الجيش المصري وقيادة الدولة... هواجس ما بعد المرحلة الانتقالية

 

شبكة النبأ: لعب الجيش المصري دورا فاعلا في السياسة البلاد، أثناء وبعد الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك، وعلى الرغم من إعلان قياداته الحياد إلا ان بعض السلوكيات والإجراءات التي تقوم تشير الى غير ذلك، مما أثار مخاوف البعض من سعي الجيش على الهيمنة مجددا على مفاصل السلطة في تلك الدولة، سيما ان تجارب الأخير في هذا الصدد لها إبعاد تاريخية، وحركة الضباط الأحرار التي أطاحت بنظام الخديوي وتولت السلطة على مدى الحقبة الماضية لا تزال شواهدها بارزة حتى ألان في مصر.

من وراء الكواليس

فقد اعتاد حسام الحملاوي على المشاكل مع السلطات المصرية فقد استدعاه جهاز أمن الدولة ثلاث مرات بسبب نشاطه عندما كان الرئيس السابق حسني مبارك في السلطة. وكان يتمنى أن تنهي الثورة المصرية مثل هذه الممارسات لكن هذا لم يحدث.

وجرى استدعاؤه مرة أخرى للاستجواب لكن عنصرا واحد قد تغير. لم يكن جهاز أمن الدولة هو الذي استدعاه هذه المرة وانما ضابط بالجيش أراد استجواب المدون بسبب اتهامات أطلقها عبر التلفزيون للشرطة العسكرية بارتكاب انتهاكات.

وقال الحملاوي "لم تقم هذه الثورة لنستبدل الجيش بحسني مبارك باعتباره من المحرمات." وأضاف "المؤسسة العسكرية جزء من النظام القديم... لابد أن تحدث فيه تغييرات في مصر الثورة."

وشكل هذا التغيير تحديدا ربما يكون اكبر سؤال يواجه المصريين الان. وتعهد الجيش بتسليم السلطة لمدنيين بعد أن تولى السلطة عندما تنحى مبارك عن منصبه في 11 فبراير شباط.

ولا يشك كثيرون في أن الجيش يريد الانسحاب من ادارة الشؤون اليومية للبلاد لكن في الوقت ذاته لا يتوقع كثيرون ان يذعن قادة الجيش لقيادة مدنية عندما يعودون الى ثكناتهم.

ويقول محللون انه بدلا من ذلك من المرجح أن ينتقل الجيش الى ظلال السياسة كحام للامن القومي وهي عبارة مطاطة تتيح للجيش التدخل من وراء الكواليس والدفاع بقوة عن مصالحه التجارية وغيرها من الامتيازات. بحسب رويترز.

وكان الجيش هو المؤسسة التي خرج منها كل رؤساء مصر السابقين على مدى نحو 60 عاما ومنهم مبارك الذي كان قائدا للقوات الجوية.

وقال الحملاوي الذي يكتب في مدونة عرباوي "أشعر أنهم صادقون فيما يتعلق بتسليم السلطة لحكومة مدنية.. لكن هذا لا يعني أنهم سيتخلون.. عن دورهم في الساحة السياسية المصرية."

وبعد أن ثارت احتجاجات بعد استدعاء الجيش بعض الاشخاص لاستجوابهم قال الحملاوي ان الضابط الذي استجوبه يوم 31 مايو ايار وعده بالنظر في الادلة التي قدمها عن حدوث أي انتهاكات على يد الشرطة العسكرية.

ويمكن لتلك الحوادث أن تثير غضب المصريين الذين أصبحوا يتمتعون بالقدرة على التعبير عن ارائهم بحرية أن تشوه صورة الجيش التي بلغت عنان السماء عندما تولى المسؤولية الامنية عوضا عن قوات الامن التي كانت لا تحظى بالشعبية. وتعهد الجيش باجراء انتخابات برلمانية في سبتمبر أيلول تعقبها الانتخابات الرئاسية.

