لغة المسرح... تجسيد لإرهاصات مجتمع

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: يعبر المسرح عن هموم الناس ومعاناتهم في ظل الظروف التي يمر بها من خلال ترجمتها بلغة إبداعية لاتكاد تخلو من نقد ساخر او واقع مأساوي، وقد اثارت الثورات العربية الاخيرة قريحة العديد من المخرجين في استلهام الدروس والعبر من ربيع الثورات في نقد الاوضاع الصعبة التي يعاني منها المواطن العربي جراء تعرضه للظلم والاضطهاد من قبل الحكام وتسلطهم على ارواح وارزاق شعوبهم.

حديث الثورات العربية

اذ "تخيلوا العالم العربي بدون الحكام الديكتاتوريين"، هذا ما يدعو الى التأمل فيه أحد الممثلين العراقيين في أحد مشاهد مسرحية "العالم دوت كوم"، بعدما افتتحها مخرجها بمشهد يتحدث فيه الممثلون عما تعنيه الحرية، ليكون ذلك بمثابة ولادة للشخصيات تمثل "الولادة التي يعيشها العالم العربي عبر ثوراته" كما قال، المسرحية التي أخرجها مخلد راسم المخرج العراقي المقيم في بلجيكا، قدمت ضمن "مهرجان الفنون" الذي قدمت فعالياته عدة مراكز فنية وثقافية في بروكسل، ويدور حوار الممثلين الخمسة ومن بينهم ممثلان عراقيان، حول سؤال "ما هي الحرية؟" فيدلي كل منهم بفكرته عبر دمى لأطفال يحركونها بأيديهم، ليصلوا إلى أن الحرية هي دائما "اكثر بكثير" من التصور الذي طرحه كل منهم، ودليلهم على ذلك "كل هذه المعارك التي تدور من أجل الديمقراطية في العالم العربي"، كما قال أحدهم، ويقول مخرج المسرحية ان المشهد الاول يمثل "ولادة حقيقية للشخصيات الجديدة التي يمكن أن تعيش ببراءة في العالم المجهول بالنسبة إليها"، ثم يربط مشهده هذا بما يحدث الآن، معتبرا أن "هنالك خطر الآن في الوطن العربي بشكل عام"، وينطلق المخرج إلى مقاربته هذه، من اعتباره أن "ثورة العالم العربي اليوم هي ولادة جديدة لثورات أخرى ولمواضيع أخرى"، وأن هذه الولادة التي تحمل أيضا برأيه ولادة "سياسة جديدة" تبقى محفوفة بمخاطر كيفية تفاعل براءتها مع العالم الذي تتواجد فيه، ولما يقوله المخرج مقابل في عرضه، فوجوه دمى الاطفال الرضع لا تحمل ملامح البراءة المعتادة، هو استخدم دمى بوجوه متضغنة، ومشوهة تقريبا، وكأنه يقول أن العالم يشوه مباشرة كل ما يولد فيه، باعتبار كل ما يورثه ويزرعه في مواليده، سواء كانوا أطفالا أو ظواهر ومفاهيم مثل الثورات أو الحرية، وتمر العديد من الاحالات على حديث الثورات العربية على لسان الممثلين العراقيين، فأحدهم يدعو إلى تخيل العالم العربي بدون "حكامه الديكتاتوريين"، ويحكي كيف احتكروا الموسيقى الكلاسيكية لترافق مشاهد خطاباتهم ولقاءاتهم وجنازاتهم، كذلك يلتفت ممثل آخر ليتحدث كيف يجعل احساس القهر الناس، وهو منهم، يفكرون بحرق أنفسهم بالطريقة التي رأوها عبر شاشات التلفزة، وتبدو مشاهد المسرحية أحيانا مشبعة بالسياسة، وهي تدخلها من باب نقد "الميديا" وكيف يتحول العالم في النهاية إلى صورته "الافتراضية" التي تظهرها وسائل الاعلام، ويصير إثبات اختلاف العالم الواقعي عنها يحتاج حربا ضد نهج الاعلام، وهو ما يظهر في أحد المشاهد التي يصب فيها أحد الممثلين غضبه وهو يكسر جهاز التلفزيون. بحسب فرانس برس.

