحايا. وتقول المعارضة ان 1400 شخص قُتلوا منذ منتصف آذار/مارس فيما
تتحدث السلطات عن مقتل 500 من افراد قوى الأمن.
ومما تدعو اليه خارطة الطريق شمول حزب البعث الحاكم بقانون أحزاب
جديد رغم ان الحزب سيكون له 30 عضوا في المجلس الوطني الانتقالي المؤلف
من 100 عضو. ويعين الرئيس 7 اعضاء آخرين بالتشاور مع المعارضة. وكان
اعلان بعض هذه المقترحات على الرأي العام اثار تكهنات بأن الأسد أقر
ببعض البنود التي تتضمنها الوثيقة.
حمل خارطة الطريق توقيع لؤي حسين ومعن عبد السلام وهما من المثقفين
العلمانيين الناشطين في لجنة العمل الوطني. والتقى الاثنان نائب الرئيس
فاروق الشرع قبل خطاب الأسد الأخير، كما افاد دبلوماسيون في دمشق.
ومن اعضاء لجنة العمل الوطني وائل صاوا الذي يعمل مستشارا في
السفارة الاميركية في دمشق لكنه لم يوقع على الوثيقة لتبديد أي شكوك
لدى السوريين بوجود اصابع اجنبية.
واكد القيادي في معارضة الخارج رضوان زيادة ان السفير الاميركي
روبرت فورد دعا سياسيين من اقطاب المعارضة الى التحاور مع النظام لكنه
استبعد ان تتكلل هذه الاستراتيجية بالنجاح. ونقلت صحيفة الغارديان عن
زيادة ان الاميركيين "يطلبون من الأسد ان يقود عملية الانتقال ، وهذا
غير مقبول للمحتجين. فقد فات الأوان".
ودافعت وزارة الخارجية الاميركية عن نشاط سفيرها فورد ضد انتقادات
الجمهوريين الذين طاالبوا بسحبه. وقالت ان السفير يلتقي "مع قطاع عريض
من المعارضة واحيانا مع مسؤولين في الحكومة" حين يكون ذلك مطلوبا.
وفي حين ان وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون اعلنت ان الأسد أخذ يفقد
شرعيته فان الولايات المتحدة لم تجاهر بالدعوة الى اسقاطه، على النقيض
من سياستها تجاه الزعيم الليبي معمر القذافي. وحذر مثقف سوري معروف له
ارتباطات بالنظام من تدخل الاميركيين في مبادرة المعارضين السوريين
الذين قال انه ينصحهم بالابتعاد عن الولايات المتحدة.
وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية ان الولايات المتحدة تشجع
الحوار الحقيقي بين المعارضة والنظام "لكننا لا نروج شيئا بل نريد ان
نرى سوريا ديمقراطية ولكن هذا بيد الشعب السوري".
وتختلف اطراف المعارضة بحدة على الخطوات التالية رغم ان دعاة الحوار
مع النظام أنفسهم ليسوا متأكدين من جدواه. فان خارطة الطريق تحذر من ان
الوضع ربما دخل طريقا مسدودا يستبعد فرص التعاون والحوار السياسي وجدوى
التقدم بمشروع مصالحة.
وتزداد اسباب القلق من ان يكون النظام بدأ يسترد انفاسه في غياب
انشقاقات مهمة بين رموزه سواء في الجيش أو الحكومة أو نخبة رجال
الأعمال.
وقال جوشوا لانديس الخبير بالشؤون السورية في جامعة اوكلاهوما في
معرض التعليق على الموقف الاميركي المتردد ان طريق العقوبات "منحدر زلق
والتدخل العسكري في سوريا ليس مطروحا". واضاف ان على الاميركيين ان
يستطلعوا ما يمكن ان يفعله النظام.
آخرون يخشون ان الأسد يحاول كسب الوقت. ونقلت صحيفة الغارديان عن
قيادي في المعارضة ان خارطة الطريق مخطط للاصلاح في سوريا يبقي النظام
القائم وانه "الحد الأدني لإرضاء الغرب. فالنظام يريد تشكيل معارضة
رسمية وتهميش الآخرين".
