شبكة النبأ: بات الرئيس الإيراني احمد
نجاد في موقف هو الأشد حرجا منذ توليه السلطة حتى الآن، بعد أن طوق
بشكل محكم بحسب المحللين من التيار المتشدد المهيمن على مفاصل
الجمهورية الإسلامية.
فيما اختار نجاد تجنب مواجهة خصومة خشية من الإطاحة به بعد أن لوح
الكثير من البرلمانيين بضرورة ذلك، متهمين نجاد بسعيه الى تحريف مسار
الثورة مع عدد من مساعديه، وكان لتدخل مرشد الثورة في كبح إجراءات نجاد
عاملا في إضعاف الأخير بشكل ملحوظ.
في حين بات الوضع الاقتصادي المتعثر يمثل تحديا مضاف الى سلطة
الرئيس الايراني، خصوصا بعد ازدياد معدلات التضخم بشكل كبير مساهما في
تفشي حالة من التذمر الشعبي بصورة متزايدة.
الضغوط تشتد
فقبل عامين صدم الاصلاحيون باعادة انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد
لفترة ولاية ثانية وشككوا في نزاهة الانتخابات.. الان وبعد ان أمضي نصف
ولايته الثانية والاخيرة اسكت احمدي نجاد المعارضة التي قمع تظاهراتها
واخضع قادتها للاقامة الجبرية ولكنه لا يزال مهددا هذه المرة من خصومه
من المتشددين.
ويتهم منتقدون في البرلمان والمؤسستين القضائية والدينية الرئيس
البالغ من العمر 54 عاما بسوء التصرف بداية من عدم احترام صارخ لافرع
الحكومة الاخرى وسوء الادارة المالية الى الخضوع لتأثير طغمة "منحرفة"
من المساعدين يقول البعص انهم يمارسون الشعوذة.
ويقول محللون ان حقيقة انه لم يعد بوسعه الاعتماد على المساندة
الكاملة للزعيم الاعلى اية الله علي خامنئي الذي ارغمه على العدول عن
قراره باقالة وزير المخابرات في ابريل نيسان يعني ان احمدي نجاد يخاطر
بان يصبح بطة عرجاء او ان يجبر على ترك منصبه.
لكن في مؤتمر صحفي لم يبد احمدي نجاد استعدادا للرحيل عن منصبه او
التخلي عن اجندته الشعبية المحرضة على الغرب ووعد بتنفيذ تعهده بتوفير
2.5 مليون فرصة عمل وتوقع مرة اخري القضاء على اسرائيل. وحين سئل عن
الخلافات الداخلية اجاب "موقفنا في الوقت الحالي التزام الصمت. صمت
الوحدة الملهمة." بحسب رويترز.
وحين سئل عن أنباء القاء القبض على مقربين من حاشيته قال "اعتقلوا
هؤلاء الاشخاص. هنيئا لهم. الان ينبغي عليهم ان يدعونا نعمل."
ومن مهام الرئيس الاساسية توجيه الاقتصاد ويقول احمدي نجاد انه احرز
تقدما حيث تهاون سلفه كثيرا وخفض الدعم السنوي الذي كانت تتحمله
الحكومة للحفاظ على رخص الاسعار بواقع 100 مليار دولار.
وتضاعف سعر الخبز وارتفعت أسعار البنزين ست مرات عما كانت عليه قبل
ستة اشهر فيما لم تصدق توقعات وقوع اعمال شغب مما اتاح لاحمدي نجاد
اعلان انتصار ما اسماه "اكبر خطة اقتصادية في الاعوام الخمسين المنصرمة".
وقالت فريدة فرحي خبيرة الشؤون الايرانية في جامعة هاواي "من المؤكد
انه نجح في تطبيق سياسة عجز سابقوه عن تنفيذها سياسيا" في اشارة لاصلاح
نظام الدعم الذي دعا اليه اقتصاديون غربيون في صندوق النقد والبنك
الدولي منذ فترة طويلة. وقالت "خطر التضخم لا يزال كبيرا."
