الإصلاح... منهج حياة

المهرجان السنوي الحادي عشر للإمام علي

شبكة النبأ: أقام مركز الفردوس للثقافة والإعلام مهرجانه السنوي الحادي عشر للإمام علي بن ابي طالب عليهما السلام تحت شعار: الإصلاح... منهج حياة عند الإمام علي (ع) في فندق السفير بحضور النواب: د.ايوب حميد، د.بلال فرحات ود. علي المقداد، القائم باعمال السفارة الايرانية مهدي شوشتري، ود. بشار الاسعد ممثلا السفير السوري علي عبد الكريم علي، والشيخ دليل عبد الخالق ممثلا شيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، الشيخ جلال اسعد ممثلا رئيس المجلس الاسلامي العلوي الشيخ اسد عاصي ورئيس المجلس الاسلامي الفلسطيني الشيخ د. محمد نمر زغموت وحشد من الشخصيات القكرية والثقافية والتربوية والعسكرية وعلماء الدين واساتذة الجامعات ومواطنين.

بداية تلا المقرئ السيد عباس شرف الدين ايات من الذكر الحكيم وكلمة ترحيبية لعريف الحفل المحامي محمد زكي النوري، والقى عميد كليّة الدراسات الاسلامية في لبنان أ.د. فرح موسى ممثلا رئيس الجامعة أ.د. حسن الشلبي بحثا تحدث فيه عن رؤية الإمام علي(ع) الانسانية والاصلاحية " مشيرا الى ميزة أمير المؤمنين (ع) أنه لم يقدم لأهل زمانه فحسب، وإنما لكل الإنسانية في كل زمان ومكان، ورؤيته عن الإنسان، هي رؤية القرآن و هي رؤية الأنبياء وهي ليست مجرد رؤية، وإنما هي حقيقة عبرت عنها الرسالات السماوية على لسان الأنبياء والأوصياء، فهذه الرؤية ناصعة وحاكمة في زمان الإنسان ومكانه في الحاضر والمستقبل،والإمام علي (ع) ليس باحثاً سياسياً، أو فيلسوفاً، أو عالماً، أبدع في جانب، وأخفق في جانب آخر - كما هو شأن الكثيرين من العلماء والفلاسفة والباحثين - ؛ فالإمام هو أمير وولي المؤمنين والناطق بالحق، وهو حق دائماً وأبداً. هو لا ينطق عن الهوى، بل هو ناطق بلسان الرسول والرسالة معاً، وهو منتدب من قبل الله – تعالى - ومعيّن من النبي لحماية الإسلام، عقيدة، وشريعة، ونظام حكم، من أن تطاله يد التحريف.

واكد د. موسى ان الإمام (ع) أوضح في عهده ان الاصلاح يقوم على قاعدة الإيمان بالله تعالى، لأن التغيير في اي مجتمع إنساني لا بد أن يكون له مقدماته كما يصل إلى الغاية المنشودة حيث قال تعالى: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فالإمام يخرج رؤيته الإصلاحية وفاقاً لرؤية إنسانية، ورسالية جديدة، خرجت إلى حيز الوجود مع الرسول والرسالة الإسلامية، ولهذا نجد رؤية الإمام (ع) مؤسسة على قواعد جديدة أخرجها الإسلام وهي بدأت مع إخراج الأمة الإسلامية إلى النور.

واضاف...إن أحداً لا يمكن أن يتصور إصلاحاً إنسانياً واعياً وهادفاً فيما لو كانت الأمة تعيش القبلية والعرقية والعنصرية، التي تشكل عوامل فرقة وإختلاف في المجتمع، وغالباً ما تؤدي إلى النزاع والقتل والفناء، لقد شاء الله تعالى أن يكون الإسلام والعقيدة الإسلامية هي قاعدة التحول الإجتماعي والإنساني، كما شاء تعالى ان يكون الاسلام أساس كل عمل إصلاحي، وهذا ما تميز به الإسلام فيما أدى إليه من تحول إنساني على أساس العقيدة الإسلامية التي جمعت تحت رايتها العربي، والفارسي، والحبشي، والرومي، وكيف كان، فإن الإصلاح يبقى له مرتكزاته، وقواعده، التي لا بد منها في عملية التحول نحو الأفضل، وهذا ما ارشدنا إليه الإمام (ع) في رسالته حيث أكد على ضرورة أن يكون الإصلاح في النفس منطلق لكل إصلاح إنساني وإجتماعي، لأن النفوس المريضة، والقلوب المشتتة لا تتيح إصلاحاً، وإنما هي سبيل الفساد، ولعل أكثر ما كان يشكو منه الإمام علي (ع) هو هذا، أن الناس لم يكونوا على وعي بأنفسهم ولا برسالتهم، ولا برسولهم، فمن الطبيعي ان لا يكونوا على وعي بامامهم، وبالامكان هنا ان نشير الى قول الإمام (ع) فيما أشار اليه عن الاصلاح والايمان، حيث قال: "بالاصلاح يستدل على الايمان، وبالايمان يستدل على الاصلاح".إن أحدا ً لا يمكنه ان يفصل بين الرؤية الانسانية عند الإمام (ع) ورؤيته الاصلاحية، لأنّ اساس هذه الرؤية هو الانسان، واذا مات الانسان في نفسه ورؤيته، واخلاقه، وأهدافه، فانه لا يرجى منه الاصلاح.