انقسام المعارضة
الى ذلك يظن البعض أن الاحتجاجات التي خرجت الى الشوارع وتفجرت قبل
ثلاثة اشهر والتي تمثل أخطر تحد لحكم الرئيس بشار الاسد الممتد منذ 11
عاما يمكن أن تطيح به وتأتي بالديمقراطية والحرية الى سوريا.
ويصر اخرون أنه بدون حوار مع السلطات للاتفاق على الاصلاحات وعلى
فترة انتقالية بعيدا عن الحكم الشمولي فان البلاد ستواجه مستقبلا مظلما
ينطوي على احتمالات من بينها الحرب الاهلية. وظهرت الانقسامات بوضوح
حين أتاحت القيادة للمعارضة في دمشق منبرا نادرا للتعبير العلني. وسمحت
لها بالتحدث عن مطالبها لكن هذا ايضا كشف انقساما بين المشاركين ونشطاء
اخرين يعيش كثير منهم بالخارج اعتبروا أن اللقاء لا جدوى منه في الوقت
الذي لاتزال فيه قوات الامن تسحق الاحتجاجات.
وقال فاتح جاموس القيادي في حزب العمل الشيوعي الذي سجن لمدة 19
عاما بوصفه معارضا "من حيث المبدأ نحن قطعا مع الحوار ولا نعتقد ابدا
أن اي شيء اخر ممكن أن يحل الازمة في سوريا غير الحوار." واستطرد قائلا
"لكن قبل هذا الحوار طالبنا بعدد من الخطوات العملية على الارض كي نخلق
بيئة او جوا خاصا بالحوار كي لا يبدو الطرف الاخر الذي يحاور السلطة
أنه في مواجهة الحركة الشعبية." بحسب رويترز.
وتعتقد شخصيات أخرى بالمعارضة أن الاسد أهدر بالفعل فرصا للاصلاح
قائلة انه فات أوان الحوار الوطني الذي وعد به وانه يجب أن يرحل الان.
وقال ناشط علماني في دمشق طلب عدم نشر اسمه حرصا على سلامته "هذا
النظام فقد شرعيته. لا أرى داع للحديث معه. يجب أن يرحل وسنختار طريقنا
من بعده. يجب أن يرحل اولا."
بل ان الكثير ممن يؤمنون بالحوار يقولون انهم لا يستطيعون التحدث مع
السلطات في الوقت الذي تتواصل فيه الحملة الامنية على المحتجين.
وقال جاموس ان المطلوب هو التغيير الديمقراطي في هيكل النظام مما
يعني تغييرات في القوانين والمؤسسات والتعامل مع كل مشاكل الاعوام
الاربعين او الخمسين الماضية.
ويقول لؤي حسين الكاتب الذي اعتقل خلال احتجاجات العام الحالي والذي
شارك في مؤتمر المعارضة بدمشق يوم الاثنين الذي دعا الى التغيير
الديمقراطي ان على السلطات أن تعد المناخ الملائم لاجراء المحادثات.
وأضاف "قبل الحوار مع السلطة لابد من أن تتحقق شروط موضوعية وهذه
الشروط هي وقف العملية العنيفة التي تقوم بها السلطة تجاه المتظاهرين
وتجاه اصحاب الرأي... واتاحة المجال للاصوات المعارضة."
كما تضمن رد الاسد على الاحتجاجات بعض الخطوات على طريق الاصلاح بما
في ذلك اعطاء الجنسية لبعض الاكراد والغاء حالة الطواريء والافراج عن
مئات السجناء والدعوة الى حوار وطني.
وقالت بثينة شعبان مستشارة الاسد ان 500 من أفراد الجيش والشرطة
قتلوا. ويقول نشطاء ان بعض الجنود قتلوا على أيدي رؤسائهم لعصيانهم
الاوامر بوقف المحتجين. وفرضت سوريا قيودا على وسائل الاعلام وطردت
معظم الصحفيين الاجانب مما يجعل من الصعب التحقق من الروايات عن أعمال
العنف.