وقال كمران بخاري المحلل في شركة ستراتفور للمعلومات "الجيش المصري هو المؤسسة التي يمكن ان تحافظ على تماسك البلاد وتدفعها الى الامام. انه الوحيد القادر على ذلك." ومضى يقول "لا أتصور أنه سيتنازل عن السلطة لنظام برلماني وليد يوجد به رئيس أيضا." وتابع قائلا "هناك مصالح مادية له كمؤسسة. وضعهم المميز.. انهم يريدون أن يتمكنوا من الاحتفاظ بذلك.. هناك بواعث قلق حقيقية فيما يخص الامن القومي."

ولتحقيق هذه الغاية هناك عدد من النماذج التي يمكن لمصر تقليدها. وأقرب هذه النماذج لمصر تركيا حيث يقوم الجيش بدور حامي الدستور العلماني منذ عشرات السنين وأطاح بحكومات عندما لمح تهديدا لذلك. ومع صعود حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان للسلطة أضعف هذا الدور للجيش.

وهناك نموذج باكستان على سبيل المثال حيث قال بخاري ان هناك "قاعدة غير مكتوبة تنص على أن كبار القادة العسكريين يشاركون في عملية صنع القرار أو عملية صنع السياسة الخارجية."

ويمكن أن تضع مصر صيغة خاصة بها. وقال بخاري ان الجيش ربما يرغب في اضافة بند في الدستور ينص على ضرورة مشاورته فيما يتعلق بالامن القومي لضمان أن تكون له كلمة في صنع القرار. وينفي الجيش وجود أي طموح له من هذا القبيل.

وقال مسؤول عسكري طلب عدم نشر اسمه "الدستور الحالي يحدد وظيفة الجيش واذا تغير هذا فسيكون عبر البرلمان بعد دراسات وبناء على مطالب الشعب." ومضى يقول "لكن حتى الان ليست هناك خطط لتوسيع سلطات الجيش أو منحه سلطات جديدة."

لكن ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية والدستورية قال في تصريحات نشرت في صحيفة المصري اليوم في مايو ايار ان الدستور يجب أن يحقق للجيش "نوعا من التأمين حتى لا يكون تحت هوى رئيس الدولة أيا كان شخص أو شكل هذا الرئيس". وقال أيضا انه يجب ألا يسمح للبرلمان باستجواب القوات المسلحة.

وأثارت مثل هذه التصريحات غضب المعلقين. وقال عمرو الشوبكي في مقال انه يجب ألا يحظى الجيش بأي حصانة خاصة لكنه قال انه لابد أن يكون له دور في حماية الديمقراطية المصرية.

وبالنسبة للوقت الراهن لا تخضع المؤسسة العسكرية للتدقيق الشعبي. وكما كان الحال ابان عهد مبارك فان الميزانية العسكرية ما زالت أمرا غامضا ويسيطر الجيش على امبراطورية تجارية لكن حجمها غير واضح.

وتساءل دبلوماسي غربي عن حجم المصالح التجارية للجيش مقارنة بالاقتصاد ككل وقال "التقديرات متفاوتة بصورة كبيرة.. حتى ان بعضها يصل الى 40 في المئة.. وهو ما أعتقد أنها نسبة غير دقيقة على الاطلاق. نحن لا نعلم على سبيل التحديد." ويشير البعض الى نسبة اكثر واقعية بين 10 و15 في المئة.

ويدير الجيش مصانع للمنتجات البلاستيكية وسلع أخرى. كما أن مهندسين من الجيش هم الذين شقوا طريقا سريعا يربط بين القاهرة وميناء العين السخنة على البحر الاحمر وتحمل التذكرة التي تحصلها السلطات مقابل استغلال هذا الطريق عبارة "وزارة الدفاع".

ومن أجل استرضاء المواطنين قبل واحدة من اكبر الاحتجاجات بعد تنحي مبارك أصدر الجيش ملحقا من أربع صفحات في صحيفة الاهرام الرسمية يبرز فيه مساهماته الاقتصادية. وسرد الجيش شركات الادوية التي يملكها والاستادات التي أقامها والارض الزراعية التي استصلحها.

