سياسة الاسلام تفضح همجية السياسات المعاصرة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: ليس صحيحا ما يُشاع عن السياسة والسياسيين من أنهم المعنيون حصرا، بهذا المضمار الذي يهم حياة ومصائر الناس أجمع، بمعنى أن السياسة ليست حكرا على نفر من الناس دون غيرهم، وليس صحيحا أن رجال الدين لا دخل لهم في السياسة، لأن الاسلام أساسا حين ظهر في الجزيرة العربية، إنما كان الهدف منه تغيير منهج حياة الناس جميعا عبر السياسة أولا وغيرها من الاساليب المساعدة على زيادة وعي عامة الناس.

في كتابه القيّم الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام) يعرّف سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، السياسة بأنها: (بحث واسع مترامي الأطراف، وبحر عميق عريض لايبلغ غوره وسواحله إلا القليل القليل.. فهي كيفية إدارة شؤون الناس في السلم والحرب، والأخذ والعطاء، والشدة والرخاء، والاجتماع والافتراق، وغير ذلك).

لكن الناس لم يُخلقوا على شاكلة واحدة، وهم لايفكرون بنسق واحد او وتيرة واحدة، إنهم مختلفون في الرؤى والاهداف والمطامح، لذلك هم يختلفون في الاهواء وفي سبل المعالجة، والسعي لتحقيق الاهداف الفردية او الجمعية، وهذا ما يسبب تضاربا في الاهداف، وتقاطعا في الافكار، ثم تصادما في الارادات نتيجة لاختلاف المطامح.. يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (ان الناس كما يختلفون في أشكالهم، وألوانهم، ولغاتهم.. كذلك: يختلفون في أذواقهم، وعقولهم، وعواطفهم. ويختلفون في إدراكهم، وفهمهم، وتحليلهم. ويختلفون في خلفياتهم، ونظراتهم، ومعطياتهم. فبين شباب لا ثقة لهم بفكر الشيوخ. وبين شيوخ لا ثقة لهم بتجلد الشباب. ومن هنا تلعب الأهواء، والميول، والاتجاهات.. في هذا المجال أدوارها الفعالة بين حسد، وغبطة، وتنازع على الصعود، وغير ذلك الكثير.. والكثير.. والكثير..).

لذا فإن النظر الى السياسة وفق منظور اسلامي، يتطلب منا أن نبحث في التأريخ السياسي المشرق للاسلام، لاسيما ابان حكومة الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لكي تتولد للمتابع رؤية تأريخية صائبة في هذا الصدد، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه على: (ان نظرة باحثة ودقيقة في التاريخ الإسلامي المشرق الطويل عبر القرون المتمادية ـ خصوصاً، تاريخ رسول الله وتاريخ وصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأولاده الأئمة الطاهرين عليهم السلام ـ تعطينا فكرة وافية عن مكان السياسة الصحيحة في الإسلام).

لذا ليس صحيحا عزل الدين عن السياسة، او القول بأن السياسة والدين يتقاطعان، أو ضرورة عزل رجل الدين عن السياسة، لأن السياسة هي ادارة شؤون الناس وتحديد مصائرهم، وتحديد كيفية أنماط العيش لهم، وهو أمر يتطلب حقوقا وواجبات، وهذا ما يدفع الحكومات والحكام المتجبرين الى ظلم الشعب، لذا لابد أن يتدخل الدين لتصحيح المسارات، وهناك دلائل كثيرة تشير الى أهمية بل ووجوب تدخل الدين في ادارة شؤون الناس، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (هناك نصوص كثيرة.. وكثيرة جداً في الشريعة الإسلامية، تدل على أن السياسة جزء لا يتجزأ من الإسلام، بل الأصح في التعبير أن نقول: الإسلام والسياسة لفظان لمفهوم واحد، فالسياسة هي الإسلام، والإسلام هو السياسة بمعناها الصحيح العام).

لكن ثمة فرق شاسع بين السياسة المعاصرة وبين سياسة الاسلام، حيث يتبلور هذا الفرق في طرق التعامل مع الانسان، والنظر الى حقوقه وكيفية صيانتها وكفالة حرية الرأي وما شابه، من حريات وحقوق اساسية، تعجز السياسة المعاصرة لبعض الحكومات لاسيما المتخلفة منها، عن صون هذه الحقوق وحمايتها.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي بكتابه نفسه حول هذا الموضوع قائلا: (إنّ السياسة الإسلامية تباين السياسة العالمية ـ اليوم ـ وتختلف عنها في أصولها وفروعها، فالسياسة الإسلامية هي غير السياسة المعاصرة التي تمارسها الدول تماماً، وذلك: لأن الإسلام يتبع في سياسته مزيجاً من: الإدارة والعدل، والحب الشامل، وحفظ كرامة الإنسان، وحقن الدماء. فهو يسعى في أن لا تراق قطرة دم بغير حق، أو تهان كرامة شخص واحد جوراً، أو يظلم إنسان واحد.. بل وحتى حيوان واحد).

ويمكن أن نفرق بجلاء بين سياسة الاسلام، والسياسة المعاصرة القائمة على القمع، حيث يرتكز العمل السياسي الراهن، لدى الحكومات القمعية المعاصرة على تكميم الشعوب وكبت الحريات والسيطرة الكلية على الشعوب بشتى الوسائل والسبل، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (أما السياسة ـ بمفهومها المعاصرـ فهي القدرة على إدارة دفّة الحكم وتسيير الناس والأخذ بالزمام مهما كلّفت هذه الأمور من: إهدار كرامات.. وإراقة دماء.. وكبت حريات.. وابتزاز أموال.. وظلم وإجحاف.. ونحو ذلك، فمادام الحكم لـلحاكم والسلطة خاضعة لأمره ونهيه فهي الغاية المطلوبة لتبرر الواسطة، وإن كانت الواسطة إراقة دماء الألوف.. بل وحتى الملايين جوراً وظلماً).

والسبب أن (السياسة الإسلامية بنيت على أسس العدل الكامل.. والكرامة الإنسانية.. والعفو بجنب الصمود والقوّة) كما ورد في كتاب سماحة المرجع الشيرازي نفسه، حيث ترد أدلة وإثباتات تأريخية قاطعة، على كيفية تعامل السياسة العالمية مع الشعوب، بما لا يقترب قط مع تعامل الاسلام السياسي مع الرعية، ومن هذه الادلة التأريخية نقرأ في الكتاب المذكور نفسه:

1- قتل البريطانيون في الهند ـ في قصة حرب الأفيون ـ حوالي عشرين مليون إنسان-1-.

2. وقتل البريطانيون في الهند أيضاً - أيام المطالبة بالحرية والخروج عن نير الاستعمار، ثمانمائة ألف إنسان في صورة مجاعة اصطناعية-2-.

3. لينين قائدة المسيرة الشيوعية السياسية أراد تطبيق نظام المزارع الجماعية، فلم يخضع لـه الفلاحون والعمال، فأحدث إرهاباً عاماً في البلاد ومجاعة مصطنعة غريبة عام 1921ـ1922م والتي راح ضحيتها أكثر من خمسة عشر مليون إنسان-3-.

هامش:

1- راجع ما ذكره جواهر لال نهرو في كتابه (لمحات من تاريخ العالم).

2- غاندي في كتابه (هذا مذهبي).

3- الحزب الشيوعي في الميزان: ص4 ـ 19.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/حزيران/2011 - 27/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م