كثيرون لم يكونوا يعرفون المخرج العراقي الشاب (1980)، عندما خرجوا من عرضه الأول "اشباح عراقية"، لكن ذلك لم يمنعهم من التعبير عن إعجابهم بموهبته الاخراجية، وتقول آلن وهي شابة بلجيكية، أن إعجابها بما رأته في العرض السابق للمخرج دفعها إلى متابعة عمله، لكنها تبدي خيبة املها بعد مشاهدة العرض الجديد، وتقول "أحسست بالخجل نيابة عنهم، فهم يتحدثون عن امور شخصية جدا، وهي تعنيهم ولا تعنيني أو تعني الجمهور"، ويواصل المخرج اعتماده على الجانب الشخصي في بناء عرضه، فهو يقدم وقائع وشهادات عاشها ممثلوه، و ما قصدته المتابعة عندما عبرت عن خيبة أملها، هو التفاصيل الحميمة التي قدمها العرض بجرأة، سواء كانت مشاهد جنسية أو حتى تفاصيل مشاكل عائلية، فالعرض يتحول في بعض مشاهده ليقدم حياة ممثليه، بورتريهات لهم وأحلام طفولتهم وما أصبحت عليه وتفاعلهم مع العالم. فيحضر فيه المخرج وهو يحمل "كلاكيت" (لوح تقطيع مشاهد السينما) ويقطع حوارات واستطرادات ممثليه، ليأتي العرض كأنه عبارة عن مونتاجه الذي جمع عبره مقتطفات من حياة الممثلين الذي حملوا اسماءهم الحقيقية، الممثلة البلجيكية يسا ولديمرز عارضت هذا الانتقاد، وقالت خلال حوار طاقم المسرحية مع الجمهور إن "كل ما نفعله على الخشبة هو أمر شخصي، حتى لو كنا نقدم نصوصا كلاسيكية"، أضافت مدافعة عن خيار المسرحية "الشخصي هو الذي يمثل العالمي، وفي كل قصة شخصية يمكنك (الجمهور) أن تجد أمرا عشته أو يشبهك"، أما المخرج، وبعد إيضاحه أنه بنى عرضه على مقابلات شخصية مع ممثليه، فرد متسائلا "لا أفهم أساسا لماذا نحن خائفين من حياتنا ومما حدث فيه، لماذا لا ننظر بصفاء ونحكي بصراحة عن كل هذه الاشياء"، وحشد المخرج حلولا عديدة، منها شاشة العرض ونوافذ الاضاءة على الخشبة وغيرها، ليكثف اشارته إلى الجانب الشخصي للممثلين، لكن ذلك وضع العرض والخشبة أمام مشكلة الازدحام والإطالة، وشارك في المسرحية أيضا الممثلان العراقيان دريد عباس وأحمد خالد، المقيمان في هولندا وبلجيكا، إلى جانب البلجيكية لورا اويتندالا وسارة عيسى الالمانية لأب فلسطيني، وبدا لعنوان العرض "العالم دوت كوم" حضور مكثف فيه. فنجد الحوار الذي يجري بلغات عدة، وأيضا محاولة مقاربة المنتديات الاجتماعية الالكترونية، وكيف تلتقي عبرها شخصيات العرض لتنطلق منها إلى اللقاء والتفاعل الواقعي، ساخرة من بعض أفكارها المسبقة التي حملها التعارف الافتراضي، ويقول مخرج العرض أن منتديات مثل "فيسبوك" هي "شيء جميل للقاء العالم والثقافات"، لكنه يرى أن ثمة "مبالغة" في تقدير دورها، معتبرا أنه "كان من السخرية اعتبار الثورة العربية منتجا لـ(لفيسبوك) إنه وسيلة فقط".