يقول الإمام علي (ع):".. وقد علمتم انه لا ينبغي ان يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والاحكام، وامامة المسلمين، البخيل فتكون في اموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدّول فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيُهلك الامة...".

ويشير الإمام الى الشروط والمواصفات التي ينبغي توفرها في الحاكم الاسلامي باعتبار ان استقامة الولاة تبقى شرطا ً في استقامة رعيتهم، فاذا كان الوالي فاسدا ً مفسدا ً، فعلى الأمة ان تصلحه فيما لو كانت أمة مؤمنة وملتزمة ومستقيمة، كما قال (ع): " فليست تصلح الرعية الا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة الا باستقامة الرعية، فاذا ادت الرعية الى الوالي حقه، وادى الوالي اليها حقها، عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل، وجرت على اذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة، وبئست مطامع الاعداء " امّا فيما لو لم تكن الامة كذلك، فلا يلبث الحاكم ان يفسد في الارض، ويهلك الحرث والنسل، وهذا ما وقعت فيه الأمة الاسلامية في تاريخها، فهي انتجت الطغاة والجبابرة ولم تستمر خير أمة أخرجت للناس.وهكذا، فإنّ معنى ان يتحقق الاصلاح، معناه ان تكون له وسائل ومعطيات داخل الأمة وخارجها لكي يستقيم حال المجتمع الانساني، وقد بيّن الإمام هذا المعنى في كثير من كتبه ورسائله، اذ قال: " لقد فرشتكم المعروف من قولي وفعلي، وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي.."، الى غير ذلك من النصوص التي تبرز اهمية استقامة الوالي في سبيل اصلاح المجتمع وهذه الاستقامة لا تأتي من كون الوالي منتخبا ً من الناس، بل من كونه عارفا ً بالشريعة، وعادلا ً في نفسه قبل كل شيء، فاذا لم تكن له هذه الخاصية، فقد يدخل في الدنيا، ويُفسد المجتمع والدولة معا ً...

وانطلاقا ً من ذلك، نرى ان سياسة الاصلاح في فكر الإمام علي(ع) لم تكن الا ترجمة حقيقية لما جاء به الاسلام من احكام وتعاليم ومبادىء، تحتم على الحاكم الاسلامي ان يكون ملتزما ً بها، ومنطلقا ً منها في عملية الاصلاح.فالسياسة في فكر الإمام(ع) ليست فنا ً من الفنون التي يبتكرها الحكام لتدبير شؤون الناس، وانما هي سياسة اصلاحية تهدف الى اغناء الامة وترشيدها، وقبل ذلك كله،هدايتها الى احكام ربها لتكون لها الحياة، كما قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ".

وتابع..الإمام علي(ع) كان متميزا ً بالواقعية الكاملة فيما لجأ اليه من وسائل وأساليب ومناهج لاجراء اصلاح شامل وكامل في بنية الامة والمجتمع، مستحضرا ً قول الله تعالى لرسوله: " ودّوا لو تدهن فيدهنون".فالإمام رفض الابقاء على معاوية بولاية الشام، كما أنه رفض مساومة طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة"، كما أنه رفض ان يبقي على كثير من الفاسدين في الحياة الاسلامية، سواء في المجال الثقافي، او في المجال التشريعي، او في المجال الاجتماعي، وقد عبر عن هذه الحقيقة بقوله: "لا يقيم أمر الله سبحانه الا من لا يصانع ولا يضارع، ولا يتّبع المطامع"، ونهج البلاغة حافل بالنصوص التي خاطب به االولاة وقادة الجند، مؤكداً على ضرورة ان يصلح الناس شؤونهم وفقا ً للرؤية الاسلامية التي حملها ودافع عنها حتى استشهاده.إن الاصلاح المجتمعي بنظر الإمام منطلقه أن يعود المسلمون كما اراد الله، خير امة اخرجت للناس، وان يكونوا احياء وفقا ًلامره ونهيه وليس كما يراد لهم من قبل الطواغيت الذين امرت الامة بالكفر بهم،ذلك هو معنى الاصلاح ان يساس الناس سياسة تقربهم من الاصلاح وتبعدهم عن الفساد، وتجعل منهم دعاة حق وعدل وخير للانسانية قاطبة.

