ملء الفراغ الاستراتيجي في الشرق الأوسط

 

شبكة النبأ: جذب الرئيس أوباما انتباه الأخبار في الشهر الماضي حول المفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية من خلال دعوته لاتباع نهج الحدود والأمن أولاً، وتوضيحه وجهة النظر الرسمية للولايات المتحدة بأن الحل الإقليمي ينبغي أن يتمثل بالعودة إلى خطوط عام 1967، مع تعديلات تتعلق بمقايضة أراضي يتفق عليها تبادلياً.

ويرى روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، إن أولئك الذين يؤكدون بأن ليس هناك شيئاً جديداً في تصريحات الرئيس الأمريكي لا يعطوه حقه؛ فمهما يظنه المرء حول الفائدة أو الحكمة في نهجه، فبالتأكيد إن الرئيس الأمريكي قد راهن على أرضية جديدة باقتراحه هذه المبادئ.

يقول ساتلوف، إن الذي تلقى انتباه أقل هو غياب أي آلية في ملاحظات الرئيس الأمريكي من أجل تنفيذ هذه المبادئ - أي عدم وجود مبادرة دبلوماسية جديدة، وعدم تعيين مبعوث جديد للسلام، وعدم الدعوة إلى قمة سلام، وعدم إجراء مفاوضات السلام، وحتى عدم قيام وزيرة الخارجية الأمريكية بجولة في المنطقة. كما لم يكن هناك أي نقاش لشرح الاتصال الأساسي بين الحاجة الملحة التي أعلن عنها لصنع السلام والحاجة الملحة الواضحة لاثنين من المخاوف الإقليمية الأخرى، ألا وهي: التغيير السياسي البركاني في الدول العربية ومخططات الهيمنة الإيرانية التي تهدد المنطقة. ويبدو أن الرئيس أوباما راض من اقتراحه سياسات دون وضع استراتيجية لتنفيذها.

ويتابع، ليس من المستغرب إذاً أن يبدأ آخرون بملء الفراغ - وهو تطور غير مرحب به دائماً تقريباً. لقد كان هذا هو الحال مع مبادرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لعقد مؤتمر للسلام في باريس، الذي أثار غيض واشنطن إلى درجة أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون صرفت النظر عنه بحضور وزير الخارجية الفرنسية. وهذا هو الحال أيضاً مع ما فعله اثنين من الدبلوماسيين الآخرين الذين بدأوا فجأة بمبادرة هذا الاسبوع بسبب عدم قدرة الولايات المتحدة على القيام بذلك.

ومن المرجح أن يؤخذ بصورة جدية - أكثر مما يستحق - أول مجهود من هذا النوع، ألا وهو التبجح المخطئ من قبل السفير السعودي السابق لدى واشنطن الأمير تركي الفيصل. ففي محاولة محزنة ومثيرة للشفقة في نهاية المطاف لتخويف واشنطن حول الاختيار بين شراكاتها مع إسرائيل أو مع المملكة العربية السعودية، هدد الأمير تركي بوقوع كارثة دبلوماسية إذا استمر الرئيس أوباما بتعهده في معارضة الخطوة الفلسطينية المتعلقة بنهاية جولة المفاوضات من خلال قيامهم باتخاذ قرار في الأمم المتحدة بشأن إقامة دولة فلسطينية في الخريف المقبل. فبعد أن أشار في افتتاحية نشرت في صحيفة "واشنطن بوست" بأن القادة السعوديين قد "أخذوا بجدية" دعوة الرئيس الأمريكي "لتبني الديمقراطية" - بغض النظر عما يعني ذلك في واحدة من أقل دول العالم ديمقراطية - تنبأ الأمير تركي ما يلي: "ستكون هناك عواقب وخيمة على العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية إذا استعملت الولايات المتحدة حق النقض ("الفيتو") ضد اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية. إن ذلك سيمثل أدنى مستوى وصلت إليه العلاقات بين البلدين خلال عقود طويلة، كما سيشكل ضرراً يتعذر إصلاحه على عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وعلى سمعة الولايات المتحدة بين الدول العربية. ومن شأن ذلك أن يوسع الرقعة الأيديولوجية القائمة بين العالم الإسلامي والغرب بشكل عام، ومن الممكن أن يؤدي إلى اختفاء الفرص المتاحة لعلاقات الصداقة والتعاون بين البلدين".