وتفيد بيانات البنك المركزي ان نسبة التضخم الرسمية ارتفعت باطراد
خلال العام الماضي الى 14.2 بالمئة الشهر الماضي. وارتفعت أسعار الغذاء
بنسبة 25 في المئة. ولكن كثيرين من الايرانيين يشككون في الاحصاءات
ويقولون ان نسبة التضخم الحقيقية أعلى بكثير.
وقالت فرحي ان التضخم ليس مبعثا لقلق المستهلكين فحسب بل لقطاع
الصناعة ايضا لاحتمال ارتفاع أسعار منتجاته. وتابعت "مبعث القلق
الحقيقي هو اقتران ارتفاع نسبة التضخم بزيادة معدل البطالة لعدم قدرة
اصحاب المصانع على التكيف مع الاسعار المرتفعة مما يقود لاغلاق مصانع
والاستغناء عن عمالة."
كما يسهم التضخم في الضغط على العملة المحلية وتكافح الحكومة لبقائه
قريبا مع السعر المحدد له امام الدولار. وخفض البنك المركزي سعر الصرف
الرسمي للدولار أكثر من عشرة بالمئة ليقترب اكثر من السعر الحقيقي الذي
يشتري به الايرانيون العملة الامريكية التي يعتبرها كثيرون ملاذا امنا
في اوقات حالة عدم وضوح الرؤية في المجال الاقتصادي.
وزادت العقوبات الدولية الاكثر صرامة التي تهدف لارغام ايران على
تقليص برنامجها النووي من الضغط على الاقتصاد. ولكن احمدي نجاد يستفيد
من ارتفاع اسعار النفط عالميا مما يقي ايران الكثير من المعاناة
الاقتصادية.
وقال كريم ساجدبور المحلل بمعهد كارنيجي للسلام ان من الصعب تحديد
اثار العقوبات الاقتصادية الصارمة طالما سعر النفط يتجاوز مئة دولار.
وخلال سنواته الست كرئيس تغير الرؤساء ورؤساء الوزراء في واشنطن
ولندن واسرائيل وروسيا واشتهر على الساحة العالمية بعداء مستفز للغرب.
ويظهر القرار الصادر بنقل عملية تخصيب اليورانيوم الحساسة لموقع تحت
الارض وزيادة طاقة انتاج اليوانيوم الى ثلاث امثالها ان احمدي نجاد غير
مستعد لتقديم تنازلات للدول التي تحاصره بالعقوبات. وتبقى الولايات
المتحدة تهديدها المغلف بعمل عسكري لمنع ايران من تصنيع قنبلة. وقال
احمدي نجاد في مؤتمره الصحفي انه ما من حافز يمكن ان تقدمه القوى
الكبرى لاقناع ايران بوقف تخصيب اليورانيوم.
ويجد دفاع ايران بشأن حقها في امتلاك جميع انواع التكنولوجيا
النووية السلمية صدى لدى الناخبين القوميين ويتفق مع اراء خامنئي صاحب
القول الفصل في القضايا الكبرى في البلاد.
ويقول محللون ان من المرجح ان يتخذ احمدي نجاد موقفا أكثر تشددا
خلال الفترة المتبقية من رئاسته.
وقال ساجدبور "الوسيلة الوحيدة التي يحاول بها احمدي نجاد استعادة
حظوته لدي رجال الدين المتشددين ان ينتقد الولايات المتحدة واسرائيل
بقسوة أكبر. واعتقد ان احمدي نجاد سيكون على قدر الموقف. "اتوقع ان
تتبنى ايران لهجة اكثر عداء من المعتاد تجاه اسرائيل خلال العام المقبل
ومن المحتمل ان يستغل حزب الله لاثارة نزاع مع اسرائيل."
وفي ظل الانتقادات المتزايدة من جانب خصومه من المتشددين الذين
يتنافسون لتحسين موقفهم قبل الانتخابات البرلمانيةالتي تجري في اوائل
العام المقبل وسباق الرئاسة في عام 2012 يشكك البعض في بقاء احمدي نجاد
حتى نهاية ولايته.