نص كيس رصاص

من جهة اخرى يدمج الكاتب المسرحي الفلسطيني كامل الباشا في مسرحيته الاخيرة (نص كيس رصاص) التي يعيد فيها الحياة الى مسرح خيال الظل بعد غياب ما يقارب 50 عاما عن القدس الماضي بالحاضر بأسلوب يجمع الجد بالهزل والسخرية حول ما وصلت اليه احوال الناس، وقال الباشا بعد عرض افتتاح المسرحية على خشبة المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) في القدس "من المهم العودة الى الماضي والتراث ولكن الاهم أن تربطه بالحاضر وتسلط الضوء على العديد من القضايا التي تواجه المجتمع"، وأضاف "هذا ما عملناه في المسرحية (نص كيس رصاص)، أعدنا الحياة الى مسرح خيال الظل في جزء منه واستخدمنا فنون التمثيل والغناء أيضا"، تدور أحداث المسرحية حول اعادة افتتاح مقهي (حجي صالح) في القدس الذي لقي حتفه في معركة القسطل الشهيرة بين الفلسطينيين واليهود عام 1948 وشهدت مقتل القائد الفلسطيني المعروف عبد القادر الحسيني مستندة الى أن هذا المقهى كان أحد تلك الاماكن التي كانت تستخدم مسرح خيال الظل في سرد الحكايات، وتبدأ كاميليا (ريم تلحمي) التي تؤدي دور زوجه عبد القادر صاحب المقهى (والذي سماه والده بهذا الاسم تيمنا باسم القائد عبد القادر الحسيني) العرض منذ لحظة وصول الجمهور الى الساحة الخارجية للمسرح بالترحيب بهم "لتشريفهم لها بالاحتفال معها باعادة افتتاح مقهى والد زوجها حجي صالح بعد سنوات طويلة من اقفاله"، وصممت قاعة العرض لتشبه تماما المقهى، مجموعة من الموائد يجلس عليها قسم من الجمهور ونادل يقدم لهم القهوة ليعيش الجمهور الحكاية كما لو كانت في ذات المكان الذي يعود بهم الى حكاية صاحب المقهى الذي مات كمدا بعد هزيمة عام 1948 وخصوصا خسارة معركة القسطل، ويستمع الجمهور الى عزف حي على العود من الفنان عامر الاشهب الذي يؤدي دور صالح حفيد صاحب المقهي وأغان بصوت ريم كما يشاهد عددا كبيرا من الجمهور للمرة الاولى في المسرح دمى خيال الظل التي صممها مخرج العمل المسرحي عبد السلام عبده الذي يؤدي أيضا دور نادل المقهى، وتطرح المسرحية العديد من القضايا تبدأ بالتعريف بشخصيات مسرح الظل كركوز وعواظ مرورا بمشاكل المواطنين اليومية بسبب الاحتلال واثار الحرب والسلام على حياتهم وكذلك العلاقات الاجتماعية بين أفراد الاسرة الواحدة اضافة الى تسليط الضوء على دور المرأة الفلسطينية من خلال الشخصية الرئيسية فيها (كاميليا). بحسب رويترز.

وتروي المسرحية القصة الحقيقية لمعركة القسطل وما حدث فيها بعد الاشارة اليها في البداية على سبيل التهكم بأن الفلسطينيين انتصروا فيها من خلال استخدام دمى مسرح الظل التي تجسد القائد عبد القادر الحسيني ومجموعة من المقاتلين معه وأصوات اطلاق النار ثم الانتهاء بتشييع جثمان عبد القادر بعد مقتله في المعركة التي تشير المسرحية الى أن أحد الاسباب الرئيسية لخسارتها قلة الذخيرة، ويستحضر المؤلف الرسالة الشهيرة التي بعث بها عبد القادر الحسيني الى الامين العام لجامعة الدول العربية في الرابع من ابريل نيسان في عام 1948 من خلال تسجيل مقاطع منها بصوت عبد القادر فيصل الحسيني حفيد القائد ومما جاء فيها "اني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح"، تقدم المسرحية مقاطع من الحوار الذي جرى بين الحسيني ورفاقة قبل بدء المعركة باستخدام دمى مسرح خيال الظل ومنها انه طلب من الجامعة "نص كيس رصاص"، وقال عبد السلام عبده مخرج المسرحية بعد العرض في جلسة نقاش مع الجمهور انه ذهب مع فريق المسرحية الى المكان الذي شهد معركة القسطل غرب مدينة القدس وقاموا بأداء تجريبي للمسرحية هناك مما كان له دور كبير في الاداء، وأضاف "هذه المسرحية تأتي تحقيقا لحلم طالما حلمت بأن ينفذ على خشبة المسرح، والمعروف أن الدمى التي تستخدم في هذا النوع من المسرح مصنوعة من جلد الجاموس أو الجمل"، وبسبب الانقطاع الطويل لهذا المسرح هنا في فلسطين واستمراره في أماكن أخرى ومنها تركيا استعنا بخبير تركي دربنا على عمل هذه الدمى التي استخدمناها في العرض والتي بالمناسبة ليست جميعها من الجلد"، ويجري تحريك دمي مسرح خيال الظل الذي عرف في أربعينات القرن الماضي في فلسطين والتي يظهر خيالها خلف قطعة قماش بيضاء باستخدام عصي من الخشب لا تكون ظاهرة للجمهور.