وختم د. موسى بالقول إن كلام الإمام (ع) يكشف تماماً عن ماهية الرؤية الإنسانية والإصلاحية التي إعتمدها طيلة حياته المباركة، ولم تكن تخفى عليه الآعيب المكر والدهاء التي كان يلجأ إليها الحكام، بل كان يدرك تماماً، أن النصر لا يطلب بالجور، والإصلاح لا يطلب بالفساد، والحق لا يطلب بالباطل، وهو قديم لا يبطله شيء، والخير لا يطلب بالشر، ذلك أن الله تعالى لا يطاع من حيث يعصى. وهنا نقول ليس من السياسة في شيء، ولا من الاصلاح في شيء، ولا من الانسانية في شيء، ان يتحول الاسلام والمسلمون عن دينهم ليكونوا امعّات يصفقون للحكام، ويأكلون مال العباد بالباطل، ويفسدون في الارض بعد اصلاحها.وهذا ما أكدّ عليه الإمام (ع) بقوله " من استثقل الحقّ أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه.."، فلا تكفوا عن مقالة بحق، ولا عن مشورة بعدل.

وتحدث مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب الدكتور عبده أبو كسم عن الرؤية الإصلاحيّة والتغييريّة لحكومة الإمام علي بين النظريّة والتطبيق، وقد زادني هذا البحث تعمقاً في مفهومي لشيعية العصر التي استمدت مفاهيم الدولة من أُسس حكومة الإمام عليّ التي خالفت إلى حدّ بعيد سياسة حكومات من سبقوه فجاءت حكومته إصلاحيّة ذات أبعاد سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وقضائيّة وعسكريّة مبنيّة على إرادة حاكم صادقٍ شريف يعتمد على مبدأ الشورى، مطلقاً مفهوم الديمقراطيّة في حكومة لا تساوم على الباطل وتحفظ حقوق الناس.

وراى إن الإمام علي تعامل مع الدولة كما يتمّ التعامل معها الآن في الدول الحديثة وهذا ما يتضح من كتاباته في عهد الأشتر، وظهر هذا الأمر من تحديد موقف الحاكم من وظيفته، فإنه حرص على دستورية التصرفات التي يقوم بها الحاكم متجنباً من وقوع الحاكم في اتخاذ قرارات غير دستورية وغير شرعيّة، وهذا يعني إنه يطلب من الحاكم إن يتبع في تصرفه وسلوكه الفرائض والسنن التي أوجبها الله مرتكزاً على مقولة إن النظام هو كفيل النجاح، وعلى الإمام العمل بكتاب الله وسُنة نبيه وإحياء سيرة النبي الأكرم هو المنهج الذي يسير على ضوئه ويلتزم به.إن مرجعية القرارات التي يتخذها الحاكم هي شرعية هذه الفرائض والسنن، لذلك جعل الرأي العام رقيباً على تطبيق العدل الذي هو اساس الملك، حيث تتفرع عنه ومنه بقيّة المعادلات السياسيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة.

وعن الطبيعة البشريّة وعلاقتها بالحكم، فقد دعا الإمام علي الحاكم إلى استشعار الرحمة في قلبه والمحبة لمواطنيه واللطف بهم، فلا يكون سبعاً ضارياً يغتنم أكلهم، ودعاه الى عدم التمييز بين المواطنين وأن يحكم بينهم بغض النظر عن الدين. فالمواطنون من حيث الموقع الديني صنفان إمّا أخ للحاكم في الدين أَو نظير له في الخلق.وإن مفهوم نظير لك في الخلق يختصر اللون والمنشأ والبلد واللغة وكل شيء إلى الأصل الإنساني الشامل.إن هذا المفهوم الذي أطلقه الإمام علي منذ أكثر من ألف وأربعماية سنة ونيّف يتطابق تماماً مع المادة 2 من وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص: «لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في الإعلان دونما تمييز من أي نوع، ولاسيما التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي، سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل الوطني أو الإجتماعي أو الثروة أو المولد».

أمّا في مفهوم الحاكم لإستخدام القانون، فيقول إن العقوبة ليست فضيلة مطلقة، ودعا الى تشجيع المحسن وعقاب المسيء قائلاً: «ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلةٍ سواء»، وأكدّ إن التسامح لا يكون بين المواطنين فحسب، إنما بين المواطنين والحاكم «فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك من عفوه وصفحه».وعليه فإن التعليم وفلسفة الحكم لدى الإمام هي تعاليم إلهية موّجهة الى الحاكم، فحق الحاكم ليس فوق حق المواطن، إلاّ بقدر أن يكون الحاكم مسؤولاً عن تطبيق العدالة بمنظورها الإلهي بمعنى إن القوانين تستهدف حماية الإنسان من التسلط والطغيان. وهذا ما يتفق مع المادة 11 من حقوق الإنسان التي تنص على ما يلي: «لا يدان أي شخص بجريمة بسبب أي عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكل جرماً بمقتضى القانون الوطني أو الدولي، كما لا توقع عليه أية عقوبة أشدّ من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الجرمي».

أمّا في فلسفة الدولة، ودور المؤسسات التابعة لها، ومؤسسات المجتمع المدني والقطاعات المهنيّة والمؤسسات الإجتماعيّة وتمثيلها في الحكم فيقول: «أعلم إن الرعية طبقات لا يصلح بعضها الا ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله ومنها كتّاب العامة والخاصة ومنها قضاة العدل ومنها عمّال االأنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس ومنها التّجار وأهل الصناعات ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة، وكلاّ سمىّ الله سهمه». ثم فصل بعد ذلك وظيفة كل فرقة.

