مصداقية الفرد ركيزة لاصلاح المجتمع

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: الشعوب المنهكة بفعل الجهل والتخلف، تسعى لاصلاح أوضاعها بالقول والعمل، فلا القول لوحده بقادر على إنقاذها، لأنه إذا أفرغ من جوهره العملي التطبيقي، وظل حبرا على ورق، فلا ينفع في مجال تطوير المجتمع، كذلك الحال مع العمل الذي لا يستند الى الاقوال العلمية، فهو ليس بقادر على تطوير المجتمع ايضا، لأن العمل من دون فكر راقٍ وتخطيط سليم، يصبح نوعا من الفوضى والعشوائية التي تضر أكثر مما تنفع، حتى لو جاءت في إطار الاعمال.

لهذا يؤكد - سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (حلية الصالحين)- على أهمية وأولوية أن يأتي القول في سياق الحق ودعمه وتثبيته، لأن قول الحق يقود الى نتائج عملية ناجحة وشاخصة، فيؤكد سماحته في هذا الصدد بكتابه المذكور على: (إنّ قول الحقّ يعدّ من أهمّ أسس الصلاح والتقوى للفرد المسلم، يؤيّد ذلك ما صدر عن أهل البيت سلام الله عليهم من القول بالحقّ دائماً).

وقول الحق يمكن أن يظهر في شؤون الحياة والناس كافة، ولكن غالبا ما تتبعه درجة من المخاطرة، فهناك أقوال قد تودي بحياة قائلها، وربما تتسبب بنفيه وتشريده، هو وعائلته أو عزله وحبسه أعواما أو عقودا، خاصة اذا صدرت مثل هذه الأقوال ضد أنظمة سياسية قمعية، تكمم أفواه الناس ولا تسمح لهم بحرية التعبير، أو الفكر، أو إنتقاد العمل الحكومي، وهكذا يصبح قول الحق مصدر خطر على قائله، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الخصوص بالكتاب نفسه: (إن أفضل الحقّ عندما يكون إظهاره والعمل بمقتضاه عزيزاً).

وربما يتجنب بعض الناس، مخاطر قول الحق، فيغض الطرف، ويتغافل عن الباطل وأهله، من اجل مصالح فردية او عائلية، بيد أن هذا السلوك لا يمكن أن يبني مجتمعا ناجحا، ولا يمكن لقضية الاصلاح أن تصبح هدفا للفرد والمجتمع، يقول سماحة المرجع الشيرازي في من يتجنب قول الحق بكتابه المذكور: (أمّا إذا اقتصرت حياة الفرد على الجلوس في الدار دون أن يتكلّم بما يطلبه الحق منه، وتبعه الآخرون من أفراد المجتمع في الإحجام عن القول والتصريح أدّى ذلك إلى عدم العمل أيضاً، فعند ذلك لن يتحقّق الهدف المتمثّل ببناء مجتمع الصلاح والتقوى في المجتمع الإسلامي أبداً).

من جانب آخر هناك من يُدخل المراءاة في هذا الجانب، بمعنى أن هناك من يقول بالحق ولا يفعل به، وهو بذلك أسوأ من الصامت عن قول الحق، لأنه لا يطبقه على نفسه وعائلته ومصالحه، فلابد أن يقترن قول الحق بالعمل الذي يليق به، ويؤازره ويدعمه، لهذا يذكر سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد قائلا: (لقد جرت العادة في القرآن الكريم والأحاديث والروايات الشريفة على حثّ الإنسان على العمل أكثر من القول، نظراً لأنّ العمل هو الركيزة الأساسية في الإنسان).

ولذلك يفقد القول فحواه وفوائده، اذا بقي كلاما مجردا من التطبيق الفعلي، ولا يعني هذا الرأي أن نتخلى كليا عن الاقوال، فالكلام هو الذي يحمل الافكار، وينقلها الى عقول الناس، ويساعد على تنويرهم وتطوير وعيهم، ومن ثم تقوية ايمانهم بالاصلاح والحق معا، لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي بكتابه نفسه قائلا: (إن المجتمع الصالح، بحاجة إلى القول كما هو بحاجة إلى العمل).

وفي كل الاحوال يبقى التمسك بقول الحق، أمرا مهما ورائعا، كونه يعبر عن الموقف الشجاع لقائله، ولكن هناك ظروف معينة ترتبط بأهمية قول الحق، تبعا لقيمة هذا القول والنتائج المتمخضة عنه، يقول سماحة المرجع الشيرازي، بهذا الخصوص في كتابه نفسه: (القول بالحقّ أمر حسنٌ جدّاً ونافعٌ، ولكن ما يجعله حلية للصالحين وزينة للمتقين هو عندما يكون إظهاره والعمل به عزيزاً ونادراً، بسبب المخاوف والمخاطر، كالتعذيب والحرمان والاعتقال وسائر الصنوف الأخرى التي يستخدمها الظالم لإرهاب من يجترئ على قول الحقّ بوجهه).

وهذه هي أساليب الانظمة القمعية، والحكومات السلطوية، وحكامها الطغاة، فهم لا يعملون بالحق، ولا سيمحون بمناصرته، او القول به من لدن الناس، لهذا تكون أداة القمع حاضرة، وربما يتعرض أصحاب الحق، الى ما هو أكبر وأخطر من التكميم، والاقصاء وما شابه من اساليب الحكام الطغاة، نقرأ في هذا المجال ما يقوله سماحة المرجع الشيرازي في كتابه (حلية الصالحين): (إنّ كلمة الحقّ كثيراً ما تؤدّي بقائلها إلى المشكلات وحتى القتل).

ولكن ليس هناك طريق آخر أمام المجتمع الذي يهدف الى الاصلاح، والتخلص من الجهل والقمع والمراءاة، فالسير في طريق الحق، والعمل به، هو الاسلوب الامثل، لبناء الفرد والمجتمع الناجح والمزدهر، من هنا تأتي أهمية التمسك بالحق، كونه يشكل أساسا وركيزة كبرى، للشروع بإصلاح المجتمع وتطويره.

لذا يرى سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه: (إن التمسّك بقول الحقّ هو من أساس التقوى والصلاح، خصوصاً حينما يقلّ ناصروه ويكثر مناوئوه ويعزّ قائله ويكثر الصامت عنه).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/حزيران/2011 - 7/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م