السياحة البيئية... بصيص امل لانعاش اقتصاد الدول

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: تؤكد جميع التقارير العلمية، قديماً وحديث، على ان الارض هي المكان الوحيد الذي يصلح لبقاء الانسان مع مليارات الكائنات الحية بمختلف اصنافها واشكاله، مع عدم تجاهل المؤشرات الاخرى والدالة على وجود احتمال للحياة في كواكب اخرى، وبين الامرين تبقى "الارض" هي اغلى مايمكن ان يملكه البشر يوماً وهي مصدر الحياة بالنسبة لهم وسبب بقائهم، وبدلاً من تقديم الشكر والعرفان وكل التقدير والاحترام على سعة صدرها الرحب وخيراتها التي لاتعرف الحدود، نجد ان الابادة الجماعية لاغلى عناصرها مازالت مستمرة، فالغابات قد دمرت بمساحات هائلة والبحار والمحيطات مازالت تعاني من ارتفاع نسب التلوث الكبيرة وبصورة يومية بعد القضاء على اغلب الشعب المرجانية فيه وظاهرة الجفاف والاحتباس الحراري اخذت تعصف بالكثير من الموارد الحيوية، فضلاً عن استنزاف اغلب موارد الطبيعة وبشكل عشوائي وغير مدروس وذلك لاهداف ربحية بحته، ان العودة الى الاقتصاد الاخضر والدفاع عن الطبيعة وحماية البيئة هو من اهم واجبات الانسان في الوقت الراهن الذي يشهد انحدار حاداً في عافية الطبيعة وسكانها.

اهمية السياحة

حيث تعد السياحة نوعاً هاماً من أنواع الأنشطة التجارية والاستثمارية عالية الربحية، فقد أصبحت صناعة رئيسية علي النطاق العالمي، ومن المتوقع أن تنمو نمواً متواصلاً، حيث زاد عدد السياح علي المستوي الدولي ثلاثة أمثاله في العقدين الماضيين، وتعد السياحة والسفر أكبر مصدرين للعمالة في العالم، كما تعتبر السياحة من أكثر الصناعات نمواً في العالم، فقد أصبحت اليوم من أهم القطاعات في التجارة الدولية، إن السياحة من منظور اقتصادي هي قطاع إنتاجي يلعب دوراً مهماً في زيادة الدخل القومي وتحسين ميزان المدفوعات، ومصدراً للعملات الصعبة، وفرصة لتشغيل الأيدي العاملة، وهدفاً لتحقيق برامج التنمية، ومن منظور اجتماعي وحضاري، فإن السياحة هي حركة ديناميكية ترتبط بالجوانب الثقافية والحضارية للإنسان، بمعنى أنها رسالة حضارية وجسر للتواصل بين الثقافات والمعارف الإنسانية للأمم والشعوب، ومحصلة طبيعية لتطور المجتمعات السياحية وارتفاع مستوى معيشة الفرد، الجدير بالذكر أنه على الصعيد البيئي تعتبر السياحة عاملاً جاذباً للسياح وإشباع رغباتهم من حيث زيارة الأماكن الطبيعية المختلفة والتعرف على تضاريسها وعلى نباتاتها والحياة الفطرية، بالإضافة إلى زيارة المجتمعات المحلية للتعرف على عاداتها وتقاليدها. لقد غدت السياحة المستدامة منهجاً وأسلوباً تقوم عليه العديد من المؤسسات السياحية العالمية، وعلى غير ما يعتقد الكثير فإن تطبيق مفهوم السياحة المستدامة لا يعد مكلفاً من الناحية المالية، فله عائده المعنوي والمادي، ويعود بالربح والفائدة على المؤسسات السياحية. إن تطبيق مفهوم الاستدامة السياحية يعتمد على ثلاثة جوانب هامة، هي العائد المادي لأصحاب المشاريع السياحية، والبعد الاجتماعي، على اعتبار أن هذه المؤسسات هي جزء من المجتمع المحلي وعليها الاستفادة من الخبرات والكفاءات المحلية ما أمكن، بالإضافة إلى إشراك المجتمع المحلي والأخذ برأيه، والبيئة، حيث تعامل هذه المؤسسات على أنها جزء من البيئة، وبالتالي يجب عليها المحافظة على الموارد الطبيعية من ماء وطاقة ونباتات وأحياء طبيعية لدرء أي خطر من مشاكل التلوث والتدهور.

الاقتصاد الأخضر

على صعيد اخر فان ظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري من القضايا العالمية الساخنة حاليا، والتي أصبحت حقيقة علمية مؤلمة لم تعد تقبل التشكيك، خصوصا بعد الكوارث الطبيعية المتزايدة التي تعرضت لها الكثير من الدول والمجتمعات من سيول وفيضانات وأعاصير وموجات جفاف وحرائق غابات واختلال في الطقس حول العالم وارتفاع في درجات حرارة الأرض عن معدلها الطبيعي، واختلال في النظام البيئي العالمي، وما لم تتخذ سياسات وإجراءات وممارسات عاجلة فعالة فسوف يتعرض كوكب الأرض ومستقبل الحضارة البشرية للمزيد من الكوارث والأخطار، ومن بين الجهود والتوجهات العالمية الفعالة حاليا، والتي بدأت الدول بالفعل في الاهتمام والأخذ بها لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، التوجه نحو الاقتصاد الأخضر، والذي يعد أحد المطالب والأولويات الأساسية للحفاظ على البيئة وحمايتها وتحقيق التنمية المستدامة التي تراعي الجوانب والأبعاد البيئية والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية، حيث تفي باحتياجات الحاضر، من دون الجور على قدرة الأجيال المقبلة على تحقيق مطالبها ونصيبها من هذه الموارد، وبخاصة الموارد القابلة للنضوب وغير المتجددة، وفي تقرير صادر خلال العام الحالي عن برنامج «الأمم المتحدة للبيئة»، بعنوان «نحو اقتصاد أخضر، مسارات إلى التنمية المستدامة والقضاء على الفقر»، بهدف تحفيز واضعي السياسات على خلق الظروف التمكينية لزيادة الاستثمارات في التحول نحو الاقتصاد الأخضر، يعرف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر بأنه الاقتصاد الذي ينتج عنه تحسن في رفاهية الإنسان والمساواة الاجتماعية بين البشر، في حين يقلل بصورة ملحوظة من المخاطر البيئية وندرة الموارد البيئية، ويمكن النظر للاقتصاد الأخضر في أبسط صوره كاقتصاد يقل فيه انبعاث الكربون والتلوث، وتزداد فيه كفاءة استخدام الموارد، كما يستوعب جميع الفئات الاجتماعية، ويشير التقرير إلى أن الفوائد الرئيسية من التحول إلى الاقتصاد الأخضر، تتمثل في خلق الثروات وفرص العمل المتنوعة، والقضاء على الفقر وتحقيق الرخاء الاقتصادي على المدى الطويل، من دون استنفاد للأصول الطبيعية للدولة وبخاصة في الدول منخفضة الدخل. بحسب وكالة الانباء الصينية.