إذاً نحن أمام مبادئ سياسية واقتصاديّة تقسّم العمل بين مختلف القطاعات بحيث لا يصلح بعضها إلاّ ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض. وفي الناتج الإقتصادي الذي يعزز مقومات الدولة يقول: إن الناتج الإقتصادي لا يقوم على الجباية بقدر ما يقوم على توفير المستلزمات الأساسية لاستمرار الموارد المالية، وهي إصلاح الأراضي ومساعدة عمّالها على التغلب على العقبات الطبيعيّة مثل الجفاف والفياضانات فحماية مصدر الموارد أهم من الحصول عليها، وبهذا يكون الإمام علي قد أسس لمبدأ اقتصادي من مبادئ الإقتصاد، وهو مسؤولية الدولة عن حماية المصادر القومية للإقتصاد وهو مبدأ أساسي من مبادئ الدولة العصرية.

في موضوع الضمانات الإجتماعية يؤكد الإمام علي على مسؤولية الدولة في توفير الحد الأدنى من ضمانات العيش الكريم لمن هم من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم، كمثل العجزة وكبار السن والعاطلين عن العمل وهذا ما يتفق مع المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على ما يلي: «لكل شخص بوصفه عضواً في المجتمع، حق الضمان الإجتماعي ومن حقه أن توفر له من خلال المجهود القومي والتعاون الدولي وبما يتفق مع هيكل كل الدولة ومواردها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها لكرامة وتسامي شخصيته في حرية».

واكد ابو كسم إن جوهر الفكر السياسي للإمام علي هو العدالة مما يتطابق مع تاريخ وانتاج الفكر السياسي والإجتماعي للديمقراطية القائم على فكرة المساواة بين البشر أمام القانون، فالعدالة تأخذ حيّزاً واسعاً من فلسفة الحكم عند الإمام وهي تشكّل هاجساً مستمراً، لأن فلسفة الحكم عنده تنطلق من سيادة القانون الذي يحقق سيادة العدالة،ومن أجمل ما يجسّد صورة العدالة في منظومة حكومة الإمام عليّ ما جاء في كلامه «لو ثبتت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم حتى تزهر تلك القضايا إلى الله عزّ وجلّ وتقول يا رب إن عليّاً قضى بين خلقك بقضائك».

وفي المقابل يؤكد الإمام عليّ على أهميّة مصداقية أية سلطة أو حاكم تجاه شعبه وأن تكون له قدرة التمييز الحصيف أولاً، وقدرة الحياد الثابت تجاه المسيء فليست هناك محسوبيّة أو تردد شخصي أو عائلي أو عشائري في مبدأ الثواب والعقاب، فالعدالة هي المنطلق لجميع الحقوق والمهد الذي تتربى فيه قيم الدولة في علاقتها بمواطنيها. وهذا ما يتفق مع المادة 7 من حقوق الإنسان: «الناس جميعاً سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دون تمييز».والمادة 8: «لكل شخص حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من اية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور أو القانون».المادة 9: «لا يجوز إعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً» إذن هذه المواد تشكّل الأساس الحقوقي للعدالة التي تتوخاها الأنظمة الديمقراطية، وهي كانت قد شكلّت فلسفة الدولة عند الإمام علي بشكل واسع.

أمّا في موضوع القضاء، يوصي الإمام باستقلالية القضاء ونزاهة القضاة الذين يتمتعون بالكفاية المادية كي لا يتأثر حكمهم بالوضع المعيشي الذي قد يدفعهم إلى التمييز، وهذه المبادئ تشكل اليوم المبادئ الحديثة في الدول الديمقراطية.أمّا العدالة في المال العام وإعادة الأموال إلى بيت المال لأنها ملك المسلمين فقد طبقها الإمام على تطبيقاً سريعاً بعد توليه الخلافة، كما وتصرف تصرّف رجل الدولة الديمقراطية الحديثة التي تعطي لمعارضيها الحق في البقاء على آرائهم.

لقد دافع أمير المؤمنين طوال حياته عن حقوق الناس وعن المستضعفين منهم بنوع خاص وواسى فقيرهم وعطف على أراملهم وأيتامهم ودافع عن حقوق الناس المشروعة سواءً أكانوا مسلمين أم غير مسلمين وسعى إلى تأمين ضمانات لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي، ومن هذه الضمانات:

1- حمايتهم من اي عدوان خارجي.

2- الحماية الداخلية، فإنها تشتمل على حماية الدماء والأعراض والأموال.

3- الحريّات العامة وفي مقدمتها الحريّة الدينيّة.

