الطفولة العراقية في وجه التحديات

زاهر الزبيدي

لن تثيرهم مطلقاً، رسومات أبناء أحد الأخوة العراقيين في الخارج عندما علمت إدارة المدرسة أنه عراقي! بعد أن استدعته للاستفسار عن ولده الذي ما أن يدخل حصة الرسم حتى يبدأ برسم مفردات عنف، على حد قولهم، مدفع، مسدس، دبابة، طائرة تطلق صاروخاً.. والنار آخر تلك المفردات...

فلنحاول أن نعيد اليوم السيطرة على واقع الطفولة العراقية ونحن نعيش اليوم العالمي للطفولة لنعيد رسم المستقبل بأدوات آمنه بعيداً عن التجاذبات السياسية التي ضيعت وستضيّع علينا سنين طويلة سيبان أثرها كفجوة خالية المعالم على خط مسيرة التربية الصحيحة للطفولة العراقية.

فكثيراً ما يستوقفك السؤال عن مستقبل أطفال وأحداث تراهم يتقاتلون بشراسة وباستخدام أشد الأدوات فتكاً، الشفرات، فيما بينهم على العلب المعدنية في نفايات بغداد.. ماهو مستقبلهم؟ وكم سيكلفون المجتمع عندما ينساقون الى مستقبل مجهول مكونين العصابات الإجرامية التي تفتك بالمجتمع؟

لقد أُجِبر الكثير من الأطفال في العراق على الاختلاط مع طبقة مجتمعية ذات أخلاق متردية تسببت في نقلهم للكثير من العادات السيئة التي قد يكونوا قد تعرضوا بها الى نوع من الضغوطات النفسية وأنواع التحرش الجنسي.. والتي ستؤدي بالتالي الى احداث شرخ عميق في شخصية رجل المستقبل إذا ما أردنا أن نصنع منهم قادة لمجتمع حديث متطور ناهيك عن مستو عال من التخلف الذي أطبق على تكوينات الأسرة العراقية سيتسبب بالتالي في خلق مجتمع متخلف غير قادر على تبني الحرية الإنسانية التي منحت له مقابل دمه بأسلوب حديثة ويتعامل معها على أساس مبدأ الحقوق والواجبات وهو بالتالي لن يكون إلا عنصراً سيتسبب بتأخير عجلة التقدم في الوطن.

أما الحديث عن المتاجرة بالأطفال، الرق، فقد أثبتت التجارب العالمية أن مرور الدول بمراحل الحروب الطويلة التي تفتك برجالها ستتسبب في ظهور تجارة الرق وبيع الأطفال والبنات دون 16 سنة حيث كانت هناك اعترافات، لامرأة تختص بتوليد النساء مرتبطة بشبكة واسعة على مستوى بغداد، تؤكد فيها على انتشار ظاهرة بيع الأطفال، حديثي الولادة، لقاء مبالغ كبيرة كذلك فأن هناك الكثير من حالات بتر الأطراف والقتل لأطفال حدثت خلال العمليات الإرهابية والعسكرية التي حدثت بعد عام 2003.

لقد بدأ العالم الحديث منذ عقود من الزمن في إعادة بناء الهيكلة العلمية الصحية التي تتضمن تنشئة الأجيال الصاعدة على مختلف الأعمار لكونها قد آمنت أنها قد تفقدهم عندما يشتد عودهم وينفلت زمان الأمر من أيديهم ليؤدي ذلك الى إضافة تكاليف في موازناتها لتدعم التخلص من العصابات والتخلف والتي تبلغ أضعاف.. أضعاف مما قد تنفقه اليوم على إعادة هيكلة حياتهم وفق رؤى حديثة.. فلو أسئنا تقدير قوة الفكر للطفل وأخطئنا في تقدير القوة الكامنة في داخله وجعلناه يهرب من سيطرتنا منذ الآن سنصنع منه في المستقبل رئيساً لعصابة تمتهن القتل والتسليب بل وقد نكون أمام انتحاري يطيح بعملية واحدة بمصنع قد كلف الدولة المليارات بينما لن يتكلفنا إعداده لخدمة المجتمع، اليوم، سوى مبالغ بسيطة.. لقد ساهمت الحكومة بشكل أو بآخر في الخسائر لدى الكثير من الأطفال لدينا بالسماح لهم بالعمل في الورش والمعامل وانفلاتهم من المدارس حين دفعت العمليات الإرهابية التي طالت معيلهم لتقذف بهم في مجاهل الشارع المريبة وتحت سطوة من يسيطرون على المجمعات الصناعية وأن يكون مطية سهلة الانقياد لتنفيذ مآرب إرهابية تسببت في خسارتنا لهم وفي خسارتنا لمجتمع بأسره.

لقد طغت رسومهم على رسومنا أو حتى أننا لم نعد لهم رسماً جديداً لحياتهم.. والأطفال بأمس الحاجة لنا.. لأبوين يمتلكان القابلية على تأهيل عقولهما لاستقبال الأعوام القادمة من العمر ولغرس زرع الإرادة الصلبة التي تحصنهم في مجتمع تشير التقارير الى حصول تنوع كبير في الجرائم التي رافقتها حالة نفسية معقدة مرت على الشعب العراقي بعد طول خوف من المستقبل وانتشار آفات اجتماعية كثيرة كالمخدرات وحبوب الهلوسة وانتشار المقاه الموبوءة بشكل كبير والتي ستشكل تحدياً كبيراً للحكومة في المستقبل القريب مالم يتم السيطرة عليها منذ اليوم.

علينا مراقبة تصرفات الأطفال في سني الدراسة الأولى، الابتدائية، لكونها المرحلة التي تتمكن فيها الحكومة من وضع اليد على فكر الطفل محاولة منها في إعادة بناءه وتكوينه بما يخدم المجتمع حينما يكون في محيط تأثيرها وعليها، الحكومة، أن تكون قادرة بشتى الطرق من أن تزرع في عقلة بذور المواطنة بقوة تكون كفيلة بالتغلب على التخلف، إذا ما وجد، في محيط الأسرة والشارع وأن يساهم الأشراف التربوي في دراسة الحالات الخاصة التي تنتاب بعض الطلبة ممن يعانون من حالات نفسية وتوحد وضغوط من أقرانهم ممن هم اكبر منهم عمراً وأن يراقب الاختلاط، الاختلاف في التربية، في المدارس لنكفل عدم انتقال العادات السيئة بينهم بسبب الضغوطات العائلية التي يتسبب بها التخلف الأسري ودراستها ووضع المعالجات الكفيلة بها وقد تتضمن تلك المعالجات قوانين وتشريعات مهمة تزيد من رصانة المجتمع وتزيد من فرص وصول الأسرة لعناصر تطوير أبناءها بسهولة ويسر..

كم هي كبيرة تلك الأمانة التي يتحملها رب الأسرة والمعلم والمدرس (المربي) بل قد تكاد أكبرها على الأطلاق لكوننا بصيانتها نكون قد حفظنا وطناً بأكمله من الانزلاق الكبير الذي يطيح به(لاسمح الله) الى الأبد.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/حزيران/2011 - 23/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م