
شبكة النبأ: ربما فقدت الولايات
المتحدة الامريكية فرصتها الذهبية لكسر الجمود واذابة الجليد الذي
تراكم لسنين طويلة واثر سلباً على علاقتها مع الشارع العربي, وربما
سيشعر الرئيس الامريكي اوباما بالندم بعد ان فشل في التجاوب مع نبض
المواطن العربي وتأييد الانتفاضات في ربيع العرب الكبير, بعد ان ترددت
السياسة الامريكية كثيراً وجاملت الانظمة العربية الفاسدة على حساب
مصالح آنية واطلقت يد درع الجزيرة الطائفي وغضت الطرف عن العديد من
المجازر التي جرت على يد السفاحين العرب في البحرين والسعودية واليمن
وسوريا, وبرغم ان الرئيس الامريكي بارك اوباما وادارته السياسية
يحاولون ترقيع الهفوات والخذلان في سياستهما تجاه الاحداث الاخيرة بكيل
المديح وتقديم المساعدات ودعم الديمقراطيات الناشئة اثر نجاح ثورتي
تونس ومصر الا انها لن تجني سوى المزيد من الابتعاد والرفض من قبل
المواطن العربي الذي بات يعتز كثيراً بمنجزاته وكفاحه ودمه, واذا كان
على الولايات المتحدة ان تفعل شيء تجاههم فهو الاعتذار واعادت تقييم
مواقفها وخصوصاً تجاه ما يجري في السعودية والبحرين واليمن.
الربيع العربي في اوروبا الشرقية
فقد اشاد الرئيس الاميركي باراك اوباما في وارسو "بازدهار الحرية
والنمو الاقتصادي" في شرق اوروبا معتبرا انها تشكل نموذجا "للربيع
العربي", والتقى اوباما في وارسو خلال اول زيارة له الى بولندا قادة 12
دولة في المنطقة على عشاء عمل, وقال الرئيس الاميركي "نحن واثقون من
قدرتنا على المشاركة في تعزيز ديموقراطياتكم وانظمتكم الاقتصادية وعلى
ان نكون شركاء حقيقيين لاننا نعتقد ان ذلك سيعود بالفائدة على الولايات
المتحدة", وبين المشاركين في هذه القمة الرئيس البولندي برونيسلاف
كوموروفسكي ورؤساء المانيا والنمسا وايطاليا وقادة دول البلطيق
والبلقان, ورفض الرئيس الصربي بوريس تاديتش والروماني ترايان باسيسكو
الدعوة نظرا لوجود افتيفيتي ياهياغا رئيسة كوسوفو، النظام الذي لا
تعترف به رومانيا ولا صربيا, وقال كوموروفسكي في القمة "عندما يسمعون
عن (الربيع العربي) يقارنه معظم البولنديين بربيع شعوب وامم منطقتنا
بعد 1989", وكانت بولندا في 1989 اول دولة في الكتلة السوفياتية تتخلص
من الشيوعية بدون اراقة دماء مما ادى الى انتقال العدوى في المنطقة حتى
انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991, وانضمت بولندا التي ستتولى الرئاسة
الدورية للاتحاد الاوروبي في الاول من تموز/يوليو، الى حلف شمال
الاطلسي في 1999 والى الاتحاد الاوروبي في 2004, من جهته اكد الرئيس
اللاتفي فالديز زاتلر "لدينا تجربتنا في الانتقال من اقتصاد موجه الى
اقتصاد سوق ومن نظام شيوعي مستبد الى ديموقراطية ليبرالية", اما الرئيس
الاستوني توماس هندريك ايلفيس فقد اشار الى ان "تغيير السياسة وحده لا
يكفي لتحقيق النصر على الانظمة المستبدة والمتسلطة ولتحقيق
الديموقراطية, واضاف "شهدنا ذلك في اوروبا نفسها"، ملمحا بذلك الى
بيلاروسيا حيث حكم على اثنين من معارضي الرئيس الكسندر لوكاشينكو
بالسجن, وقال بين رودس المستشار الصحافي للرئيس اوباما ان بيلاروسيا "هي
الدولة الاكثر اثارة للازعاج في اوروبا في ما يتعلق بتراجع
الديموقراطية". بحسب فرانس برس.