كما أن تخضير معظم القطاعات الاقتصادية سيؤدي إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى حد كبير، ففي عدد من القطاعات المهمة كالزراعة والمباني والطاقة والنقل يوفر الاقتصاد الأخضر المزيد من فرص العمل على المدى القصير والمتوسط والطويل، فالزراعة الخضراء تتميز بالتوجه نحو ممارسات زراعية صحيحة بيئيا، مثل استخدام المياه بكفاءة والتوسع في استخدام الأسمدة العضوية والطبيعية والحرث الأمثل، ويؤدي الاستثمار في الزراعة الخضراء على مدار الزمن إلى زيادة جودة التربة وزيادة الإنتاج العالمي من المحاصيل الرئيسية، وفي قطاع الطاقة الذي يعد مسؤولا عن ثلثي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، يعمل التحول نحو الاقتصاد الأخضر على تحسين كفاءة الموارد الطبيعية والطاقة، وتمثل الطاقة المتجددة فرصا اقتصادية رئيسية في الاستثمارات في الطاقة النظيفة وفي تحسين الكفاءة، حيث يستبدل الوقود الأحفوري (كالفحم والبترول) بالطاقة النظيفة المستدامة والتقنيات منخفضة الكربون، وتزداد قدرة الطاقة المتجددة على التنافس حين تؤخذ التكلفة الاجتماعية لتكنولوجيات الوقود الأحفوري في الاعتبار، وتتضمن الحلول فعالة التكلفة، الكتلة الحيوية النظيفة والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وفي الاقتصاد الأخضر يمكن بناء مساكن خضراء جديدة وتطوير المباني الحالية عالية الاستهلاك للطاقة والموارد، وبالتالي المساهمة في زيادة الكفاءة في استخدام المواد والأراضي والمياه وتقليل النفايات والمخاطر المتعلقة بالمواد الخطيرة، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بطرق منخفضة التكلفة، وتقليل تلوث الهواء داخل المباني، وفي قطاع النقل تعد الأشكال الحالية من السيارات الخاصة ذات المحركات مسؤولة أيضا عن التغير المناخي والتلوث والمخاطر الصحية، بينما في سياسات تخضير النقل، سيتم الانتقال إلى أوضاع أكثر كفاءة في أنظمة النقل العام والسيارات منخفضة الكربون الأقل استهلاكا للوقود والطاقة، غير المعتمدة على المحركات والتي تستخدم الوقود النظيف، لتقليل التأثيرات الاجتماعية والبيئية السلبية الحالية، واستبدال مكاسب صحية واقتصادية به، ونتيجة لإدخال مفهوم الاقتصاد الأخضر في الأنظمة العالمية الجديدة، أصبحت هناك معايير بيئية عالمية يجب توافرها في السلع والمنتجات للدخول والمنافسة في الأسواق العالمية، وأصبح من حق الدولة منع دخول أي منتج أو سلعة تخالف الشروط والأبعاد البيئية، كأن تكون مثلا ملوثة للبيئة أو مضرة بصحة الإنسان أو تم إنتاجها عن طريق استخدام مبيدات وأسمدة كيماوية سامة محظورة أو بالاستغلال الجائر للموارد الطبيعية في البيئة، أو تسبب إنتاجها في التدهور والإخلال بالتوازن البيئي، ولهذا أصبحت المصانع ومؤسسات الإنتاج حريصة على وضع علامة الجودة البيئية على منتجاتها، والتي تبين أن المنتج أو السلعة خضراء، أي تم إنتاجها بطريقة تراعي الأبعاد والشروط البيئية العالمية، وهناك الآن مؤسسات دولية تمنح شهادات للمنتجات والسلع التي تراعي الاعتبارات والمواصفات البيئية.

