مصر والخريف العربي... أزمة الاقتصاد القائمة

 

شبكة النبأ: اضطلع رئيس البورصة المصرية بمهمة عاجلة في الشهر الماضي عندما سافر إلى الخليج العربي لمناشدة الأثرياء العرب للاستثمار في البورصة المصرية. وادعى رئيس البورصة محمد عبد السلام أن أسعار الأسهم المنخفضة والمخاطر السياسية المحدودة قد جعلت السوق المصرية "أكثر جاذبية من أي وقت مضى."

وقد كان عبد السلام مُحقاً على الأقل في حديثه عن أسعار الأسهم المنخفضة. ففي أعقاب "ثورة البردي" كان الهبوط في المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية - "إي جي إيكس 30" [الذي يقيس أداء أكبر 30 شركة مقيدة] مشابهاً لانخفاض مؤشر "داو جونز" الأمريكي الذي تلى أحداث 11 أيلول/سبتمبر. وقد استرد مؤشر "داو جونز" عافيته في كانون الثاني/يناير 2002، لكن في الأشهر الأربعة منذ اندلاع الثورة في مصر تراجع مؤشر "إي جي إيكس 30" إلى مستوى مذهل وهو 22 بالمائة.

يقول ديفيد شينكر في تحليله المنشور في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى، "لا شك أن هناك الكثير من المساومات في مصر هذه الأيام. والسؤال هو ما إذا كان المستثمرون سيتمكنون من تحمل المخاطر. وقد اتخذت إدارة أوباما خطوات في الاتجاه الصحيح لمساعدة مصر اقتصادياً، ولكن لأسباب مختلفة، يجب عليها أن تفعل أكثر من ذلك".

ويتابع، "اليوم توجد في مصر بيئة من عدم اليقين الكامل. فالتنافس السياسي غير المسبوق يهدد بأن يكون لصالح إسلاميي مصر، وهو تطور له على الأرجح دلالات محلية وإقليمية قاتمة. وفي الوقت نفسه، تواجه مصر أزمة اقتصادية في مرحلة ما بعد الثورة يمكن أن تزعزع استقرار البلاد. إنه ليس من جديد بأن الثورات تؤذي الاقتصادات، لكن التأثير على مصر قد ثبت ضاراً بشكل خاص. وكانت الضحية الأولى هي السياحة التي هبطت 60 بالمائة في آذار/مارس المنصرم عما كانت عليه في العام السابق، مما نتج عنه هبوط في العوائد قدره 352 مليون دولار من مليار دولار في العام الذي سبقه، بالإضافة إلى فقدان الوظائف".

ويضيف شينكر، "إن الانكماش [الاقتصادي] ووصول حوالي 300,000 من العمال الفارين من ليبيا سوف يضيف إلى معدل البطالة البالغ 12 بالمائة تقريباً. وحتى قبل اندلاع الثورة كانت مصر في حاجة إلى زيادة في "الناتج المحلي الإجمالي" قدرها 6 بالمائة سنوياً من أجل خلق 650,000 وظيفة ضرورية لإبقاء معدل البطالة ثابتاً. ويتوقع وزير المالية بتفاؤل حدوث نمو بنسبة 1.5 بالمائة هذا العام. وقد ساهمت البطالة والبطالة المقنعة في السخط الذي أشعل ثورة 25 كانون الثاني/يناير، لكن سيكون من الصعب خلق وظائف بسبب انكماش الاقتصاد وهروب رأس المال الأجنبي. وفي الوقت نفسه، إن التحقيقات والتطهيرات المستمرة لرجال الأعمال والصناعة البارزين في مصر تروّع من يريد أن يكون مستثمراً في مصر. كما أن ما يقرب من 300 رجل أعمال مصري مدرجون على قائمة المراقبة [التي تستخدمها] الحكومة المصرية، وينتظرون التحقيق معهم وربما يتعرضون للمحاسبة القانونية. إن الكثيرين منهم هم خارج البلاد. وخلال زيارة قمت بها مؤخراً إلى مصر، قال لي متخصص غربي في الشؤون المالية إنه لو كنت أريد لقاء رجال أعمال بارزين من القاهرة فيحسن بي "الذهاب إلى لندن."