من جهتها، اكدت ليز شيروود راندال مديرة الشؤون الاوروبية في مجلس
الامن القومي ان الدول الشيوعية السابقة "التي اختارت الديموقراطية في
نهاية الحرب الباردة تملك تجربة كبيرة يمكن ان تتقاسمها مع الدول التي
لم تحقق هذا الانتقال", واضافت ان "بولندا اختيرت لقيادة مساعدة بلدان
مثل تونس في جهودها لبناء المؤسسات الديموقراطية الجديدة", وقبل مدة
كان وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي اول وزير اوروبي يلتقي
قادة المتمردين في بنغازي, وشارك في القمة ايضا رؤساء البانيا والبوسنة
والهرسك وبلغاريا وكرواتيا والجمهورية التشيكية واستونيا والمجر
وكوسوفو وليتوانيا ومقدونيا وموالدافيا ومونتينيغرو وسلوفينيا
وسلوفاكيا واوكرانيا, وفور وصوله الى وارسو، اشاد اوباما باليهود الذين
ماتوا في انتفاضة وارسو في 1943 على يد المانيا النازية، ووضع اكليلا
من الورد امام نصب اقيم لتكريم ذكراهم, واجري الرئيس الاميركي محادثات
ثنائية مع كوموروفسكي ورئيس الوزراء دونالد توسك في وارسو المحطة
الاخيرة من جولة في اوروبا قادته قبل ذلك الى ايرلندا وبريطانيا وفرنسا,
وقال مسؤول اميركي كبير ان اتفاقا يسمح بعمليات تبديل في بولندا
لمقاتلات اميركية من طراز اف-16 وطائرات نقل هيركوليس من اجل تدريب
طيارين بولنديين في مناورات مشتركة، اما الزعيم التاريخي لنقابة تضامن
الرئيس البولندي الاسبق ليش فاليسا، فقرر الا يشارك في اللقاء مع
الرئيس اوباما, وقال للتلفزيون الحكومي "من الصعب ان نقول للصحافيين ما
نرغب في قوله لرئيس قوة عظمى, لن تسنح لي الفرصة بالتحدث اليه هذه
المرة ولن يعقد لقاء".
العرب لايأبهون بأوباما
من جهته فقد كتب "روبرت فيسك" في الانتدبندنت مقالاً لاذعاً ،
كعادته، للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ويرصد فيه عدداً من
التحولات في الشرق الأوسط، وكذلك تثير الغارديان موضوع انسحاب رئيس
الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من الصندوق القومي اليهودي, وكتب
روبرت فيسك مقالاً يقول فيه إن العرب والمسلمين في الشرق الأوسط لم
يعودوا يأبهون بما يقوله الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي فشل،
برأيه في دعم الثورات العربية مما أفقد الأميركيين أخر ما تبقى من ثقة
في المنطقة, فقد بقي أوباما صامتاً عند رحيل الرئيس التونسي السابق زين
العابدين بن علي، ولم يتحدث إلا قبل يومين من رحيل الرئيس المصري
السابق حسني مبارك، وهو يلتزم الصمت إزاء مجازر النظام السوري, ويقول
فيسك، لهذا فإن العرب والمسلمين في المنطقة باتوا يعتنون بشؤونهم،
ويضرب مثلاً بتركيا التي تشعر بالغضب من الرئيس السوري بشار الأسد الذي
لم يف بوعوده لتركيا بتحقيق الاصلاح، بل و كذب على وزير الخارجية
التركي في آخر لقاء حيث قال بأنه سيسحب جنود شقيقه ماهر من شوراع المدن
السورية، ولكن هذا لم يتحقق, ويضيف أن تركيا الآن تمارس ضغطاً على
سورية، لأنها تخشى تدفق الأكراد على حدودها كما حصل مع الأكراد
العراقيين في العام 1991، ولا يستبعد فيسك أن تتدخل تركيا عسكريا داخل
الأراضي السورية نحو القامشلي وحتى دير الزور لخلق ملاذات آمنة
للهاربين من المدن السورية، فلا يتقدمون نحو الأراضي التركية.
