100 ثانية و.. ثالثة

نـزار حيدر

قد يكون من الانصاف ان يأخذ المواطن العراقي بنظر الاعتبار محدودية الفترة الزمنية التي قضاها جل الوزراء الحاليين في وزاراتهم، عندما يريد ان يقيم اداءهم، ولكن، هل من الانصاف ان نساوي بينهم وبين من قضى لحد الان قرابة ست سنوات في موقعه؟ واخص بالذكر السيد رئيس الوزراء؟ هل من الانصاف ان نقيم اداءه بذات المعيار الذي نقيم فيه اداء وزرائه؟ فنأخذ بنظر الاعتبار محدودية فترة المئة يوم الماضية فقط؟ لا يعقل ذلك وليس من الانصاف في شيء، اليس كذلك؟.

 لقد احتج المالكي على زملائه في العملية السياسية عندما اصر على التجديد له لولاية ثانية، بقوله انه يريد ان يحافظ على ما انجزه في الدورة الاولى، ليواصل مشواره الى الامام، مكملا المنجز ومحققا الاهداف والبرامج، فهو لا يريد ان يخلفه من سيبدأ من الصفر، فالظرف لا يتحمل ذلك، ما يعني انه تبنى السنوات الاربع الاولى من وزارته، فاذا بنينا تقييمنا بإلزامه بما الزم به نفسه، على حد قول المناطقة، فكيف يطلب منا اليوم ان نقيم اداءه على اساس محدودية مهلة المئة يوم المنصرمة فقط؟ او اننى سوف لن ننصفه اذا تجاهلنا ذلك؟.

 لقد استغربت جدا من كلامه في جلسة مجلس الوزراء يوم امس، وهو يدعو المواطنين الى انصاف الحكومة بتقييمهم لادائها في المهلة المعلنة، اذ كيف يطلب من الشارع العراقي ان يقيم اداءه شخصيا على اساس المئة يوم الاخيرة فقط، فاين يمكن ان يضع، اذن، الاعوام الستة الماضية التي قضاها رئيسا للحكومة؟.

 اقول هذا مع الاخذ بنظر الاعتبار ان المشكلة الكبيرة التي يمر بها العراق حاليا، والتي تتعقد يوما بعد آخر، ليست في اداء شخص ما من بين المسؤولين، وانما يتحملها كل القادة والسياسيين، خاصة زعماء الكتل الذين قضوا لحد الان مدة اكثر من ثمانية اعوام في السلطة وهم يحاولون حل مشاكلهم وتطويعها لخدمة الصالح العام، ولكن من دون نتيجة، لان العلة تكمن في طريقة تعاملهم مع المشاكل وكذلك في طريقة تعاملهم مع العملية السياسية وفي ادارة الدولة، وهذا ما اشارت اليه المرجعية في بيانها الذي صدر عنها في اليوم التالي ليوم الغضب العراقي، عندما حذرت من مغبة (الاستمرار في النهج الحالي في ادارة الدولة).

 واقول بصراحة، فلو انهم استمروا على نفس الطريقة من دون السعي لتغييرها بشكل حقيقي فان العراق تنتظره كارثة لا يعلم الا الله تعالى مدى حجم دمارها للبلد، فالعلة في الطريقة والاسلوب والادوات، وان استمرارها سينتج خرابا لا محالة، فاما ان تتغير الطريقة او ان يقلب العراقيون راس المجن على كل هؤلاء الزعماء ويستبدلونهم بآخرين، مصممون على تغيير الطريقة والاسلوب والادوات، وقبل كل ذلك، تغيير العقلية في ادارة البلد.

 فلقد روى لنا التاريخ ان احد (خلفاء المسلمين) الفاسدين والظالمين من بني العباس لزمه الارق فلم ينم الليل، فنادى على احد سماره ليسمعه قصة تطرد عنه الارق فيخلد الى النوم، فقص عليه الحكاية التالية، قائلا:

 يا امير المؤمنين؛ كان بالموصل بومة، وبالبصرة بومة، فخطبت بومة الموصل بنت بومة البصرة لابنها، فقالت بومة البصرة، لا اجيب خطبة ابنك حتى تجعلي في صداق ابنتي مئة صنيعة خربة، فقالت بومة الموصل: لا اقدر عليها، لكن ان دام والينا سلمه الله علينا سنة واحدة، فعلت ذلك.