من جهته يقول عالم النفس والصحافي العلمي الأميركي دانيال غولمان، في كتابه الصادر العام الماضي بعنوان «الذكاء البيئي، العصر القادم للشفافية الجذرية»، إن للشعار البيئي الأخضر، الموجود على المنتجات والسلع، والدال على أنها منتجة بطريقة تتناسب وتتوافق مع البيئة، أهمية كبيرة، إذ تحقق المؤسسات والشركات الكثير من المكاسب من وراء وضعه على منتجاتها، حيث يعد وسيلة فعالة لجذب المستهلكين للمشاركة في الحفاظ على البيئة، ويشير للكثير من الأمثلة على ذلك، ومنها مشروع مصممة الأزياء البريطانية آنيا هندرماش، التي صممت عام 2007 حقائب بلاستيكية تحمل شعار «أنا لست حقيبة بلاستيكية»، لتعبئة السلع الغذائية عند الشراء من المتاجر كبديل عن الأكياس البلاستيكية الملوثة، والتي استطاعت أن تبيع الكميات المنتجة منها في ساعات قليلة، وذلك في محاولة منها لزيادة وعي الجمهور بالآثار البيئية للأكياس البلاستيكية، من خلال حقائب أنيقة يعاد استعماله، كما أن شركات العقارات والمباني، وبعد حملات ترويجية ترفع الشعار البيئي الأخضر الدال على أن المباني مصممة بطرق تراعي الاعتبارات البيئية من اقتصاد في الطاقة وتقليل التلوث وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، قد تمكنت من إقناع المشترين بجدوى شراء هذه المباني من أجل المشاركة في المحافظة على البيئة، ويشير غولمان إلى أن تمتع المستهلكين بالذكاء البيئي، المتمثل في قدرتهم وتمكنهم من معرفة وتحليل الآثار البيئية بعيدة المدى للمنتجات والسلع المعروضة، سوف يمكنهم من ناحية من اتخاذ قرارات شراء ذكية صائبة، من شأنها المساهمة في الحفاظ على البيئة، الأمر الذي سيقود المنتجين، من ناحية أخرى، إلى إعادة التفكير في مكونات منتجاتهم والابتعاد عما يضر بالبيئة وصحة الإنسان، ويشير غولمان إلى أن الأدلة التي ستقودنا إلى فهم التأثيرات البيئية الخفية للسلع والمنتجات هي أن تتوافر وبشفافية البيانات والمعلومات المستخدمة في إنتاجها، ويعبر عن ذلك بمصطلح «الشفافية الجذرية»، وتعني كشف الستار كاملا عن كيفية إنتاج السلع والمنتجات، بعرض جميع الحقائق والمعلومات والبيانات البيئية والصحية والاجتماعية المخفية للمنتج، بدءا من كمية انبعاثات الغازات الكربونية أو ما يعرف بالبصمة الكربونية للمنتجات والسلع والخدمات، مرورا بالمواد الكيمائية المستخدمة في عمليات الإنتاج وظروف معيشة وعمل ومعاملة العمال في المصانع ومؤسسات الإنتاج، التي يمكن أن تؤثر على البيئة وصحة الفرد، وذلك بهدف توفير البيانات والمعلومات الضرورية للمستهلكين عند شرائهم للمنتج، لاتخاذ قرارات اختيار وشراء سليمة وذكية مناسبة تراعي التقليل من الآثار البيئية السلبية حرصا على سلامة وصحة كوكب الأرض وصحة سكانه، فالبصمة الكربونية مؤشر يستخدم للتعبير عن معدل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن عدة مستويات، على مستوى نشاط الأفراد أو المؤسسات أو الدول، أو على مستوى عمليات إنتاج أو تصنيع المنتجات المختلفة والتي تشمل كل ما يتعلق بالمنتج من كيفية صناعته والمواد التي تصنع منه والناتجة عنه، وكيفية التخلص من المنتج أو على مستوى القيام بأنشطة أو خدمات معينة، ويمكن التقليل من البصمة الكربونية من خلال توجهاتنا نحو الاقتصاد الأخضر، مثل استخدام مصادر الطاقة المتجددة، والمباني الخضراء والأجهزة والمعدات الموفرة للطاقة، وأنظمة النقل العام منخفضة الكربون، وإدارة النفايات والتدوير، والتي تسهم في الحفاظ على البيئة واستدامة مواردها الطبيعية، ويبقى القول إن تعزيز الاستثمارات والأنشطة الخضراء في الموارد الطبيعية لمختلف قطاعات التنمية بهدف تطوير اقتصاد منخفض الكربون، في حاجة أيضا إلى أن تصاحبه استثمارات بشرية، تتضمن المعرفة والتوعية بالممارسات الاستباقية التي تراعي الاستدامة البيئية، والوعي بمفهوم الاقتصاد الأخضر واتجاهاته الحديثة والمهارات التقنية والإدارية، والتي ستوفر الكثير من الجهد والمال، واللازمة لضمان تحقيق مسارات تنموية فعالة أكثر استدامة تسهم في التقليل من حدة الفقر.

فرصة لإنعاش ناميبيا

حيث الصحراء في نميبيا تشد اهتمام السياح تستقطب الطبيعة البكر والصحراء في ناميبيا سنويا آلاف السياح، وقد بدأ المسؤولون في نميبيا يولون اهتماما متزايدا بدعم السياحة المستدامة وبتشجيع الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة حفاظا على التنوع الحيوي، وعندما تشرق الشمس صباحا فوق صحراء ناميبيا ويخضب اللون الأحمر الكثبان الرملية الشهيرة، تبدأ أول أفواج السياح بالتوافد إلى هناك، ويحرص معظم الزائرين على مشاهدة هذا المنظر الطبيعي الخلاب، وحول منطقة سوسولفاي، يتسلق السياح الكثبان الرملية التي يفوق ارتفاع بعضها 300 مترا وعندما يصلون إلى قمة هذه الكثبان  عندها يتضح لهم بوضوح مساحة الصحراء الشاسعة، وبغض النظر عن بعض الطرق القليلة التي تخترق الصحراء، فإنها تبدو من الأعلى وكأنها بحر من الرمال مترامي الأطراف ولا نهاية له.مثل هذه التجارب تجتذب السياح إلى ناميبيا، ولاسيما إلى المناطق في جنوب غرب البلاد، التي تحظى بإقبال كبير خصوصا من قبل السياح الألمان، و يلعب عامل اللغة دورا كبيرا في ذلك، إذ كانت ناميبيا مستعمرة ألمانية حتى عام 1915، وتستخدم اللغة الألمانية هناك على نطاق واسع حتى اليوم، وتتمتع ناميبيا باستقرار سياسي نسبي، كما أن خطر الإصابة فيه بمرض الملاريا منخفض للغاية، وهذه العوامل تجعل ناميبيا بلدا جذابا للسياح الراغبين في قضاء عطلتهم في إفريقي، إن ازدهار السياحة في ناميبيا له جوانب ايجابية متعددة، على رأسها توفير مصدر دخل للسكان من عائدات السياحة، لكن من ناحية أخرى، يصعب تحقيق أهداف حماية البيئة، بالنظر إلى العدد المتزايد من السياح، الذين يبلغ عددهم أكثر من مليون سائح كل عام، بينما لا يتجاوز عدد سكان البلاد مليوني نسمة، ويستهلك قطاع السياحة كميات إضافية من الطاقة، وكمية كبيرة من مياه الشرب، في بلد يعاني أصلا من ندرة المياه، هذا في الوقت الذي تعتمد فيه ناميبيا على جارتها جنوب إفريقيا لتوفير إمدادات الكهرباء، حيث تستورد من الخارج ما يصل إلى 80 في المائة من حاجتها للطاقة. يمكن للسياحة البيئية أن تمثل حلا في هذا الخصوص، فهنا يتم وضع اعتبار خاص للحفاظ على البيئة والطبيعة، وهذه الجوانب تكتسب أهمية متزايدة بالنسبة للسياح، وفقا لاستطلاع أجراه الصندوق العالمي لحماية الطبيعة WWF، فإن 25 في المائة من الألمان يرغبون في التركيز على المعايير البيئية، لدى سفرهم لقضاء عطلة في الخارج.