ومثال آخر يضربه فيسك حول الضغط الذي تمارسه قطر على الجزائر لوقفها
توريد السلاح لنظام العقيد معمر القذافي الذي يعاني من ضربات حلف شمال
الأطلسي، كما ويشير إلى أن أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني زار الرئيس
الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لهذا الغرض, ويتساءل الكاتب عما أذا كان
لبوتفليقة تأثير في جيش بلاده، خاصة وأن ليبيا والجزائر وتونس يتشاركون
مساحة 750 ميلاً من الصحراء تجعل تدفق السلاح سهلاً, ويشير أيضاً إلى
دور محطة الجزيرة في الدوحة في عرض الصور لما يحدث في سورية بشكل أغضب
السوريين اللذين أوقفوا استثمارات قطرية في سورية بقيمة 40 مليار جنيه
استرليني, ويعود الكاتب ليتحدث عن دور الولايات المتحدة الأمريكية
ممثلاً بإدراة الرئيس أوباما الذي يؤيد الديمقراطية في العالم العربي،
ولكن ليس عندما تتعارض مع المصالح الأمريكية، وخاصة في العلاقة مع
السعودية التي يبدو أن قياداتها الثلاثة، بمن فيهم الملك عبدالله بن
عبد العزيز لم يعودوا قادرين على اتخاذ قرارات عقلانية، خاصة في تأييد
الحركات الشعبية (قمع المظاهرات في البحرين عبر قيادة قوات درع الجزيرة،
وتأييد النظام السوري)، وفي ظل وجود صفقات سلاح بقيمة 40 مليار جنيه
استرليني فإن أوباما لا يريد أن يغضب السعوديين, وأما المثال الأكثر
وضوحاً برأي فيسك، حول عدم اهتمام العرب بما يقوله أوباما موقفه الاخير
في زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث غير الرئيس
الأميركي مواقفه في خطب سياسية متتالية بما يتوافق مع رؤية نتنياهو,
ويقول فيسك بأن أعضاء الكونغرس الأمريكي وقفوا وصفقوا لنتياهو (55) مرة
بحماسة فاقت تلك التي نراها في برلمانات الأسد أو صالح, وفيما يرى أن
الموقف الأميركي لم يعد عاملاً أساسياً لدى العرب، فهو يرى أن المنطقة
تتغير بشكل كبير، ولا يستبعد أن نشهد انتفاضة ثالثة في فلسطين، في مسار
هذا التغير، الذي غير الموقف من الدور الأمريكي فيها.
واشنطن وعلاقتها بالقاهرة
الى ذلك دعت مجلة "ويكلى ستاندارد" الأمريكية واشنطن إلى بذل جهود
أكبر من مجرد تقديم معونات اقتصادية لمساعدة مصر فى الانتقال نحو
الديمقراطية, وقالت المجلة إن الرئيس باراك أوباما فى خطابه الأخير،
وصف مصر بأنها ذات دور أساسى فى مستقبل الإصلاح الديمقراطى فى الشرق
الأوسط وشمال أفريقيا, وباعتبارها أكبر الدول العربية وأكثرها تأثيراً،
فإن مصر يمكن أن تحدد إلى حد كبير مسار الثورات الإقليمية وآفاق
الديمقراطية الليبرالية فى العالم الإسلامى, وعلى الرغم من ذلك، فإن
العنف ضد الأقباط وارتفاع معدلات الجريمة والهجمات على حدود غزة وعلى
سفارة إسرائيل بالقاهرة جميعها عوامل تثير القلق بشأن الاتجاه الذى
يسير نحو الديمقراطية فى مصر, وترى المجلة، أن الديمقراطية لم تصل مصر
بعد على أية حال, فقد مرت ثلاثة أشهر على الإطاحة بمبارك وسيستغرق
الأمر وقتاً لبناء ثقافة ديمقراطية, حتى بعد إجراء الانتخابات
البرلمانية والرئاسية، فإن إجراء الإصلاحات الضرورية فى قطاع الأمن
والشرطة والتغييرات فى العلاقات بين الأديان والتخلى عن معاداة إسرائيل
(حتى بين الديمقراطيين) سيتطلب وقتاً ودعماً من الأمريكيين, واستطردت
المجلة قائلة إن الأمر المثير للإحباط والمزعج فى الوقت نفسه هو أنه
خلال فترة الانتقال الحاسمة، لا يوجد اختلاف مهم فى الطريقة التى تدار
بها مصر أو حتى من يديرها, فلا يزال أغلب الحرس القديم فى السلطة ولا
يزال هناك محاكمات عسكرية، وتتعرض وسائل الإعلام لضغوط حتى لا تكشف عن
أمور يعتبرها الجيش حساسة, ويجب أن يتوقف كل هذا إذا كان الهدف أن تكون
الانتخابات القادمة حرة ونزيهة، ولذا فإن قانون مباشرة الحقوق السياسية
الذى تم الإعلان عنه فى 19 مايو الماضى يمثل تقدم, وينظر الكثيرون داخل
مصر وخارجها إلى الانتخابات المقبلة بقدر من الخوف، فهم يخشون من نجاح
الإخوان المسلمين والجماعات "المتطرفة" فى الانتخابات.