وقال ساجدبور الذي يتوقع استمرار احمدي نجاد "السيناريو المفضل
لخامنئي وجود رئيس ضعيف تقع على عاتقه مسؤولية المشاكل الاقتصادية
والسياسية." ولكن فرحي كانت اقل ثقة وتساءلت اذا كان يتوقع ان يبقي
لنهاية ولايته "ربما يستمر او لا يستمر. يتوقف مصيره كرئيس عليه شخصيا
وما اذا كان سيواصل تحدي مؤسسات اخرى.
دعوة خامنئي للتهدئة
من جهته انتقد مجتبى ذو النور معاون ممثل المرشد لدى حراس الثورة
بشدة "التيار المنحرف" الذي يتزعمه بحسب المحافظين اصفنديار رحيم مشائي
مدير مكتب الرئيس الايراني. ونقلت وكالة انباء مهر عنه قوله ان "التيار
المنحرف يريد اضعاف اسس النظام الاسلامي (...) وهذا الانحراف يشكل اكبر
خطر من كل الانحرافات في تاريخ الشيعة" الذين يشكلون اغلبية في ايران.
وطلب مجددا من الرئيس الايراني اقالة مستشاره "للتخلص من قائد
الثورة الجديدة" في اشارة الى المعارضة الاصلاحية التي ازاحها
المحافظون بعد اعادة انتخاب الرئيس احمدي نجاد في حزيران/يونيو 2009.
ونقلت وكالة الانباء الايرانية الطلابية عن آية الله سيد احمد علم
الهدى امام جمعة مدينة مشهد قوله ان "التيار المنحرف يتمسك بالسلطة
التنفيذية كفيروس".
واعتبر ان المرشد الاعلى يريد من خلال دعوة المحافظين الى وضع حد
للانشقاقات تفادي من ان "يؤدي هذا الفيروس" الى "سقوط الحكومة لان
الثمن سيكون اكبر من ادارة" هذا التيار. ودعا خامنئي في خطاب بمناسبة
الذكرى 22 لوفاة الامام الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية، معسكر
المحافظين الحاكم الى وضع حد لانشقاقاته داعيا الى احترام "اختلاف
المواقف السياسية".
وفي خطاب متلفز القاه امام مئات الاف انصار النظام في ضريح الامام
الخميني جنوب طهران قال خامنئي ان "الايمان لا يعني اهانة المعارضين"
مؤكدا انه لا ينبغي "حرمان" جزء من المجتمع من حريته "باسم الثورة
(...) وباسم الاختلافات السياسية".
من جهته انتقد رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني تدخل مشائي في القضايا
الدينية والذي دعا في الاشهر الماضية الى "اسلام ايراني" بدعم من احمدي
نجاد. ونقلت وكالة الانباء الطلابية عن لاريجاني قوله على "المسؤولين
في السلطة التنفيذية تفادي النظريات (حول المسائل الدينية). فهذه مهمة
المدراس الدينية".
ورد علي اكبر جوانفكر مستشار احمدي نجاد على المحافظين، وطلب منهم
الاصغاء الى خامنئي في مقال نشرته صحيفة ايران الحكومية. بحسب فرانس
برس.
وكتب جوانفكر "منذ اكثر من شهر تستخدم مجموعة سياسية محددة (...)
كافة الوسائل السياسية والدعائية وتطلق اتهامات لا اساس لها واهانات
بحق بعض المسؤولين لاضعاف موقع الحكومة والرئيس في نظر الشعب" داعيا
خصوم الرئيس الى تصحيح "اخطائهم الاستراتيجية".
سلطة وزير الاستخبارات
من جانب ىخر ذكرت وسائل إعلام رسمية أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي
نجاد فرض قيوداً على سلطة وزير الاستخبارات بإلغاء عضويته في أحد
المجالس الاقتصادية ذات النفوذ. وأصبح وزير الاستخبارات حيدر مصلحي
محور صراع داخلي في ابريل الماضي عندما أقاله الرئيس لكن أعاده الزعيم
الروحي لإيران آية الله علي خامنئي الى منصبه.
ولدى خامنئي القول الفصل في جميع شؤون الدولة حتى الحق في استخدام
الفيتو في القرارات الرئاسية طبقا للدستور. وتلك الخطوة أدت الى توتر
بين رجال الدين والفصيل التابع للرئيس.