ومن يمعن النظر ويتعمق في قراءة الأسس التي قامت عليها حكومة أمير المؤمنين الإمام علي والتي هي أساس بناء الأوطان إنطلاقاً من تجرّد الحكام وبسط سلطة القانون والعدالة بين الناس، والمحافظة على حقوقهم الإنسانية والوطنية والمساواة في ما بينهم وتعزيز أعمال المحبة والرحمة، والمحافظة على مقدرات المال العام، وتحسين الموارد الوطنية التي وحدها تضمن حماية الوطن واستقرار المجتمع، وتحصين القضاء من كل ما يدفع القضاة إلى الإنحراف عن طريق الحق، يرى، أن سياسة أوطاننا في لبنان والدول العربية التي لم تنجح حتى اليوم في بناء وطن يحمل مقومات الدولة، لا تلتقي إطلاقاً مع مقومات حكومة الإمام علي، فالحكّام مرتهنون لمن هم حولهم والعدالة الإجتماعية مفقودة، ومقومات الدولة السياسية والإقتصادية والإجتماعيّة مقسمّة على أصحاب النفوذ، والمال العام سائب ولا من رقيب أو حسيب، والوظائف رهن بالمحاسيب، والمحاسيب عبيد لأسيادهم، والقوي بقوته يزداد عهراً، والفقير يزداد فقراً وحرماناً، وحقوق الناس مسلوبة، والدين أصبح سلعة نخفي وراءها كل هذا الكمّ من الفساد، وتسألون بعد لماذ كل هذه الثورات في منطقتنا؟إن مفهوم الدولة والمواطنة والمواطنية غائب ومفهوم المزرعة والمحسوبية سائد، فأين نحن من حكومة أمير المؤمنين؟

وختم بالقول:إن المشكلة الكبرى التي واجهت الإمام علي سياسياً كانت نابعة من الفروقات الهائلة بين مشروعين للحكم، مشروع يقوم على الوسائل غير المشروعة وعلى مصادرة السلطة، والمال العام واستخدام القانون لصالح أقليّة حاكمة وحرمان الأمّة من العدالة، وبين مشروع رسالي شرعي له مرجعياته الأخلاقيّة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وحضارياً وتربوياً يستهدف تحقيق العدالة والمساواة والرفاهية للجميع حسب الإمكانيات المتاحة بغض النظر عن الجنس واللون والدين واللغة والمنشأ.إن قراءة فكر الإمام علي ودوره القيادي، يستلزم أبحاثاً كثيرة، لكن من دون شك إن فكره النيّر وعقله الوازن والتزامه إيمانه، ولدّوا لديه نظرةً بعيدة الأفق لحكومة حملت في مضمونها بذور الديمقراطية وحقوق الإنسان وأسست لمجتمع راقٍ ربما لم يفد منه المسلمون ولا المسيحيّون الإفادة المرجوّة.

والقى الباحث د.محمد طي بحثا بعنوان علي(ع): تأسيس الإصلاح استدامةً للتطوير، صراط الأنبياء في مواجهة سبل الشرك جاء فيه: كان علي(ع) أباً للعلوم الإسلامية, إذ يعود إليه الفضل في تأسيس علوم كثيرة منها:علم الكلام المستند إلى خطبه الطويلة حول قِدم الخالق, وتنزّهه, ولا محدوديته, وطريقة خلقه العالم, وتدبيره, ورأفته،علوم القرآن والقراءات،التصوّف والعرفان، النحو لإنقاذ العربية, لغة القرآن, من الضياع أو الالتباس في المعاني على الأقل، أحكام قتال البغاة أو القتال بين أهل القبلة و العلوم الحربية. وهكذا أطلق الإمام(ع) حركة فكرية تابعها العالم الإسلامي من بعده, فنشأت النظريات والفرق, ولم يتوقف الأمر حتى الآن، وإن مرَّ بعهود من الانحطاط.وطاولت تلك الحركة الأديان الأخرى، لا سيما في مجال علم الكلام ( اللاهوت)، الذي راح يتناوله المسيحيون واليهود انطلاقاً من أفكار علي(ع) أو ردّاً عليها.

أما في المجال الاجتماعي والسياسي, فقد كان علي (ع) أهم المعلّمين المؤسّسين للإصلاح، اذ تولّى علي(ع) الخلافة بعد أن سادت الفوضى صفوف المسلمين، وانصرف العديد من قادتهم إلى اقتناء الأموال مستفيدين من الفتوح ومغانمها، حتى كادت تغيب فكرة نشر الدين الحنيف عن أذهان الكثيرين. بعد أن كان معظم قادة الجيوش من مسلمة فتح مكة أو ما قبله بقليل، ممن كان يصف الرسول(ص) حالهم بأنهم "حديثو عهد بكفر" لا سيّما فتية بني أمية, الذين تولّوا الولايات في عهد عثمان, ممن حفلت كتب التاريخ بارتكاباتهم ومظالمهم.