ويؤكد ساتلوف خلال تحليله، بطبيعة الحال، تشير الأحداث الأخيرة إلى العكس من ذلك تماماً. فمن خلال الاختبار الذي جرى العام الماضي حول الأزمة الدبلوماسية المتوقعة في الخريف المقبل، لم يكن هناك رد فعل واضح من الرياض بعد قيام إدارة أوباما باستعمال حق النقض ضد قرار مجلس الأمن الذي يدين النشاط الاستيطاني الإسرائيلي. وخلال الأسبوع الماضي بالذات، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي معارضته الواضحة للاستراتيجية التي يتبعها الفلسطينيون وهي الذهاب إلى الأمم المتحدة، وضع القادة السعوديين أولوياتهم الاستراتيجية على الشاشة بمخالفتهم قرار "منظمة الدول المصدرة للنفط" ("أوپك") المعادي للغرب ووافقوا بطريقة مفيدة على زيادة إنتاج النفط المحلي، وبالتالي إلحاق الضرر بالثروة المتواصلة التي تكسبها إيران من خلال الإرتفاع الأخير في أسعار النفط.

وينوه، مما لا شك فيه، أن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية هي في حالة توتر - بيد، يعود سبب ذلك بصورة أقل بكثير إلى غضب الرياض من انحياز أوباما المزعوم المؤيد لإسرائيل وبصورة أكثر إلى الغضب الذي يراه السعوديون في نهج واشنطن غير السليم تجاه التغيير السياسي في الدول العربية، إلى جانب رغبتهم القائمة منذ فترة طويلة بـ "نزول إله أمريكي إلى المنصة" لكي يحل مشكلتهم الإيرانية (على سبيل المثال، "قطع رأس الأفعى"). ولكننا كنا قد شهدنا هذه المسرحية من قبل. ففي القوت الذي لا تزال فيه البحرين في وضع غير مؤكد، واليمن آخذة في الانهيار، وإيران تظهر مدى نفوذها من خلال دعمها قيام حكومة جديدة في لبنان تكون صديقة لـ «حزب الله»، فإن الفكرة القائلة بأن الرياض سترمي فجأة ما تبقى من علاقتها الاستراتيجية مع واشنطن - القائمة منذ سبعين عاماً بسبب "فيتو" ثاني استعملته الولايات المتحدة ضد فكرة سيئة في الأمم المتحدة - هي محض هراء.

ويشير ساتلوف، تأتي الجهود الدبلوماسية الثانية لملء الفراغ الاستراتيجي للولايات المتحدة من قبل الاتحاد الأوروبي. ووفقاً لصحيفة "هآريتس"، فقد أُبلغ بأن الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي السيدة كاثرين أشتون كانت قد اقترحت بأن يقوم الشركاء في "اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط" (الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والأمم المتحدة) بالعمل معاً لنزع فتيل خطة الفلسطينيين حول الذهاب إلى الأمم المتحدة عبر مبادرة لتحديد "إطار مرجعي" للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. وسوف يستند هذا الإطار على مبادئ عملية السلام التي عبّر عنها الرئيس أوباما، وربما تضاف إليها بعض المقترحات الأوروبية الإضافية حول القدس واللاجئين، التي من المؤكد أنها ستثير غضب إسرائيل حتى أكثر مما فعله خطاب الرئيس الأمريكي.

ويتابع، في جوهرها، تسعى مبادرة أشتون - إذا تم الإبلاغ عنها بصورة دقيقة - إلى تركيز الاهتمام على الهدف الجدير بالثناء حول إحياء المفاوضات، ولكن بواسطة الأسلوب المشتبه به والمتمثل باختيار النقاط التي يفضلها الأوروبيون في مبادئ أوباما (التركيز الموالي لرؤية الفلسطينيين حول خطوط عام 1967 بصيغتها المعدلة)، في حين رفض ما لا يروق لهم (الالتزام الموالي لرؤية إسرائيل حول رفض المبادرة الفلسطينية في الأمم المتحدة دون تحفظ). وفي هذا الصدد، فإن اقتراحها مزعجاً لواشنطن أكثر من تهديدات الأمير تركي الفارغة - ليس لأنه يتمتع بفرصة الموافقة عليه في القدس أو في واشنطن، ولكن لأنه يشير إلى فشل جهود أوباما للحصول على التأييد الأوروبي غير المبهم لموقفه ضد مبادرة فلسطينية من جانب واحد للتحايل على حل دبلوماسي لنزاع الفلسطينيين مع إسرائيل.

ويختتم ساتلوف، في النهاية ليس من المرجح أن يكون تهديد تركي الفيصل ولا اقتراح اشتون ناجحاً. كما أن السعوديين ليسوا على وشك التصرف وحدهم في مواجهتهم الإقليمية مع إيران، والأوروبيين ليسوا على وشك أن يحلوا محل أمريكا كوسيط للسلام لا غنى عنه. ومع ذلك، فإن مثل هذه الخداع سيستهلك الوقت والطاقة من كبار المسؤولين الأمريكيين التي كان يمكن استخدامها على نحو أفضل للنهوض [بمبادرة] هي ما تزال غير قائمة من جانب واشنطن، على الرغم من جميع الخطب في الأسابيع الأخيرة - أي وضع استراتيجية واضحة وشاملة ومتكاملة تتبعها الولايات المتحدة للترويج للأمن والسلام، والتغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/حزيران/2011 - 19/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م