
شبكة النبأ: مع انقضاء الانتخابات
التركية يحقق اردوغان فوزا جديدا بمعية حزبه الإسلامي العتيد، في
انتصار ليس بجديد يضمن التعديلات الدستورية التي يجهد لإقرارها منذ
توليه دفة الحكم في تلك الدولة الكبيرة، خصوصا ان غلب المراقبين يجمعون
على كون شعبية اردوغان اعتمدت على نجاحه في بناء اقتصاد مزدهر، وإنهاء
عقود من الانقلابات العسكرية وخطط الإنقاذ المالي الدولية الفاشلة.
وتركيا قوة صاعدة صاحبة اقتصاد حر مزدهر وحليف للولايات المتحدة كما
تطمح ان تنضم للاتحاد الاوروبي. وتعتبر مثالا للمزاوجة بين الإسلام
والديمقراطية وهي واحة استقرار في منطقة تعصف بها انتفاضات الربيع
العربي.
اردوغان يفوز
حيث يتجه حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء التركي
رجب طيب اردوغان الى تحقيق الفوز في الانتخابات البرلمانية التي أجريت
يوم الاحد بحصوله على 50.2 في المئة من الاصوات لكنه لن يحصل على
الارجح على عدد كاف من المقاعد يمكنه من الدعوة الى استفتاء على دستور
جديد.
وأصبحت تركيا الدولة التي يغلب المسلمون على سكانها والطامحة
للانضمام الى الاتحاد الاوروبي قوة اقتصادية وطرفا مؤثرا على الصعيد
الدولي منذ وصول حزب العدالة والتنمية بزعامة اردوغان الى السلطة لاول
مرة عام 2002.
واذا تأكدت النتائج الجزئية التي أعلنت بعد فرز 90 في المئة من
الاصوات سيضطر حزب العدالة والتنمية الى عقد اتفاقات مع أحزاب أخرى
ليتمكن من المضي قدما في خططه لاستبدال الدستور الحالي الذي وضع قبل
نحو 30 عاما خلال فترة من الحكم العسكري. وتعهد اردوغان بالعمل مع
المنافسين لتحقيق توافق بشأن دستور جديد لتركيا.
وقال في كلمة للمؤيدين من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية في انقرة "الشعب
ابلغنا رسالة ببناء الدستور الجديد من خلال التوافق والتفاوض." واضاف "سنناقش
الدستور الجديد مع احزاب المعارضة."
وأفادت محطة تلفزيون (سي.ان.ان ترك) بأن نتائج عمليات الفرز التي لم
تكتمل بعد تشير الى أن حزب العدالة والتنمية يتجه الى الحصول على 327
مقعدا في حين يحتاج الى 330 مقعدا لاجراء استفتاء. وكان الحزب يشغل 331
مقعدا في البرلمان السابق.
ويتوقع أن يسلب هذا التراجع في عدد المقاعد بعض البريق من نجاح
الحزب في تحقيق الفوز للمرة الثالثة على التوالي بأربع سنوات أخرى من
حكم الحزب الواحد. لكن محللين يزعمون أن ذلك سيكون أمرا جيدا لكل من
الاقتصاد والديمقراطية في تركيا.
وقال فولفحانج بيكولي المحلل في مجموعة يوراسيا الاستشارية للتنبؤ
بالمخاطر في لندن "نتائج الانتخابات تتجه على ما يبدو نحو أفضل الاوضاع
للاسواق.. أعلبية قوية تقل عن 330 مقعدا أو أكثر المطلوبة لتعديل
الدستور وطرحه للاستفتاء." وأضاف "اذا لم يفز حزب العدالة والتنمية
بثلاثمئة وثلاثين مقعدا فسيضطر الى اجراء مفاوضات مع المعارضة بخصوص
التغيرات المرغوبة. وهذا الوضع سيساعد في تقليص مخاطر حدوث المزيد من
الاستقطاب."
وذكرت المحطة التلفزيونية أن حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي الى
يسار الوسط يتجه للحصول على 25.8 في المئة في حين سيحصل حزب الحركة
القومية اليميني على 13.2 في المئة متجاوزا حاجز العشرة في المئة
اللازم لدخول الاحزاب البرلمان.
ولم ترد تقارير تذكر عن مشكلات حتى في المنطقة الكردية المضطربة حيث
لعب الاداء القوي للمستقلين الذين رشحهم حزب السلام والديمقراطية
المؤيد للاكراد دورا كبيرا في حرمان حزب العدالة والتنمية من الحصول
على مزيد من الاصوات. بحسب رويترز.