كما ان التزلج على الرمال، إحدى الرياضات التي يزاولها عشاق هواية السياح الرياضية في نميبيا وكما يلاحظ اندرو جيليس، وهو مالك إحدى الشركات في جنوب أفريقيا، فإن الاهتمام والوعي بالمعايير البيئية يزداد يوما بعد يوم، وتدير شركته co Lodgistix  خمسة فنادق صغيرة في ناميبيا وعلى رأسها فندق DesertHomestead، الذي يبعد بضعة كيلومترات من الكثبان الرملية الشهيرة في منطقة Sossusvlei،  وتعمل أنظمة التدفئة والتبريد والإضاءة في تلك الفنادق الصغيرة بالطاقة الشمسية، وكما يقول جيليس فإن "هذا المفهوم ليس بالجديد، لكن هناك دائما سياح يطلبون الإطلاع عن قرب على كيفية العمل في الفندق، ويستفسرون عن المصادر التي تأتي منها الطاقة، ويضيف "إلا أن توليد الطاقة بواسطة تكنولوجيا صديقة للبيئة أمر مكلف، والحكومة في ناميبيا لا تقدم أي نوع من الدعم لبناء أنظمة الطاقة الشمسية، وهكذا ينبغي علينا رصد أموال كثير للحصول على تلك الأنظمة، وكان ذلك سيصبح في حكم المستحيل، لولا الدخل الذي نجنيه من قطاع السياحة"، ويقدم الاتحاد الأوروبي الدعم لشركة Lodgistix وللفنادق التي تديرها جنوب غرب الحديقة الوطنية في إيسوت، وهي مملوكة بالكامل للبلديات، وهو الأمر الذي لا يعتبر بديهيا في ناميبيا، حيث لا تزال ملكية الأرض غالبا في يد الأقلية البيضاء، لكن  الآن أصبح بإمكان السكان المحليين المشاركة في مجال السياحة، وقد أصبح ذلك بدوره يمثل حافزا لهم  للتخلي عن  الصيد كمصدر أساسي للدخل، كما يوفر من ناحية أخرى الظروف الملائمة لازدهار الطبيعة والحياة البرية، دون العوائق التي كانت قائمة من قبل، وفي هذا السياق يقول جيليس "نحن نحاول الحد من الصراع القائم بين الحيوانات والبشر، وتعزيز التعايش السلمي بينهما"، وينطبق هذا أيضا على الشركات العاملة في مجال تنظيم الرحلات البرية، وكما توضح هيلين دافنر التي أسست شركة لتنظيم رحلات السفاري عام 1983 "نحن نعتبر أنفسنا منظمين لرحلات السفاري وحماة للبيئة في آن واحد"، فمن يقرر القيام برحلة سفاري للاستمتاع بالطبيعة البرية في ناميبيا، عليه أن يبيت في المخيمات المصممة بأسلوب رفيق بالبيئة، فشمس الصحراء توفر الكهرباء، أما مياه الأمطار فتستخدم لغسل المراحيض، ويذهب جزء من عائدات المخيمات لمشاريع حماية الطبيعة وتنوع الحياة البرية، ومنها على سبيل المثال المشروع الخاص بحماية وحيد القرن الذي يعيش في الصحراء والمهدد بالانقراض، وقد أشادت جهات عديدة بتلك الجهود من بينها الصندوق العالمي لحماية الطبيعة.

كما إن عددا متزايدا من الفنادق والشركات العاملة في مجال تنظيم رحلات السفاري، تركز بشكل مدروس على عامل الاستدامة، وكما يقول فولفغانغ تراسداس، البروفيسور المتخصص في مجال السياحة المستدامة في جامعة إيبرسفالده للعلوم التطبيقية، فإن"السياحة في ناميبيا تتأثر بالاعتبارات البيئية، فقد أصبح الناس يدركون الآن أن الطبيعة والحياة البرية تمثل موارد سياحية." ويجري البروفيسور تراسداس في الوقت الراهن عددا من الأبحاث في ناميبيا، وهو يشعر بالسرور عندما يرى أن الأماكن المخصصة لاستقبال السياح مزودة بالخلايا الشمسية، بدلا من مولدات الديزل المعتادة، وهو يؤمن بشكل قاطع بأن السياحة يمكن أن تساعد على إدخال التقنيات لتوليد الطاقة بأساليب رفيقة بالبيئة. وهناك الكثير من الأساليب لتحقيق ذلك الهدف، فالعديد من الفنادق والأماكن المخصصة لإقامة السياح تلتزم في عملها بالمعايير البيئية، إلا أنه ينبغي عليها الآن تكثيف جهودها في مجال التنسيق للإعلان عن خدماتها وتقديم نفسها بصورة أفضل، وكما يقول تراسداس "لقد فشلت صناعة السياحة فيما يتعلق بأسلوب الاتصالات المتبع بين العاملين على تقديم هذه العروض المستدامة"، وبحسب البروفيسور المتخصص في مجال السياحة المستدامة، فإن هناك شيء واحد فقط، يمكن له المساعدة في هذا الصدد، وهو قيام السياح بالاستفسار عن تلك العروض على وجه التحديد.