وعلى الرغم من أن المعارضة العلمانية تشترك في هدف تحقيق
الديمقراطية وتعارض التدخل الاجنبي فان سنوات من القمع في عهد الرئيس
الراحل حافظ الاسد والد بشار أدت الى تشرذم هذا التجمع الفضفاض
لليبراليين ودعاة القومية العربية والاكراد.
وكان تحالف رفيع المستوى أصدر عام 2005 ما سمي باعلان دمشق الذي دعا
الى اجراء اصلاحات سلمية لكنه لم يفعل شيئا يذكر كتحالف منذ تفجرت
احتجاجات العام الحالي.
وتعمل جماعة الاخوان المسلمين المحظورة بشكل منفصل بدرجة كبيرة.
ويهيمن عليها اعضاء يعيشون في الخارج منذ ان سحق الاسد الاب انتفاضة
مسلحة قامت بها الجماعة في مدينة حماه عام 1982 ومازالت لديها
الامكانية لتصبح قوة كبرى بين من لديهم الرغبة من الاغلبية السنية في
التخلص من هيمنة الاقلية العلوية التي ينتمي لها الاسد. ولاتزال عقوبة
الانتماء للجماعة الاعدام. وقضى معظم المعارضين المخضرمين سنوات في
السجون. وسجن كثيرون عدة مرات.
واستقبل أشد منتقدي الاسد في الحكومات الغربية المؤتمر بترحيب حذر
لكن معارضا بارزا اخر في دمشق رفض المشاركة قال ان لقاء دمشق ربما ساعد
في تحسين صورة السلطات وأضر بمعارضيها.
وأضاف الرجل الذي سجن من قبل بوصفه معارضا "ليس لدينا موقف سلبي
سواء من الاجتماع او من المشاركين او من البيان لكن نشعر أنه من حيث
توظيف الحدث اعلاميا (كأنه يستخدم) من أجل تصغير المعارضة وحجمها
وكأنها مقتصرة على اللقاء وعلى المشاركين وضمن هذه القائمة المحدودة."
وقال فايز سارة الكاتب الليبرالي الذي حضر الاجتماع في دمشق انه
انجاز مهم ساعد في الجمع بين وجهات النظر المختلفة. وعبر عن أمله في أن
يتكرر هذا في المحافظات ووصف اللقاء بأنه تقدم في نشاط المعارضة التي
كانت محرومة من الاجتماع وتنظيم التجمعات على مدى الاعوام الخمسين
الماضية.
وليست هذه المرة الاولى التي يستقبل فيها اجتماع للمعارضة بالتشكك.
فحين التقت مجموعة من النشطاء وأحزاب المعارضة في تركيا الشهر الماضي
وصف منتقدون من المعارضة السورية نفسها ما قاموا به بأنه محاولة لتشجيع
القوى الخارجية على التدخل في بلادهم.
وكشف هذا عن صدع اخر في صفوف المعارضة بين نشطاء يعيشون بالخارج
يحشدون دعم المجتمع الدولي لاتخاذ موقف ضد الاسد ومن لايزالون داخل
البلاد ويصر معظمهم على أن يحل السوريون مشاكلهم بأنفسهم.
وقال جاموس ان المعارضة في الخارج لا تمثل المعارضة السورية. وأضاف
"نحن ضد اي تدخل خارجي ابدا لان اي تدخل خارجي ستحركه مصالح وستحركه
قوى سياسية لها مصالح مختلفة عن المصالح الوطنية ومن الصعب جدا ان
تتقاطع معها."
وقال بعض النشطاء الذين يفضلون الحوار مع الاسد انهم تعرضوا لضغوط
من اخرين يشككون في ولاءاتهم.
وقال رجل في دمشق ذكر انه تلقى رسائل غاضبة على موقع فيسبوك وصفته
بأنه خائن "البعض يقول 'انتم تسدون الحكومة صنيعا' وهذه خيانة لدماء
الناس التي سفكت في الشوارع."
