الفضائيات العربية... انحياز يشوه الربيع العربي

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: مع بداية الثورات والحركات الاحتجاجية التي عصفت بالدول العربية فيما بات يعرف بالربيع العربي، تجلت حقيقة الانحياز الكامل لبعض الفضائيات التي كانت تغطي سير الأحداث، كاشفة في الوقت نفسه طبيعة الأجندات السياسية التي كانت توجه الخطاب الإعلامي لكل قناة. حيث يؤكد العديد من الخبراء إن المصداقية والموضوعية باتت صفة تفتقر لها تلك القنوات في التعامل مع الوقائع بين دولة وأخرى، مشيرين في الوقت ذاته بالتباين الشاسع في نقل حقيقة الأحداث بين دولة وأخرى. فيما يذهب بعض المراقبين في تحليلاتهم الى كون أغلب الفضائيات العربية مارست سياسة مزدوجة في تعاملها، بعد ان قامت بالتعتيم على حركة الاحتجاجات في البحرين والسعودية من جهة، واتسم خطابها الإعلامي بالتحريض وتأجيج العنف من جهة أخرى أثناء تغطيتها لأحداث اليمن وسوريا.

غياب الموضوعية

فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات العربي - الأوروبي ومقرّه باريس، أن الفضائيات العربية لا تتعامل بموضوعية مع ما يجري من أحداث في العالم العربي. ورأى 90.3٪ من الذين شملهم الاستطلاع ان الفضائيات العربية الاخبارية انتقلت من كونها مصدر معلومات الى محرك ثورات في كثير من الاحيان. أما 6.8٪ فذهبوا إلى أن معظم الفضائيات العربية تعاملت بموضوعية مع ما يجري من أحداث في العالم العربي، وان الفضائيات المستقلة منها تعاملت مع الاحداث بنوع من الاستقلالية والموضوعية. بينما اعتبر 10.1٪ أن الإعلام سلاح ذو حدين إما لك وإما عليك. وخلص المركز الى نتيجة مفادها أن تطورات الأوضاع في العالم العربي أثبتت انعدام وجود اعلام حر ومستقل، خصوصاً الفضائيات، لأن كل وسائل الإعلام العربية تابعة مالياً وسياسياً إلى جهة معينة، وأنه لا توجد مؤسسات اعلامية عربية ذاتية التمويل والتوجيه. وعندما تكون وسائل الإعلام خاضعة لوصاية مالية وسياسية لجهة معينة فهي بالتالي خاضعة مهنياً للجهة نفسها، وهذا ما يجعلها تلقي الأضواء على حدث معين وتعمل على تغييب حدث آخر بحسب ما تقتضي المصالح ذلك.

والفضائيات العربية ذهبت ليس فقط الى إعلان الانحياز لحدث على حساب حدث آخر، بل لوحظ ان بعض الفضائيات كانت هي التي تصنع الحدث أحياناً من حيث تضخيمه أو فبركته او التلاعب بمجرياته. بحسب الإمارات اليوم.

ووسائل الإعلام العربية ليست الحالة الوحيدة التي تتحيز لحدث دون آخر، كما انها ليست الوحيدة التي تتحكم احياناً بمجريات الحدث، بل حتى وسائل الإعلام الغربية التي تدعي في خطاباتها أنها حيادية فهي في حقيقة الأمر منحازة لما يتوافق مع توجهاتها وتطلعاتها، بدليل طريقة التعاطي الإعلامي الغربي مع اسرائيل ومع الفلسطينيين.

إضافة الى ما تقدم فإن الملاحظة الجديرة بالاهتمام هي ان وسائل الإعلام العربية تبث معظمها باللغة العربية، ما يعني ان العرب فقط هم دائرة اهتماماتها، الأمر الذي يشيع مناخاً تبدو فيه كأن هدف الفضائيات العربية الحديث عن القضايا العربية والخلافات العربية -العربية، وذلك على خلاف الغرب الذي لا يبث فقط بلغاته الرسمية المعتمدة بل أسس فضائيات تبث باللغة العربية ليوصل الى العرب توجهاته وتطلعاته، مثل قناة «الحرة» الأميركية والـ«بي بي سي» البريطانية، و«فرنسا 24» و«روسيا اليوم»، وغيرها.