وبالنسبة لكثيرين في مصر التي يسكنها 80 مليون نسمة والتي ولد ثلثا سكانها خلال حكم مبارك ولم يعاصروا حاكما غيره فان وجود الجيش يمنح شعورا بالامان.

وقال سعيد سعيد وهو في الاربعينات ويعمل في شركة خاصة أنه ليس لديه مانع "ان الجيش يحكم وأنا أعرف ناس كتيرة هتحب دة (ستحب هذا). مصر عانت كتير يا جماعة وأي مرشح رئاسي بيقول انه يقدر يوقف البلد على رجليها في فترة صغيرة بيقول أي كلام. احنا قدامنا تلات سنين على الاقل علشان نقف على رجلينا ومحتاجين حد قوي وجامد طبعا في السلطة زي الجيش."

ويوقر كثير من المصريين الجيش بسبب دوره في محاربة بريطانيا وفرنسا القوتين الاستعماريتين السابقتين في حرب 1956 واسرائيل خاصة في حرب 1973 التي أدت الى استعادة شبه جزيرة سيناء.

والجيش هو المؤسسة الوحيدة فعليا في الدولة التي لم تتأثر بالاحتجاجات. وهو يمنح المستثمرين الثقة بينما تعمل البلاد على اعادة بناء نفسها.

وقال انجوس بلير من بلتون فايننشال "من اجل الاستمرار ولتوفير عنصر الامن فان وجود مؤسسة تابعة للدولة تعمل بكفاءة امر مهم" مضيفا أن هناك حاجة الى "تطور في مؤسسات اخرى".

لكن هناك كثيرا من المصريين الذين أصبحوا يشعرون بعدم الراحة مما يرونه تعاملا غير متقن من الجيش فيما يتعلق بحكم البلاد.

وقال محمد عفان وهو محاسب "لو الجيش عايز يحكم ما حدش (لا أحد) يقدر يمنعه. أنا مش عايز كدة (لا أريد هذا) طبعا لاني مش باتفق مع قرارات كتيرة للجيش زي لما ما رضيوش (لم يقبلوا) يعملوا دستور قبل الانتخابات البرلمانية وبرضه (أيضا) أنا حاسس ان الجيش مش بيسمع طلبات المتظاهرين."

وأثار حظر لاضراب العمال وهو قرار سانده الجيش غضب محتجين اتهموه بخيانة ثقتهم فيه. وليست هناك قضايا واضحة تم فيها تطبيق هذا القانون.

وتظاهر مصريون ضد ما يقولون انه تلكؤ الجيش في محاسبة مبارك. ومن المقرر محاكمته بشأن اتهامات بالقتل والكسب غير المشروع في الثالث من أغسطس. ويصر الجيش على أنها مسألة قضائية ولا علاقة له بها.

وفي محاولة من الجيش لتهدئة المواطنين ظهر أعضاء في المجلس الاعلى للقوات المسلحة في برامج تلفزيونية حوارية لشرح وجهات نظرهم حيث لم يكونوا معروفين في عهد مبارك. وكان المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة يوما الملحق العسكري لمصر في باكستان وهو على دراية على ما يبدو بمثالب الحكم العسكري.

وكتب السفير الامريكي في برقية تم تسريبها وتعود لعام 2009 عن كلام صدر عن طنطاوي في ذلك الحين قال فيه "أي بلد أصبح الجيش فيه مشاركا في الشؤون الداخلية محكوم عليه بمواجهة كثير من المشكلات."

شعبية المرشحين على فيسبوك

على الصعيد ذاته أطلق المجلس الاعلى للقوات المسلحة استطلاعا للرأي على الانترنت لاختبار شعبية المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة في خطوة قال محللون انها ربما تهدف الى الحكم على درجة الاستعداد لتولي ضابط سابق للمنصب مرة أخرى.

وتشمل القائمة التي نشرتها الصفحة الرسمية للمجلس الاعلى للقوات المسلحة على موقع فيسبوك اربعة ضباط سابقين بالجيش على الاقل علاوة على اسلاميين وقضاة ودبلوماسيين وغيرهم. وأعلن معظمهم اعتزام الترشح بمن في ذلك ضابطان سابقان.