ويختم د. طي فيقول: قام علي(ع) بواجبه تجاه رعيته خير قيام، فها هو يذكّرهم بما أدّاه إليهم من تعليم, وإقامة للعدل بينهم, وما ضرب لهم من الأمثال في سيرته، فيقول لهم: "واعذروا من لا حجّة لكم عليه – وهو أنا – ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر (القرآن)؟ وأترك فيكم الثقل الأصغر؟ قد ركزت فيكم راية الإيمان، ووقفتكم على حدود الحلال والحرام، وألبستكم العافية من عدلي، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي، وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي..."أمّا هم – في معظمهم, فلم يوفوا بالبيعة ولا نصحوا للإمام(ع)، وتثاقلوا عن طاعته، وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحن هنا لا نقصد من شنّوا الحرب على الإمام(ع)، بل أولئك الذين كانوا رعيته، ولكم قرّعهم بخطبه، ولقد ترك تراثاً إصلاحياً ثورياً تستطيع البشرية بواسطته أن تحلّ مشاكلها في كل الميادين، وما أحرانا بدراسته وكشفه ما استطعنا.وهكذا فان علياً (ع) عمل على القضاء على أنواع الفساد, من جهة, وإعادة المسلمين, ليعيدوا بدورهم فيما بعد, البشرية إلى الطريق الصحيح, طريق الصلاح والتطوّر. فكان المرشد بأقواله وسيرته إلى سبيل الأنبياء, صراط الله. فكان بعمله هذا مجدّداً للإسلام بمعناه العامّ( الأديان السماوية جميعاً), ولدين محمد بشكل خاصّ, فاستحقّ أن يكون الهادي مصداقاً لقوله تعالى, مخاطباً رسوله: }أنما أنت منذر ولكل قوم هاد{(الرعد/7). فعلي (ع) يهدي المؤمنين ليكونوا الهداة للإنسانية جمعاء.

والقى الباحث د. حسن الزين بحثا حول مبدأ المعارضة السياسية في فقه الإمام علي،مما جاء فيه:

لقد كانت تصرفات علي بن أبي طالب (ع) خلال حروبه كلها محكومة كما رأينا مع معطيات الشرع الحنيف في احكامه ونواهيه. ومن هذا المنطلق كان موقفه المثير في التسامح والاحترام عندما وقع خصومه السياسيون في قبضته الواحد تلو الاخر اثر موقعة الجمل الشهيرة.

لقد اعاد عائشة زوجة الرسول الاعظم بكل احترام وحيطة الى منزلها ولم يعاقب احدا من سائر القادة.

وأبلغ من ذلك كله كان موقفه من قاتل خصمه الزبير عندما جاءه بسيفه إذ قال له: أبشر يا قاتل ابن صفية بالنار. إن هذا السيف لطالما فرج به صاحبه الكرب عن رسول الله ص فقال القاتل: نقتل اعداءكم وتبشرونا بالنار. ومن هذا المنطلق فيه الخضوع لأحكام الشرع كان تعامله مع اخصامه المهزومين بعد موقعة الجمل في السماح لهم بالتداوي امام مسمع ومرأى رجال السلطة من اتباعه الذين انتصروا عليهم.

وكانت للشاعر جورج شكّور مشاركة أدبية و شعرية من ملحمة الإمام علي اضفت اجواء من البهجة والسرور.

والقى كلمة راعي المهرجان الإمام قبلان المفتي الجعفري الممتاز سماحة الشيخ أحمد قبلان فقال:في واحدة من "دروس التاريخ"، كجزء من "فلسفة العبر" ضبط أمير المؤمنين(ع) واحدة من حركة "الذات الإنسانية" على محور الموازين الحاسمة في تحديد "وجهتها"، قائلاً:"يا ابن آدم، إن الدنيا منقطعة عنك، والآخرة قريبة منك، وإنّكم إلى الآخرة صائرون، وعلى الله معروضون".وبذلك تجلّت وجهة "الذات الفردية والمجموعة"، كضرورة حتميّة في "عالم العبور"، ومعها يصبح الحديث، عن "فقه الذات" وهياكل السياسة، ومشروعات "العدالة الإجتماعية"، وبرامج "الاجتماع المدني" محور السؤال الأخروي ضبطاً على عالم الجزاء.ما يعني أن قيمة ووزن عالم القيامة موقوف على حاصل ذواتنا من "عالم دنيانا" وهذا ما حاول الإمام علي(ع) أن يتلوه علينا بأفضل صور الإثبات، ففي واحدة من طي الليالي، دخل "ميثم التمار" على الإمام علي(ع)، فرآه مصفرّ اللون، متعباً، وهو على عهدته من عبادته؟! فصاح: الله الله يا أمير المؤمنين بنفسك؟! وأصرّ أن ينام ولو لساعة؟ قال ميثم: ما هي إلا ساعة وإذا بي أسمع وطأ قدميه واتكاءه على الحائط ليتابع ورده، فقلت: الله الله يا أمير المؤمنين؟! ارحم نفسك؟ فقال(ع):"يا ميثم إن نمت في الليل ضيّعت نفسي، وإن نمت في النهار ضيّعت رعيّتي".وبذلك رصد لنا "ميزان الحجة" في الدارين، ووزن البضاعة في "العالمين"، وهو ضيعة النفس وضيعة الرعية، وهو رأس المطلب في الاجتماع السياسي، ومقولة "الحكم والحكومة".