وقال الكردي صراف الدين الجي الذي يحتمل حصوله على مقعد في البرلمان
عن مدينة ديار بكر في حنوب شرق تركيا "شعبنا يريد حل القضية الكردية
بوسائل سلمية وديمقراطية. سنعمل من أجل ذلك وسوف نناضل لتحقيق مطالب
الشعب الكردي بالدستور الجديد." وأضاف "هذا نجاح هائل لنا. نتوقع أن
يحمل رئيس الوزراء أملا قويا في حل للمشكلة الكردية من أجل مستقبل
تركيا."
وكانت هناك تكهنات بأن اردوغان سيسعى الى تحويل الحكم في تركيا نحو
نظام له المزيد من خصائص النظام الرئاسي لتحقيق هدف نهائي هو أن يصبح
هو نفسه رئيسا.
ولكن اردوغان الذي خرج حزبه من عباءة حركات اسلامية محظورة يقول ان
الدستور الجديد سيقوم على أساس المبادئ الديمقراطية والتعددية الامر
الذي سيقرب تركيا من معايير عضوية الاتحاد الاوروبي.
ويضرب المطالبون بالديمقراطية في انتفاضات "الربيع العربي" في الشرق
الاوسط وشمال افريقيا في كثير من الاحيان المثل بتركيا وحزب العدالة
والتنمية. ورغم أن المستثمرين الاجانب ينظرون في العادة الى حزب
العدالة والتنمية باعتباره الاكثر تأييدا للسوق يقول منتقدون لاردوغان
انه ينتهج مسلكا استبداديا.
ويشير معارضون كذلك الى لجوء أجهزة الدولة على نحو متزايد الى
التنصت على المحادثات واعتقال الصحفيين المنتقدين للحكومة والمحسوبية
واتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء.
وحذر محللون من أن الحكومة الجديدة ستواجه تحديات اقتصادية خطيرة.
فالعجز في الحساب الجاري يتضخم وهناك حاجة لتحجيم السياسة المالية للحد
من تدهور الاقتصاد كما أن البطالة بين الشباب مرتفعة في بلد يبلغ متوسط
الاعمار فيه 28 عاما.
بائع الخبز غير وجه تركيا
من جهته كان رجب طيب اردوغان يبيع وهو صغير لفافات الخبز في شوارع
اسطنبول القديمة كانت تركيا دولة محاصرة بسلسلة من انقلابات الجيش وكان
أبناؤها المتدينون مضطهدين في المجتمع. وبينما يوشك اردوغان الان على
اتمام عشر سنوات كرئيس لوزراء تركيا تبدو بلاده مختلفة تمام الاختلاف،
انها صاحبة واحد من أسرع اقتصادات العالم نموا ومرشحة لعضوية الاتحاد
الاوروبي وقوة اقليمية لا يستهان بها كما أزاح الاتراك المتدينون
النخبة العلمانية من السلطة.
واردوغان بالنسبة لاعدائه اسلامي مستبد وخطير أما في عيون معجبيه
فهو بطل همام. غير اردوغان وجه هذه الدولة الديمقراطية المسلمة منذ وصل
حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الى سدة الحكم عام 2002 على نطاق لم
تشهده منذ أسس كمال اتاتورك الجمهورية التركية عام 1923 على أنقاض
الامبراطورية العثمانية المهزومة.
كان اردوغان قد قال انه اذا فاز حزبه فسيعيد صياغة الدستور الذي صيغ
بعد انقلاب عسكري عام 1980 وتسري تكهنات الان حول ما اذا كانت خطوته
التالية ستكون نحو الرئاسة في اطار نظام رئاسي أكثر قوة.
وقال هنري باركي خبير الشؤون التركية في معهد كارنيجي للسلام الدولي
بواشنطن "اردوغان يريد أن يذكره الناس بوصفه الرجل الذي صنع من تركيا
قوة عالمية." وأضاف "انه يريد أن يثبت للعالم أنك تستطيع أن تكون لاعبا
عالميا ومسلما في نفس الوقت."
واردوغان سياسي صاحب كاريزما وقد خاض مجازفات عندما تحدى الجيش
والقضاء العلمانيين في وقت شهد انتقال السلطة من أيدي النخب الحضرية
التي تميل للغرب الى طبقة جديدة من المسلمين المتدينين.
وأدت سياسات السوق التي شجعها حزب العدالة والتنمية المحافظ
اجتماعيا الى زيادة نصيب الفرد من الدخل القومي الى ثلاثة امثاله في
الاعوام الثمانية الماضية. وولى عهد برامج الانقاذ للتخلص من الازمات
المالية والانهيارات المصرفية.