تغطية قناة الجزيرة

من جهتها انتقدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تغطية قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية للثورات التى اندلعت فى الدول العربية، وأكدت أن القناة القطرية التى نالت الإشادة بتغطيتها المكثفة لأحداث الثورات العربية توشك أن تفقد مصداقيتها بين طوائف العالم العربى بسبب تغطيتها الأحادية الجانب لبعض هذه الأحداث.

وأوضحت الصحيفة أن تغطية القناة الإخبارية المبادرة والمكثفة للثورات التى هزت منطقة الشرق الأوسط، والتى من المحتمل ضلوع القناة فى تأجيج معظمها، نالت الإشادة لأنها كانت تنقل الأحداث بحذافيرها، وقال جوزيف مسعد الأستاذ فى السياسة العربية الحديثة فى جامعة كولومبيا "فى دول عربية أخرى، وقفت "الجزيرة" بوضوح إلى جانب التظاهرات، لكن فى البحرين تظاهرت القناة فى نقلها لتطورات الأحداث هناك بالحيادية فى حين كانت تدعم النظام البحرينى".

ونقلت الصحيفة عن بعض النقاد قولهم إن هذا النهج المتناقض جذب الانتباه أخيرا إلى علاقات الجزيرة الوثيقة بالحكومة القطرية التى تمتلك الشبكة ذائعة الصيت، وعزز أيضا الاتهامات بان قناة البث الإذاعى يتم استخدامها كأداة تخدم السياسة القطرية الخارجية الطموحة.

وأوضح النقاد انه بينما تقترب التظاهرات من معاقل القناة، تتعرض استقلالية القناة فى نقل تطورات الأحداث للخطر، وعلى الرغم من دعمها بعض التظاهرات ضد بعض أنظمة الحكم العربية طويلة الأمد، بدا من الواضح أن الشبكة الإخبارية ورئيسها، غيرا من خططهما عندما تعلق الأمر بتهديد مملكة أخرى على الخليج العربى.

وأوضح المديرون التنفيذيون للجزيرة أن البث الإذاعى للقناة العربية وقناة الجزيرة للأخبار العالمية بالانجليزية يعملان باستقلالية تامة بعيدا عن التحكم القطرى، لكن المح المذيعون فى القناة إلى أن القناة التى تمتلكها الإذاعة القطرية تقع تحت قيادة ابن عم أمير قطر، معيدين إلى الأذهان الوثيقة السرية الشهيرة التى سربها موقع "ويكيليكس" والتى كشفت علانية أن السفارة الأمريكية عام 2009 وصفت قناة الجزيرة بأنها "أداة للتأثير القطرى".

وقال أيضا اسعد ابوخليل، مؤلف نشرة العرب الغاضبين، والصوت الدائم من بين إعداد الأكاديميين والمحللين الإعلاميين المتزايدة الذين يتحدثون علنا ضد الجزيرة " لقد فقدوا مصداقيتهم فى العالم العربى، أما بتغطية التطورات من جانب واحد أو تجاهلها تماما، لقد أصبحوا محطة نظام نموذجية".

مخططات الإطاحة بالنظام السوري

في السياق ذاته أطلت الإعلامية السورية لونا الشبل المستقيلة من قناة "الجزيرة" على شاشة التلفزيون السوري من خلال برنامج "لقاء خاص" والذي اتهمت فيه قناة "الجزيرة" بخيانة الأمانة الصحفية، وأنها تلفق الأخبار التي تبثها حول الأحداث في سوريا.

وقالت الشبل في البرنامج حسبما نقلت "بوابة الأهرام" إنه يوجد مخطط للإطاحة بنظام الأسد منذ فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، مدعية أنَّ دول الخليج خائفة من الحلف الإيراني-السوري، وتموِّل وسائل الإعلام الموجَّه على نسف هذا الحلف.

وشككت الشبل أيضا في مصداقية التقارير المصورة والأخبار التي تنقلها الجزيرة عن سوريا، معتبرة أن القناة تراجعت حرفيتها الإعلامية وأنها تخدم "مخططات الإطاحة بالنظام السوري".