وفى خطابه، أجاب أوباما عن السؤال العالق فى كثير من انتفاضات
العالم العربى، وهو ما إذا كانت أمريكا ستقبل بنتائج الانتخابات
الديمقراطية حتى إذا كان الفائزون فيها مختلفين تماماً عن القادة
العلمانيين، الذين اعتمدت عليهم فى الماضى, وكانت إجابته حين قال إن
الديمقراطيين هم هؤلاء الذين يفوزون ويحكمون بقواعد النظام الديمقراطى،
وليس من يقيدون حقوق الآخرين ويتمسكون بالسلطة بالإكراه", ومضى قائلاً
إن أمريكا ستعمل مع هؤلاء الذين يتبنون ديمقراطية حقيقية وشاملة,
واعتبرت ويكلى ستاندرد أن أوباما محق، فمن المهم التمييز بين مظاهر
الإسلام فى مجتمع ديمقراطى، وبين السلوك المناهض الديمقراطى, وضربت
الصحيفة مثلاً بتركيا التى يحكمها حزب ذو أصول إسلامية, وقالت إن مسحاً
أجرى فيها عام 2006 أظهر أنه برغم الاعتقاد الشائع بانتشار الحجاب بين
صفوف النساء، إلا أن الرقم فى واقع الأمر كان يتراجع, من ناحية أخرى،
رأت المجلة الأمريكية أن إعلان القيادى الإخوانى عبد المنعم أبو الفتوح
عزمه الترشح فى الانتخابات الرئاسية كمستقل يجب ألا يكون نذير قلق،
فالمصريون يعتبرونه شخصاً تقدمياً وتكشف رئاسته عن احتمال ثورة داخل
السياسات المصرية والجماعات الإسلامية، والتى كانت ضرباً من المستحيل
فى ظل النظام الماضى, وختمت المجلة تقريرها بالقول إن التحول فى مصر من
الاستبداد إلى الديمقراطية يجب ألا يسمح له بالركود, وتراجع أمريكا أو
إهمالها أو تخليها عن مصر أو تونس وليبيا والبحرين وسوريا سيمثل
انتكاسة استراتيجية ومعنوية من الدرجة الأولى, ولذلك فإن واشنطن فى
حاجة إلى سفير جديد يعيد صياغة العلاقات مع القاهرة والتأكد من أن
المساعدات الاقتصادية تنفق فى المسار الصحيح, ورغم الإعلان عن
المساعدات الاقتصادية، فإن هناك عملاً أكثر ينبغى القيام به من قبل
المصريين والأمريكيين على حد السواء.
الثورات والخريطة الجيوسياسية
في سياق متصل كان الغرب ينظر إلى العالم العربي، على مدى السنوات
الـ10 الماضية، نظرة تشوبها الرغبة في الدفاع عن القيم الديمقراطية
والليبرالية، في مواجهة العنف المسلح, إلا أن الأحداث الأخيرة غيرت
ملامح الخريطة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، مع تزايد المطالب
الشعبية بحكومات نزيهة, وباتت الرغبة الجامحة في الحرية تزيد من عداوة
الشعوب للولايات المتحدة, لذا فإن الربيع العربي يتطلب تحولاً كبيراً
في الفكر الغربي حيال هذه المنطقة من العالم، فقد تكون هذه الأحداث
الأهم بعد سقوط الشيوعية قبل نحو عقدين, لقد دفع الغرب الكثير من المال
والدم من أجل كسب حروب خاضها هناك, والمطلوب اليوم هو العزم على رعاية
الديمقراطية «الوليدة»، والتكفل بتمويلها, كان إحباط العالم الإسلامي
كبيراً، وكان غضبه أكبر من تصرفات الغرب، الذي كان رد فعله بعد هجمات
11 سبتمبر، الحرب على أفغانستان وغزو العراق، الأمر الذي زاد الأمور
تعقيداً, في حين أسهم تردد البلدان الغربية في التجاوب مع الانتفاضات
العربية، القائمة حالياً، في تعزيز سوء الفهم المتبادل, حيث ساد
الاعتقاد أن انهيار الأنظمة الاستبدادية سيفسح المجال أمام أتباع
الحركات المتشددة للوصول إلى السلطة, وقد تم وضع السنّة والشيعة
والوطنيين ودعاة الخلافة والجهاديين في سلة واحدة مع الطلبة في ميدان
التحرير، ووصفهم بأنهم جنود في كتائب المتطرفين, ولطالما كان الشعار
المفضل لدى وزارات الخارجية (في الغرب) هو «الشيطان الذي تعرفه...», قد
يكون هذا الشعار صحيحاً، بالنظر إلى تصرفات نظام (الرئيس السوري) بشار
الأسد في سورية، إذ يستخدم جميع الأساليب لقمع التظاهرات، والحقيقة أن
أولئك الذين كانوا يصفون أنفسهم بأنهم واقعيون في ممارسة السياسة
الخارجية، أدركوا أنهم كانوا بليدي الذهن، في الوقت الذي يرون فيه
الشباب العربي المحصن بالمبادئ يثور ضد المستبدين في بلدانه, أشار وزير
الخارجية البريطانية ويليام هيغ، أخيراً، بوضوح إلى أسباب التذمر
العربي، وقال إن الكثيرين في الغرب رأوا في هجمات نيويورك تعبيراً
حقيقياً للغضب الإسلامي, إلا أن صوت العالم الإسلامي الحقيقي سمع في
ميدان التحرير بالقاهرة وليس في «أرض الصفر» أو «غراوند زيرو» في 2001.