 وانا اجزم، لو دام والينا مئة يوم اخرى فسيسلمنا العراق يبابا.

 لقد انتظر العراقيون ان يلمسوا اقل جدية عند المسؤولين، سواء في مجلس النواب او في الحكومة، وبمعنى آخر عند زعماء الكتل الذين يستحوذون اليوم بقضهم وقضيضهم على كل مؤسسات الدولة، بل حتى على عقول وارادات اعضاء كتلهم السياسية والبرلمانية، الا ان الذي حصل هو عكس ذلك تماما، فلقد سعى الجميع الى ان يضحكوا على ذقن المواطن، ظنا منهم بانه ينسى بسرعة فلا يتذكر وعودهم التي قطعوها له في يوم الغضب (25 شباط) فمثلا:

 اولا: لم يشرع مجلس النواب في مدة المئة يوم المنصرمة اي قانون من القوانين التي الح عليها الشارع كإثبات لحسن نوايا القادة، مثل قانون رواتب الدرجات الخاصة، وعلى وجه التحديد الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب، او تعديل قانون الانتخابات او قانون الاحزاب او قانون حماية الصحفيين، او اي قانون آخر من هذا القبيل.

 ثانيا: بل على العكس من ذلك فلقد صادق المجلس على اسوأ قرار عندما صوت على ثلاثة نواب للرئيس، القرار الذي جاء وبشكل واضح وصريح بالضد من ارادة الشارع وبالضد من ارادة المرجعية الدينية، ما يعني انهم لم يتعلموا الدرس من يوم الغضب وانهم لازالوا في واد والشعب في واد آخر.

 ثالثا: اما الحكومة فقد فشلت في تحقيق اي انجاز يذكر، خاصة على صعيد الخدمات، فلا الكهرباء بقيت على حالها، اعيد الجملة، فلا الكهرباء بقيت على حالها، ولم اقل تتحسن، لانها تراجعت اليوم عما كانت عليه قبل المئة يوم المنصرمة، ولا البطاقة التموينية بقيت على حالها، فهي الاخرى تراجعت بشكل مذهل، كما ان المواطن لم يلمس اي تحسن لا في مياه الشرب ولا في البيئة ولا في التعليم ولا في الصحة ولا في الاعمار واعادة البناء، ولا في اي شئ آخر، كما انها فشلت في التخفيف من حدة الفساد المالي والاداري الذي يستشري يوما بعد يوم في مفاصل الدولة، كان آخر فضائحه ما جرى في البنك التجاري العراقي.

 كما ان الحكومة فشلت في تحقيق تحسن ملموس في الوضع الامني، فلقد تزايدت عمليات الاغتيال بالكواتم وعمليات القتل بالصواريخ والمفخخات والعبوات الناسفة واللاصقة بشكل زاد عما كان عليه الحال من قبل.

 كذلك، فانهم فشلوا في حل ابسط مشاكلهم، ففشلوا مثلا في الاتفاق على تسمية الوزراء الامنيين، وهو الامر الذي يمكن اعتباره اليوم البارومتر الذي نقيس عليه مدى اتفاقهم او تنازعهم، بل وحجم نزاعاتهم.

 لدرجة، ان سيادة العراق تحولت، في ظل هذه النزاعات، الى كرة في ملعبهم يتقاذفونها بين ارجلهم بطريقة مجة، ولعل الدليل الابرز بهذا الشأن هو موضوع الميناء الكويتي.

 الشيء الوحيد الذي حققه (الزعماء) هو تثبيتهم لعبارة (سوف) في كل المشاريع المقترحة، فلم نعد نسمع من البرلمان والحكومة وبقية مؤسسات الدولة، المركزية منها او المحلية، سوى كلمة (سوف) فمثلا؛

 سوف يزيد العراق من صادراته النفطية، وسوف تتحسن الكهرباء، وسوف نبني مدارس وسوف نبني جامعات وسوف نبعث زمالات الى الخارج وسوف يشرب المواطنون الماء الصالح للشرب وسوف يتحسن قطاعي الزراعة والصناعة وسوف نتفق على تسمية الوزراء الامنيين وسوف يناقش مجلس النواب القوانين المهمة التي تصب في خدمة المواطن وسوف نقضي على البطالة وسوف وسوف وسوف.

 ولذلك اعتقد بان على المواطن ان يمنح (السياسيين) درجة كاملة (100%) على عبارة (سوف) ودرجة (صفر%) على كل شئ آخر.

