باكستان... من العلمانية الى الإرهاب

شبكة النبأ: عندما وضع محمد علي جِنّة رؤيته لتأسيس باكستان كدولة علمانية للمسلمين في الأربعينات من القرن الماضي، لم يكن يدور بذهنه أن الدولة التي حلم عليها سوف تتحول إلى جمهورية إسلاموية تفرض الدين على مواطنيها، وأرض للمطاردات يُقتل فيها المسلمون الليبراليون، وملاذاً آمناً لأخطر الإرهابيين المطلوبين في العالم. فما الذي أصاب رؤية جِنّة من خلل؟

يقول سونر چاغاپتاي هو مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، إن فهم ما حدث من خطأ في باكستان أمراً ضرورياً ليس فقط من أجل مصلحة البلاد لكن أيضاً لأنه يوفر لنا دروساً عن دور الدين في السياسة، وخاصة في وقت نجد فيه الكثير من المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة مشغولة بإعادة تعريف نفسها خلال "الربيع العربي".

ويتابع إن الوضع الحالي الفوضوي الذي تمر به باكستان بدءاً من اغتيال السياسيين المسلمين الليبراليين مثل حاكم إقليم البنجاب سلمان تيسير الذي قُتل لأنه قال كلا لاضطهاد المسيحيين - كما ينبغي لأي مسلم صالح أن يقول - وحتى الاكتشاف الصادم أن أسامة بن لادن يعيش في ضاحية عسكرية في عاصمة البلاد، هو نتاج لعملية من الأسلمة بدأت في عهد الدكتاتور محمد ضياء الحق في السبعينيات من القرن الماضي. بحسب معهد واشطن لدراسات الشرق الادنى.

ويشير، على خلفية الحرب الباردة اعتقد كثيرون في واشنطن، ووافقهم ضياء الحق بذلك، أن حقن الدين في نسيج المجتمع الباكستاني وأنسجة المجتمعات الأخرى ذات الأغلبية المسلمة التي تقع على الجانب الجنوبي من الإمبراطورية السوفيتية وتحديداً أفغانستان وإيران وتركيا سوف يقي من خطر استحواذ الإيديولوجيات اليسارية على [عقول الناس في] تلك البلدان. إن منع الاستيلاء الشيوعي على هذه الدول [كما اعتقدوا في واشنطن]، سوف يخدم الهدف الاستراتيجي الأكبر للحرب الباردة وهو منع الوصول الروسي إلى البحار الدافئة.

وينوه قائلا، هذه الاستراتيجية المعروفة باسم "نظرية الحزام الأخضر" كانت من تصميم مجموعات الاستخبارات الغربية وهدفها تحصين هذه الدول الأربع ضد الشيوعية. إلا أنه كانت هناك عواقب غير مقصودة لتلك الاستراتيجية التي نجحت بالفعل. فقد أصبح الدين البوصلة الأخلاقية لهذه المجتمعات وصمد طويلاً أكثر من صمود الشيوعية.

واليوم، فإن الإسلام السياسي قد اخترق نسيج كل دولة من هذه الدول الأربع بطرق فريدة. فباكستان جمهورية إسلاموية وأفغانستان أصبحت طالبانية وإيران سقطت فريسة لثورة إسلاموية وتركيا رغم ديمقراطيتها تقع ببطء تحت ما يمكن أن يكون حكماً استبدادياً ثابتاً وأبدياً مستلهماً من التوجه الإسلاموي لـ «حزب العدالة والتنمية».

ومن بين البلدان الأربعة تمثل باكستان الحالة الأكثر صدمة لما يمكن أن يحدث من انحراف في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة عندما يصبح الدين مسيَّساً في سياق السياسات العالمية. وقد بدأت الأسلمة في باكستان بعد أن أطاح ضياء الحق بالزعيم اليساري ذو الفقار علي بوتو. وقد استخدم ضياء الحق الدين كوسيلة مضادة لمحاربة الفكر الشعبي الذي دعا إليه بوتو.

ويؤكد سونر، كما أصبح التعليم الديني الإلزامي جزءاً من المناهج الدراسية الوطنية. وتم الترويج للمحاكم ووسائل الإعلام والمؤسسات المالية والمنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية الموجهة بالإسلام المحافظ والداعمة له. وتوقعت الحكومة من مواطنيها أن يقيموا شعائر الدين على النحو الأضيق كما حدده ضياء الحق.

كما عرَّف الدين طريقة الأداء في سياسة باكستان الخارجية، بما في ذلك دعم البلاد للمجاهدين في أفغانستان والكشميريين. ولا بد أن جِنّة يتقلب في قبره حسرة لأن باكستان تركت وِجهتها العلمانية بعد أن جعل ضياء الحق، الإسلام البوصلة الأخلاقية للمجتمع الباكستاني.

وعلى الرغم أنه ليس هناك خطأ في القيم المحافظة، إلا أن جعل الدين البوصلة الأخلاقية لأي مجتمع يؤدي إلى نتائج غير مقصودة. فالنقاء الديني هو مسابقة جمال أيديولوجية يفوز فيها الأشخاص القبيحون بصورة دائمية. إن جعل الدين الركيزة والبوصلة الأخلاقية في مجتمعات متجانسة دينياً يمكن أن يؤدي إلى المزيد من النتائج غير المتوقعة كما يظهر من حالة باكستان. وبالنظر إلى تأكيد الإسلام المتكرر على التقويم الأخلاقي (أي تعريف السلوك في شكله السلفي كحق بأن يكون المرء مسلماً حسن الإسلام) فإن المجتمعات المسلمة المتجانسة ديموغرافياً تخسر روحها العلمانية، كما أن أشكالاً متباينة من الديانة الإسلامية تأخذ في التفرق، وذلك بمجرد هيمنة شكل ضيق الأفق من الإسلام السياسي.

وينوه، كما يوضح اغتيال سلمان تيسير مؤخراً فلقد أصبح من المستحيل تقريباً أن يكون الشخص مسلماً في باكستان في أية طريقة تخالف تلك التي يتصورها الجهاديون - الفائزون في مسابقة الجمال الأيديولوجية.

وقد أسفرت أسلمة باكستان عن حدوث المزيد من النتائج غير المتوقعة فيما بعد فترة 11 أيلول/سبتمبر. إن الدور الاستثنائي المنسوب إلى الدين في السياسة - على المستوى المحلي والخارجي على حد سواء - هو الآن عملية مثيرة للعنف ومسببة للتطرف على طول خطوط خطاب تنظيم «القاعدة» حول صدام الحضارات والحرب بين الإسلام وبقية العالم.

إن خلط الدين بالسياسة هو عملية لا يمكن إلغاؤها، ولها عواقب وخيمة وغير متوقعة. والأكثر من ذلك، أن تحديد دور رئيسي للإسلام في السياسة يمكن أن يطلق العنان لديناميات العنف في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة في مرحلة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر. إن الدين والسياسة هي كالنار والبارود يحسن فصلهما عن بعضهما البعض..... لقد كان جِنة مُحقاً.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/حزيران/2011 - 13/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م