من هذا القول ننطلق إلى صاحب الفطرة النقية والنفس المرضية إلى الأفقه والأفصح والأبلغ والأقضى والأقرب إلى الصواب بل إلى الصواب بعينه، إلى الحق ومعدنه، إلى المجاهد الزاهد، إلى الفهيم المفهم، إلى العالم والمعلم إلى العلم ومناهله، نعم إنه علي بن أبي طالب، ابن عم رسول الله(ص) وزوج ابنته وأحب العترة إليه، إنه القدوة لمن أراد الاقتداء، والأسوة لمن أراد التأسي والعلم لمن أراد التعلم، والمصلح لمن أراد أن يَصلح ويُصلح، فها هو سلام الله عليه في رسالة بعث بها إلى ابن حنيف يقول:"وإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الخَوْفِ الأَكْبَرِ وتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ المَزْلَقِ ولَوْ شِئْتُ لاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا العَسَلِ ولُبَابِ هَذَا القَمْحِ ونَسَائِجِ هَذَا القَزِّ ولَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ ويَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأَطْعِمَةِ ولَعَلَّ بِالحِجَازِ أَوْ اليَمَامَةِ مَنْ لا طَمَعَ لَهُ فِي القُرْصِ ولا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وأَكْبَادٌ حَرَّى، أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ ولا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ العَيْشِ".

صورة جلية يرسمها أمير المؤمنين ويوضح فيها معالم الإصلاح المرتكز على ترويض النفس بالتقوى ولجمها عن الهوى وتحصينها من الجشع لمن يريد أن يتبوأ موقعاً أو يحتل منصباً أو يتسلم سدة في مسؤولية. فالإصلاح لا معنى له والتغيير لا جدوى منه إذا لم يبدأ بصاحبه، إذ كيف أفتي بفتوى ولا أعمل بها! كيف أكون رئيساً أدعو إلى تطبيق القانون وأنا أخرقه! كيف أكون داعية أدعو إلى المعروف وأعمل بالمنكر! كيف أكون وزيراً مؤتمناً على أموال الناس وأقوات الناس وألتهمها! كيف أكون نائباً في البرلمان وأسعى لتأمين مصالحي على حساب مصالح من إئتمنني! الإصلاح أيها الإخوة هو أن نبدأ بأنفسنا، هو أن نصلح ما فسد فيها، هو أن نروضها بالتقوى، هو أن ندعو إلى أمر فنكون أسوة في تطبيقه، أمير المؤمنين(ع) يقول:" أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ ولا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ العَيْشِ" ويقول أيضاً:"من نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ ولْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ".

نعم، إننا نسمع ونقرأ الكثير عن الإصلاح، ونشهد الكثير من حركات التغيير، ولكن لسوء الحظ نجد أنفسنا من سيء إلى أسوأ، ومن فساد إلى أفسد، ومن ظالم إلى أظلم، ومن مستبد إلى اكثر استبداداً، ومن محكتر إلى أكثر احتكاراً، ومن منافق إلى أكثر نفاقاً، لماذا؟ لأن النفوس ضعيفة وواهنة وجبلت على الشر.يقول أمير المؤمنين (ع):" فَاللَّهَ اللَّهَ فِي عَاجِلِ البَغْيِ وآجِلِ وَخَامَةِ الظُّلْمِ وسُوءِ عَاقِبَةِ الكِبْرِ فَإِنَّهَا مَصْيَدَةُ إِبْلِيسَ العُظْمَى ومَكِيدَتُهُ الكُبْرَى"، نعم الظلم، التعسف، الاستبداد، التعدي على حقوق الناس، أكل أموالهم، التسلط على عقولهم، سلبهم إرادتهم، كل ذلك سيوصلنا إلى الهلاك أيها الإخوة، سيؤدي بنا إلى التخلف، وإلى الجهل، وإلى السقوط، ها نحن في قعر الهاوية، ها نحن في قلب عاصفة هوجاء تتقاذفنا تيارات التغيير المجهول والإصلاح الذي لن يكون له مكان طالما حيتان السلطة وحيتان المال وتجار الدين هم المسيطرون وهم القيمون وهم المتحكمون بالعباد والبلاد.