وبدل اردوغان مكانة تركيا في العالم. وعمقت تركيا عضو حلف شمال
الاطلسي وحليفة الولايات المتحدة لفترة طويلة علاقاتها مع الشرق الاوسط
بما فيه ايران وفتحت أسواقا جديدة في اسيا وافريقيا.
وكان العلمانيون يخشون من ان يحول حزب العدالة والتنمية الذي خرج من
رحم حركات اسلامية محظورة تركيا الى ايران أخرى لكن هذا لم يحدث. وقد
كافأ المستثمرون اردوغان على نهجه البراجماتي. لكن على الرغم من قصة
نجاحه فان هناك مخاوف بشأن مستقبل تركيا.
فالبعض يتهم اردوغان بأنه يظهر نزعات شمولية ويقولون انه يتمتع
بصلاحيات اكثر من اللازم. ويشعر البعض بالقلق من أن يسمح حصول حزب
العدالة والتنمية على أغلبية الثلثين بأن يقر اردوغان تعديلات دستورية
أحادية الجانب ويطلق يد رجل يعرف عنه أنه غير محب للمعارضة واعتاد
القيام بالامور بطريقته الخاصة.
وأحزاب المعارضة ضعيفة وتعاني من استمرار الفوضى التي تحاصرها منذ
هزيمتها في انتخابات عام 2002 التي جاءت بحزب العدالة والتنمية الى
السلطة مما يزيد من الانطباع بهيمنة اردوغان الكاملة.
واذا انتخب اردوغان فلن يسمح له بخوض الانتخابات لولاية رابعة. لكن
مواد الدعاية الانتخابية تظهر أنه يعتزم البقاء على الساحة السياسية
بعد ذلك. واعتمد لملصقات ونشرات الحملة صورة له وهو غير مبتسم ويبدو
فيها بمظهر الاب وتعيد للاذهان صورة مؤسس الجمهورية اتاتورك ويستخدم
شعار "الهدف 2023" وهي الذكرى المئوية لتأسيس تركيا الحديثة.
وقال تيموثي اش المحلل في رويال بنك اوف سكوتلاند "تركيا دولة اكثر
ثقة بنفسها في وجود معدل نمو مرتفع وقطاع مصرفي واموال عامة تبدو جيدة
وفي ظل طفرة في الاستهلاك والاسكان وارتفاع نسبة الشباب بين السكان لكن
من الواضح أن هناك مخاوف بشأن تركز السلطة."
ولد اردوغان لاب من منطقة البحر الاسود يعمل ربان زورق وهاجر حين
كان طفلا الى اسطنبول. ويقول كاتبون للسير انه كان يبيع لفافات الخبز
وعصير الليمون ليتمكن من دفع تكاليف مدرسته الدينية.
ويشير كاتبو السير الى أن صفات اردوغان النضالية والشعبوية ربما
ترجع الى خصائص حي قائم باشا وهو حي قديم في اسطنبول يعيش به عمال من
الريف وأصحاب المتاجر.
ولايزال ينظر الى اردوغان في شوارع حي قاسم باشا الضيقة على أنه
واحد من ابنائه. وتعلق المتاجر والمقاهي صوره بعضها من دعايته
الانتخابية والبعض الاخر وهو بملابس كرة القدم حين كان لاعبا نصف محترف
ويتحدث الجيران باحترام عن "رئيس وزرائنا".
وعلى الرغم من شخصيته المثيرة للجدل فان حتى ألد أعداء اردوغان لا
ينكرون أنه قوة يعتد بها.
وقال جنكيز اكتر الاستاذ بجامعة بهجسير في اسطنبول "انه سياسي محنك
لكن المشكلة أنه أصبح صانع القرار الاوحد في البلاد."
وأضاف "فكرة النظام الرئاسي تبدو فكرة شديدة الاستبدادية. يريد
تعزيز نفوذه بمزيد من السلطة لكن دون قيود. قد تواجه تركيا تحديات
خطيرة في المستقبل اذا سرنا على هذا الدرب."
ويحترم الكثير من الاتراك اردوغان لاعادته الاستقرار الى البلاد
التي عانت من عقود من الائتلافات الفوضوية والانقلابات وخطط الانقاذ
المالي الدولية الفاشلة ولمنحهم الثقة في بلادهم.
ويقول باركي خبير الشؤون التركية في معهد كارنيجي للسلام بواشنطن "لايزال
بطريقة او أخرى لاعب كرة القدم من حي قاسم باشا وهذا جزء من نجاح تركيا.