بحسب فرانس برس.
في المقابل، ربما تكون مخاوف بعض المشككين واقعية، فقد يكون انفتاح
مجتمعات تعودت القمع لعقود طويلة أمراً كارثياً, وتنذر الوحشية التي
يستخدمها الأسد حالياً والمواجهة الدموية في ليبيا، بمواجهة أعنف،
مستقبلاً، بين الشعوب والحكام, مع ذلك، فإن الزخم في المنطقة العربية
واضح للعيان، وبحسب هيغ فإنه «لا توجد حكومة على الأرض يمكنها أن تقاوم
التغيير الديمقراطي للأبد، إذا كان الشعب يريد ذلك ويطالب به», لذا
فهناك ضرورة لتغيير جذري في طريقة التفكير الغربية، وكلما اعتبر
الاستقرار مرادفاً للنظام القديم (الاستبدادي)، فإن الغرب سيتنازل عن
سلطته المعنوية في المنطقة، ويعمل على إضعاف أمنه الاستراتيجي, يمثل
الاتفاق الأخير بين حركتي «فتح» و«حماس» الفلسطينيتين امتحاناً عاجلاً
للغرب، الذي لطالما رفض التعامل مع من سماهم «إرهابيين»، وبالتالي فإن
«حل الدولتين» في كل الحالات هو عبارة عن وهم.في المقابل، هناك بصيص
أمل في التوصل إلى سلام دائم، يتطلب مصالحة حقيقية بين الفلسطينيين في
الضفة الغربية وقطاع غزة، ويبدو أن «حماس» ليست منظمة «جهادية تماماً»
كما يتوهم البعض، وقد تنازل هؤلاء عن العنف مقابل العودة إلى طاولة
المفاوضات, ومهما يكن فإن التركيبة السياسية لمنظمة التحرير (الفلسطينية)
ليست مهمة جداً، إذا وجدت رغبة مشتركة في إقامة سلام مع إسرائيل، على
أساس الدولتين، بحدود آمنة بشكل دائم, على الجانب الآخر نجد رئيس
الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) قد تبنى موقفاً مغايراً، واضعاً
كل العقبات الممكنة أمام جهود واشنطن لدفع عجلة المفاوضات، كما ركز كل
جهوده لمحاربة الحركات المسلحة, وإذا تم التوافق الفلسطيني فإن ذلك
سيؤدي إلى انتخابات من المرجح أن تفرز سلطة فلسطينية منتخبة مستعدة
للتخلي عن العنف، وستطالب بالاعتراف الدولي، إلا أن نتنياهو يفضل عقد
الصفقات مع الأنظمة المستبدة.يجد أصدقاء تل أبيب، وعلى رأسهم أميركا،
أنفسهم أمام خيارين، إما الوقوع رهينة في يد نتنياهو أو العمل على وضع
إطار لحل عادل بين العرب والإسرائيليين. ولايزال الغرب متهماً، على مدى
الـ50 سنة الماضية، بازدواجية المعايير تجاه أطراف قضية النزاع في
الشرق الأوسط, ويمثل الربيع العربي، حالياً، فرصة لا تتكرر كثيراً
لتغيير هذا الانطباع, ويكمن الخطر في كون الحركات الديمقراطية ذهبت
بعيداً في توقعاتها الاقتصادية، لذلك يجب على الغرب أن يقدم الدعم
الكامل للحكومات الإصلاحية، في الشرق الأوسط، ولا ننسى أن أميركا
وحلفاءها قد صرفوا المليارات من أجل غزو العراق وشن الحرب على
أفغانستان, ولغاية الآن بعث الغرب إشارات إيجابية، من خلال اقتراح هيغ
إقامة منطقة اقتصادية حرة مع الاتحاد الأوروبي، وتلك هي البداية، ومهما
يكن فعندما تستثمر الولايات المتحدة حتى عُشر ما أنفقته على القنابل،
فإن التغيير سيكون إيجابياً وملموساً.