قبس من أمل

الى ذلك يمثل السيناريو السابق الذي تم سرده، إحدى الإمكانيات للهروب من روتين الحياة اليومية دون تحمل تكاليف مادية كبيرة، إلا أن ذلك يمثل في الوقت ذاته خطرا داهما على البيئة، فتوافد السياح المستمر بأعداد هائلة على جزيرة مايوركا يمثل عبئا على المنطقة ويضر بالطبيعة، وتعاني مايوركا من عدد من المشاكل من ضمنها نقص المياه وتراجع مساحات الشواطئ بسبب المجمعات الفندقية. وهذه إحدى التبعات التي ترتبت على السياحة الجماعية من الدول الصناعية المتقدمة كألمانيا وانجلترا منذ الخمسينات، وهناك بدائل أخرى متاحة غير التزاحم على شواطئ العالم الرائعة، والبديل يتمثل فيما يعرف بـ "السياحة الناعمة"، ويُفهم تحت هذا المصطلح الجامع عدة مضامين وأفكار ترتبط بالسياحة البيئية، إلا أن الأساس واحد وهو أن السفر حول العالم يجب أن يراعي كل الأبعاد الاجتماعية وألا تتعرض المنطقة السياحية للتدمير أو التغيير من قبل السياح، كما إن السياحة البيئية تمثل شكلا من أشكال السفر والتنقل المسؤول يؤدي في المحصلة إلى تحقيق هدف حماية البيئة ويأتي لمصلحة السكان المحليين في المنطقة السياحية المحددة. وكما يوضح الياكو ايزاكي من التجمع العالمي للسياحة البيئية TIES، فمن المفترض أن تعود السياحة بالفائدة على الطبيعة والإنسان، وذلك على المستويات الثقافية والاقتصادية والبيئية، ولتحقيق هذا الهدف المنشود يجب على السياح إنفاق المزيد من المال، وهو السبيل لتجنب تأنيب الضمير، إن بعض السياح لا يشعرون بالرضى لاستهلاك كمية كبيرة من المياه عند الاستحمام، بينما يعاني السكان المحليون من نقص في مياه الشرب النظيفة، إن تحولا من هذا القبيل ضروري بالنظر إلى ظاهرة التغير المناخي التي تتزايد حدته، وفي الماضي كانت تكاليف السفر مرتفعة إلى درجة كان السفر متاحا لقلة قليلة فقط من الناس، أما في العقود الأخيرة فقد أصبح السفر لقضاء العطلة من المسلمات، على الأقل بالنسبة لسكان الدول الصناعية المتقدمة، وعلى المستوى العالمي يبلغ عدد السياح حوالي 900 مليون شخص في العام، ويرتبط هذا بتبعات وخيمة، فتزايد النمو في القطاع السياحي يقابله ارتفع انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بمعدل متسارع. 

سائح في غابات لاوس

في سياق متصل يذكر أن قطاع السياحة البيئة يشهد بدوره نموا ملحوظا، وبحسب التجمع العالمي للسياحة البيئية TIES، فإن معدل النمو السنوي وصل إلى 34 في المائة منذ عام 1990، ويعتقد جوناتان تورتيلو من مركز ناشونال جيوغرافيك للتنقل المستدام أن هذا التطور يرجع إلى زيادة الوعي بحماية البيئة وبالجهود لمكافحة التغير المناخي، وكما يقول تورتيلو فإن "الطلب يزداد على المناطق السياحية التي تحافظ على شكلها الطبيعي الأصلي دون تغيير"، وبالطبع فإن الطائرة تظل وسيلة السفر الأساسية حتى في قطاع السياحة البيئة، والسفر بالطائرة يتسبب في نسب إضافية من انبعاثات الغازات الضارة، بالإضافة إلى ذلك، فإن المراكز السياحية تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء، حيث غالبا ما يتم الاعتماد على الوقود الأحفوري بشكل أساسي لتوليد الطاقة اللازمة لتشغيل مصافي المياه في حمامات السباحة وأنظمة التكييف وكذلك نظم الإضاءة، إن تقليص الأضرار التي تلحق بالبيئة أمر ممكن، على سبيل المثال من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لتشغيل الأنظمة الضرورية في المراكز السياحية، وتمثل جزيرة خو خاو التايلاندية نموذجا للمسار المختلف الذي يمكن إتباعه لدى تنفيذ المشروعات السياحية، إذ إن شاطئ الجزيرة على سبيل المثال، يغطي جزءا كبيرا من احتياجاته من الطاقة عبر نظام هجين هو مزيج من محطة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ويتمثل الهدف المنشود من خلال ذلك، في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 20 في المائة، وعلى المدى الطويل يطمح المسؤولون لأن تصبح الجزيرة برمتها نموذجا للسياحة المستدامة، وعلى نقيض السياحة التقليدية تعتمد السياحة البيئية في الجزيرة على الطبيعة الأصلية في المنطقة دون إدخال تغييرات عليه، وليس على السياح هنا  قضاء وقتهم في بيئة نظيفة مصطنعة بجوار الفندق، وإنما التعرف على البيئة المتنوعة في المنطقة والاستمتاع بالجمال الطبيعي فيها، وفي هذا بالتحديد تكمن القدرات الكبيرة التي تمتلكها الجزيرة، إن هذه الجزيرة تمثل البيئة الطبيعية لحياة السلاحف البحرية والدلافين والطيور النادرة، لذا يعتبر التطور الحذر الذي يراعي سلامة البيئة في القطاع السياحي، من الأهمية بمكان لحماية هذه الكائنات.

الدومينيكان

من جهة اخرى فإن أهداف السياحة البيئية لا تقتصر على حماية المناخ فحسب، وإنما أيضا يتم إدراج هذا المفهوم في المناقشات بخصوص السياسات التنموية، وكما يوضح اياكو ايزاكي من التجمع العالمي للسياحة البيئية TIES  فإن السياحة البيئية من شأنها تمكين المجموعات المحلية من تفعيل جهودها لمكافحة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، وهي تتيح علاوة على ذلك للسياح التعرف على ثقافة البلد الذي يزورونه والاختلاط مع السكان المحليين والتحدث إليهم، وكما يقول إيزاكي فإن "السياحة البيئية هي طريق بمسارين، وعلى الرغم من أنها متبعة حاليا في كثير من بلدان الجنوب لتكون بمثابة نموذج تنموي، إلا أن هذا لا يعني أنه لا وجود لها في البلدان الغنية اقتصاديا"، وعلى سبيل المثال يعمل مركز ناشونال جيوغرافيك للتنقل المستدام بالتعاون مع مبادرة في "وادي دورو" في البرتغال لتعزيز السياحة المستدامة في المنطقة، كما أن هناك بادرة أمل في جزيرة مايوركا، إذ أن العديد من المشاريع نفذت بهدف إظهار جمال الطبيعة والحفاظ عليه بعيدا عن السياحة الجماعية، وفي هذا الإطار فرضت الحكومة الاسبانية إجراءات ترمي لوقف بناء الفنادق بعض المناطق.