قصته تشير الى أن التقدم والارتقاء يمكن أن يحدث في تركيا."
الديمقراطية تضاف الى الاسلام
في اعقاب انهيار الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الاولى
فرض مؤسس الجمهورية كمال اتاتورك اصلاحات علمانية جذرية ومنها فصل
الدين عن الدولة وتجريم استخدام الطربوش وتغيير الابجدية من العربية
الى اللاتينية.
ويتباهى الاتراك بأن النساء في تركيا سمح لهن في التصويت قبل
الفرنسيين بفضل اتاتورك رغم ان تمثيلهن في البرلمان لا يزال ضعيفا وفقا
للمعايير الاوروبية.
لكن بعد ان كان الاسلاميون مستضعفين في ظل الحكومات العلمانية
السابقة اصبحوا في تسع سنوات فقط من حكم حزب العدالة والتنمية يحظون
بالاعتراف والتمكين في انحاء البلاد وازاحوا العلمانيين واطاحو بالنخبة
من السلطة. واصبح الجنرالات الذين نصبوا انفسهم حماة العلمانية لا
يبرحون ثكناتهم وباتت زوجتا اردوغان والرئيس عبد الله جول ترتديان
الحجاب بكل ثقة.
ويقول الاتراك ان اظهار الاحتشام في اللباس او صوم رمضان من الامور
التي تسهل الحصول على الوظائف والعقود الحكومية. ويقول البعض ان رفع
الاذان صار اعلى صوتا في المساجد في ظل العدالة والتنمية وان استطلاعات
اظهرت ارتداء عدد اكثر من النساء للحجاب.
ورفعت الحكومة اسعار المشروبات الكحولية وتحاول استحداث قوانين اكثر
صرامة على المبيعات والاستهلاك لحمل الشبان على الاخص على عدم تناول
هذه المشروبات.
والتعليم قضية كبرى في تركيا. فالمعلمون يشكون من ان زملاءهم الاكثر
تدينا تجري محاباتهم في الحصول على وظائف في المدارس الحكومية.
وقال مدرسة من مدينة ازمير تدعى ابرو عمرها 26 عاما لرويترز بينما
كانت تدخن لفافة من التبغ بعصبية " حصلت على درجة كبيرة في اختبار
المعلمين لكن المتدينين هم من عينوا."
حقائق عن الاقتصاد التركي
الى ذلك سجل الاقتصاد التركي أحد أعلى معدلات النمو في العالم في
العام الماضي ليدعم موقف حزب العدالة والتنمية. ومنذ تولى الحزب زمام
الحكم في 2002 ارتفع دخل الفرد ونزلت نسبة التضخم وأسعار الفائدة
لمستويات تاريخية وأصبح عجز الميزانية المتواضع ونسبة الدين العام
الضئيلة مثار حسد من كثير من دول الاتحاد الاوروبي المتخبطة.
لكن مازال هناك خلل في الموازين الهيكلية الرئيسية وربما يقوض ذلك
توقعات ايجابية الى حد كبير للاقتصاد الناشيء.
وتتطلع تركيا لان تكون ضمن أكبر عشر اقتصاديات في العالم في عام
2023 الذي يوافق مرور مئة عام على تأسيس الجمهوية التركية. وتحتل تركيا
حاليا المركز السادس عشر.
وبفضل القطاع المالي المنتعش وقدرتها على التمويل الذاتي المستقل
والانخفاض الشديد في تكلفة الاقتراض اقتربت تركيا كثيرا من تصنيف
ائتماني في درجة الاستثمار الذي تتطلع اليه منذ فترة طويلة بعد اقتراع
يوم الاحد. لكن النمو القوي وانخفاض معدل الادخار وزيادة الاعتماد على
التدفقات من "أموال المضاربة" دفع العجز الخارجي في تركيا مستويات
مرتفعة حرجة.
ورغم تعافيها السريع من الازمة المالية في عام 2009 سجلت تركيا
انكماشا بنسبة حوالي خمسة بالمئة في ذلك العام مما يذكر بالمخاطر التي
تتهددها في حالة حدوث أي صدمات عالمية.
ولم توزع الثروة المتنامية في تركيا بالتساوي ولا تزال منطقة
الاناضول في وسط البلاد والجنوب الشرقي الذي تقطنه اغلبية كردية أفقر
بكثير و محرومين من الاستثمار. ونسبة البطالة مرتفعة بشكل مستعص ولم
يترجم النمو الاقتصادي لفرص عمل مستدامة. |