واستطرد "هذا هراء. يجب أن نتحدث لننقذ دماء الناس... الشعور
بالمسؤولية لايزال ضعيفا بين الكثير من جماعات المعارضة. يخشى البعض
الترويع ولا يفعلون شيئا لانهم يخشون ان يقول هذا او ذاك شيئا مسيئا
عنهم." ويشترك معه عدة نشطاء في أنحاء سوريا في نفس وجهة النظر.
وأكد كثيرون أن التركيبة الطائفية والعرقية المعقدة لسوريا من
الاسباب القوية لتشجيع الحوار لتقليل خطر وقوع اعمال عنف نتيجة التغير
المفاجيء في السلطة.
ويقول محللون ان السنة الذين يمثلون اغلبية والاكراد والعلويين
والمسيحيين قد ينزلقون الى حرب أهلية اذا تزايد اعتماد الاسد على
العلويين الذين ينتمي اليهم سواء كقوات نظامية او ميليشيات للاحتفاظ
بالحكم.
وقال جاموس "الازمة بحد ذاتها لازالت غير ناضجة وهي تسير الى مالات
خطرة... ارجو استدراك الامر من قبل الفعاليات السورية ويصير فيه بيئة
جادة للحوار. يجب أن تقدم تنازلات وخصوصا النظام الذي هو السبب الرئيسي
لما يحصل. تنازلات في المصالح وتنازلات في المفاهيم... ونفس الشيء
المعارضة ونفس الشيء الحراك الشعبي الذي طالب قسم منه باسقاط النظام من
دون ان يفكر شو البديل وكيف يملا الفراغ."
السياحة والفنادق خاوية
من جانب آخر باتت منطقة الاستقبال هادئة في فندق (بيت زمان) الصغير
في الحي المسيحي بدمشق القديمة ويبدو واضحا ان طاقم العاملين يشعرون
بالملل. العمال يتلكأون في ممرات الفندق الفخم الذي يتكلف قضاء ليلة
فيه 200 دولار في حين يحدق موظف الاستقبال بملل في شاشة الكمبيوتر.
وقال رامي مارتيني رئيس اتحاد غرف السياحة في مؤتمر صحفي مؤخرا ان
معدلات الاشغال في الفنادق بلغت 15 بالمئة في أرجاء سوريا واقتربت من
الصفر في حلب.
وخفضت الفنادق الاسعار بدرجة كبيرة لكن قلة فقط من الزوار الاجانب
هم المستعدون لمواجهة الاضطرابات والمغامرة بزيارة سوريا رغم اثارها
الجذابة واسواقها القديمة واجوائها الفريدة. وسوريا في بداية موسم
عطلات الصيف لكن العديد من متاجر العاديات مغلق في حين تخلو عشرات من
الفنادق الفاخرة الصغيرة في البلدة القديمة من السائحين.
وقال أبو صلاح الذي يبيع السجاد والاوشحة والحلي في متجر قرب أحد
الجدران القديمة التي كانت تحيط بالمدينة "السياح خائفون من المجيء لكن
العاصمة امنة."
ويمضي ابو صلاح وقته محتميا من الشمس تحت ظلال الجدران السميكة في
لعب النرد واحتساء الشاي مع بائعين اخرين. وقال "السياح يصدقون كل ما
يسمعونه في الاخبار لكن أغلب المشاكل تحدث في المناطق الفقيرة."
وتشهد محافظتا حمص وادلب المضطربتان احتجاجات حاشدة كل يوم تقريبا
وأرسلت الحكومة دبابات لاستعادة السيطرة على بعض مناطق الحضر. غير أن
دمشق تعد مركزا لطبقة التجار الاثرياء الموالية للرئيس بشار الاسد وليس
هناك دلائل تذكر على الازمة التي تواجهها الحكومة في مناطق أخرى.
ومع تواجد أمني كثيف في العاصمة يقول الناس انهم يخشون الاحتجاج
واولئك الذين يحتجون يجري اعتقالهم على الفور. والاحتجاجات محدودة
وتتركز في الضواحي وتهرع الشرطة بسرعة لتفريقها.
ودفع ارتفاع أعداد القتلى في مناطق أخرى من البلاد سفارات استراليا
والولايات المتحدة وكندا وأغلب الدول الاوروبية لاصدار نصائح للمسافرين
تحثهم على عدم السفر الى سوريا الا للضرورة.