الغابات الجبلية في رواندا

من جهتها فأن غابات فيرونغاس في رواندا مازالت الغابات في حوض نهر الكونغو على حالتها الطبيعية ولم تتعرض بعد لأي تدمير، إلا أن عدم الاستقرار السياسي في هذا البلد يهدد النظام البيئي الفريد من نوعه هناك، وقد حققت المشروعات التي تراعي احتياجات السكان أولى النجاحات تم افتتاح الطريق البري بين مدينة غيزينيا الرواندية الحدودية وجمهورية الكونغو الديمقراطية والتي تقع في منطقة تتمتع بطبيعة خلابة، وعلى ارتفاع 3400 متر يقع جبل نيرياغونو البركاني الذي يطل على مدينة غوما في الكونغو، ويعتبر هذا البركان من أنشط البراكين في العالم، وقد غمر مدينة غوما بالحمم البركانية في آخر مرة ثار فيها قبل ثماني سنوات، إلا أن سكان المدينة عادوا للاستقرار في مناطقهم من جديد، بعد أن بردت الحمم البركانية التي تعتبر نعمة ونقمة في الوقت نفسه، إذ إنها تخلف أرضا خصبة، تصبح سببا في نشوب النزاع حول الأراضي الزراعية في تلك المنطقة التي تشهد كثافة سكانية عالية، وتحيط بالجبل البركاني غابات حديقة فيروغنا الوطنية، وتمثل هذه الغابات التي تهطل فيها الأمطار على مدار العام، موطنا لآخر سلالة من الغوريلا الجبلية والتي أصبح تعدادها الآن لا يتعدى 700 غوريلا فقط، الى ذلك وعقب عمليات الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، نزح مئات الآلاف إلى مدينة غوما، وغمرت أفواجهم المدينة، وبجانب النازحين، اتخذ القتلة، المتهمين بالمشاركة في الإبادة الجماعية، هذه المدينة كمخبأ للإفلات من متابعة القضاء الرواندي، وكما يعبر يوهانس كيرشغاتر من صندوق حماية الطبيعة العالمي WWF ، فإن القاسم المشترك الذي يجمع هؤلاء هو أنهم أضحوا غرباء اقتلعوا من جذورهم وسط نظام بيئي غريب عليهم. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وقد تبدو المشكلة الملحة للوهلة الأولى بسيطة، فمن أين يمكن توفير الطاقة اللازمة للطهي والتدفئة؟ منذ تدفق أمواج النازحين إلى المدينة ارتفعت الكثافة السكانية بشدة، وبلغ عدد السكان الآن ضعفي عدد سكان ألمانيا تقريب، وتبعا لذلك الضغط الكبير، تهاوت البنية التحتية الهشة أصلا في المدينة، إن الفحم الذي يتم الحصول عليه من حرق الأخشاب، هو الشكل الوحيد من الطاقة المتوفر في المنطقة بسكانها الذي يقارب عددهم مليون نسمة، وتعتمد المليشيات المسلحة على الطلب المرتفع على الأخشاب لتمويل نفسها. وتقدر الأرباح التي تجنيها هذه المليشيات من خلال القطع غير المشروع للأخشاب في غابات حديقة فيروغنا الوطنية، بحوالي 30 مليون دولار سنوي، ومن هنا فإن وضع حد لهذه التجارة غير المشروعة يأتي ضمن الأولويات، ومن هنا أيضا بذلت المحاولات لمنافسة مافيا الأخشاب بشكل مباشر، عبر تقديم منتج بديل أفضل للناس، ويقوم الصندوق العالمي لحماية الطبيعة WWF بزراعة الأشجار سريعة النمو خارج المناطق المحمية، وتقدم الدعم لصناعة الأفران ذات الكفاءة العالية والتي تستهلك كمية من الطاقة تقل بـ 30 في المائة عن الأفران العادية، وقد بدأ المشروع بتحقيق أولى النجاحات، وذلك على مستويات عديدة من ضمنها المستوى الأمني، إذ تم بذلك إضعاف المليشيات المسلحة وتجفيف مصادر تمويلها، كما أتاح استقرار الوضع الأمني الفرص أمام انتعاش قطاع السياحة، وأصبح بمقدور السياح الحضور للاستمتاع بمشاهدة الغوريلا الجبلية.

تحدٍ دائم لحماة البيئة

بدوره يأمل كيرشغاتر في أن يتم استثمار المبالغ التي توفرها مبادرة حماية البيئة العالمية، ليس لصالح تلك المنطقة وحدها، وإنما أيضا لمصلحة منطقة حوض نهر الكونغو بأسره، إن غابات حوض نهر الكونغو هي لؤلؤة في قلب إفريقيا، إلا أن المهم حقا بالنسبة لمسألة حماية البيئة هو المناطق المتبقية التي تمتد حتى ساحل المحيط الأطلسي 1.5 مليون مترا مربعا من الغابات المطرية لا تزال في حالتها الطبيعية، وهذه المساحة تعادل مساحة ألمانيا وفرنسا مجتمعتين، وعبر نظام LIDAR وبالتعاون مع وكالة ناسا الفضائية يسعى الصندوق العالمي لحماية الطبيعة WWF إلى تحديد موقع ومساحة الغابات البكر بشكل دقيق، وذلك بالاستعانة بأنظمة الليزر والرادار المحمولة على طائرة، وبهذه الطريقة يتسنى توفير المعلومات بدقة حول كثافة تلك الغابات، وحتى حول محتوى مادة الكلورفيل في كل من الأنواع التي تنمو فيهاو ويسعي الصندوق العالمي لحماية الطبيعة أيضا في ضوء توفر المعلومات اللازمة، إلى تقسيم حوض نهر الكونغو إلى مناطق غابات بكر وهي التي تتطلب حماية خاصة، وإلى مناطق أخرى يمكن للسكان المحليين استغلالها لسد حاجتهم الأساسية. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