أمريكا تحتاج لخطة مارشال جديدة
بدورها دعت الكاتبة والباحثة بجامعة هارفارد الأمريكية جوسلين
سيزارى، إلى وضع خطة جديدة للتعامل مع الشرق الأوسط أشبه بخطة مارشال,
وقالت الكاتبة فى مقالها بصحيفة "الجارديان" إن القضاء على أسامة بن
لادن زعيم تنظيم القاعدة يمثل نقطة يحول فى السياسة الخارجية الأمريكية،
حيث يأتى فى وقت تحدث فيه تغييرات غير مسبوقة فى الشرق الأوسط, وتقدم
هذه الخطوة فرص لبدء مرحلة جديدة والنظر فى خطة أشبه بخطة مارشال
للمنطقة, وتوضح الكاتبة أن خطة مارشال كان وسيلة حاسمة استخدمتها
الولايات المتحدة وحلفائها لإعادة بناء أوروبا فى أعقاب الحرب العالمية
الثانية, بالطبع، تغيرت الظروف السياسية والاقتصادية الآن عما كانت
عليه عام 1945، كما أن الولايات المتحدة ليست فى حرب مع الدول
الإسلامية، والدمار الذى أحدثته الحرب على الإرهاب لا يقارن بدمار ما
بعد الحرب العالمية, كما أنه من غير المحتمل أن يتولى اقتصاد الولايات
المتحدة الهش مسئولية مالية أشبه بمليارات الدولارات التى وفرتها خطة
مارشال بين عامى 1948 و1951, وفى ظل هذه الظروف، يجب أن تفرق المساعدات
المالية للدولة الإسلامية بين الدول الغنية والأخرى التى تعتبر فى حاجة
حقيقية, كما يجب أن يُطلب من حكام هذه الدول المحاسبة والشفافية فى
استخدامهما لهذه الأموال.
لكن الأمر الأكثر أهمية من المساعدات الاقتصادية، تقول سيزارى، هو
أن خطة مارشال كانت عبارة عن استراتيجية تواصل أكدت على أهمية ألمانيا
بين الدول الغربية وغيرت وضعها من عدو إلى حليف من خلال تغيير استطرادى
مع أوروبا, وهذه الاستراتيجية يجب أن يتم تكرارها ضمن سياق الربيع
العربى, وترى الكاتبة أن هذه الاستراتيجية ستواجه عقبات عدة مثل
استمرار النشاط الأصولى فى بعض الدول، ومن بعض الدول مثل السعودية
وإيران وإسرائيل التى لن توافق على إعادة ترتيب السياسة الغربية, لكن
يجب أن تستمر الحرب على الأصولية وإن كان فى إطار أكبر من الجهود
الدبلوماسية, وربما يجادل البعض بأن مثل هذا النهج يمثل تضحية بالمصالح
الغربية باسم المبادئ، لكن هناك من سيرد عليهم بأن الإلتزام بهذه
المبادئ سيخدم المصالح العربية, وكان أوباما فى خطابه الشهير بجامعة
القاهرة قد دعا إلى شراكة تقوم على المصلحة والاحترام المتبادل مؤكداُ
حقيقة أن أمريكا والإسلام لا يوجد عداء بينهما, وأكد أوباما على قيم
مشتركة كالعدالة والتقدم والتسامح والكرامة الإنسانية, وإعادة التأكيد
على هذه المبادئ سيكون الأساس فى تنفيذ مثل هذه الخطة المنشودة.
