
شبكة النبأ: يعيش العالم العربي حالة
من الأزدواجية في مايدعي حكامه من نظام ديمقراطي وبين ما يحدث من حراك
حكومي ضد الحياة الديمقراطية، ويطالب الشارع العربي بأداء حكومي أفضل
وإنهاء الفساد وتحسين الخدمات، في حين مازال المثقفون والناشطون يدركون
أنهم لا يملكون سوى الاصوات.
ولايخفى ان سبب مايجري من أحداث تنافي الديمقراطية هو أن منظمات
المجتمع المدني لعبت دورا هامشيا في الاحتجاجات. كما سيشهد التاريخ على
أن اجهاض حركة التغيير الديمقراطي العربية سيكون واحدة من كبرى الجرائم
ضد الإنسانية ترتكبها قوى الثورة المضادة، فهو يتم بتخطيط واع ومتواصل،
وبأساليب تضليلية غير واضحة المعالم للمراقب العادي لأنه يتم من وراء
الكواليس وتحت غطاء دعم) الديمقراطية.
ومن خلال متابعة تطور الثورات، يتضح أن وتيرة التغيير أقل كثيرا مما
كان الثائرون الذين ملأوا الشوارع والساحات بأعداد غير مسبوقة في حركة
التغيير العربية منذ عقود يتوقعون. فإذا كانت الشعوب الثائرة قد حققت
انجازا كبيرا بخلع القادة، إلا أنها ما تزال تنتظر التحول نحو
الديمقراطية الحقيقية، ويواجهان ضغوطا سرية وعلنية متصاعدة من قبل قوى
الثورة المضادة تهدف لتحجيم مدى التغيير ومحاصرة الدور الشعبي في الحكم
والإدارة.
يتم ذلك بتوافق تقوم به قوى الثورة المضادة لاحتواء الأنظمة
الجديدة ضمن فلك النفوذ الغربي، ومحاصرة روح التغيير ضمن الحدود
القطرية لكي لا تتحول إلى أيقونات للتغيير في المحيط العربي. ينطبق هذا
الأمر على الوضع في تونس، ولا يختلف كثيرا في مصر. فبرغم تفاؤل
الكثيرين بأن الجيش لعب دورا ايجابيا في عملية انتقال السلطة فثمة
إدراك لتلكؤ قياداته في تنفيذ مشروع التحول الكفيل بإيصال الشعب إلى
نظام ديمقراطي يحقق أهداف الشعب والثورة.
يقول الكاتب التركي تيمور كوران إن هذا الضعف يعود إلى أمد بعيد،
فالعالم العربي لم يعرف جمعيات غير حكومية تكون وسيطا بين الفرد
والدولة. وهذا الضعف المزمن في المجتمع المدني يشير إلى أن ديمقراطيات
عربية قابلة للحياة، أو قادة يمكن أن يكونوا على رأسها، لن يظهروا في
أي وقت قريب. والنتيجة الفورية الأكثر احتمالا للاضطرابات الحالية، هي
مجيء مجموعة جديدة من الحكام المستبدين أو أنظمة الحزب الواحد.
فالديمقراطية تتطلب فصل السلطات ووجود رقابة وتوازن بينها، وإنه عبر
المجتمع المدني يحمي المواطنون حقوقهم، كما أنها ترغم واضعي السياسات
على تحجيم مصالحهم والحد من انتهاكات سلطة الدولة، كما يعزز المجتمع
المدني ثقافة النقاش ويعطي قادة المستقبل المهارات اللازمة لصياغة
الأفكار وتشكيل التحالفات والتحكم.
أن الشروط الممهدة للديمقراطية غير مكتملة، وسبب ذلك الحكام
الدكتاتوريين الذين أمضوا سنين في إضعاف وسائل الإعلام وقمع الفكر
وتقييد حرية التعبير وحظر الأحزاب السياسية والمشاركة في التحالفات
الإقليمية واستخدام المنظمات العرقية والدينية لإسكات الأصوات المعارضة.
