قانون الانتخابات العراقي... أزمة تقود الى أزمات

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: حين يفكر الانسان بمشروع معيّن، فإنه سوف يخطط ويضع له اللبنات المناسبة والصحيحة في مرحلة التأسيس، لكي يضمن تصاعد البناء على نحو جيد ومتسارع أيضا، وبعد حين، عندما نصل الى السقف الزمني المحدد، سوف يتم قطف الثمار المرتقبة.

في العراق بدأ مشروع تجربة ديمقراطية جديدة، وهو لاريب مشروع على قدر كبير جدا من الاهمية، كونه يهم حياة شعب العراق أولا، ثم شعوب المنطقة كتحصيل حاصل، وقد يتعدى ذلك الى شعوب الشرق الاوسط.

هكذا كان يُنظر الى ديمقراطية العراق في بداية انطلاقها، كونها تمثل التجربة الاولى من نوعها في هذه المنطقة، التي بقيت مكبلة بالقمع والحكومات الدكتاتورية طيلة قرون وعقود متواصلة.

حتى هذه اللحظة أي بعد قرابة تسع سنوات، لا تزال ثمرة الديمقراطية مشوّهة وناقصة النضج، ونعني بالنضج هنا ليس النهائي، بل النضج التأسيسي، بمعنى أننا لم نزل غير قادرين على وضع الأسس الصحيحة للديمقراطية العراقية، والسبب هو أزمة الازمات ومنبعها ألا وهو قانون الانتخابات.

إن الديمقراطية التي هَيكلها أو شيدها السياسيون وفق قانون الانتخابات الذي وضعوا بنوده بأنفسهم، لا تعبر عن رأي الشعب عموما، وربما لا نخطئ إذا قلنا أنها تعبر عن رأي الأقلية، وثمة دلائل كثيرة تشير الى صحة مثل هذا القول او الاستنتاج.

منها وأكثرها غرابة وخطورة، تلك الخطوات الاجرائية التي اشتمل عليها قانون الانتخابات، وتمكن من خلالها أن يغمط حقوق الناخب العراقي، ويتم التلاعب بالنتائج الحقيقية بوضوح لا يقبل الشك، فمن بين 325 نائبا أو ممثلا عن الشعب صعدوا في الانتخابات النيابية الماضية الى البرلمان، لم يصعد إليه سوى 14 نائبا بجهدهم الشخصي، أي أنهم حصلوا على عدد الاصوات التي تسمح لهم بتمثيل الشعب تحت قبة البرلمان فعلا.

أما الآخرون وكما أشارت العديد من وسائل الاعلام والمنظمات المعنية، فقد تم إسنادهم بأصوات لم يحصلوا عليها، ولكنهم مع ذلك قفزوا الى البرلمان، ليصبحوا ممثلين عن الشعب رغما عن أنفه!! وهذه الحالة تمثل قفزا على الشرعية وعلى الديمقراطية، الامر الذي يدفع الى التشويه أكثر منه الى التصويب والعمل الديمقراطي السليم.

فهناك نواب يشغلون الآن مناصبهم في البرلمان، ولكنهم لم يحصلوا على اكثر من مئة صوت، من الشعب، وهو عدد قليل بل معيب، لايمكن أن يسمح لمن يحصل عليه بالقفز الى البرلمان، ولكن قانون الازمات، ساعد بعضهم على ذلك، لأن بنوده موضوعة من لدن السياسيين أنفسهم، وأمر طبيعي أن من يضع قانونا لنفسه سوف يراعي مصالحه الفردية والفئوية والحزبية وما شابه، الامر الذي قاد الى العديد من الاشكاليات، ومنها بل وأكثرها تجاوزا على الناخبين، هو صعود نواب لم يحصلوا على الاصوات الكافية، لكي يصبحوا ممثلين للشعب في مجلس النواب رغما عنه.

ولم يقتصر ذلك على مجلس النواب وحده، بل حدث الشيء نفسه مع مجالس المحافظات، إذ صعدت الى هذه المجالس شخصيات لا تستحق ذلك، لانها ببساطة لم تحصل على ثقة الشعب، من خلال عدم حصولها على الاصوات اللازمة والمطلوبة لتمثيل الشعب في المحافظة، لذلك ليس غريبا أن نلاحظ غياب الكفاءة والخبرة لدى هؤلاء، لأنهم لم يحصلوا على مسؤولياتهم بصورة مشروعة، بسبب قانون الانتخابات أو منبع الازمات الذي ساعدهم على الوصول الى ما هم عليه الآن، ولكن على حساب حياة الشعب وتطور البلد.

ولكي تكون الديمقراطية ناضجة، وتعبر عن الصورة والجوهر الصحيح للسلطة بكل أشكالها ومسؤولياتها، فلا بد أن تكون حقيقية، وأن يكون لكل ناخب عراقي من يمثل صوته حقيقة، لا أن يُمنح هذا الصوت الى نواب فاشلين، من خلال قوائمهم او كتلهم الكبيرة، وعندما يوضع صوت الناخب العراقي في محله الصحيح ويصل الى من يستحقه فعلا من النواب، عند ذاك سوف نطمئن الى أن الديمقراطية تحققت فعلا، وأن نواب البرلمان، هم مرشحون تم اختيارهم فعليا من لدن الناخبين، عبر اصوات لم تهدر هنا او هناك، ولم تعطَ جزافا لهذا النائب او ذاك حتى لو كان فاشلا.

فالنائب الذي لم يحصل على مئة صوت، أقل أو أكثر قليلا، كما حدث مع بعض النواب، لايستحق أن يمثل الشعب، بحجة تطبيق قانون الانتخابات، الذي هو اصلا يحتاج الى تشذيب وتصحيح من الاخطاء التي انطوى عليها، وما يقوم على الخطأ لا ينتج سوى الخطأ، وهو ما حدث ويحدث فعلا على ارض الواقع، من خلال ضعف التشريع والتنفيذ معا، وهو أمر واضح لايمكن لاحد من النواب او المسؤولين إنكاره، فالشارع والحياة العراقية تقدم لهؤلاء ولغيرهم، شواهد ودلائل وأسانيد، تؤكد ضعفهم وعدم قدرتهم على تحقيق ابسط تطلعات وطموحات الشعب، الذي لايزال يعاني من ديمقراطية لم تكتمل، لأنها لم توضع على الاسس الصحيحة، كما كان يُفترض بالقائمين عليها أن يفعلوا ذلك.

إذن مكامن الخلل واضحة، في قانون الانتخابات وسواه، وبقاؤها لايخدم احد، لا الشعب ولا السياسيين، وما على المعنيين جميعا وهم يعرفون أنفسهم، سوى التحرك الجاد لتصحيح الشطط، خدمة لتجربة العراق وشعبه وقادته في آن.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/تموز/2011 - 29/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م