إن الهدف الأساسي يتمثل في تحويل 15 في المائة من مساحة حوض نهر الكونغو إلى مناطق محمية، وذلك للحفاظ على البيئة الطبيعية التي تعيش فيها الأفيال والقرود، وفي إطار البرنامج المعروف بـ  REDD-Programm يتم بذل الجهود الضرورية للحفاظ على مساحات واسعة من الغابات للاستفادة من قدرتها على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، إذ يصبح عبر حماية تلك الغابات بإمكان الدول الصناعية شراء حقوق الانبعاثات الضارة، كما يستفيد السكان المحليون من الدخل المالي الذي يتوفر نتيجة لهذه الإجراءات، إلا أن تحقيق هذه الأهداف على أرض الواقع في بلد مثل الكونغو ليس بالمهمة اليسيرة، فهذا البلد يعد من أكثر بلدان العالم فساد، وبالرغم من استشراء الفساد في الكونغو، هناك بعض الأمثلة الإيجابية، ومنها يستمد يوهانس كيرشغاتر تفاؤله، ففي غرب حوض نهر الكونغو وبالتحديد على بعد 1500 كيلومترا من غابات فيرونغاس تقع منطقة لاك تومبا، وهي منطقة غنية بالتنوع الطبيعي من بحيرات وأنهار وغابات، فهي تشكل الركيزة الرئيسية التي يعتمد عليه حوالي مليون شخص في حياتهم، هناك يعمل الصندوق العالمي لحماية الطبيعة على تعريف السكان بأساليب جديدة لتربية الأسماك، وعلى تحديد مناطق محمية بهدف وضع حد للصيد الجائر، وقد تم القيام بخطوات مماثلة في المجال الزراعي، ويأمل حماة البيئة في الحفاظ على 14 ألف مترا مربعا من الغابات البكر من خلال تحويلها إلى مناطق محمية، والاستفادة من 65 ألف مترا مربعا بأسلوب مستدام، إن إحداث هذه التغييرات أمر ضروري للغاية، نظرا إلى أن تعداد السكان في المنطقة سيتضاعف خلال العقدين المقبلين، وسيصبح الحفاظ على الغابات في تلك المنطقة أمرا ممكنا، فقط عندما يتم التوفيق بنجاح بين احتياجات السكان وبين الأهداف البيئية المنشودة.

التنوع البيولوجي في كوستاريكا

من جانب اخر فان التوسع في زراعة الأناناس يهدد التنوع الطبيعي في كوستاريكا بعد أن تحولت أكثر من 27 في المائة من مساحتها إلى محميات طبيعية، باتت كوستاريكا رائدة في هذا المجال، وقد لعب مركزا العلوم الاستوائية دورا كبيرا في هذا التحول إلى جانب حماية الببغاوات الخضراء الكبيرة المهددة بالانقراض، كوستاريكا ذات الساحل الغني والمرتفعات الغنية بالذهب، هكذا تم وصف كريستوفر كولومبوس في عام 1502م، هذا البلد الواقع في أمريكا الوسطى، ولكن الغزاة لم يجدوا كنزا أو ذهبا أو أية مواد خام أخرى، فالثروة الحقيقية للبلاد تكمن في التنوع البيئي الذي تتمتع به من حيوانات ونباتات، بيد أن هذا الكنز باتت تتهدده الكثير من الأخطار، يتعرض الساحل الغني في كوستاريكا إلى التدمير منذ سبعينيات القرن الماضي، فالغابات المطيرة  تتعرض للقطع الجائر بينما توسع المناطق المخصصة لتربية الحيوانات والزراعة، وهنا يمكن اعتبار التوسع الكبير في زراعة الأناناس  إحدى المشاكل الرئيسية، إذ تعتبر كوستاريكا إحدى أكبر الدول المصدر لهذه الفاكهة، ويساهم ارتفاع ثمن هذه الفاكهة في الأسواق العالمية دورا كبيرا في توسع مزارع الأناناس على حساب المساحات التي توجد فيها الغابات الطبيعية وهو ما يؤدي إلى تراجع مساحات الغابات المطيرة باستمرار، وبالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام المبيدات بشكل كثيف، أدى بدوره إلى تدمير النظم البيئية وتلوث الأنهار والتربة، ويشدد الناشطون في مجال حماية البيئة على ضرورة حماية التنوع البيولوجي في هذا البلد، ومن بينهم الباحثة الأمريكية ليزلي هولدريدغ، وهي خبيرة بعالم أنواع الطيور المعروفة بـ Skutch، وقد أسست في عام 1962 مركزا للعلوم الاستوائية (TSC)، وهو يمثل أول منظمة غير حكومية في كوستاريك، ويهدف المركز إلى حماية التنوع البيولوجي في المناطق الاستوائية، وتعزيز استخدام الموارد الطبيعية مع الحفاظ على سلامة البيئة، في ذلك الوقت، أي حين تم تأسيس المركز، لم تكن هناك منطقة واحدة محمية في كوستاريك، أما اليوم فإن أكثر من 27 في المائة من مساحة البلاد، تحولت إلى محميات طبيعية، أضحت بعدها كوستاريكا من الدول الرائدة في هذا المجال، وقد لعب مركزا العلوم الاستوائية (TSC) دورا كبيرا ومؤثراً في هذا التحول الايجابي. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