ونصحت وزارة الخارجية البريطانية المسافرين بعدم السفر الى سوريا
وطالبت مواطنيها بمغادرة سوريا فورا "بالوسائل التجارية وقتما تكون
متاحة." وأبطلت مثل هذه التحذيرات بشان السفر التأمين للعديد من شركات
السياحة ومنها شركة ايسوكوس أند ايماجين ترافل ومقرها بريطانيا.
وقال مدير العلاقات العامة بالشركة روب ديكسون "قمنا بالغاء الرحلات
حتى سبتمبر رر2011. أجلينا مسافرين من ليبيا بالزوارق وأخرجنا اشخاصا
من مصر. لا نريد مواجهة أي مخاطر."
وخسارة السياحة أقوى دليل على أن الاضطرابات أضرت بالاقتصاد السوري
وأوجدت مخاوف في دمشق من ان المزيد من الناس ومنهم طبقة التجار
الاثرياء قد ينضمون الى الاحتجاجات مع ارتفاع البطالة وزيادة الاسعار.
والهبوط الحاد لاعداد السياح كان له أثر امتد الي قطاعات اخرى.
فالمطاعم والمقاهي تواجه صعوبات والعديد من الحافلات لا تمتليء بالركاب
خاصة المتجهة الى المزارات السياحية مثل قلعة الحصن وهي من اشهر القصور
الصليبية في العالم.
وقال دبلوماسي أوروبي بارز في دمشق "رغم ان الاحتجاجات المناهضة
للاسد قد لا تنجح في الاطاحة بالرئيس من خلال العصيان المدني فقد يتحقق
ذلك بسبب الضرر غير القابل للاصلاح الذي لحق بالاقتصاد."
والى جانب اجتذاب الاستثمارات الاجنبية المباشرة ركزت الحكومة
السورية على قطاع السياحة في محاولة لتنويع الاقتصاد لانهاء الاعتماد
على النفط الذي تتراجع امداداته ولجلب النقد الاجنبي الذي تحتاجه
البلاد بشدة.
وبالاعتماد على المدن ذات المناظر الخلابة مثل دمشق وحلب باسواقها
المبهرة ومساجدها المزينة ومنطقة أفاميا الاثرية التي تضم 185 عمودا
رومانيا ازدهرت السياحة في سوريا في السنوات القليلة الماضية.
وتفيد بيانات وزارة السياحة بأن عدد السياح زاد بنسبة 40 بالمئة في
2010 الى 8.5 مليون زائر وشكلوا نحو 12 بالمئة من حجم الاقتصاد العام
الماضي. واجتذبت سوريا الزوار من أجزاء أخرى في الشرق الاوسط منهم زوار
ايرانيون للمزارات الدينية في دمشق. لكن بعد مجموعة من حملات الترويج
التي رعتها الحكومة في أوروبا جاءت الزيادة في 2010 اساسا من ألمانيا
واسبانيا وايطاليا وبريطانيا وفرنسا وهم زوار ينفقون أكثر من غيرهم.
وكان مديرو الفنادق يستعدون لموسم جيد هذا العام فحجزوا جميع غرف
العديد من الفنادق بعضها لمدة ثمانية أشهر. ويقول مهندس معماري من دمشق
انه كانت هناك خطط لزيادة الطاقة الاستيعابية لدمشق لتستقبل 12 ألف
زائر اضافي أسبوعيا.
لكن القطاع السياحي يبدو في حالة سيئة الان. لم تعلن بعد أعداد
الزوار لكن ليس هناك مجال يذكر للشك في أنها منخفضة للغاية. وقال
اقتصادي مقيم في دمشق طلب عدم نشر اسمه "السياحة هي أكثر القطاعات
تضررا من الاضطرابات... عندما تصدر أعداد السياح القادمين الى سوريا
ستأتي منخفضة للغاية والعديد من الفنادق اما أغلقت ابوابها أو خفضت
عمالتها."