وأشارت الإعلامية إلى أن هذا المخطط كُتب عنه في العديد من الصحف والقنوات العربيَّة والغربيَّة وبعض الكتب، وأبرزها "كتاب المحافظون الجدد" حيث يقام على دعم المعارضين المحلِّيين في أي دولة لإسقاط النظام الذي يُعتقد أنَّه قد يضرُّ بمصالح أمريكا وإسرائيل، لافتة إلى أنَّ الموضوع لا يقتصر على "الجزيرة" و"العربيَّة" و"الشَّرق الأوسط" و"الحياة"، لأنَّ المخطَّط أكبر بكثير، وهو مكشوفٌ حتَّى في كتب غربيَّة صدرت منذ سنوات، وبعضها صدر بعد عهد بوش ورايس.

كما تناولت الشبل خلال حديثها وثائق "ويكيليكس" الخاصة بقناة "الجزيرة" والتي أكدت أنَّ وزير الخارجيَّة القطري ورئيس الوزراء عبَّر عن إهتمام قطر بإزاحة النظام المصري، على أنّْ تلعب الجزيرة دورًا هامًّا في هذه العمليَّة، طبقًا للوثائق.

وذكرت أنَّ العديد من الصحف ووكالات الأنباء تتعامل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكيَّة، وأن وبعض موظفي تلك الصحف والوكالات هم جواسيس يتخذون الصحافة غطاءً، ويتخفون حول صفة المحللين السياسيين.

وقالت الشبل إنَّ قناة "الجزيرة" الَّتي دخلتها منذ سنوات هي غير قناة "الجزيرة" الموجودة حاليًا، مشيرةً إلى أنَّ ميثاق الشَّرف الموجود في القناة لا يعمل به حاليًا، إنَّما الأمور تمشي وفق أجندات سياسيَّة تنفذها مخطَّطات إعلاميَّة، وما تقوم به "الجزيرة" هو عمل ممنهج وتمَّ في مصر وليبيا والسودان. –موقع محيط-

ليبيا الاحرار قناة تحتضنها قطر

وعلى بعد الاف الكيلومترات من بنغازي ينشط عشرات الصحافيين والتقنيين على مدار الساعة لدعم الثورة من خلال قناة "ليبيا الاحرار" التي تحتضنها قطر وتساهم في تمويلها، على ان تنتقل في المستقبل الى ليبيا لتتحول "من قناة ثورة الى قناة دولة".

وقال محمود شمام مسؤول الاعلام في المجلس الوطني الانتقالي، وهو بمثابة وزير الاعلام للثورة الليبية، "نحن لسنا قناة نضالية بمعنى النضال بل نحن قناة تتبنى مطالب الشعب الليبي وحقه في الحرية والكرامة".

وشمام اطلق مع عدد من الصحافيين والناشطين الليبيين القناة منذ نهاية اذار/مارس وهي تبث من مبنى في وسط الدوحة التاريخي مستخدمة معدات ومكاتب قناة الريان القطرية، بانتظار "تحرير طرابلس" بحسب شمام.

وقال المعارض الليبي المعروف المقيم منذ سنوات بين واشنطن والدوحة وبيروت لوكالة فرانس برس "بصورة عامة الهدف من القناة هو تقديم خدمة نوعية للمشاهد الليبي المحروم من اية قنوات ذات قيمة مهنية وسياسية، ولسد عجز في ظل عدم وجود اعلام مضاد للاعلام الحكومي" الليبي. بحسب فرانس برس.

ففي مكاتب القناة التي تتمتع بحماية مشددة وبتدقيق ملحوظ على الداخل اليها والخارج منها بسبب التهديدات التي تلقاها القيمون عليها، يعمل المعدون على برامج متنوعة تحظى الاخبار بحصة الاسد منها.

وتبث القناة اخبارا عن تقدم الثورة والاوضاع الميدانية، لاسيما في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، كما تبث رسائل مصورة من مقاتلين على الجبهة الى جانب البرامج الحوارية من بنغازي في شرق البلاد، معقل الثورة.

اما البرامج "غير الاخبارية" فغالبا ما تكون سياسية بامتياز ايضا، كبرنامج يفند في اطار هزلي كوميدي "فلسفة" الزعيم الليبي معمر القذافي الذي يحكم بلاده منذ اكثر من اربعة عقود.