الحث على اجراء اصلاحات
على صعيد اخر اعلن دبلوماسي اميركي رفيع المستوى مكلف شؤون الشرق
الاوسط، في عمان ان واشنطن تحث دول المنطقة على "تلبية الدعوات التي
تطلقها شعوبها لتحقيق اصلاحات", وقال مساعد وزيرة الخارجية الاميركية
لشؤون الشرق الاوسط جيفري فيلتمان "نحث الحكومات ونقول لها, شعوبكم
تعبر عن رأيها، يجب تلبية مطالبها وتطلعاتها", واضاف "من مسؤولية
الحكومات والقادة مواجهة التحديات في بلادها", واكد ان الانتفاضات في
تونس ومصر والبحرين وسوريا والاردن حيث تجري مظاهرات "لها نقاط مشتركة",
واضاف "يتوجب على القادة ان يفهموا ان المناخ قد تغير" في المنطقة,
وقال موجها كلامه الى القادة "عليكم ان تبدأوا بالتحرك، قوموا
بالتغييرات الان, لا يمكن ان نتحدث عن عملية ستأخذ سنوات", واشار
فيلتمان الى ان بلاده "محبطة من الطريقة التي تعالج فيها سوريا
المظاهرات السلمية, هناك وسائل اخرى غير استعمال المدرعات ضد المدنيين",
واسفرت عملية قمع الاحتجاجات ضد نظام بشار الاسد عن وقوع 607 قتيلا منذ
بدء الانتفاضة قبل اكثر من شهر ونصف، حسب منظمة "انسان" التي تدافع عن
حقوق الانسان, واتهم فيلتمان ايران ب"تقديم دعم معنوي سلبي لسوريا"
وبانها "تستغل الفوضى في المنطقة", واعتبر المسؤول الاميركي انه يتوجب
على المملكة العربية السعودية ان "تبدأ عملية اصلاحات حقيقية تؤدي الى
زيادة حرية التعبير والتجمع والصحافة", واوضح فيلتمان الذي اجرى في
عمان محادثات مع العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني ومع وزير
الخارجية ناصر جودة، انه سينقل الى واشنطن "الجهود الصادقة والجدية
التي يبذلها الاردن في مجال الاصلاحات", واشار العاهل الاردني خلال
اللقاء حسب ما ذكرت وكالة الانباء الاردنية، الى "الاجراءات والخطوات
التي يتخذها الاردن حاليا لتسريع عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي
الشامل نحو تحقيق مزيد من الانجاز في مسيرة التطوير والتحديث في مختلف
المجالات"و واعتبر فيلتمان ان "الوضع القائم في المنطقة لا يمكن ان
يستمر" مشيرا الى ان "الوقت مداهم", وقال ايضا ان "العملية لا يمكن ان
تتطلب عدة سنوات, هناك قادة اعتبروا ان امامهم المزيد من الوقت", ومن
جهة اخرى، اكد العاهل الاردني على "اهمية الولايات المتحدة في لعب دور
فاعل ومؤثر في دعم عملية السلام وإزالة العقبات التي تعترضها بهدف
التوصل إلى حل عادل ودائم للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي يؤدي إلى إقامة
الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 استنادا إلى حل الدولتين",
وتعتبر واشنطن الاردن بمثابة حليف رئيسي لها في المنطقة ولكن وكما حدث
في اماكن اخرى في العالم العربي، فقد واجه النظام الهاشمي حركة
احتجاجات تطالب باصلاحات سياسية واقتصادية وكذلك بمعركة ضد الفساد.
بحسب فرانس برس.
من جهة اخرى رصد تقرير صادر عن مركز دراسات الديموقراطية في صوفيا
تغييرات نوعية في استراتيجية الولايات المتحدة وسياستها حيال العالم
العربي بعد الثورتين التونسية والمصرية واعتبارهما على لسان الرئيس
اوباما «حدثاً مفصلياً ومهماً في تاريخ العالم» ومطالبته الشعب
الأمريكي «التعلم من المصريين».واشار التقرير الى ان السياسة التقليدية
الأمريكية إزاء المنطقة كانت تعتمد على عدة ركائز اهمها «ضمان تدفق
النفط» و«الحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها النوعي» و«حماية استقرار
الأنظمة الصديقة في العالم العربي» و«بقاء الهيمنة الأمريكية في
المنطقة», واعتبر التقرير ان التغيير الذي تمثلت ملامحه في كيفية
التعامل مع العالم العربي يتأسس على ركيزتين، الأولى, التشجيع على
اصلاح النظم السياسية ودعم التحولات نحو الديموقراطية فيه، من الداخل
وبالوسائل الهادئة، والثاني, البحث عن حل للصراع العربي- الإسرائيلي
كونه يمس الأمن القومي الأمريكي ويساهم في اضعاف المد الأصولي وتنامي
نزعات التطرف», واكد التقرير «ان الولايات المتحدة باتت تنتهج سياسة
جديدة إزاء العالم العربي بعد أن استنتجت العبر من دعمها للأنظمة
الفاسدة والفاشلة والاستبدادية، والتي باتت تعتبرها انظمة مستهلكة»
مستدركاً «ان هذا لم يكن ليحدث لولا ثورة المجتمعات العربية ضد
الاستبداد» ملاحظاً «ان هذه اللحظة التاريخية في حياة الشعوب العربية
تواكبت مع لحظة دولية تتمثل بتعثر الدور الأمريكي في الشرق الأوسط
وبشكل خاص في افغانستان والعراق ولبنان وفلسطين، وتراجع مكانة الولايات
المتحدة ودورها القيادي في العالم بظهور قوى جديدة مثل الصين والهند
والبرازيل وروسيا وتركيا الى جانب اوروبا», وتناول التقرير موقف
إسرائيل من انتفاضات الشارع العربي، مشيراً الى «ان إسرائيل التي تدعي
بأنها واحة للديموقراطية في المنطقة تخشى من التحولات الديموقراطية
فيها، لأنها تفقدها مكانتها بصفتها الديموقراطية الوحيدة في الشرق
الأوسط وتنزع عنها مبرر عدم وجود شريك جدي في عملية التسوية السلمية».
