بزنس... انحدار القيم والأخلاق في المجتمع العراقي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ظهر على صفحات الفيس بوك العراقي قي الصيف الماضي شعار شعبي يكشف بعضا من واقع الحال الاجتماعي والسياسي والاقتصادي العراقي.. وهو شعار (ابو المولدة لا دين له) على غرار الإعلان الذي تبثه الكثير من الفضائيات العربية والعراقية (الإرهاب لا دين له).

الشعار يكشف وبعيدا عن إشكالاته السياسية وجها اجتماعيا خطيرا وهو انحدار القيم واخلاق التعامل بين عديد من قطاعات المجتمع العراقي، إضافة الى انحدار قيمي فيما يتعلق بقضايا البزنس (العمل) التي تكثر فرصها في العراق مع غياب شبه تام لأخلاقيات العمل او الخدمة المقدمة للآخرين.. الشعار ليس مقتصرا على عمل المولدات وأصحابها بل يشمل جميع الأعمال والأنشطة الاقتصادية الأخرى. واقرب الأمثلة على هذا التدهور ما حدث في المصرف التجاري العراقي الذي لم تنته فصول روايته حتى الان.

كنت في رحلة عمل الى كربلاء.. كان الفندق الذي نزلت فيه فندقا رفيع الطراز من حيث البناء والخدمات المقدمة فيه.. والاهم من ذلك الأريحية التي يتمتع بها صاحب الفندق وهو شاب قدم من بغداد واستقر في كربلاء للاستثمار في هذا المجال.. والفندق واحد من عشرات الفنادق التي شيدت في تلك المحافظة لاستيعاب الاعداد الهائلة من الزائرين على مدار العام.. وهي زيارات دينية في الغالب الأعم.. تستقطب زائرين من دول اخرى وليس الزوار القادمين من محافظات العراق الاخرى.

فلت لصاحب الفندق بان أجورهم رخيصة مقارنة بفنادق اخرى.. أكد كلامي وأضاف بان هذا السعر خاص للعراقيين، الفنادق الأخرى على شاكلة فندقه لا تستقبل زائرين عراقيين.. وكانت له تجربة مع هؤلاء حين كان يأتي الى كربلاء ولا يستطيع الحصول على غرفة واحدة في اي من تلك الفنادق.. وهو قد فعل على العكس مما يفعله الآخرون: استقبال العراقيين مع دعم ملموس في الاسعار.

مثل اخر ذكره لي احد الاخوة وهو ان احد اصدقائه المقيمين في الدانمارك ولغرض تقليص تكاليف رحلته المباشرة الى العراق قرر الذهاب الى تركيا والى مدينة (انطاليا) تحديدا.. كان ثمن التذكرة ذهابا وايابا هو 250 دولارا مع خمسين دولارا أخرى اقامة في احد الفنادق لمدة أربعة عشر يوما.. بعد وصوله الى تلك المدينة في تركيا قرر ان يسافر الى العراق وكانت صدمة لم يفق منها حتى عودته الى الدانمارك.. لقد طالبوه بمبلغ (1400) دولار ثمنا لتذكرة ذهابا وايابا..دون اقامة ولا هم يحزنون.. اثر البقاء في انطاليا على المجيء الى العراق.

الامثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى من هذا القبيل والمتعلقة بأمور العمل واساسيات التعامل وتقديم الخدمات سواءا كانت اعمالا يديرها القطاع الخاص او اعمالا تنفذها الحكومة عبر عدد من وزاراتها. في معظم دول العالم هناك الشعار الاقتصادي الشهير (الزبون دائما على حق) الا في العراق يكون الشعار (صاحب العمل دائما على حق).

حين تشتري سلعة ما حتى لو كانت غالية الثمن فلا يمكنك إرجاعها اذا ظهر بها عيب ما، قد يسمح لك باستبدالها مع نظرة شزرة من قبل البائع الا انك تكون مجبرا على تبديلها رغم ثبوت عدم صلاحية تلك البضاعة المنتجة.. واحيانا يكون شعار صاحب البضاعة (المباع لا يعاد ولا يستبدل) فاضرب راسك في اقرب حائط والعوض على الله في مالك.

قصة الضمانات معروفة.. ضمان لمدة سنة او سنتين او اكثر لا تعني غير ان تدفع ثمنا آخر لنقل المنتج وثمن تصليحه واصحاب البضاعة غير مسؤولين عن الاعطال التي تسببها الكهرباء.

ما يجمع بين هذه الامثلة هو غياب الصدق في التعامل بين الاخرين والذي ينتج عنه غياب الثقة بين المتعاملين.

يطمح كل صاحب عمل ان يزيد من ارباحه بغض النظر عن طرق زيادة هذه الارباح ان كانت مشروعة او غير مشروعة.. ولا يهم ان تكون له سمعة تجارية مرموقة في السوق فالسمعة اخر ما يبحث عنها هؤلاء.. انه يزنس متوحش لا يلتفت لشيء اخر يتعلق ببيع البضاعة او تقديم الخدمة.. من هنا يكثر ترديد القسم والايمان المغلظة لدى اصحاب المصالح في الترويج لمصالحهم.. وهم غير صادقين في ذلك.. يقابل هذا السلوك سلوك اخر من قبل المشتري والمستهلك للسلعة او الخدمة وهو التهافت على شراءها الا قليلا من هؤلاء.. هل هناك من انعدام للخيارات امام المشتري ام انه يعتقد ان جميع البائعين هم على شاكلة هذا البائع؟

احيانا سبب يرجح الآخر واحيانا السببان يجتمعان.. الصدق جوهر القيم الانسانية، بغيابه بين المتعاملين تغيب الثقة التي يها مدار التكاتف الاجتماعي..وهي مدار التعاطي بمختلف القضايا بين ابناء المجتمع الواحد.

نحتاج الى الصدق في الاقوال والافعال في بيوتنا ومدارسنا ومؤسساتنا واسواقنا.. كي تترسخ الثقة المتبادلة بيننا ولا نعود بحاجة الى ايمان مغلظة كي يصدقنا الآخرين.

واختم بهذه الاستعارة:

الصدق جــوهر التعامل

لــــكي تحيا بــأقصى درجـــه من الامانة والصدق عليك بإتــبــاع معادلة بــســيطة وفعاله

وانا ادعوك الى ان تبدأ في استخدامها كل يوم:-

1- عندما تقــول الحقيقة دائما يثق بك الناس.

2- عندما تفعل ما قلت انك ستفعله كــما وعدت, يحترمك الناس.

3-عندما تشعر الاخرين بالتميز بحبك الــناس.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/حزيران/2011 - 15/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م