نعم من أصلح بينه وبين الله أصلح الله بينه وبين الناس، الإصلاح ليس كلاماً أيها الإخوة إنما هو فعل دؤوب وممارسة شفافة، الإصلاح ليس شعاراً إنما هو مضمون وترجمة حقيقية على أرض الواقع، من البحرين إلى ليبيا إلى اليمن إلى تونس إلى مصر، حركات ومسيرات ومطالبات شعبية، ثورات ضد الظلم، وضد الطغيان، وضد التسلط، وضد الاستبداد، دعوات للتغيير والإصلاح، نحن ندعمها، ونؤيدها ونباركها، وندعو لها بالتوفيق للخروج من هذا الواقع ولكسر هذا السور الكبير من التخلف والجهل وكمّ الأفواه والانطلاق نحو العصرنة والتحديث، نحو العلم والبحث، نحو الابتكار والإبداع، نحو التحول من مجتمعات تتلقى إلى مجتمعات تصنّع وتخترع وتبدع، مجتمعات لا تعيش على منطق الاستيراد المادي والفكري والسياسي. أنماط العيش عندنا مستوردة، دساتيرنا وقوانيننا مستوردة، أسلحتنا ومأكولاتنا مستوردة، أدويتنا مستوردة، فويل لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع.

نعم الويل كل الويل إذا لم نستيقظ، الويل كل الويل إذا لم نسارع إلى الإصلاح حيث يجب الإصلاح، وإلى التغيير حيث يجب التغيير، لا إلى التهديم والفوضى، كما يجري الآن في سوريا من محاولات استهداف لخطها الممانع ولنهجها المقاوم، نحن لا ندافع عن سوريا لأن سوريا بشار الأسد، إنما ندافع عن سوريا المقاومة، سوريا المتصدية، سوريا الرافضة للاحتلال، سوريا المساندة لكل حركات المقاومة والتحرر. نعم يوجد شوائب في النظام السوري، مثله كمثل أي نظام في العالم، يوجد تجاوزات واختلالات، يوجد فساد ومفسدين، كل هذا يجب إصلاحه اليوم قبل الغد وبأسرع وقت، نحن ننصح ونلفت النظر ولكن في الوقت نفسه نسأل الذين ضُللوا وغرر بهم أين ديمقراطية أمريكا وأوروبا في أفغانستان، وفي العراق، وفي البحرين؟ أين عدالة المجتمع الدولي وشرعيته في فلسطين؟ أين حقوق الإنسان وحقوق الأطفال في غزة ولبنان يا سعادة الأمين العام؟ متى يصبح رئيس دولة ما ذا مصداقية عند المجتمع الدولي؟ هل عندما يقول نعم لأمريكا أو لإسرائيل ولو على حساب شعبه وبلده وأمته! لكل هؤلاء الذين خدعتهم هذه العناوين والشعارات الجوفاء نقول لا تذهبوا بعيداً ولا تتأملوا كثيراً بما تروّجه أمريكا وتحرّض عليه أوروبا، فالإصلاح مطلوب في كل دولة عربية وإسلامية، والتغيير من أوجب الواجبات، ولكن ضمن رؤى واعدة، وبعقول واعية، وحوار هادئ ومجدٍ، وليس بالتحدي والتهديد، هذا ما ندعو إليه وما نطالب به وبالخصوص عندنا في هذا البلد الذي نأمل أن تتمكن هذه الحكومة الجديدة من قلب صفحة السجالات والصراعات، وفتح صفحة جديدة من التواصل والتعاون بين الأفرقاء اللبنانيين تؤدي إلى انطلاق مسيرة إصلاحية حقيقية بعيداً عن منطق الكيديات السياسية والمصالح الطائفية والمذهبية، فلبنان بحاجة إلى الجميع وسياسة الإقصاء والتحدي ستسقط الجميع.لذا نناشد الموالين والمعارضين بأن يقرأوا جيداً ويؤدوا حسناً وأن يبتعدوا عن كل تهور في الموقف وفي الخطاب، لاسيما في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة التي تتطلب من الجميع مزيداً من الوعي، ومزيداً من التضامن، وقليلاً من الكلام، وكثيراً من العمل.

من هنا ومن خلال هذا اللقاء، وفي رحاب أمير المؤمنين(ع) نتوجه إلى هذه الحكومة لنقول:"إن اللبنانيين جميعاً في الانتظار وهم في موقع المراقبة والمحاسبة، وهم وحدهم من يعطي الثقة أو من يحجبها، فإلى العمل أيتها الحكومة، إلى التخفيف من آلام وأوجاع الناس، إلى بناء دولة المؤسسات لا دولة الأشخاص، دولة الكفاءات لا دولة المغانم وتوزيع الحصص، نعم إلى اتخاذ القرارات التي تحصّن وحدة اللبنانيين وتكرّس وفاقهم وتحفظ بلدهم من كل كيد وتحد، على أمل أن يشكّل عهد هذه الحكومة الجديدة دوراً فاعلاً يمكّن "ثلاثية" الشعب والجيش والمقاومة من إرساء مفهوم متماسك حول "قضايا البلد والمنطقة" يمنع تسلّل شياطين الفتنة إلى الداخل اللبناني، ويضع حداً لكل الصراعات والنزاعات العبثية.

وفي الختام وزع مدير مركز الفردوس للثقافة والاعلام دروعا تذكاريا على المشاركين كما تم توزيع كتاب ممارسة التغيير لمولفه الإمام الشيرازي الراحل و كتاب فعاليات المهرجان العاشر على الحضور.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/تموز/2011 - 29/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م