وغالبا ما يوصف القذافي في القناة بالطاغية، لاسيما في الاغاني والاناشيد الثورية التي تحث الليبيين على دعم الثوار.

وقال شمام ان المتوفر لليبيين منذ عقود هو "اعلام حكومي بكل خصائصه ودعاياته الغوبلزية المباشرة لذا اردنا الغاء هذا الاحتكار لنعطي لشعبنا قناة تناقش الامور بكل صراحة بشكل نقدي كصورة اخرى مقابلة للاعلام الحكومي".

من جانبه، قال المدير العام للقناة والذي شارك في تاسيسها محمد العكاري لوكالة فرانس برس ان "ليبيا الاحرار" يعمل فيها حوالى مئة صحافي وتقني وموظف وتبث حاليا 12 ساعة يوما بعد ان بثت في الفترة الاولى ست ساعات.

والغالبية العظمى من موظفي القناة ليبيون، فباستثناء بعض التقنيين، يعمل عشرات الشبان والشابات الليبيين على مدار الساعة لايصال صوت "الاحرار" الى مواطنيهم على بعد الاف الكيلومترات.

وتبث القناة على اقمار عرب سات ونورسات كما باتت تحظى بموقع على الانترنت "يحتل المرتبة الرابعة في ليبيا من بين كل المواقع"، بحسب العكاري، اضافة الى تطبيقات على اجهزة "اي باد" و"اي فون".

وقال عكاري "هناك عملية كاملة داخل ليبيا واجهزتنا وفرقنا موجودة في بنغازي وسيكون لدينا في المناطق المحررة ومناطق القتال الميدانية مراسلون".

وعن مستقبل القناة، قال عكاري "نحن اسسنا +ليبيا الاحرار+ لتكون قناة دولة وليس قناة ثورة"، اي ان مشروعها هو الدولة الليبية القادمة بعد تغيير النظام في ليبيا دون ان تكون حكومية.

اما شمام، فقال ان القناة وفرت للفرق العاملة لديها "افضل الاجهزة وستكون هناك محطة ارضية في طرابلس بعد ساعات من تحريرها وستكون لدينا محطة اف ام في بعض المناطق ومحطات ارضية في بعض المناطق الاخرى".

واضاف "نحن الآن سوف ندرب الكوادر التي لدينا وقد تعاقدنا مع مدربين من هيئة الاذاعة البريطانية +بي بي سي+ لتدريبهم على كيفية العمل الاعلامي" و"نحن نامل ونخطط ايضا لان تنتقل هذه القناة برمتها الى طرابلس عندما تتحرر من قبضة القذافي".

وعن تمويل القناة، قال العكاري لوكالة فرانس برس "هناك العديد من رجال الاعمال والمتبرعين الذين يدعمون القناة، لكن السند الاقوى هو بالطبع دولة قطر التي لن نتمكن ابدا من شكرها بما يكفي"، علما ان قطر هي اول دولة عربية تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي كما انها تشارك في العمليات الجوية في ليبيا.

وحول علاقة القناة بالمجلس الوطني الانتقالي، اوضح شمام انها "علاقة ادبية، فانا أسست هذه المحطة حتى قبل ان اكون المسؤول الاعلامي في المجلس الوطني وهذه القناة ليست صوتا للمجلس الوطني وانما على تواصل مع قرارات المجلس". واضاف "هي لا تتلقى توجيهاتها من المجلس وهي قناة يقرر محرروها خطها السياسي كل يوم".

ويقول احد مقدمي البرامج العاملين في القناة لفرانس برس طالبا عدم ذكر اسمه خوفا "من بطش نظام القذافي باقاربه الموجودين في طرابلس" على حد قوله، "هناك كوادر في القناة يخشون من التهديدات الموجهة لاهلهم فالتهديدات والمضايقات طالت اناسا تكلموا في الاعلام من خلال مداخلات تلفونية فما بالك لمن يعمل في قناة".

الا انه كان متفائلا بنهاية وشيكة لهذا الخوف لانه اعتبر ان "الخناق يضيق على النظام وبعد تحرير طرابلس سننتقل مباشرة للبث من هناك".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/حزيران/2011 - 12/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م