أن العوائق في المجتمع المدني العربي تعود أيضا إلى أسباب تاريخية
تتجاوز سياسات الحكام الحديثة.
إن تطبيق القانون يفتقر إلى مفهوم المؤسسة، وهي تنظيم دائم وهيكل
يحكم ذاته ويمكن استخدامه إما لأغراض ربحية أو لتوفير الخدمات
الاجتماعية. وكان بديل المؤسسة غير الربحية هو الوقف، وهي مؤسسة مبنية
على الثقة لتقديم خدمات محددة ودائمة وفقا لأحكام معقدة.
فالمواطن في تفاعله مع المنظمات الخاصة أو العامة أكثر اعتمادا على
العلاقات الشخصية مع الموظفين أو الممثلين مما في الديمقراطيات
المتقدمة. وهذا النمط واضح في إحصاءات الفساد التي تقدمها منظمة
الشفافية الدولية التي تظهر أن العلاقات مع مؤسسات الحكومة يُنظر إليها
بدرجة كبيرة على أنها صفقات تجارية شخصية، كما أن الاختيار التاريخي
للعلاقات الشخصية يحد من أهمية المنظمات، مما يساعد على تفسير الدور
الهامشي والضعيف للمنظمات غير الحكومية في الانتفاضات.
أما قطاع الأعمال فانه ضعيف وأعاق الديمقراطية أيضا، فالشرق الأوسط
دخل العصر الصناعي بقطاع خاص صغير جدا غير مجهز لمنافسة الشركات
العملاقة التي سيطرت على الاقتصاد العالمي. وحتى ذلك الحين تألفت
الشركات العربية حصرا من مؤسسات صغيرة وقصيرة الأجل. لهذا عادة ما
تنتهي المشاريع الناجحة بوفاة أحد الشركاء، ولتجنب الخسائر يترتب على
رجال الأعمال العرب إبقاء المؤسسات صغيرة.
كما أن قطاع الأعمال العربي يملك نفوذا سياسيا أقل من نظيره في
أوروبا الغربية، حيث ساهمت الشركات الضخمة في تأسيس المجتمع المدني
كقوة سياسية ضد تعسف الحكومة، كما دعم القضايا الاجتماعية بشكل غير
مباشر. وعلى سبيل المثال مولت الشركات الأوروبية الكبرى في عصر التصنيع
الحملات السياسية بما في ذلك التعليم الشامل.
ويرى خبراء بعد هذه الصورة القاتمة هناك بعض التفاؤل عندما يتعلق
الأمر بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، فليس من الضروري أن يبدأ
العالم العربي من الصفر، فهناك مجموعة كاملة من المنظمات الخاصة موجودة
بالفعل، وإن كانت في طورها الجنيني. وإذا أنتجت الاضطرابات الحالية
أنظمة أكثر تسامحا مع السياسة الشعبية والتنوع في الرأي، فستنشأ
بالتأكيد جمعيات قادرة على الدفاع عن الحريات الفردية.
فأنه على مدى السنوات الـ150 الماضية، حقق العالم العربي تحولات
هيكلية اقتصادية استغرقت أوروبا لتحقيقها ألف عام. وقد كان هناك تقدم
اقتصادي ولو ضئيل لكنه ملحوظ. وإذا كان هناك تخلف سياسي فإن هذا يرجع
جزئيا إلى غياب المنظمات غير الحكومية القوية التي يستغرق تشكيلها
وقتا.
وفي غضون جيل أو جيلين ستؤدي التحولات الاقتصادية التي عرفها العالم
في القرن الماضي إلى الاستمرار في تغيير طريقة تفاعل المواطنين مع
المنظمات والضغط من أجل تحقيق الديمقراطية، وقد ينشأ ضغط يؤدي إلى
التغيير حتى في مناطق مختلفة من العالم العربي، حيث المجتمع المدني هو
الأضعف حاليا. |