وفي السنوات القليلة الماضية اصبحت تركيا شريكا مهما لسوريا في
القطاع ووقعت الدولتان اتفاقات لتشجيع السياحة. وتبيع العديد من شركات
السياحة التركية والسورية برامج رحلات تشمل مزارات البلدين.
وقال مدير شركة سياحة في دمشق طلب عدم الكشف عن هويته ان عدد السياح
الاتراك الي سوريا من المتوقع أن ينخفض بشدة. وفي مواجهة تراجع اعداد
الزوار الاجانب ومن المنطقة تركز وزارة السياحة السورية على تشجيع
السياحة الداخلية لانعاش السياحة في العام المقبل عن طريق خفض الاسعار
وتقديم اسعار تشجيعية على رحلات الطيران الداخلي. لكن مع اغلاق العديد
من الطرق السريعة وفرض حظر على التجول في بلدات يفضل الكثيرون البقاء
في منازلهم.
ويقول صاحب فندقين في تدمر ان المنطقة الاثرية اصبحت خالية ربما كما
كانت عندما اعيد اكتشافها في خمسينات القرن الثامن عشر. واضاف قائلا "فندقي
كلاهما خاويان وخسرت المال بسرعة كبيرة. لذلك قرر اغلاقهما والسفر الى
أوروبا بضعة أشهر انتظارا لتحسن الوضع... هذا البلد اصبح خرابا لا اعرف
متى سيمكنني العودة."
أما تاجر العاديات ابو صلاح فيتوقع تحسن الاوضاع وقال بحماس "انظر
الى لبنان. انها بجوار سوريا وخاضت حربا في 2006."
تأثيرات اقتصادية
كما تتصاعد التأثيرات السلبية وقالت جريدة الوطن السورية المقربة من
الحكومة في تقرير لها اليوم الاربعاء ان أداء سوق دمشق للأوراق المالية
هبط بشكل حاد خلال تداولات، بضغط متزايد من جانب العرض الذي يعكس رغبة
كبيرة لدى المستثمرين في الخروج من السوق وتسييل محافظهم، وانسحاب
المشترين الذي بلغ ذروته الثلاثاء.
وهكذا انخفضت أسعار جميع الأسهم المتداولة يوم الثلاثاء، ما أطاح
بالمؤشر إلى مستوى 1025.35 نقطة خاسراً 9.87 نقاط، ومتنازلاً عن مستوى
إغلاقه السابق بنسبة 0.95 في المئة
ويقول مراسلنا في دمشق عساف عبود إن هذا أدنى مستوى للمؤشر منذ 11
يناير/ كانون الثاني 2010.
وذكر التقرير أنه رغم هذه المستويات المتدنية للأسعار، ما زال
المستثمرون يحجمون عن دخول السوق. بل أن عدد الراغبين في الشراء يتناقص
تدريجياً، يوماً بعد يوم، الأمر الذي يشير إلى عوامل نفسية مرتبطة
بالخوف والقلق، تسيطر على المستثمرين، وتوجه قراراتهم الاستثمارية
الحالية.
وأظهرت عمليات التداول مؤخرا استمرار حالة الانسحاب من جانب الطلب،
حيث امتلأ عمود «حجم أفضل شراء» بالأصفار، وهذا ما أثر سلباً على حركة
التداول التي تراجعت إلى مستويات متدنية جداً.
وعن أداء القطاعات المختلفة قال تقرير جريدة الوطن إن قطاع المصارف
جذب يوم الثلاثاء 74.61 في المئة من حجم التداول الإجمالي، على حين
يشغل القطاع ما نسبته 89.13 في المئة من رأس المال السوقي الإجمالي
لجميع الشركات المدرجة في السوق أي القيمة السوقية لبورصة دمشق.
وتقدم قطاع التأمين بشكل ملحوظ، حيث استقطب 25.07 في المئة من حجم
التداول، وهو يشغل 7.15 في المئة من القيمة السوقية الإجمالية للبورصة،
على حين بقي 0.33 في المئة من حجم التداول لقطاع الصناعة الذي يشغل
بشركته الوحيدة 1.49 في المئة من القيمة السوقية، في حين خرجت قطاعات
الخدمات والزراعة من التداول. |