ومن بين من وردت اسماؤهم شخصيات لم تعلن عن نية خوض الانتخابات لكن وسائل الاعلام او الجماهير يشيرون اليهم كمرشحين محتملين ومنهم رئيس الوزراء وقائد القوات الجوية السابق احمد شفيق وعمر سليمان رئيس المخابرات العامة السابق الذي كان نائبا للرئيس السابق حسني مبارك لفترة قصيرة.

وعلى مدى الاعوام الستين الماضية كان حكام مصر من الجيش. ويدير المجلس العسكري مصر الان بوصفه سلطة انتقالية بعد الاطاحة بمبارك اثر احتجاجات شعبية في 11 فبراير شباط.

ويقول نبيل عبد الفتاح الباحث في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية "هذا لجس نبض الناس اذا كانوا سيقبلون بمرشح له علاقة بالجيش."

وقال المجلس على صفحته ان مبادرته جاءت ايمانا "بالتواصل مع الشعب المصري العظيم وشباب الثورة."

وقال عبد الفتاح "هناك نقاش مستمر بين المصريين والقوى السياسية حول دور الجيش بعد الانتخابات والذي لايزال غير واضح... الجيش يقول انه يريد أن يكون كيانا مستقلا دون أن يشرح ماذا يعني ذلك."

وتسمح القائمة المطروحة على فيسبوك للمستخدمين بالتصويت لصالح من يفضلونه بما في ذلك سليمان الذي عينه مبارك نائبا له في أواخر عهده بالرئاسة.

وتولى سليمان معظم ملفات السياسة الخارجية الحساسة حين كان رئيسا للمخابرات في عهد مبارك وهو الذي أعلن تخلي الرئيس السابق عن الحكم ونقل سلطاته للمجلس الاعلى للقوات المسلحة. ولم يظهر سليمان علنا منذ ذلك الحين.

وتضم القائمة ايضا شفيق وزير الطيران المدني السابق في عهد مبارك والذي عينه بنفسه رئيسا للوزراء خلال الثورة. وقاد الحكومة في مارس اذار بعد احتجاجات طالبت باقالة جميع وزراء مبارك من الحكومة.

والضابطان الاخران اللذن ورد اسماهما على صفحة فيسبوك هما مجدي حتاتة رئيس اركان الجيش السابق ومحمد علي بلال الذي قاد القوات المصرية في حرب الخليج عامي 1990 و1991 لطرد القوات العراقية من الكويت. وأعلن الاثنان رغبتهما في الترشح.

وكتب احد مستخدمي فيسبوك يقول ان من غير الملائم للمجلس العسكري أن يهين الثورة بادراج اسمي عمر سليمان واحمد شفيق في استطلاع للرأي عن المرشحين للرئاسة مضيفا أنهما كانا في أعلى المناصب خلال الاحتجاجات ضد مبارك والتي قتل خلالها اكثر من 840 شخصا.

وقال مستخدم اخر أطلق على نفسه اسم محمد كاجو يقول ان من وجهة نظره يجب أن تحكم مصر شخصية عسكرية.

ومن بين المدرجة اسماؤهم في القائمة عمرو موسى وزير الخارجية السابق والامين العام لجامعة الدول العربية الذي سيتقاعد قريبا والذي أعلن أنه سيرشح نفسه ومحمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وتضم القائمة ايضا ايمن نور الذي خسر الانتخابات امام مبارك عام 2005 وكانت تلك الانتخابات الرئاسية الوحيدة التي أجرتها مصر حتى الان والمستشار هشام البسطويسي وعبد المنعم ابو الفتوح عضو جماعة الاخوان المسلمين.

وكانت جماعة الاخوان قد أعلنت أنها لن تطرح مرشحا للرئاسة وقالت انها لن تدعم اي عضو منها يختار خوض الانتخابات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/حزيران/2011 - 22/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م