 اين الخلل اذن؟.

 برأيي فان الخلل يكمن بما يلي؛

 اولا: في طريقة تشكيل الحكومة، والتي تسمى بحكومة الشراكة الوطنية، فان هذا النوع من الحكومات تولد ميتة (فاشلة) لانها تلغي اي نوع من انواع المعارضة تحت قبة البرلمان، ما يلغي دور الرقابة والمحاسبة الذي يجب ان يضطلع به مجلس النواب ازاء عمل الحكومة وانجازاتها ومشاريعها.

 ان حكومة بلا معارضة لهي حكومة فاشلة بلا نقاش، ولقد جربنا حكومتين سابقتين تم تشكيلهما بهذه الطريقة وها نحن الان نجرب الحكومة الثالثة.

 ثانيا: المحاصصة التي تتستر على الفساد والفشل والارهاب، هذا الثالوث المشؤوم الذي يمكن اعتباره اس المشاكل حاليا، فبسببه، مثلا، يتحدث رئيس الحكومة بالرموز عندما يتحدث عن الارهاب، لانه يخشى ان يذكر اسما فيزعل عليه (زعيم القبيلة) الذي تحاصص معه المواقع، وبسببه كذلك يتحدث رئيس مجلس النواب بالرموز فلا يفصح او يضع النقاط على الحروف عندما يتحدث عن فشل ما في الاداء الحكومي، لانه يخاف ان يزعل عليه (الشيخ القبلي) الاخر الذي تحاصص معه المواقع السيادية، وهكذا.

 لقد توقع العراقيون ان يبادر رئيس الوزراء الى اقالة عدد من الوزراء مثلا او المدراء العامين او بعض المسؤولين في هذه الدائرة او تلك، بعد انتهاء مدة المئة يوم، كأبسط التزام بوعوده التي قطعها للشعب في محاربة الفساد وابعاد الفاشلين وكذلك المتورطون بالارهاب، اذا به يفاجئ الجميع بعدم فعل اي شيء من هذا القبيل، انما اكتفى بتمديد المهلة بمئة يوم اخرى، ليس لانه لا يريد، بل على العكس فقد لمح في اكثر من حديث خلال مدة المهلة الى وجود مثل هذه الحالات بكل تأكيد، ولكن لانه لا يقدر، وتلك هي المصيبة، فرئيس الوزراء الذي لا يقدر على اقالة وزير كيف له ان يحاسبه او يحمله الفشل، مثلا؟ لان المحاسبة التي لا تنتهي في اغلب الاحيان بالإقالة هي ليست محاسبة ابدا وانما عتاب؟ فهل يتحمل الوضع الحالي عتابا ام بحاجة الى محاسبة صارمة؟.

 كلهم يتحدثون بالرموز والطلاسم، وان على المواطن ان يتعلم فن فك الطلاسم وقراءة الفنجان وتحضير الارواح والجن ليعرف ماذا يقول هذا المسؤول او ذاك، عندما يتحدث احدهم عن الفساد والارهاب والفشل.

 وعندما يتم التستر على الفساد والفشل والارهاب، فهل يمكن لنا ان نتوقع نجاحا او تحسنا في الاداء؟ بالتأكيد كلا والف كلا، لان هذا الثالوث لا يمكن ان نضع له حدا اذا غابت الرقابة الصارمة والمحاسبة الدقيقة.

 لقد قال جمعهم بانهم سيعتبرون بيان المرجعية، الذي عبر عن نبض الشارع بشكل دقيق وحقيقي بعيدا عن المجاملات والتهويل والتقليل من شان اي شئ، خارطة طريق للفترة القادمة وانهم سيضعونه نصب اعينهم، سواء تحت قبة البرلمان او على طاولة مجلس الوزراء، اذا بهم يعملون عكس الاتجاه، فمثلا:

 دعت المرجعية في بيانها مجلس النواب والحكومة الى اتخاذ خطوات جادة وملموسة في سبيل تحسين؛

 الف: الخدمات العامة ولا سيما الطاقة الكهربائية ومفردات البطاقة التموينية وتوفير فرص العمل للعاطلين ومكافحة الفساد المستشري في مختلف دوائر الدولة.