واستسلم أحمدي نجاد في نهاية المطاف وأعاد رئيس الاستخبارات الى
منصبه لكن دوائر رجال الدين مازالت تتهم الرئيس وفريقه بتقويض النظام
الإسلامي.
وقالت وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء إن أحمدي نجاد قوض سلطة مصلحي
بإقصائه من مجلس المال والائتمان الذي يتمتع بنفوذ. والمجلس هو أحد
أبرز الهيئات الاقتصادية في إيران. بحسب رويترز.
واعتبر محللون اقصاء وزير الاستخبارات خطوة رمزية من قبل الرئيس
لإظهار استيائه منه، بالاضافة الى عدم رغبته في التوصل الى حل وسط مع
نقاده. ويتهم بعض النقاد والفصائل المحافظة مساعدي أحمدي نجاد لاسيما
أكبر مستشار له وهو اسفنديار رحيم-مشائي بالعمل على الحد من سلطة رجال
الدين. وتردد ان مشائي وهو أيضا والد زوجة ابن أحمدي نجاد يعارض اطار
عمل مؤسسة الجمهورية الإسلامية التي يهيمن عليها رجال الدين ودعم توجه
أكثر وطنية لإدارة البلاد.
وزير النفط "أسوأ اختيار"
على الصعيد ذاته قال رئيس لجنة الطاقة في البرلمان الايراني ان
الرجل الذي عينه الرئيس محمود أحمدي نجاد وزيرا للنفط هو "أسوأ اختيار"
وانه سيلحق الضرر بقطاع النفط الايراني الحيوي.
تأتي الانتقادات الحادة بعد أن تخلى أحمدي نجاد عن تولي حقيبة النفط
بصورة مؤقتة -وهو دور قال كل من البرلمان ومجلس صيانة الدستور انه غير
قانوني- وعين محمد علي ابادي أحد أقرب حلفائه في المنصب.
ونقلت وكالة مهر شبه الرسمية للانباء عن حميد رضا كاتوزيان قوله "اختيار
السيد على ابادي قد يكون أفضل اختيار بالنسبة للسيد أحمدي نجاد لكن من
منظور وطني هذا أسوأ اختيار لصناعة النفط والغاز في ظل الوضع الراهن
وهذا النوع من القرارات سيعرض البلاد للخطر."
وفاجأ أحمدي نجاد خصومه داخل النخبة الحاكمة المحافظة الشهر الماضي
حين أقال وزير النفط مسعود مير كاظمي -في اطار خطة لدمج عدة وزارات
لخفض العدد الاجمالي الى 17 من 21 وزارة- وتولى مهام هذه الحقيبة
بنفسه. بحسب رويترز.
وجاء ذلك قبيل اجتماع هام تعقده أوبك في الثامن من يونيو حزيران وقد
تقرر خلاله رفع مستويات الانتاج المستهدفة اذا ما ارتأت ان هناك نقصا
في المعروض.
ومن خلال تعيين علي ابادي رئيس اللجنة الاولمبية الايرانية والنائب
السابق للرئيس الايراني ربما كان أحمدي نجاد يأمل في تبديد الانتقادات
لكن كاتوزيان أكد بشكل واضح انه ليس الشخص المناسب للمنصب. وأضاف "في
تقديري هذا اختيار غير مبرر وستتضرر صناعة النفط والغاز من جراء هذا
النوع من القرارات.
"النفط والغاز مجال مهني تماما ليست للسيد علي ابادي أي خبرة فيه
... ليس من الصائب أن تأتي بشخص حتى ولو كقائم بالاعمال الى وزارة
النفط وهو لا يعرف لغة التواصل مع أجهزة الوزارة."
ويحق للرئيس الايراني تعيين قائمين بأعمال الوزراء لفترة تصل الى
ثلاثة شهور قبل طلب موافقة البرلمان. واذا كانت تصريحات كاتوزيان تمثل
وجهة الظر السائدة بين النواب فسيجد علي ابادي صعوبة في الحصول على
موافقة البرلمان للاستمرار في منصبه. |