واتسمت المسرحية في كثير من جوانبها بالجدية والتقمص الى حد التطابق مع الشخصيات وخصوصا عند رواية أحداث معركة القسطل باعتراف الجمهور الذي قال عدد كبير منهم بعد نهاية العرض انهم بقدر ما ضحكوا في كثير من المشاهد فانهم بكوا في مشاهد أخرى، وقالت الممثلة ريم بعد العرض "فكرة الذهاب الى مكان معركة القسطل أشعل في النار وجعلني أصرخ وأخرج كل ما في من غضب وأنت ترى بعض شواهد تلك المعركة العظيمة، شجرة البلوط والخنادق لقد جعلنا ذلك نعيش المعركة بكل تفاصليها"، وذكر الاشهب عازف العود الذي يخوض تجربة التمثيل للمرة الاولى أنه حقق استفادة شخصية من المشاركة بهذا العمل وقال "كنت أعزف في فرقة موسيقية في أعراس لليهود ولكنني أدركت أن الثقافة هي معركتنا الاخيرة معهم"، واستمع فريق العمل الى ثناء كبير من الجمهور الذي جلس معهم بعد العرض لمناقشته مبدين اعجابهم بطريقة الاخراج وجعل الجمهور جزءا من العمل منذ لحظة وصوله الى المسرح وكذلك مشاهدتهم لدمي مسرح خيال الظل للمرة الاولى على خشبة المسرح قال الاديب محمود شقير بعد العرض "الانطباع الاول لدي ايجابي حول هذا العمل الذي يستخدم فيه مسرح خيال الظل وفنون المسرح الاخرى، التمثيل والغناء وتقديم رواية سياسية اجتماعية ضمن أساليب جديدة وابراز الاوضاع في مدينة القدس المحتلة والمعاناة التي يعيشها السكان"، وأضاف "ولكن لدي تحفظ على استخدام معركة القسطل للحديث عنها بسخرية في البداية من قبل كركوز وعواظ مع انه يتم بعد ذلك رواية القصة الحقيقية لها لانه حسب رأيي، هناك قضايا في التراث يجب ألا تمس بطريقة ساخرة".