ويرى شينكر إن الحقيقة الصارخة لمأزق مصر الاقتصادي ليست واقعاً سرياً. ففي الشهر الماضي عقد عضو "المجلس العسكري الأعلى" الحاكم في البلاد اللواء محمود نصر، مؤتمراً صحفياً في القاهرة قال فيه صراحة إن معدل الفقر يمكن أن يصل إلى 70 بالمائة، وأعرب عن قلقه من "ثورة الجياع". والأسوأ من ذلك، في الوقت الذي يكون فيه الاستثمار الأجنبي الراهن بمستوى الـ "صفر" والاحتياطيات الأجنبية قد هبطت من 36 مليار دولار عشية الثورة إلى 28 مليار دولار [حالياً]، حذر نصر بأنه ما لم يحدث تطور مفاجئ فإن احتياطيات الدولة سوف تنفذ في غضون ستة أشهر.

ويقول، "على الرغم من أن إفلاس مصر ليس وشيكاً إلا أن تدهور الاقتصاد المستمر يمكن أن يدفع بمسار الثورة نحو اتجاهات إشكالية. وكحد أدنى، من المحتمل أن يشجع السياسيين على التحول إلى سياسات اقتصادية أكثر شعبوية مثل التراجع عن الإصلاحات الاقتصادية. كما أن الفقر المتزايد يمكن أن يزيد من جاذبية أولئك الذين يدعون أن "الإسلام هو الحل."

ويشير، "إدراكاً منه للمخاطر التي يفرضها تدهور الاقتصاد، أعلن الرئيس أوباما خلال خطابه عن الشرق الأوسط في 19 أيار/مايو، أن واشنطن سوف تُعفي مصر عن مليار دولار من ديونها، وتقدم لها ملياراً آخر بشكل ضمانات قروض. وفي حين يمكن للمرء أن ينتقد هيكل هذه الحزمة - الاستجابة للأزمة بعيداً عن الميزانية ربما كانت ستحصل على المزيد من الدعم السياسي في الكونغرس - فمع ذلك، تستحق الإدارة الأمريكية الثناء لتقديرها للطبيعة الملحة للموقف. ومع هذا، فنظراً لخطورة الأزمة فلن تكون ملياري دولار كافية [لمواجهة الأزمة الاقتصادية].

ويتابع، "منذ خطاب أوباما، أعلن "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" عن مبادرات لمصر. كما أن "مجموعة الثماني" -الدول الصناعية الكبرى- خلال إجتماع القمة الذي عقدته الأسبوع الماضي وضعت برنامجاً طموحاً للمساعدات. كما عرضت السعودية أيضاً أربعة مليارات دولار. ومع ما قيل عن وجود 550 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية [السعودية]، فمع ذلك، يمكن للرياض أن تقدم المزيد لمساعدة القاهرة على الصمود في وجه العاصفة. وفي الوقت نفسه، يجب على إدارة أوباما أن تقدم إلى مصر الديمقراطية خارطة طريق نحو التوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة. ومن شأن هذه الاتفاقية أن توفر ليس فقط نفعاً اقتصادياً لمصر بل تساعد على ضمان استمرار التوجه الغربي للدولة".

وينوه شينكر، "على الرغم من عدم اليقين السياسي والاقتصادي، ما تزال مصر اليوم أحد أعمدة الهيكل الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ورغم انكماشها بسبب الثورة وسعيها حالياً إلى اتباع سياسات إشكالية وشعبوية تجاه غزة وإيران، إلا أن مصر ما تزال شريكاً في السلام مع إسرائيل وحصناً سنياً منيعاً ضد النظام المسلم الشيعي المفترس في طهران. إن المخاطر الاقتصادية والسياسية تبدو كبيرة، لكن بالنسبة لواشنطن إن 83 مليون نسمة تجعل مصر كبيرة جداً -ومهمة جداً- من أن تسقط".

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/حزيران/2011 - 7/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م