قبل أسبوع أو أكثر ذهبت لسوق البصرة القديمة، وهو سوق شعبي أتمتع
بالتسوق منه و فيه.
دخلت السوق من شماله إلى جنوبه، ثم غربه، كنت كمن يبحث عن شيء فقد
منه، رغم أن الأشياء التي فقدت مني كثيرة وأولها هو عمري الذي ذهب هدرا
في بلاد العجائب التي لا تنتهي.
قادتني قدماي لسوق يعج بالطيور على مختلف أشكالها وألوانها، وعلى
حيوانات أليفة ودا جنة وغير أليفة وبريه،
وصلت لسوق الكلاب!! وهو سوق عامر ببضاعته من كلا شقيها البشر
والكلاب،
رغم الازدحام وقفت قرب شاب وأمامه ترقد ثلاثة كلاب مختلفة أشكالها
وأحجامها مع إنها تشابهت بعملية مد ألسنها واللهاث بسرعة من شدة الحر
والعطش.
فضول قاتل جعلني أقف قرب بائع الكلاب الشاب وأسأله:-
- كم سعر هذا الكلب ؟
- فأجابني (أي أحد منهم؟)
- هذا الكلب ألصغير
- سعره مليون دينار عراقي
أصابتني الدهشة من سعره اللامعقول فقلت له:-
- سعره مرتفع لماذا؟ فأجابني بلهجة الخبير الواثق من خبرته:-
- لو كنت تعرف اختصاص هذا الكلب لما تعجبت من سعره أبدا.
ازدادت دهشتي حتى وصلت أطراف فمي لأذني (اختصاص؟ وهل للكلاب
اختصاصات أيضا؟) فأجابني:-
- نعم للكلاب اختصاصات أيضا، فهذا الكلب ما أن تجعله يشم رائحة
المجرم حتى يأتيك به قبل أن تدخن سيجارتك، (ها) هذا كل ما استطعت أن
أقوله للشاب فلقد عقدت الدهشة لساني وجعلت فمي يلتوي، واستطعت أن اردد
بعدها (معقولة) لا أعرف كيف خرجت مني، فأجابني الشاب:-
- معقولة وأكثر من هذا فهو من فصيلة تشبه أخلاق الرفاق البعثيين
يتتبع ويتشمم أخبار أهله والجيران فهو بعثي بالفطرة والأخلاق. لكن عيبه
الوحيد هو قبوله الرشوة.
ضحكت من قلبي وقلت (وهل تعرف الكلاب الرشوة؟)، فأجابني ببرود:-
- نعم، فهو يتعب ويشقى للقبض على المجرمين لكن ما إن يعطوه قطعة لحم
صغيرة حتى يتركهم لحال سبيلهم، ألم أقل لك انه بعثي !.
قررت إن استمر بهذه المساومة للأخير عسى أن اخرج بشيء مفيد، فقلت
للشاب(إن هذا الكلب المرتشي لاينفعني فدعنا منه، ماذا عن الكلب الأخر
كم هو سعره؟)
فأجابني:-
-هذا سعره خمسة ملايين دينار عراقي
وكمثل من القي عليه ماء بارد، جفلت، وبذهول غبي سألته (وماذا يعمل
هذا الأخر؟)
- هذا ؟؟ لو تعرف ماذا يفعل هذا لما تعجبت أبدا، هذا كلب ابن كلب
وحتى جده كلب هو الأخر، فهذا ما إن تعطيه اسم مجرد اسم، سيأتيك بصاحبه
أينما يكون، فهو كلب يحمل صفات منتسبي المخابرات في (عهد صدام) فهو
بعثي الأصل، مخابراتي الأخلاق،صدامي الولاء، لكن به عيبا أيضا، وعيبه
انه يعض أهله والجيران ويمزق من يعضه بأسنانه بحقد، حتى أنا عندما
أطعمه يعضني، ألا تراني أكمم فمه بكمامة، فهو نذل إلى ابعد الحدود،
وحقير يغير من شكله كل ساعة، فعندما يرى العصا بيدي كي أضربه يجعل ذيله
بين رجليه من شدة خوفه وما إن أغيب عن ناضريه حتى يمزق الناس بأنيابه.
قررت عندها أن انهي ما بدأته فسألت الشاب (وماذا عن سعر هذا الكلب
الأخير؟)
فقال لي وبسرعة:-
- سعره خمسة وعشرون مليون دينار عراقي فقط غير قابلة للمساومة.
صرخت بأعلى صوتي (وماذا يعمل هذا إن شاء الله ؟) وهنا أخذ الشاب يحك
برأسه وينظر نحوي لبرهة ثم قال:-
(بصراحة أنا لا اعرف ماذا يعمل هذا الكلب ولا اعرف ما هو اختصاصه،
لكني دائما ما اسمع هذان الكلبان الأول والثاني وهما يناديان هذا الكلب
وباحترام شديد بكلمة (أستاذ).
majidalaty@yahoo.com |