مسرحية تعري النفاق الاجتماعي 

يبحث عرض مسرحية "سيليكون" السورية، نص وإخراج عبد المنعم عمايري، عن فكرة لأمل عرفة، في الرياء والنفاق الاجتماعي، ويبدو أنه وجد في مادة السيليكون التي يجري بها حشو أجساد النساء لأغراض التجميل، رمزا هو الأكثر تعبيرا عن النفاق، ولا يقف الأمر عند السيليكون، بل يتعداه إلى سلوك الناس وقيمهم المزيفة، التي تظهر على نحو مناقض لما هي عليه في الواقع، يبدأ العرض من مشهد كوميدي لعزاء، حيث يعرض في مشهد كوميدي كيف أن "الميت تطول رجلاه" كما يقول المثل الشعبي، والذي يعني أن الناس في العزاء خصوصا تقول في الميت ما ليس فيه، وهنا سيقال في الميت الشيء نفسه، ولكن سرعان ما ينقلب المشهد رأسا على عقب، والذين قدموا مديحا في أخلاق الميت وسيرة حياته سيتسابقون تاليا على هجائه، وحتى الزوجة الشابة والجميلة للمتوفى الثمانيني ستندب زوجها بطريقة تنطوي على فرحة بالخلاص منه، بل وباشتهاء مفضوح للآخرين، وهذا المشهد كان نوعا من الفاتحة الرمزية لما يريد العرض قوله، ويبدو أنه اختار نموذجا صارخا للرياء، أما الفكرة التي يبني عليها العرض شخصياته وحكايته فهي أن زوجين يفكران باللعب مع الأصدقاء عبر تمثيلية صغيرة يعلنان فيها أنهما سينفصلان، لكن سرعان ما تفلت الأمور وتصبح المزحة حقيقة، لنرى كيف أن الزوجين السعيدين، أو اللذين كانا يتباهيان بعشر سنوات من السعادة والهناء والحب، كيف يكشفان عن عذاب وقرف متبادل ومستور، وكذلك فإن عيد زواجهما يتحول إلى هجاء متبادل، لكن الأصدقاء أيضا يرفعون أقنعتهم ويكشفون عن حسد وضيق، فهم الذين جاؤوا يحتفلون بعيد زواج صديقين، سرعان ما راحوا يحثون كليهما على الطلاق.لكن هذا ليس كل شيء، ففي المشهد الأخير سنرى الزوجين في عيد زواجهما الحادي عشر، وهما يعيدان الكلام المعسول ذاته، ويصوران حياتهما الزوجية على أنها الأمثل، رغم ما كشفاه أمام أصدقائهم، وأمام الجمهور من فضائح من بينها الخيانة الزوجية. بحسب فرانس برس.

ورغم الخطبة اللاذعة التي رددتها الزوجة أمام الجميع، والتي تذكر بمسرحية غارسيا ماركيز الوحيدة "خطبة لاذعة ضد رجل جالس"، لكن هذا ليس كل شيء، فالعرض، وهو مشروع تخرج لطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية، ويقدم على هامش "مهرجان دمشق المسرحي" كان عليه أن يتيح للممثلين مساحة للتعبير عن أنفسهم، ففي إطار الحكاية هناك الطبيبة النسائية التي تعطي نصائح طبية لزميلاتها وتكشف عن الأجزاء المنفوخة بالسيليكون لديهم، ونكتشف أنها هي نفسها تعتمد في حياتها على المشايخ والسحرة، إلى جانب شخصية نافذ حكومي يتزلف الجميع إليه في سبيل خدمة م، وهناك شخصية الشاعر المهمش الغاضب أبدا والذي يردد أشعارا مسروقة وينسبها لنفسه، وهناك رجل الأعمال العائد من الولايات المتحدة إلى البلاد، والذي سيشكل وجهة محبوبة للباحثات عن زوج، إلى جانب شخصيات وأنماط أخرى، المخرج عبد المنعم عمايري قال "إن مرجعيتي في هذا العرض تشيخوف في قصة (الخطيب)، وإبسن في مسرحية (الأشباح)، و(طرطوف) مسرحية موليير الشهيرة، باعتبارها تحدثت كلها عن النفاق الاجتماعي"، وأضاف عمايري "أنا عملت معادلا سوريا من خلال حكاية عيد الزواج العاشر وفكرة التمثيلية، وهذه الحكاية هي فكرة أمل عرفة التي كانت تنوي كتابتها كفيلم سينمائي"، وكان الفنان عبد المنعم عمايري قدم ككاتب ومخرج عروضا مسرحية عدة من أبرزها "صدى" (2001) و"فوضى" (2005) و"تكتيك" (2008)، و"جان جنين، سينوغرافيا الموت" (2009)، عن نص الكاتب الفرنسي الشهير جان جينيه "أربع ساعات في شاتيلا".