 ثانيا؛ وقبل هذا وذاك، على حد قول بيان المرجعية، اتخاذ قرارات حاسمة بالغاء الامتيازات غير المقبولة التي منحت للاعضاء الحاليين والسابقين في مجلس النواب ومجالس المحافظات ولكبار المسؤولين في الحكومة من الوزراء وذوي الدرجات الخاصة وغيرهم.

 جيم؛ الامتناع عن استحداث مناصب حكومية غير ضرورية تكلف سنويا مبالغ طائلة من اموال هذا الشعب المحروم والغاء ما يوجد منها حاليا.

 فأية واحدة من هذه الفقرات انجزها المسؤولون؟ او حتى جعلوها من اولوياتهم؟ بل انهم زادوا الطين بلة، اذا بكل ما ورد في البيان تقهقر الى الوراء خطوات كثيرة.

 هذا يعني انهم كذبوا حتى على المرجعية، فضلا عن الشعب، عندما تعاملوا مع بيانها كحبر على ورق، واعطوا نداءها اذن صماء، ولذلك فان على المرجعية ان تعيد النظر في موقفها الداعم والمؤيد لهم، وان تنتقل من مرحلة الاكتفاء بالسكوت والتعامل السلبي معهم من خلال رفض اللقاء بهم، كما حصل لعدد منهم لحد الان، الى مرحلة الفعل، بل ان عليها، على ما اعتقد، ان تبادر الى الدعوة للتظاهر وقيادة الشارع بنفسها، بعد ان ثبت لها بان الكلام لا يجدي نفعا معهم، فما (حيلة المضطر الا ركوبها) كما يقول المثل، فعندما لا ينفع الكلام ياتي دور الفعل، ولا فعل اليوم امضى من التظاهر في الشارع للتعبير عن الغضب على نقض العهود وعم الوفاء بالوعود، فقد ينفع الفعل هذه المرة فيجبرهم على تحسين الاداء والاعتذار للشعب والمرجعية على ما قصروا بحقهم.

 لقد حان الوقت لان تضع المرجعية نصب عينيها قول امير المؤمنين عليه السلام {وما اخذ الله على العلماء الا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم}.

 لقد احترم الشارع العراقي في المرة الماضية رأي المرجعية وحرصها الشديد على ان لا يستغل ضعاف النفوس التظاهرات التي كان من المزمع ان يشترك فيها ملايين العراقيين، فاكتفت فئة بالمشاركة وامتنعت اخرى عنها، لتعطي المسؤولين الفرصة الكافية للتصحيح والاصلاح والتعديل والتبديل قبل ان تقرر النزول الى الشارع مرة اخرى، وبقوة هذه المرة، ولذلك اعتقد ان على المرجعية وعلى القيادات التي خففت من غلواء اندفاع الشارع في المرة السابقة، كالصدر، الى ان تأخذ هذه المرة زمام المبادرة لقيادة الشارع قبل ان يندفع الشارع بشكل غير منضبط فيضر اكثر مما ينفع، وعندها فليس عليه من عتاب ابدا، فللصبر حدود، كما يقول المثل، اذ لا يعقل ان يستمر الحال على ما هو عليه اليوم مئة يوم آخر، والمرجعية لا تحرك ساكنا.

 لقد حذرت المرجعية في بيانها من مغبة الاستمرار على نفس النهج، وها هي الايام تثبت بالدليل القاطع بانهم مستمرون على نفس النهج فكيف ستترجم المرجعية تحذيرها لهم؟ وما هو الفعل الواقعي على الارض الذي ستبادر اليه في هذه الحالة بعد ان ثبت لها بانهم مستمرون في غيهم معصوبي العيون لا يرون شيئا ولا يستمعون الى احد؟.

 ماذا ستفعل المرجعية التي ضبطت الشارع في المرة الماضية من اجل المصلحة العامة؟ هل ستستمر في ضبط الشارع بنفس الطريقة؟ بلا فعل وبلا نتائج ملموسة؟ وماذا اذا رفض الشارع ذلك؟ كيف ستتحمل المرجعية المسؤولية وتأخذ الامور على عاتقها؟.

 ان عيون العراقيين متسمرة ازاء المرجعية، لتعرف ما اذا كانت ستبادر ام تكتفي بالموقف السلبي الذي لا يعتقد كثيرون بانه سينفع هذه المرة كذلك، بعد ان اثبت السياسيون انهم يتنازعون على المناصب وليس على تحقيق مصالح الناس وانجاز اهدافهم؟.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/حزيران/2011 - 7/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م