غياب الشعور الانساني لدى الكوادر الطبية

شبكة النبأ: ثمة مهن واحتياجات لا يمكن للانسانية أن تستغني عنها، ومنها الخدمات الطبية التي لا يستطيع المجتمع أن يجعلها خلف ظهره او يتنازل عنها لأي سبب كان، ولهذا تُعدّ مهنة الطب من أقدم المهن وأشهرها وهناك أطباء وحكما مشهورون لاسيما أولئك المختصون بمعالجة الملوك والرؤساء والاثرياء عموما، لكن مع تزايد نفوس البشر وتكاثر المجتمعات أصبحت مهنة الطب اكثر تعقيدا وأكثر مساسا بحياة الناس حيث يحتاجها الفقير كما يحتاجها الغني، لكن شتان بين حاجة الفقير والغني وشتان بين تعامل الطبيب مع هذا وذاك!!

الله تعالى لم يفرق بين البشر، لكن البشر أنفسهم فرقوا في التعامل مع هذا أو ذاك وحسب وجاهته وقدراته المالية وما الى ذلك، لكن تبقى التسمية التي أطلقت على الكادر الطبي بـ (ملائكة الرحمة) قائمة لأنهم فعلا بالنتيجة يستحقون هذه التسمية بسبب خدماتهم الهامة والمصيرية احيانا التي يتم تقديمها لعموم الناس، ولكن طالما كانت معايير وضوابط الخدمة الطبية توضع من قبل الانسان فإن الخلل سيحضر دائما، وعندما يضمحل دور الرقابة الذاتية ويضعف دور الضمير في مراقبة افعال حامله، ستُركَن المبادئ الانسانية والاخلاق جانبا وستطغي على الانسان نزعة الطمع فيبدأ يمارس جميع الحالات المرفوضة دينيا واخلاقيا وعرفيا من اجل الحصول على المال.

وقد لا يستغرب المراقب ظهور حالات الطمع والجشع في قطاعات تجارية او اقتصادية او مالية تابعة للقطاع الحكومي او غيره، لكن ان تتصاعد وتيرة الطمع والجشع في المراكز والمستشفيات التابعة للحكومة او العيادات الخاصة، فهذا الامر يشكل علامة استفهام قوية ويدعونا الى البحث الدقيق في اسباب هذه الظاهرة ومحاولة القضاء عليها او الحد منها في اضعف الايمان.

إن معالجة الانسان كائنا من كان، هي فعل انساني قبل أن يكون سببا لاستحصال المال او غيره من الاهداف، ولهذا السبب أُطلقت التسمية المعروفة على الاطباء ومساعديهم  (ملائكة الرحمة) وهي صفة يتداولها الناس حتى الفقراء والبسطاء منهم، بل كثير منهم آمن فعلا بأن الطبيب هو ملاك الرحمة الذي يعالجه في شتى الظروف وينقذ حياته من الموت او من الآلام التي قد ترافقه مدة طويلة بسبب المرض فتشل حياته وتدمر حاضر ومستقبل عائلته. لكن مع تقادم الايام واختلال القيم في المجتمع وظهور نزعة الجشع والاستحواذ وحب المال واكتنازه، بدأت مبادئ (ملائكة الرحمة) بالتراجع الى الوراء وأخذ الضمير يضعف ويتراجع بدوره لتحل محله ظاهرة الحصول على المال من المرضى تحت شتى الظروف والاساليب التي لا تمت للانسانية بصلة.

وربما أصبح حب المال بديلا للقيم الانسانية عند أغلب  الكوادر الطبية ولا يُستثنى من هذه الحالة القطاع الطبي الخاص، فالطبيب الفلاني المختص في هذا الجانب او ذاك يفرض مبالغ كبيرة مقابل الكشف عن المريض لا تتناسب مع دخل الفقير او الكاسب ولهذا يمكن ان نقول ان مثل هذه العيات مخصصة للاثرياء والقادرين على الدفع، أما الفقراء فهم في معزل عن مثل هذه الخدمات، كما اننا يمكن ان نلاحظ اختلاف تعامل الطبيب مع مراجعه في عيادته الخاصة وبين مراجعته للمستشفى الحكومي مع انه يتقاضى راتبا جيدا عن خدماته تلك، لذلك ينبغي أن تتدخل الدولة بقوة في هذا المجال، وأن تضع آلية محددة وواضحة للتعامل مع ذوي الدخل المحدود لا سيما في هذا الجانب الذي يتعلق بحياتهم وصحتهم، إذ ينبغي مثلا الغاء الاقسام الخاصة في المستشفيات العامة، أي تقديم العلاج المجاني للناس بلا استثناء مع تشديد الرقابة على (المرتشين) من اصحاب النفوس الضعيفة التي لا تؤمن بأنها هي وذويها تأكل السحت الحرام بمثل هذه الافعال.

على أننا يجب أن نشير الى الاعمال الطبية الجيدة التي تقوم بها بعض الكوادر كالحملات المنتظمة الخاصة بتلقيح الاطفال، كذلك ما تقدمه اقسام مستشفى الاطفال من رعاية للمرضى الصغار اذا ما تعرضوا لامراض معدية خطيرة، إننا لا نريد أن نلغي الجهود المخلصة التي تبذلها بعض الكوادر الطبية بل نشيد بها ونؤكد على انها تقدم ما مطلوب منها في المجال الصحي، لكن هذا لا يعني أن نغض الطرف عن اولئك الذين نسوا بأنهم ملائكة رحمة وأن المال الذي يحصلون عليه بالاساليب الرخيصة المنافية للدين والقيم الاخلاقية والعرفية هو مال حرام لا يجوز ان يطعموا اطفالهم منه ولا انفسهم ولا يجوز ان يقضوا حاجاتهم به لأنه مال وبال عليهم قد يحرقهم في الدنيا قبل الآخرة.

لهذا مطلوب أن تتدخل النخب كافة وذووا الاصلاح لتنمية روح الايثار لدى الكادر الطبي وجعل الهاجس الانساني هو المعيار الاول في تقديم الخدمات الطبية للناس، ونتمنى أن يعتمد هذا الكادر المعطاء الى النزعة الفطرية الانسانية التي تهفو الى الخير وحب الناس، وتضع في حسابها إن الله تعالى غير غافل عن الظلم، وفي المقابل يبارك الاعمال الصحيحة لهذا الكادر الانساني او غيره، واذا كان الدور الحكومي الرقابي ضعيف حاليا فليكن الرقيب الذاتي هو الذي يصحح الافعال والمسارات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/حزيران/2011 - 19/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م