المفاوضات لا تزال مستمرة
من جانبه قال الكاتب البريطانى طارق على فى معرض مقاله بصحيفة
"الجارديان" البريطانية إن المفاوضات بين الولايات المتحدة وجماعة
الإخوان المسلمين فى مصر لا تزال مستمرة خلف الكواليس, ويتساءل الكاتب
فى هذا المقال عمن سيعيد تشكيل العالم العربى فى المرحلة القادمة،
شعوبه أم الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن المرحلة الأولى من الربيع
العربى قد انتهت وبدأت المرحلة الثانية التى تتمثل فى محاولة سحق أو
احتواء الحركات الشعبية الحقيقية, ويقول على إن المشهد السياسى المختلط
فى العالم العربى الذى يشمل الممالك والأنظمة الديكتاتورية القومية
ومحطات البنزين الاستعمارية المعروفة باسم دول الخليج، كان نتيجة تجربة
الاستعمار الأنجلو فرنسى, وقد تبع هذا بعد الحرب العالمية الثانية
عملية معقدة من الانتقال الاستعمارى إلى الولايات المتحدة، فكانت
النتيجة قومية عربية راديكالية معادية للاستعمار وتوسع صهيونى فى إطار
أكبر وهو الحرب الباردة, وعندما انتهت الحرب الباردة تولت واشنطن
مسئولية المنطقة، فى البداية من خلال مستبدين محليين ثم من خلال قواعد
عسكرية واحتلال مباشر, ولم تدخل الديمقراطية أبداً فى الإطار لتمكين
الإسرائيليين من أن تكون بلدهم هى واحتها فى ظل قلب الظلام العربى, ثم
يتساءل الكاتب إلى أى مدى تأثر كل ذلك بالانتفاضة العربية التى بدأت
قبل أربعة أشهر, وعن مصر يقول الكاتب إنها تحظى بالأهمية الاستراتيجية
الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة فى المنطقة ومعها السعودية، وهو ما
أكده نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن مؤخراً حين قال إنه كان أكثر
اهتماما بما يحدث فى مصر مقارنة بليبيا, ومصدر الاهتمام أو القلق هو
إسرائيل والخوف من وجود حكومة ديمقراطية لا يمكن السيطرة عليها تؤثر
على اتفاق السلام مع الدولة العبرية, ويشير إلى أن أغلب النظام القديم
فى مصر لا يزال قائماً، ورسائله الأساسية هى الحاجة إلى الاستقرار
والعودة إلى العمل ووضع نهاية لموجة الإضرابات، فى حين تستمر المفاوضات
المحمومة بين واشنطن والإخوان المسلمين خلف الكواليس, من ناحية أخرى
يرى الكاتب أن نموذج أمريكا الجنوبية التى شهدت حركات اجتماعية ضخمة
أفرزت تنظيمات سياسية جديدة حققت انتصاراً فى الانتخابات وأسست إصلاحات
اجتماعية لا يزال بعيداً عن العالم العربى، وبالتالى فليس هناك تحد
خطير حتى الآن للوضع الاقتصادى الحالى, ويذهب إلى القول بأن الحركة
الجماهيرية لا تزال فى حالة تأهب فى كل من مصر وتونس، لكن فى ظل غياب
للأدوات السياسية التى تعكس الرغبة العامة.وختم مقاله قائلاً، إن على
الولايات المتحدة أن تتعامل مع بيئة سياسية تتغير فى العالم العربى،
ومن السابق لأوانه التنبؤ بالنتيجة النهائية فيما عدا القول بأن الأمر
لم ينته بعد. |