وحده المسرح لا ينبذهم

الى ذلك هم ليسوا فنانين محترفين، ولا تمتلئ القاعة حد الاختناق عندما يقدمون عرضا، لكن وجوههم تشرق فرحا عندما يعتلون الخشبة تحت الأضواء، المسرح هو موطن السعادة ومولدها بالنسبة لمصابي متلازمة داون في موسكو، حيث يساعدهم مخرج مسرحي ليس مثل غيره من المخرجين، ويقول اليكسي كريكين (49 عاما)، وهو أحد الممثلين في فرقة المخرج ايغور نيوبوكوييف "المسرح هو حياتي، من دونه، لا املك شيئا"، الى جانبه، تقف مسمرة ماريا نيفيدوفا (45 عاما)، تجول ببصرها على المسرح وفي عيونها نظرة حالمة، في ما هي تنتظر بدء العرض، في البدء، كان نيوبوكوييف يريد إخراج عمل واحد مع المعوقين ذهني، لكن تجربته معهم أقنعته بمواصلة المشوار، ويقول نيوبوكوييف في حديث انهم "أكثر صدقا في عواطفهم من الممثلين المحترفين، لا يدعون احدا من دون ان يتركوا لديه انطباعا"، وتعد فرقته المسرحية "البسطاء"، التي تأسست في 1999، نحو 20 ممثلا يعانون جميعهم من اعاقات ذهنية، ويعملون في قاعة مستأجرة في قبو مركز تجاري، غالبا ما تدور مسرحياتهم حول موضوع النبذ الاجتماعي، ويوضح نيوبوكوييف ان المسرح "هو المكان الوحيد حيث لا يشعر هؤلاء بأنهم منبوذون اجتماعيا، حيث بإمكانهم التعبير عن أنفسهم والخروج من الظل، حتى أنهم لا يحتاجون الى التمثيل، فخلال المسرحيات يتحدثون عن حياتهم الخاصة"، غالبية الممثلين يأتون من مركز خيري للعناية بالبالغين المصابين بمتلازمة داون في موسكو، وأسست هذا المركز الخاص، الممول بالكامل من سفارة النروج، في العام 1993، سفيتلانا ايغوروفا، وهي ام لابنة مصابة بمتلازمة داون تدعى ايلينا (42 عاما). بحسب فرانس برس.

وكانت ايلينا تقضي غالبية وقتها في المنزل أمام شاشة التلفزيون، قبل أن تؤسس والدتها هذا المركز مع غيرها من ذوي الأطفال المعوقين، وتقول ايغوروفا "في العموم، يصل ابناؤنا حتى الصفوف الثانوية، في المراكز المتخصصة، بما ان المدارس العادية نادرا ما تسمح بتسجيلهم، وإن فعلت فبالإكراه، ولكن بعد المدرسة يصبح وضعهم أسو، لا شيء معد لهم في روسيا من حيث التدريب المهني. ليس لديهم اي مكان يتوجهون اليه"، وهذا المركز، المؤلف من ثلاث غرف قديمة مستأجرة في ناد بلدي للأطفال، لا يمكن ان يستقبل سوى 30 مريضا بمتلازمة داون، من أصل المئات في موسكو، حسبما قالت ايغوروفا.ايلينا تتوجه الى هذا المركز يوميا حيث تأخذ دروسا في عزف الناي، والرقص والأشغال اليدوية، ف"أنا اعشق الأشغال اليدوية"، كما تقول مبتسمة، مواصلة عملها في لصق شجرة من الورق الأحمر، على مرضى متلازمة داون ان يغادروا المركز قبل وصول الطلاب "العاديين" الذين يتابعون صفوفهم بعد الظهر في هذا المبنى، ف"الأهالي لا يريدون ان يتواصل ابناؤهم مع من يسمهم المجتمع الروسي بأنهم بلهاء"، كما قالت ايغوروفا بحسرة.وتقول ليودميلا لوبودا، من مؤسسة "داون سايد اب" الخيرية الروسية للأطفال المصابين بالمرض انه بالإمكان التخفيف من حدة هذه "الاعاقة بشكل كبير بفضل تمارين مخصصة، لكن هنا (في روسيا) لا تزال الصور النمطية قوية جدا"، بحسب المؤسسة، يولد في روسيا سنويا حوالى 2500 شخص يعانون من متلازمة داون، و85 % من الأهالي يتخلون عن أطفالهم ويودعونهم في مدارس داخلية، عملا بنصائح الأطباء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/حزيران/2011 - 5/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م