كما ان إحدى الأنواع الحيوانية النادرة في كوستاريكا هي الضفادع ذات العيون الحمراء، ويعرض القطع الجائر للغابات المطيرة العديد من الأنواع ومنها للانقراض لأنه يدمر البيئة الطبيعية التي تعيش فيها أنواع نادرة من الطيور كالببغاوات الخضراء الكبيرة، هذا الطائر الذي يلفت الأنظار بريشه الملون، هو من أكبر أنواع الببغاوات في العالم، إذ يصل طوله إلى حوالي 90 سم، لكنه أصبح نادرا للغاية في كوستاريك، وقد أدرجه الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة، على قائمة الأنواع المهددة بالانقراض، أما مركز TSC فينصب اهتمامه بالأساس على حماية هذا النوع من الطيور، حيث إن الخطوة الأولى لحماية هذه الطيور، تتمثل في التعرف على البيئة التي تعيش فيها. وفي عام 1994 بدأ الباحثون العمل في هذا الاتجاه، وكانت نتائج الدراسة مثيرة للانتباه، فمنذ القرن التاسع عشر تقلص عدد الأعشاش التي تبنيها هذه الطيور بنسبة 90 في المائة، ونسبة إلى أن تلك الطيور تستطيع البقاء على قيد الحياة في بيئة محددة بعينها، فقد سعى مركز TSC بخطى حثيثة إلى دفع الجهود قدما باتجاه جعل المناطق الملائمة لعيش هذه الطيور مناطق محمية، كما ان خطر الإنقراض لا يهدد الغابات المطرية فحسب، وإنما يهدد أيضا الببغاوات الكبيرة الحجم في كوستاريكا لكن هناك عامل آخر يمثل تهديدا لهذه الطيور النادرة بخلاف تدمير الغابات المطيرة، ألا وهو الصيد غير المشروع، فالاتجار بها يدر مالا وفيرا، ويتراوح سعر الفرخ الصغير بين 150إلى 300 دولار أمريكي، كما يوضح العلماء في مركز TSC، وحل هذه المشكلة ممكن من خلال تقديم بدائل اقتصادية لسكان المنطقة، وتوعيتهم بأهمية الغابات المطيرة وأهمية الأنواع التي تعيش قي تلك الغابات، وكما تقول مونيكا مليش من منظمة Tropical Verde البيئية التي تعتبر شريكا هاما لمركز TSC، فإن "حماية الطبيعة ترتبط ارتباطا وثيقا بوضع السكان في المنطقة المعينة، ولا يمكن أن تأتي بمعزل عن ذلك"، ومنذ عام 2001 تكافح مجموعة مكونة من عشرين منظمة ناشطة في مجال حماية البيئة، من أجل بناء  ممر بيولوجي يمتد عبر كوستاريكا وحتى  نيكاراغو، وفي عام 2005 بدأت هذه الجهود تتكلل بالنجاح، إذ أعلنت الحكومة تحويل الغابات المطيرة في منطقة Malenque في شمالي البلاد إلى محمية  طبيعية، هذا ولا تعتبر هذه المنطقة من أغنى مناطق البلاد من حيث التنوع البيئي فحسب، وإنما تعتبر أيضا من المناطق الرئيسية التي تتكاثر فيها الببغاوات الخضراء الكبيرة، وكما ترى مونيكا مليش، فإن هذا النوع من الببغاوات يمثل رمزا بشكل أو بآخر لمؤشر الأنواع في المنطقة، الحيوانية والنباتية على حد سواء، لذا فإن حمايتها تعني حماية التنوع البيولوجي بالمعنى الشامل".

البحر الميت

الى ذلك وفي الوقت الذي تتناقص فيه مياه البحر الميت بسرعة كبيرة نتيجة قيام إسرائيل بمنع وصول معظم المياه التي تغذيه من مصادرها، فإن البركة الجنوبية (رقم 5) من هذا البحر المقسّم إلى عدة برك صناعية، والتي تقع في الجانب الإسرائيلي، تشهد ارتفاعاً للمياه بنسبة 20 سم تقريباً في كل عام، وهذا الارتفاع ليس ناجماً عن عامل ازدياد كمية المياه، فمياهه آخذة في التبخر بشكل كبير بسبب عوامل مناخية وعوامل صناعية من فعل الإنسان، لكنه ناجم عن ازدياد الرواسب والأملاح في قاع البركة، ما يؤدي إلى دفع المياه إلى أعلى، وللتوضيح فالأمر أشبه بوجود كمية من المياه داخل وعاء، فإذا تم إلقاء حجارة داخل هذا الوعاء، فإن الماء يرتفع إلى الأعلى رغم أن كميته لا تزداد، وبات ارتفاع المياه في البركة الجنوبية يشكل تهديداً حقيقياً للفنادق الإسرائيلية المقامة على مقربة منها، فهذه الفنادق مهددة بالغرق ما لم يتم إيجاد حل جذري لمشكلة ارتفاع المياه، ما جعل الوزارات المسؤولة في المؤسسة الإسرائيلية تسارع إلى وضع خطة لمنع الكارثة التي ستشكل تهديداً حقيقياً لقطاع السياحة وللبيئة، علماً بأن البحر الميت من أبرز المعالم السياحية والرئيسية التي تستفيد منها إسرائيل، بل هو من أبرز المعالم في العالم. بحسب وكالة الانباء الكويتية.

وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في تقرير لها حول الموضوع، أنه على ضوء هذه التطورات قام خبراء إسرائيليون بوضع مقترحات وخطط، قاموا بتقديمها لوزير السياحة الإسرائيلي ستاتس مسيزينكوف، الذي سيتوجب عليه الاختيار بين خيارين أساسيين تم تقديمهما إليه، ورفع توصيته للحكومة الإسرائيلية، أحد الحلول المطروحة بعد تفكير عميق هو هدم الفنادق ونقلها إلى مكان أكثر ارتفاعاً، في حين أن البديل الذي يبدو أنه سيكون أوفر حظاً يقتضي القيام بجرف الأملاح المترسبة في قاع البركة ونقلها إلى الجزء الشمالي من البحر الميت، ما سيؤدي إلى انخفاض المياه، لكن تبقى الحسابات اقتصادية بالأساس، يضاف إليها حسابات بيئية، وقد أوصى طاقم خبراء من الشركة الحكومية لحماية البحر الميت بأن مشروع جمع الملح من قاع البركة هو الطريقة الأكثر أماناً للبيئة، في حين يتعارض هذا الطرح مع طرح مسؤولين في وزارة المالية الإسرائيلية، الذين يميلون إلى هدم الفنادق ونقلها، لاعتقادهم بأن هذه الطريقة ستكون أقل كلفة على المدى البعيد، ما يضع وزير السياحة الإسرائيلي بين خيارين، أحلاهما سيكون مكلفاً كثيراً، وسيؤدي إلى أضرار بيئية كبيرة في البحر الميت ومحيطه، الذي فقد الكثير من توازناته وخصائصه بسبب تدخل الإنسان وكثرة المصانع التي تستفيد من مستحضرات البحر الميت من المعادن والأملاح وغيرها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/حزيران/2011 - 11/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م